إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وشكا إليه البعير بحضرة أصحابه وتذلل له .


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (شكا إليه البعير بحضرة أصحابه وتذلل له) قال العراقي : رواه أبو داود من حديث عبد الله بن جعفر في أثناء حديث ، وفيه : "فإنه شكا إلي تجيعه وتدئبه " ، وأول الحديث رواه مسلم دون قصة البعير اهـ .

قلت : حديث عبد الله بن جعفر أخرجه ابن شاهين في الدلائل ، قال : "أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذات يوم خلفه ، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس ، قال : وكان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم - لحاجته هدف أو حائش نخل ، فدخل حائط رجل من الأنصار ، فإذا جمل ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم - حن فذرفت عيناه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم - فمسح جرانه فسكن ، ثم قال : من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار ، فقال : هذا لي يا رسول الله ، فقال : ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياه ، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه " ، وهو حديث صحيح .

ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ، عن مهدي بن ميمون ، وقد رويت هذه القصة من وجه آخر ، روى أحمد والبغوي في شرح السنة من حديث يعلى بن مرة الثقفي : "بينا نحن نسير مع النبي صلى الله عليه وسلم - إذ مر بنا بعير يسقى عليه ، فلما رآه البعير جرجر فوضع جرانه فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم - فقال : أين صاحب البعير ، فجاءه فقال : بعنيه ، فقال : بل نهبه لك يا رسول الله ، وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره ، قال : أما إذا ذكرت هذا من أمره ، فإنه شكا كثرة العمل ، وقلة العلف ، فأحسنوا إليه " .

وقد روي في قصة سجود الجمل له ، روى أحمد والنسائي من حديث أنس ، قال : "كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسقون عليه ، وإنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره ، وإن الأنصار جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إنه كان لنا جمل نسقي عليه ، وإنه استصعب علينا ، ومنعنا ظهره ، وقد عطش النخل والزرع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : قوموا ، فقاموا ، فدخل الحائط والجمل في ناحية ، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم - نحوه فقالت الأنصار : يا رسول الله ، قد صار مثل الكلب ، وإنا نخاف عليك صولته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : ليس علي منه بأس ، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم - بناصيته أذل ما كان قط ، حتى أدخله في العمل " ، الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية