إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن أبوابه العظيمة: العجلة وترك التثبت في الأمور وقال ، صلى الله عليه وسلم : العجلة من الشيطان ، والتأني من الله تعالى .

وقال عز وجل : خلق الإنسان من عجل وقال تعالى : وكان الإنسان عجولا وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم -: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وهذا لأن الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة ، والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل ، والعجلة تمنع من ذلك وعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري ، فقد روي أنه لما ولدعيسى ابن مريم عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا : أصبحت الأصنام قد نكست رءوسها ، فقال : هذا حادث مكانكم فطار حتى أتى خافقي الأرض فلم يجد شيئا ثم وجد عيسى عليه السلام قد ولد ، وإذا الملائكة حافين به فرجع إليهم ، فقال : إن نبيا قد ولد البارحة ، ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا حاضرها إلا هذا فأيسوا من أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ، ولكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة والخفة .


(ومن أبوابه العظيمة العجلة) أي: الإسراع (وترك التثبت في الأمور، قال صلى الله عليه

[ ص: 278 ] وسلم : العجلة من الشيطان، والتأني من الله تعالى) قال العراقي : رواه الترمذي من حديث سهل بن سعد بلفظ الأناة ، وقال: حسن اهـ .

قلت: لفظ الترمذي " الأناة من الله، والعجلة من الشيطان " وهكذا رواه العسكري في الأمثال ، كلاهما من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل الساعدي عن أبيه عن جده مرفوعا به ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وقد تكلم بعضهم في عبد المهيمن وضعفه من قبل حفظه ، وروى أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى عنه وابن منيع ، والحارث بن أبي أسامة ، كلهم في مسانديهم من طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعا بلفظ: " التأني من الله والعجلة من الشيطان " وأخرجه البيهقي في السنن كذلك ، فسمى الراوي عن أنس سعد بن سنان وهو ضعيف، وقيل: لم يسمع من أنس ، وروى العسكري من طريق سهل بن أسلم عن الحسن رفعه مرسلا: التبين من الله والعجلة من الشيطان فبينوا قال: والتبين عند أهل اللغة مثل التثبت في الأمور والتأني، وقد تقدم في كتاب العلم عن قصة حاتم الأصم ما استثني من العجلة ، واستحب فيه الإسراع، (وقال) الله (تعالى: خلق الإنسان من عجل وقال تعالى: وكان الإنسان عجولا وقال سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) وذلك حين كان - صلى الله عليه وسلم- يتلقف القرآن من جبريل عليه السلام ، فيتسارع إلى أخذه خوفا من نسيان شيء منه، فأمر بعدم العجلة فيه، وضمن له بأن يحفظه ويجمعه في صدره، (وهذا لأن الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة، والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل، والعجلة تمنع من ذلك) فقد روى البيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس: إذا تأنيت أصبت أو كدت ، وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطئ ، وقد قيل في ذلك:


قد يدرك بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الذلل

(وعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري ، فقد روي أنه لما ولد عيسى أتت الشياطين إبليس) أي: رئيسهم (فقالوا: أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها ، فقال: هذا حادث قد حدث) الزموا (مكانكم) حتى آتيكم بخبره (فطار حتى أتى خافقي الأرض) أي: جانبيه (فلم يجد شيئا ثم وجد عيسى عليه السلام قد ولد ، وإذا بالملائكة حافين به) أي: مجتمعين حوليه (فرجع إليهم، فقال: إن نبيا قد ولد البارحة، ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا حاضرها إلا هذا فايأسوا) أي اقطعوا طمعكم (من أن تعبد الأصنام بعد هذه ، ولكن ائتوا بني أدم من قبل العجلة والخفة) أي: فلم يكن لكم مدخل فيهم إلا من هذا الباب فقط، وقد جاء الله تعالى من حضور الشياطين عند ولادته، والطعن في خاصرته ، كما ثبت ذلك في الأخبار الصحيحة ، فقد روى أحمد وابن أبي شيبة ومسلم من حديث أبي هريرة : ما من مولود إلا وتخصه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه ، وعند ابن جرير: ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى بن مريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية