إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأطعم النفر الكثير في منزل جابر وفي منزل أبي طلحة .


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أطعم النفر الكثير في منزل جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه - قال العراقي : متفق عليه من حديثه اهـ .

قلت : وهو أن جابرا في غزوة الخندق ، قال : انكفأت إلى امرأتي فقلت : هل عندك شيء ؛ فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم - مجوعا شديدا ، فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير ، ولنا بهيمة داجن ، أي : شاة سمينة فذبحتها أي أنا ، وطحنت ، أي : زوجتي الشعير ، حتى جعلنا اللحم في البرمة ، ثم جئته صلى الله عليه وسلم وأخبرته الخبر سرا ، وقلت له : تعال أنت ونفر معك فصاح بأهل الخندق ، أن جابرا صنع سورا بالضم وسكون الواو فارسية [ ص: 167 ] أي طعاما يدعو إليه الناس ، فحيهلا بكم ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا تنزلن برمتكم ، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء ، فجاء ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه ، وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ، ثم قال : ادع خابزة لتخبز معك ، واقدحي أي اغرفي من برمتكم ، ولا تنزلوها ، وهم ألف ، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط ويسمع غطيطها كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو " ، رواه الشيخان .

فأخرجه البخاري عن عمر بن علي ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا حنظلة بن أبي سفيان ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : "لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم - خمصا شديدا ، فأتيت زوجتي " ورواه مسلم ، عن حجاج بن الشاعر ، عن أبي عاصم ، ورواه البيهقي في الدلائل من طريق عباس بن محمد الدوري ، عن أبي عاصم .

(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه أطعم النفر الكثير في (منزل أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري البدري رضي الله عنه - المتوفى سنة أربع وثلاثين من الهجرة ، قال العراقي : متفق عليه من حديث أنس اهـ .

قلت : رواه مسلم من طريق حرملة ، والبيهقي ، وأبو نعيم كلاهما في الدلائل من طريق هارون بن معروف ، واللفظ له ، كلاهما عن ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة أن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ، حدثه أنه سمع أنس بن مالك ، قال : "جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوما فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة ، قال أسامة -وأنا أشك على حجر - فقلت لبعض أصحابه : لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من الجوع ، فذهبت إلى أبي طلحة ، وهو زوج أم سليم بنت ملحان ، فقلت : يا أبتاه ، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - قد عصب بطنه بعصابة ، فسألت بعض أصحابه ، فقال : من الجوع ، فدخل أبو طلحة على أمي ، فقال : هل من شيء ؟ فقالت : نعم عندي كسر من خبز ، وتمرات ، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشبعناه ، وإن جاء معه بأحد قل عنهم ، فقال لي أبو طلحة : اذهب يا أنس فقم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإذا قام فدعه ، حتى يتفرق أصحابه ، ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه ، فقل : أبي يدعوك ففعلت ذلك فلما قلت : إن أبي يدعوك قال لأصحابه : يا هؤلاء تعالوا ، ثم أخذ بيدي فشدها ، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنونا من بيتنا أرسل يدي ، فدخلت وأنا حزين ؛ لكثرة من جاء به ، فقلت " يا أبتاه ، قد قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي قلت لي ، فدعا أصحابه ، فقد جاءك بهم ، فخرج أبو طلحة إليهم ، فقال : يا رسول الله ، إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ، ولم يكن عندي ما يشبع من أرى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ادخل ، فإن الله عز وجل سيبارك فيما عندك ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال : اجمعوا ما عندكم ، ثم قربوه ، وجلس من معه بالسكة فقربنا ما كان عندنا من كسر وتمر ، فجعلناه على حصيرنا ، فدعا فيه بالبركة ، فقال يدخل عليه ثمانية ، فأدخلت ثمانية ، فجعل كفه فوق الطعام فقال : كلوا وسموا الله تعالى ، فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا ، ثم أمرني أن أدخل عليه ثمانية ، وقام الأولون ، ففعلت فدخلوا ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم أمرني فأدخلت عليه ثمانية ، فما زال كذلك حتى دخل عليه ثمانون رجلا ، كلهم يأكل حتى يشبع ، ثم دعاني ، ودعا أبي أبا طلحة ، فقال : كلوا فأكلنا حتى شبعنا ، ثم رفع يده ، فقال : يا أم سليم ، أين هذا من طعامك حين قدمتيه ؟ قالت : بأبي وأمي أنت لولا أني رأيتهم يأكلون لقلت : ما نقص من طعامنا شيء " .

وسيأتي قريبا عند قوله ، ومرة أكثر من ثمانين ما يشبه هذه القصة ، وفيه : "أنه أدخلهم عشرة عشرة " ودل ظاهر مغايرة المصنف بينهما على تعدد القصة ، وهو الذي استظهره الحافظ ابن حجر في فتح الباري .

التالي السابق


الخدمات العلمية