إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومرة أكثر من ثمانين رجلا من أقراص شعير حملها أنس في يده .


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه أطعم (مرة أكثر من ثمانين رجلا من أقراص شعير حملها أنس) بن مالك رضي الله عنه - (في يده) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث أنس ، وفيه : "حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ، وأهل البيت وتركوا سؤرا " ، وفي رواية لأبي نعيم في الدلائل : "حتى أكل منه بضع وثمانون رجلا " ، وهو متفق عليه بلفظ : "والقوم سبعون أو ثمانون رجلا " ، اهـ .

قلت : لفظ الشيخين من حديث أنس ، قال : قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم - ضعيفا أعرف فيه الجوع ، فهل عندك من شيء ؟ فقالت : نعم ، فأخرجت أقراصا من شعير ، ثم أخرجت خمارا ، فلفت الخبز ببعضه ، ثم دسته تحت يدي ولاثتني ، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذهبت به ، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، أي : الموضع الذي أعده للصلاة فيه في محاصرة الأحزاب ، يوم الخندق ، ومعه الناس فسلمت عليه ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم - أرسلك أبو طلحة ؟ قلت : نعم ، قال : لطعام ؟ قلت : نعم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لمن معه قوموا ، فانطلق وانطلقت بين أيديهم ، حتى جئت أبا طلحة ، فأخبرته ، فقال أبو طلحة : يا أم سليم ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالناس وليس عندنا ما نطعمهم ، فقالت : الله ورسوله أعلم ، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحة معه ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : هلمي يا أم سليم ، ما عندك ؟ فأتت بذلك الخبز ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم - ففت وعصرت أم سليم عكة ، فآدمته ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيه ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : ائذن لعشرة ، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ، ثم خرجوا ، ثم قال : ائذن لعشرة ، ثم لعشرة ، فأكل كل القوم كلهم ، وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا " .

وفي رواية لمسلم ، أنه قال : "ائذن لعشرة فدخلوا فقال : كلوا وسموا الله ، فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ، ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم - فجعلت أنظر هل نقص منها شيء " ، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أنس ، أنه لما انتهى إلى الباب ، قال لهم : "اقعدوا ثم دخل " ، وفي رواية عمرو بن عبد الله ، عن أنس فقال أبو طلحة : "إنما هو قرص ، فقال : إن الله سيبارك فيه " ، وفي رواية مبارك بن فضالة عن أنس ، فقال : "هل من سمن " ؟ فقال أبو طلحة : "قد كان في العكة شيء ، فجاء بها ، فجعلا يعصرانها حتى خرج ، ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم - القرص فانتفخ ، وقال : بسم الله ، فلم يزل يصنع ذلك ، والقرص ينتفخ ، حتى رأيت القرص في الجفنة يتسع " .

وفي رواية النضر بن أنس عن أبيه : " فجئت بها ففتح رباطها ، ثم قال : بسم الله ، اللهم أعظم فيها البركة " ، والحكمة في إدخالهم عشرة عشرة ، أن تلك القصعة لم تكن تسع أن يجلس عليها أكثر من ذلك .

وفي قول المصنف : أكثر من ثمانين إشارة إلى رواية مسلم المتقدمة ، وهو أنهم لما فرغوا من الأكل ، وكانوا ثمانين أكل صلى الله عليه وسلم وأهل البيت ، والمراد بهم أم سليم ، وأبو طلحة وأنس ، فهؤلاء أربعة ، ولا بد في البيت من صبيان وبنات ونسوة ، لم تذكر أسماؤهم ، فصح قول المصنف أنه أكثر من ثمانين فتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية