إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن أبوابه العظيمة الدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال من العروض والدواب والعقار فإن كل ، ما يزيد على قدر القوت والحاجة ، فهو مستقر الشيطان ، فإن من معه قوته فهو فارغ القلب فلو وجد مائة دينار مثلا على طريق انبعث من قلبه شهوات تحتاج كل شهوة منها إلى مائة دينار أخرى ، فلا يكفيه ما وجد ، بل يحتاج إلى تسعمائة أخرى ، وقد كان قبل وجود المائة مستغنيا ، فالآن لما وجد مائة ظن أنه صار بها غنيا ، وقد صار محتاجا إلى تسعمائة ليشتري دارا يعمرها وليشتري جارية وليشتري أثاث البيت ويشتري الثياب الفاخرة وكل شيء من ذلك يستدعي شيئا آخر يليق به وذلك لا آخر له فيقع في هاوية آخرها عمق جهنم ، فلا آخر لها سواه قال ، ثابت البناني لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إبليس لشياطينه : لقد حدث أمر فانظروا ما هو ، فانطلقوا حتى أعيوا ثم جاءوا وقالوا : ما ندري قال : أنا آتيكم بالخبر ، فذهب ثم جاء ، وقال : قد بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم قال فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فينصرفون خائبين ويقولون : ما صحبنا قوما قط مثل هؤلاء نصيب منهم ثم يقومون إلى صلاتهم فيمحى ذلك فقال لهم إبليس: رويدا بهم عسى الله أن يفتح لهم الدنيا فنصيب منهم حاجتنا .

وروي أن عيسى عليه السلام توسد يوما حجرا فمر به إبليس فقال: يا عيسى رغبت في الدنيا، فأخذه عيسى صلى الله عليه وسلم فرمى به من تحت رأسه، وقال: هذا لك مع الدنيا، وعلى الحقيقة من يملك حجرا يتوسد به عند النوم، فقد ملك من الدنيا ما يمكن أن يكون عدة للشيطان عليه ، فإن القائم بالليل مثلا للصلاة مهما كان بالقرب منه حجر يمكن أن يتوسده، فلا يزال يدعوه إلى النوم والي أن يتوسده ، ولو لم يكن لك لكان لا يخطر بباله ذلك، ولا يتحرك رغبته إلى النوم هذا في حجر ، فكيف من يملك المخاد الوثيرة، والفرش اللينة والمتنزهات الطيبة ، فمتى ينشط لعبادة الله تعالى .


(ومن أبوابه العظيمة الدراهم والدنانير وسائر أصناف الأموال من العروض والدواب والعقار ، فكل ما يزيد على قدر القوت والحاجة، فهو مستقر الشيطان، فإن من معه قوته فهو فارغ القلب) عن هم المعيشة (فلو وجد مائة دينار مثلا على طريق انبعث من قلبه عشر شهوات تحتاج كل شهوة منها إلى مائة دينار أخرى ، فلا يكفيه ما وجد، بل يحتاج إلى تسعمائة أخرى ، وقد كان قبل وجود المائة مستغنيا ، فالآن لما وجد مائة ظن أنه صار بها غنيا، وقد صار محتاجا إلى تسعمائة ليشتري) من بعضها (دارا يعمرها ويشتري) من البعض (جارية) يتسراها (ويشتري) من البعض (أثاث البيت) من فرش وذخيرة، (ويشتري) من البعض (الثياب الفاخرة) لنفسه، (فكل شيء من ذلك يستدعي شيئا آخر يليق به) مما لا يفي به ذلك المال، (وذلك لا آخر له فيقع

[ ص: 279 ] في هاوية) إحدى دركات النار (آخرها عمق جهنم، فلا آخر لها سواها ، قال ثابت) بن أسلم: (البناني) أبو محمد البصري المتوفى سنة بضع وعشرين عن ست وثمانين ، روى له الجماعة (لما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال إبليس لشياطينه:) وهم جنده وعساكره (لقد حدث أمر) من قبل رجمهم بالكواكب ومنعهم عن استراق السمع (فانظروا ما هو ، فانطلقوا) ينظرون (حتى أعيوا) أي: عجزوا (ثم جاءوا وقالوا: ما ندري) الذي حدث (قال: أنا آتيكم بالخبر ، فذهب ثم جاء ، وقال: قد بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم- فجعل يرسل شياطينه إلى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرفون خائبين ويقولون: ما صحبنا قوما قط مثل هؤلاء نصيب منهم) بالوسوسة، وإلقاء الشهوات (ثم يقومون إلى صلاتهم فيمحى ذلك ، فقال لهم: رويدا بهم عسى الله أن يفتح لهم بالدنيا فنصيب منهم حاجتنا) أي: تكثر مداخلنا فيهم فنملكهم بذلك ، قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان هكذا مرسلا اهـ .

قلت: وقد أخرج هذه القصة ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في دلائل النبوة ، عن ابن عباس قال: كان الشياطين لهم مقاعد في السماء يستمعون فيها الوحي ، فإذا سمعوا الكلمة ذادوا فيها تسعا ، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منعوا ، فذكروا ذلك لإبليس ، ولم تكن النجوم ترمى بها قبل ذلك ، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا أمر حدث في الأرض ، فبعث جنوده ، فوجدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما يصلي بين جبلي نخلة ، فأتوه فأخبروه ، فقالوا: هذا الحدث الذي حدث في الأرض. وأخرج الواقدي وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عمر، وقال: لما كان اليوم الذي تنبأ فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منعت الشياطين من السماء ورموا بالشهب.وأخرجوا عن أبي بن كعب قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى تنبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمي بها، (وروي أن عيسى عليه السلام توسد يوما حجرا) أي: جعله وسادة له (فمر به إبليس فقال: يا عيسى رغبت في الدنيا فأخذه عليه السلام فرمى به من تحت رأسه، وقال: هذا لك مع الدنيا. وعلى الحقيقة من يملك حجرا يتوسد به عند النوم فقد ملك من الدنيا ما يمكن أن يكون عدة للشيطان عليه ، فإن القائم بالليل مثلا للصلاة مهما كان بالقرب منه حجر يمكن أن يتوسده) ويتكئ عليه (فلا يزال يدعوه إلى النوم والي أن يتوسده ، ولو لم يكن لك لكان لا يخطر بباله ذلك ولا تتحرك رغبته في النوم. هذا في حجر ، فكيف) حال (من يملك المخاد الوثيرة) أي: اللينة المحشوة بالقطن والصوف أو الريش (والفرش اللينة) المحشوة (والمتنزهات الطيبة ، فمتى ينشط لعبادة الله تعالى) هيهات ، وذلك قد جرت به العادة ومعاداتها أصعب ما يكون .

التالي السابق


الخدمات العلمية