إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويوم الخندق ومرة أطعم ثمانين من أربعة أمداد شعير وعناق وهو من أولاد المعز فوق العتود .


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أن أطعم (يوم الخندق مرة ثمانين) رجلا هكذا في سائر النسخ ، والصواب ثمانمائة ، كما يدل له سياق القصة الآتي ذكرها . (من أربعة أمداد شعير) ، وهي صاع فإن المد بالضم رطل وثلث ، بالبغدادي ، عند أهل الحجاز ، فهو ربع صاع ؛ لأن الصاع خمسة أرطال وثلث ، كما تقدم ذلك في كتاب الزكاة ، (وعناق وهو) ، أي : العناق كسحاب الأنثى (من أولاد المعز) ، قبل استكمالها الحول ، وهي (فوق العتود) والعتود من أولاد المعز ما أتى عليه الحول .

قال العراقي : رواه الإسماعيلي في صحيحه ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل من حديث جابر ، وفيه : "أنهم كانوا مائة أو ثلاثمائة " ، وهو عند البخاري دون ذكر العدد ، وفي رواية لأبي نعيم ، "وهم ألف " اهـ

[ ص: 168 ] قلت : قال البيهقي في الدلائل : أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرنا أبو يعلى ، أخبرنا أبو خيثمة ، أخبرنا وكيع ، أخبرنا عبد الواحد بن أيمن .

ح قال الإسماعيلي : وأخبرني الحسن هو ابن سفيان ، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا المحاربي ، هو عبد الرحمن بن محمد ، عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه ، قال : قلت لجابر بن عبد الله : حدثني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - أرويه عنك ، فقال جابر : "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق نحفر فيه ، فلبثنا ثلاثة أيام لا نطعم شيئا ، ولا نقدر عليه ، فعرضت في الخندق كدية فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبطنه معصوب بحجر ، فأخذ المعول والمسحاة ، ثم سمى ثلاثا ، فعادت كثيبا أهيل ، فلما رأيت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، ائذن لي ، فأذن لي فجئت امرأتي فقلت : ثكلتك أمك ، إني قد رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم - شيئا لا أصبر عليه ، فما عندك ؟ قالت : عندي صاع من شعير ، وعناق ، فطحنا الشعير وذبحنا العناق ، وأصلحناها ، وجعلناها في البرمة ، وعجنت الشعير ، ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلبثت ساعة ، ثم استأذنته الثانية ، فأذن لي ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فساررته ، فقلت : إن عندنا طعيما لنا ، فإن رأيت أن تقوم معي أنت ورجل معك ، فعلت ، فقال : وما هو وكم هو ؟ قلت : صاع من شعير وعناق ، قال : ارجع إلى أهلك ، فقل لها : لا تنزع البرمة من الأثافي ، ولا تخرج الخبز من التنور حتى آتي ، ثم قال للناس : قوموا إلى بيت جابر ، قال : فاستحييت حياء لا يعلمه إلا الله ، فقلت لامرأتي : ثكلتك أمك ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أجمعون ، فقالت : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - سألك عن الطعام ؟ فقال : نعم ، قالت : الله ورسوله أعلم ، قد أخبرته بما كان عندك ، فذهب عني بعض ما كنت أجد ، قلت : لقد صدقت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - فدخل ثم قال لأصحابه : لا تضاغطوا ثم تبرك على التنور ، وعلى البرمة ، فجعلنا نأخذ من التنور الخبز ، ونأخذ اللحم من البرمة ، فنثرد ونغرف ، وننقل إليهم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليجلس على الصحفة ثلاثة ، وقيل : سبعة ، أو ثمانية ، فلما أكلوا كشفنا عن البرمة والتنور ، وجعلنا نأخذ من التنور الخبز واللحم من البرمة ، وإذا هما قد عادا إلى أملأ مما كانا فنثرد ونغرف ونقرب إليهم فلم نزل نفعل ذلك كلما فتحنا التنور وكشفنا عن البرمة وجدناهما أملأ ما كانا حتى شبع المسلمون منها ، وبقيت طائفة من الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الناس قد أصابتهم مخمصة فكلوا وأطعموا فلم نزل يومنا نأكل ونطعم " .

قال : وأخبرني أنهم كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة ، ورواه البخاري في الصحيح عن خلاد بن يحيى ، عن عبد الواحد بن أيمن إلا أنه لم يذكر العدد في آخره ، ويروى أنهم كانوا ثلاثمائة من غير شك ، قال البيهقي في الدلائل : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قالا أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا يونس بن بكير ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، قال : أخبرني جابر بن عبد الله ، قال : "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة رجل نحفر الخندق ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - أخذ حجرا فجعله بين بطنه وإزاره يقيم بطنه من الجوع ، فلما رأيت ذلك قلت : "يا رسول الله ، ائذن لي ، فإن لي حاجة في أهلي ، فأتيت المرأة ، فقلت : قد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أمرا غاظني ، فهل عندك من شيء ؟ قالت : هذه العناق فاطبخها ، وهذا صاع من شعير فاطحنه ، فطحنته ، وذبحت العناق ، وقلت : اطبخي حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأستتبعه فانطلقت إليه ، فقلت : يا رسول الله ، إني قد ذبحت عناقا وطحنت صاعا من شعير ، فانطلق معي فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في القوم ألا أجيبوا جابر بن عبد الله ، قال : فرجعت على المرأة ، فقلت : قد افتضحت جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن معه فقالت : بلغته وبينت له ؟ فقلت نعم ، فقالت : ارجع إليه وبين له ، فأتيته فقلت : يا رسول الله ، إنما هي عناق وصاع من شعير ، قال : فارجع ولا تحركن شيئا من التنور ، ولا من القدر ، حتى آتيها واستعر صحافا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فدعا الله عز وجل على القدر والتنور ، ثم قال : أخرجي واثردي ، ثم أقعدهم عشرة عشرة ، فأدخلهم فأكلوا وهم ثلاثمائة ، وأكلنا [ ص: 169 ] وأهدينا لجيراننا ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذهب ذلك " ، وأما ما رواه أبو نعيم في الدلائل ، وفيه : "أنهم كانوا ألفا " فقد تقدم من رواية حنظلة بن أبي سفيان ، عن جابر ، ورواه البخاري ، ومسلم والبيهقي ، ودل سياقهم على تعدد القصة ، ولذلك غاير بينهما المصنف فتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية