إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ورمى الجيش بقبضة من تراب فعميت عيونهم ونزل بذلك القرآن في قوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (رمى الجيش بقبضة من تراب) الأرض ، وقال : شاهت الوجوه " أي قبحت (فعميت عيونهم) وذلك يوم بدر ، لما التقى الجمعان ، فلم يبق مشرك ، وكانوا ألفا أو إلا خمسين إلا ودخل في عينيه ومنخريه منها شيء ، فانهزموا من ذلك على الأصح " ، وأنه صلى الله عليه وسلم فعل نظيره في يوم حنين ، وهو الذي أراده المصنف هنا .

وقد أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ، ولفظه : "بقبضة من تراب الأرض " ، كما هو عند المصنف ، وعند غيره أنه صلى الله عليه وسلم تناول حصيات من الأرض ، ثم قال : شاهت الوجوه ، ورمى بها في وجوه المشركين ، والجمع بينهما أنه يحتمل أنه رمى بذا مرة ، وبالآخر أخرى ، أو أنه أخذ قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب ، وروى أحمد وأبو داود والدارمي ، من حديث أبي عبد الرحمن الفهري أنه صلى الله عليه وسلم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من [ ص: 174 ] تراب قال : فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني : "أنه ضرب وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، فهزمهم الله تعالى " . قال يعلى بن حطان راويه : عن أبي همام ، عن أبي عبد الرحمن الفهري ، فحدثني أبناؤهم ، وهم عن آبائهم أنهم قالوا : "لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا " .

وروى أحمد والحاكم من حديث ابن مسعود ، فحادت به بغلته صلى الله عليه وسلم ، فمال السرج ، فقلت : ارتفع رفعك الله ، فقال : "ناولني كفا من تراب ، فضرب وجوههم وامتلأت أعينهم ترابا " ، (ونزل بذلك القرآن في قوله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث جابر ، وابن عباس ، قال ابن حجر في شرح الشمائل ، وقد ضلت جماعة في فهم هذه الآية حيث جعلوها أصلا في إبطال نسبة الأفعال إلى العباد ، ولم يبالوا بما يلزم على ذلك من أن يقال : وما صليت إذ صليت ، ولكن الله صلى ، وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى ، والمراد أن تلك الرمية لما لم تبلغ ذلك المبلغ عادة بين الله تعالى أن من نبيه المبدأ ومنه تعالى الغاية ، وهو الإيصال .

التالي السابق


الخدمات العلمية