إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومرة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشر في يدها فأكلوا كلهم حتى شبعوا من ذلك ، وفضل لهم .


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم - أنه أطعم (مرة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشر) كذا في النسخ بكسر الموحدة ، وسكون الشين المعجمة وفي بعضها بضم الموحدة ، وسكون المهملة ، وكلاهما غلط ، والصواب بنت بشير كأمير ، (في يديها فأكلوا كلهم حتى شبعوا من ذلك ، وفضل لهم) .

قال العراقي : رواه البيهقي في دلائل النبوة ، من طريق ابن إسحاق ، حدثنا سعيد بن يسار ، عن ابنة بشير بن سعد ، وإسناده جيد اهـ .

قلت : هكذا هو في كتاب العراقي : حدثنا سعيد بن يسار ، والذي في الدلائل للبيهقي سعيد بن ميناء ، وهو غير سعيد بن يسار ، فإن سعيد بن ميناء يكنى أبا الوليد ، روى له الشيخان وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وسعيد بن يسار يكنى أبا [ ص: 170 ] الحباب ، روى له الجماعة ، قال البيهقي في الدلائل : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا يونس ، عن ابن إسحاق ، حدثني سعيد بن ميناء ، عن ابنة بشير بن سعيد ، قالت : "بعثتني أمي بتمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي ، وهم يحفرون الخندق ، فمررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم - فناداني ، فأتيته ، فأخذ التمر مني في كفيه ، وبسط ثوبا فنشره عليه ، فتساقط في جوانبه ، ثم أمر بأهل الخندق ، فاجتمعوا وأكلوا حتى صدروا عنه " اهـ .

كذا في نسخة الدلائل بشير بن سعيد ، وعليها سماع العراقي على المحب الخلاطي ، والذي يظهر بشير بن سعد ، كما ذكره العراقي ، وهو بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي ، والد النعمان وأمه عمرة بنت رواحة ، أخت عبد الله بن رواحة ، صحابية ، وهذه المعجزات الخمس التي ذكرها المصنف بعد انشقاق القمر تتعلق بتكثير الطعام القليل ببركته ودعائه .

ومن هذا الباب أيضا ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قال : "لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة ، فقال عمر : يا رسول الله ، ادعهم بفضل أزوادهم ، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة ، فقال : نعم ، فدعا بنطع فبسط ، ثم دعا بفضل أزوادهم ، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ، ويجيء الآخر بكسرة ، حتى اجتمع على النطع شيء يسير ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - بالبركة ، ثم قال : خذوا في أوعيتكم ، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤه ، قال : فأكلوا حتى شبعوا ، وفضلت فضلة " الحديث .

ومن ذلك ما روى البخاري ومسلم من حديث أنس قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - عروسا بزينب فعمدت أي أم سليم - إلى تمر وسمن ، وأقط ، فصنعت حيسا ، فجعلته في تور ، فقالت : يا أنس ، اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقل : بعثت بهذا إليك أمي ، وهي تقرئك السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-ضعه ثم قال : اذهب فادع لي فلانا وفلانا رجالا سماهم ، وادع لي من لقيت فدعوت من سمى ، ومن لقيت ، فرجعت ، فإذا البيت غاص بأهله ، قيل لأنس : كم كانوا ، قال : زهاء ثلاثمائة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم - وضع يده على تلك الحيسة ، وتكلم بما شاء الله ، ثم جعل يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ، ويقول لهم : اذكروا اسم الله ، وليأكل كل رجل مما يليه ، قال : فأكلوا حتى شبعوا ، فخرجت طائفة حتى أكلوا كلهم قال لي : يا أنس ، ارفع فرفعته ، فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حيث رفعت " .

ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر قال : " إن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم - في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها ، فيسألون الأدم ، وليس عندهم شيء فتعمد إلى التي كانت تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم - فتجد فيها سمنا ، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم - قال : أعصرتيها ؟ قالت : نعم ، قال : لو تركتيها ما زال قائما " .

ومن ذلك ما رواه مسلم عنه أيضا "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم - يستطعمه فأطعمه شطر وسق من شعير ، فما زال يأكل منه وامرأته وضيفه ، حتى كاله ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : لو لم تكله لأكلتم منه ، ولقام لكم " ، قال النووي في شرح مسلم : والحكمة في ذهاب بركة السمن حين عصرت العكة وإعدام بركة الشعير حين كاله أن عصرها وكيله مضاد للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى ، ويتضمن الأخذ بالحول والقوة ، وتكلف الإحاطة بأسرار حكم الله تعالى وفضله فعوقب فاعله بزواله .

ومن ذلك ما أخرج الدارمي ، وابن أبي شيبة ، والترمذي ، من حديث سمرة بن جندب قال : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - نتداول من قصعة من غدوة حتى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة ، قلنا فما كانت تمد قال : من أي شيء تعجب ؟ ما كانت تمد إلا من هاهنا ، وأشار بيده إلى السماء " ورواه أيضا الحاكم وصححه وأبو نعيم ، والبيهقي كلاهما في الدلائل .

ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومائة ، وإنه عجن صاع وصنعت شاة فشوى سواد بطنها قال : وأيم الله ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له حزة من سواد بطنها ، ثم جعل منها قصعتين ، فأكلنا أجمعون ، وفضل من القصعتين فحملته على البعير .

ومن ذلك أيضا ما أخرجه ابن أبي شيبة ، والطبراني ، وأبو نعيم في الدلائل من حديث أبي هريرة ، قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أدعو أهل الصفة ، فتتبعتهم حتى جمعتهم ، فوضعت بين أيدينا صحفة ، فأكلنا ما شئنا وفرغنا [ ص: 171 ] وهي مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع ، ومن ذلك أيضا ما ذكره صاحب الشفاء من حديث علي بن أبي طالب ، قال : "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب ، وكانوا أربعين منهم قوم يأكلون الجذعة ، ويشربون الفرق ، فصنع لهم مدا من طعام ، فأكلوا حتى شبعوا ، وبقي كما هو ، ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا منه وبقي كأنه لم يشرب منه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية