إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأهرق صلى الله عليه وسلم وضوءه في عين تبوك ولا ماء فيها ومرة أخرى في بئر الحديبية ، فجاشتا بالماء ، فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف حتى رووا وشرب من بئر الحديبية ألف وخمسمائة ، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء .


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أهراق) بفتح الهمزة والهاء أصله أراق (وضوأه) بالفتح هو الماء الذي يتوضأ به (في عين تبوك ) وهو موضع بالشام (ومرة أخرى في بئر الحديبية ، فجاشتا بالماء ، فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف حتى رووا وشرب من بئر الحديبية ألف وخمسمائة ، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث معاذ بقصة عين تبوك ، ومن حديث سلمة بن الأكوع بقصة عين الحديبية ، وفيه : "فإما دعا وإما بصق فيها ، فجاشت " الحديث .

وللبخاري من حديث البراء "أنه توضأ وصبه فيها " ، وفي الحديثين معا أنهم كانوا أربع عشرة مائة " ، وكذلك عندهما من حديث جابر ولهما من حديثه أيضا " ألف وخمسمائة " ، ولمسلم من حديث ابن أبي أوفى "ألف وثلاثمائة " . اهـ

قلت : لفظ حديث معاذ عند مسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال لهم : إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار ، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا ، حتى آتي قال : فجئناها ، وقد سبق إليها رجلان ، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم - هل مسستما من مائها شيئا ؟ قالا : نعم ، فسبهما ، وقال لهما : ما شاء الله أن يقول : ثم غرفوا من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع في شن ، ثم غسل صلى الله عليه وسلم به وجهه ويديه ، ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس ، ثم قال : يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة ، أن ترى ماءها قد ملأ جنانا [ ص: 173 ] وعمرانا ، ورواه عياض في الشفاء بنحوه ، من طريق مالك في الموطأ ، وزاد فقال : قال في حديث ابن إسحاق : "فانخرق من الماء ماء له حس كحس الصواعق " ، وأما قصة الحديبية ، فرواها البخاري من حديث المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم : "أنهم ، نزلوا بأقصى الحديبية ، على ثمد قليل الماء ، يتربضه الناس تربضا ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه ، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - العطش ، فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه " .

وحديث سلمة بن الأكوع ، أخرجه مسلم من طريق عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، قال : أخبرني أبي ، قال : "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - الحديبية ، ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة ، ما ترويها ، قال : فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم - على جانبها فإما دعا وإما بزق ، فجاشت فسقينا واستقينا " .

وحديث البراء رواه البخاري من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها ، فما ترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم - فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء منها فتوضأ ، ثم مضمض ، ودعا ثم صبه فيها فتركها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا نحن ، وركابنا " .

وأخرجه أيضا من حديث زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، وفي لفظ له : "فدعا بدلو فنزع منها ، ثم أخذ منه بفيه ، فمجه فيها ، ودعا الله فكثر ماؤها ، حتى صدرنا ، وركائبنا ، ونحن أربع عشرة مائة " .

وفي مغازي أبي الأسود من رواية ابن لهيعة : "ودعا بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ، ومضمض فاه ، ثم مج فيه ، وأمر أن يصب في البئر ، ونزع سهما من كنانته فألقاه في البئر ، ودعا الله تبارك وتعالى ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس مع شفتها " .

وكذا روى الواقدي من طريق أوس بن خولي ، وهذه القصة غير القصة التي سبقت في ذكر نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، مما رواه البخاري في المغازي من حديث جابر ، وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع في وقعتين ، قال بعضهم في تقرير هذا القول : حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء ، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك .

ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في الركوة ، وتوضؤوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية