إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها ، وأنورهم لم يصفه واصف إلا شبهه بالقمر ليلة البدر وكان يرى رضاه وغضبه في وجهه لصفاء بشرته وكانوا يقولون : هو كما وصفه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث يقول أمين :

مصطفى للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام

.


(وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها ، وأنورهم ) روى الشيخان من حديث البراء : "كان أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا " الحديث ، ولهما وللترمذي ، وابن ماجه من حديث أنس : "كان أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس " ، وقد تقدم .

وروى مسلم من حديث ابن الطفيل : "كان أبيض مليح الوجه " ، وروى الترمذي في الشمائل من حديث أبي هريرة : "كان أبيض كأنما صيغ من فضة " وقد تقدم .

وفي حديث هند بن أبي هالة عند الترمذي ، والبيهقي ، والطبراني ، أنور المتجرد ، وقوله : كأنما صيغ من فضة ، أي باعتبار ما يعلو بياضه من النور والإضاءة ، (لم يصفه واصف إلا شبهه بالقمر) ، وإنما اختير على الشمس ؛ لأنه يتمكن من النظر إليه ، ويؤنس من شاهده من غير أذى يتولد عنه بخلاف الشمس ؛ لأنها تغشى البصر وتؤذي وقال : (ليلة البدر) ؛ لأن القمر فيها في نهاية إضاءته ، وكماله ، ورواه البيهقي في الدلائل من حديث أبي إسحاق الهمداني ، عن امرأة من همدان سماها قالت : "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - مرات على بعير له يطوف بالكعبة ، بيده محجن عليه بردان أحمران " الحديث ، وفيه قال أبو إسحاق : فقلت لها : شبهيه ، فقالت : "كالقمر ليلة البدر ، لم أر قبله ، ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم " .

وروى البخاري من حديث كعب بن مالك : "لما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يبرق وجهه وكان إذا سر استنار وجهه ، كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه " ، وروى البيهقي من طريق أبي إسحاق عن جابر بن سمرة ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - في ليلة إضحيان وعليه حلة حمراء ، فجعلت أماثل بينه وبين القمر ، ورواه من حديث جابر بن سمرة ، بلفظ : فجعلت أنظر إليه ، وإلى القمر ، فلهو كان أحسن في عيني من القمر ، وروى البخاري من طريق زهير عن أبي إسحاق ، قال سأل رجل البراء : "أليس كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم - مثل السيف ؟ قال : لا ، كان مثل القمر " .

ورواه مسلم بلفظ : "لا بل مثل الشمس ، والقمر مستديرا " ، وفي الشمائل للترمذي من حديث هند بن أبي هالة : "فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر " ، وروى البيهقي من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، قال : قلت للربيع بنت معوذ : "صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم - قالت : لو رأيته لقلت الشمس طالعة " ، وفي رواية يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة .

ورواه من طريق أبي يونس مولى أبي هريرة ، عن أبي هريرة ، قال : ما رأيت شيئا أحسن من النبي صلى الله عليه وسلم - كأن الشمس تجري في وجهه ، الحديث ، ثم إن تشبيه بعض صفاته بنحو القمر والشمس إنما جرى على عادة العرب والشعراء ، أو على سبيل التقريب والتمثيل ، وإلا فلا شيء يعادل شيئا من أوصافه صلى الله عليه وسلم إذ هي أعلى وأجل من كل مخلوق .

(وكان يرى رضاه وغضبه في وجهه لصفاء بشرته) ، تقدم في أول الباب .

(وكانوا يقولون : هو كما وصفه صاحبه أبو بكر ) رضي الله عنه (حين يقول :


أمينا مصطفى للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام)

[ ص: 150 ] وفي بعض النسخ أمين بالرفع ، وزايله فارقه فالبدر أضوأ ما يكون إذ ذاك ، وفي بعض النسخ ، الطلام بكسر الطاء المهملة ، وليس له وجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية