إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان فضيلة حسن الخلق ومذمة سوء الخلق .

قال الله تعالى لنبيه وحبيبه مثنيا عليه ومظهرا نعمته لديه وإنك لعلى خلق عظيم وقالت عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن الخلق فتلا قوله تعالى " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ثم قال صلى الله عليه وسلم هو - " أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك " " وتعفو عمن ظلمك " وقال صلى الله عليه وسلم إنما - : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وقال صلى الله عليه وسلم - : " أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق " وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يديه فقال : يا رسول الله ، ما الدين قال ؟ : " حسن الخلق فأتاه " ، من قبل يمينه فقال يا رسول الله : ما الدين ? قال : " حسن الخلق " ، ثم أتاه من قبل شماله فقال : ما الدين فقال ؟ : " حسن الخلق " ، ثم أتاه من ورائه فقال يا رسول الله : ما الدين ? فالتفت إليه وقال : " أما تفقه هو أن لا تغضب " وقيل : يا رسول الله ، ما الشؤم ? قال : " سوء الخلق .

" وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم -: أوصني ، فقال : " اتق الله حيثما " كنت " قال زدني ، قال : أتبع السيئة الحسنة تمحها قال : زدني . قال خالق : الناس بخلق حسن .

وسئل - عليه السلام: أي الأعمال أفضل - قال خلق حسن .

وقال صلى الله عليه وسلم - : ما حسن الله خلق امرئ وخلقه فتطعمه النار .

وقال الفضيل قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم -: إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل ، وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : " لا خير فيها ، هي من أهل النار " وقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق والسخاء ، ولما خلق الله الإيمان قال : اللهم قوني ، فقواه بحسن الخلق والسخاء ، ولما خلق الله الكفر قال : اللهم قوني ، فقواه بالبخل وسوء الخلق .

وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله استخلص هذا الدين لنفسه ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق ألا فزينوا دينكم بهما .

وقال عليه السلام- : حسن الخلق خلق الله الأعظم وقيل : يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل إيمانا ? قال : أحسنهم خلقا .

وقال صلى الله عليه وسلم - : إنكم لن تسعوا الناس " بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق .

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل .


(بيان فضيلة حسن الخلق ومذمة سوء الخلق) *

(قال الله سبحانه) وتعالى في كتابه العزيز مخاطبا (لنبيه وحبيبه) -صلى الله عليه وسلم- (مثنيا عليه ومظهرا نعمته لديه) أي: عنده ( وإنك لعلى خلق عظيم ) إذ تحتمل من قومك ما لا يتحمله أمثالك (وقالت عائشة رضي الله عنها: " كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن") أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة رضي الله عنها فقلت: يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: كان خلقه القرآن ، أما تقرأ القرآن: وإنك لعلى خلق عظيم ، وقد تقدم في كتاب أخلاق النبوة ، (وقوله عز وجل) مخاطبا لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ثم قال -صلى الله عليه وسلم-) في تأويله: ( " وهو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك") أي: منعك ( " وتعفو عمن ظلمك") قال العراقي : رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث جابر وقيس بن سعد بن عبادة وأنس بأسانيد حسان اهـ .

قلت: أما حديث جابر عنده فلفظه: قال: لما نزلت هذه الآية: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل ما تأويل هذه الآية؟ قال: حتى أسأل ، فصعد ثم نزل فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تصفح عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، فقال -صلى الله عليه وسلم- : " ألا أدلكم على أشرف أخلاق الدنيا والآخرة" قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: " تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك ".

وقد رواه أيضا أبو بكر بن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن إبراهيم النخعي ، ورواه أيضا ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الشعبي . وأما حديث قيس بن سعد بن عبادة ، فلفظه عند ابن مردويه قال: لما نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمزة بن عبد المطلب قال: " والله لأمثلن بسبعين منهم " فجاء جبريل بهذه الآية فقال: يا جبريل ما هذا؟ قال: لا أدري ، ثم عاد فقال: " إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك" . وأما لفظ حديث أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " إن مكارم الأخلاق عند الله: أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك ، ثم تلا النبي -صلى الله عليه وسلم-: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " .

وقد روي ذلك أيضا عن معاذ مرفوعا قال: " أفضل الفضائل أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتصفح عمن شتمك ". (وقال -صلى الله عليه وسلم- : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق") رواه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة . وقد تقدم في آداب الصحبة .

(وقال -صلى الله عليه وسلم- : " أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن") . قال العراقي : رواه أبو داود ، والترمذي وصححه من حديث أبي الدرداء اهـ .

قلت: وكذلك رواه ابن حبان في الصحيح ، ومداره على شعبة عن القاسم بن أبي بزة ، عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقد حدثه عن شعبة جماعة: محمد بن كثير ، وشعيب بن محرز ، وأبو عمر الحوضي ، وبشر بن عمر الزهراني ، وعفان ، ويزيد بن هارون. ورواه عيسى بن يونس ، عن شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن القاسم ، وهو خطأ فيما ذكره الخطيب البغدادي في كتابه المزيد. ورواه سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق عبد الوهاب بن الضحاك ، حدثنا إسماعيل بن عباس ، عن صفوان بن عمر ، عن يزيد بن ميسرة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، فذكره مرفوعا بنحوه .

وقد أخرج طرقه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه منهاج السلامة في ميزان القيامة واستوفاها وليراجع من هناك .

(وجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين يديه فقال: يا رسول الله ، ما الدين؟ فقال: " حسن الخلق" ، ثم أتاه من قبل يمينه فقال: ما الدين؟ قال: " حسن الخلق " ، ثم أتاه من قبل شماله فقال: ما الدين؟ قال: " حسن الخلق " ، ثم أتاه من ورائه فقال: ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: " أما تفقه هو أن لا تغضب") قال العراقي : رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر

[ ص: 319 ] الصلاة من رواية أبي العلاء بن الشخير مرسلا .

(وقيل: يا رسول الله ، ما الشؤم؟) بالضم وسكون الهمزة ، وقد تسهل فتصير واوا (قال: " سوء الخلق") أي: يوجد فيه ما يناسب الشؤم ويشاكله أو أنه يتولد منه. قال العراقي : رواه أحمد من حديث عائشة: " الشؤم سوء الخلق ". ولأبي داود من حديث رافع بن مكيث: " سوء الخلق شؤم ". وكلاهما لا يصح اهـ .

قلت: وكذلك رواه الطبراني في الأوسط ، والعسكري في الأمثال ، وأبو نعيم في الحلية كلهم من حديث عائشة ، وقد ضعفه المنذري ، وقال الهيثمي: فيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف ، ورواه أيضا الدارقطني في الأفراد ، والطبراني في الأوسط كذلك من حديث جابر قيل: يا رسول الله ما الشؤم؟. . . فذكره ، فهو الموافق لسياق المصنف هنا. وقال الهيثمي: وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي ضعيف ، وأما " سوء الخلق شؤم " فقد رواه الدارقطني في الأفراد من حديث ابن عمر ، ورواه الخطيب من حديث عائشة بزيادة " وشراركم أسوأكم خلقا " ورواه ابن منده من حديث أم سعد ابنة الربيع الأنصاري عن أبيها بزيادة: " وطاعة النساء ندامة وحسن الملكة نماء " وأما حديث رافع بن مكيث فلفظه عند أبي داود: " وحسن الملكة يمن وسوء الخلق شؤم " رواه في الأدب من طريق بقية ، عن عثمان بن زفر ، عن محمد بن خالد بن رافع ، عن رافع بن مكيث وهو جهني شهد الحديبية وقيل: هو تابعي وحديثه مرسل ، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وبقية فيه كلام معروف ، ولهذا قال العراقي : وكلاهما لا يصح. ورواه أحمد والطبراني في الكبير بزيادة: " والبر زيادة في العمر والصدقة تمنع ميتة السوء ". وفيه رجل لم يسم .

(وقال رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أوصني ، فقال: " اتق الله") بامتثال أمره وتجنب نهيه ( " حيث كنت") أي: في كل زمان ومكان رآك الناس أو لا ، فإن الله مطلع عليك . وفي بعض الروايات: " حيثما كنت " وما زائدة (قال) الرجل: (زدني ، قال: أتبع السيئة) الصادرة منك صغيرة أو كبيرة (الحسنة) وهي بالنسبة للكبيرة التوبة منها (تمحها) من صحيفة الكاتبين ؛ وذلك لأن المرض يعالج بضده ، كالبياض يزال بالسواد ، وعكسه إن الحسنات يذهبن السيئات وظاهر قوله " تمحها" أنها تزال حقيقة من الصحيفة ، وقيل: عبر به عن ترك المؤاخذة ، ثم إن هذا قد خص من عمومه السيئة المتعلقة بالآدمي كغيبته إن وصلت إليه فلا يمحوها إلا الاستحلال مع بيان جهة الظلامة إن أمكن ، ولم يترتب عليه مفسدة ، وإلا فالمرجو كغاية الاستغفار والدعاء. (قال: زدني . قال: خالط الناس) أي: عاشرهم ، وفي رواية الجماعة " خالق الناس " أي تكلف معاشرتهم (بخلق حسن) أي: بالمجاملة من نحو طلاقة وجه ، وخفض جانب ، وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم . وجمعه بعضهم بقوله: هو أن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك ، فتجتمع القلوب وتنفق الكلمة وتنتظم الأحوال ، وذلك جماع الخير وملاك الأمر. قال العراقي : رواه الترمذي من حديث أبي ذر ، وقال: حسن صحيح اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد والحاكم هو والبيهقي ، وقال الحاكم: على شرطهما ، وأقره الذهبي ، واعترض: هون فيه يوسف بن يعقوب القاضي ، قال الذهبي: مجهول. ورواه أيضا أحمد والترمذي والبيهقي من حديث معاذ ، وقال الذهبي في المذهب: إسناده حسن . ورواه الطبراني وابن عساكر في التاريخ من حديث أنس .

(وسئل -صلى الله عليه وسلم-) أي الأعمال أفضل؟ (قال خلق حسن) والمراد به بعد الإيمان بالله ، وقد روى الطبراني في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة : " أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس " .

(وقال -صلى الله عليه وسلم- : ما حسن الله خلق عبد) ، وفي نسخة " امرئ " وفي أخرى " رجل " (وخلقه فتطعمه النار) أبدا . رواه الطبراني في الأوسط ، وابن عدي ، والبيهقي ، وابن عساكر من حديث أبي هريرة ، ورواه الخطيب من حديث أنس، وقد تقدم في آداب الصحبة .

(وقال الفضيل) بن عياض رحمه الله تعالى: (قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل ، وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها ، قال: " لا خير فيها، هي من أهل النار") رواه أحمد والحاكم وصحح إسناده من حديث أبي هريرة دون قوله: " سيئة الخلق " ، وقد تقدم في آداب الصحبة .

(وقال أبو الدرداء) رضي الله عنه: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق والسخاء ، ولما خلق الله الإيمان قال: اللهم قوني ، فقواه بحسن الخلق والسخاء ، ولما خلق [ ص: 320 ] الله الكفر قال: اللهم قوني ، فقواه بالبخل وسوء الخلق") قال العراقي : لم أقف له على أصل هكذا ، ولأبي داود والترمذي من حديث أبي الدرداء: " ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق " وقال: غريب ، وقال في بعض طرقه: حسن صحيح اهـ .

قلت: وبهذا اللفظ: " ما من شيء. . " إلخ ، أخرجه كذلك أحمد ، ولفظ الترمذي : " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ". الحديث. ورواه عنبسة الوراق فقال: حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا أبو إبراهيم بن نافع الصائغ ، عن الحسن بن مسلم ، عن خاله عطاء بن نافع: أنهم دخلوا على أم الدرداء ، فأخبرتهم أنها سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن أثقل" أو قال: " أفضل شيء في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن ". وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن عصام بن يزيد ، عن أبيه ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن نافع ، عن الحسن بن مسلم ، عن خاله يعني: عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحوه ، غريب من حديثه عن إبراهيم ، تفرد به عصام بن يزيد ، قاله أبو نعيم ، وأخرجه أيضا من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأحمد بن أسد قالا: حدثنا شريك عن خلف بن حوشب ، عن ميمون بن مهران قال: قلت لأم الدرداء: سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا ؟ قالت: سمعته يقول: " أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن " وهكذا أخرجه الطبراني في الكبير .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله استخلص هذا الدين) يعني دين الإسلام (لنفسه) وناهيك به تفخيم مرتبة دين الإسلام ، فهو حقيق بالاتباع لعلو رتبته عند الله تعالى في الدارين (ولا يصلح لدينكم إلا السخاء) بالمد وهو الكرم ، فإنه لا قوام لشيء من الطاعات إلا به (وحسن الخلق ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (فزينوا دينكم بهما) زاد في رواية : " ما صحبتموه" ، فالسخاء السماح بالمال ، وحسن الخلق السماح بالنفس ، فمن سمح بهما أصغت إليه القلوب ، ومالت إليه النفوس. وقال الزمخشري: معناه أن مع الدين التسليم والقناعة والتوكل على الله ، وعلى قسمته فصاحبه ينفق ما رزقه الله بسماح وسهولة ، فيعيش عيشا رافقا ، كما قال تعالى: فلنحيينه حياة طيبة والمعرض عن الدين مستول عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى ازدياد من الدنيا مسلط عليه الشح الذي يقبض يده عن الإنفاق ، فعيشه ضنك ، وحاله مظلمة اهـ .

وقال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: الإسلام بني اسمه على السماحة والجود ، لأن الإسلام تسليم النفس والمال لحقوق الله ، وإذا جاء البخل فقد ذهب بذل النفس والمال ، ومن بخل بالمال فهو بالنفس أبخل ، ومن جاد بالنفس فهو بالمال أجود ، فلذلك كان البخل يمحق الإسلام ويبطله ويدرس الإيمان ويعكسه ، لأن البخل سوء ظن بالله ، وفيه منع لحقوقه ؛ ولذلك جاء في خبر: ما محق الإسلام محق البخل شيء قط اهـ .

قال العراقي : رواه الدارقطني في كتاب المستجاد ، والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد فيه لين اهـ .

قلت: رواه أيضا الطبراني في الكبير من حديث عمران بن الحصين، قال الهيثمي: فيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك .

(وقال -صلى الله عليه وسلم- : حسن الخلق خلق الله الأعظم) أي: هو أعظم الأخلاق السبعة عشر التي خزنها الله تعالى لعباده في خزائن جوده ، وقال الحكيم في النوادر: وجميع محاسن الأخلاق تؤول إلى الكرم والجود والسخاء ، ومن أراد الله به خيرا منحه حسن الخلق. قال العراقي : رواه الطبراني في الأوسط من حديث عمار بن ياسر بسند ضعيف اهـ .

قلت: وكذلك رواه في الكبير ، وقال المنذري: سنده ضعيف جدا ، وقال الهيثمي: فيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك .

(وقيل: يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا) قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وتقدم في النكاح بلفظ: " أكمل المؤمنين " والطبراني من حديث أبي أمامة: " أفضلكم إيمانا أحسنكم خلقا" اهـ .

قلت: وروى ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر: " أفضل المؤمنين أحسنهم خلقا " (وقال -صلى الله عليه وسلم- : " إنكم لن تسعوا الناس") بفتح السين أي: لن تطيقوا أن تعينوهم (بأموالكم) وفي رواية: " إنكم لا تسعون الناس بأموالكم " والمعنى لا يمكنكم ذلك (فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق) وفي رواية " ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق أي

[ ص: 321 ] لا تتسع أموالكم لعطائهم ، فوسعوا أخلاقكم لصحبتهم ، وقال العسكري في الأمثال نقلا عن الصولي: لو وزن هذا الكلام بأحسن كلام الناس كلهم لرجح عليه ، قال: وقد كان ابن عباد كريم الوعد كثير البذل ، سريعا إلى فعل الخير ، فطمس ذلك سوء خلقه ، فما ترى له حامدا. وقال الحراني: السعة المزيد على الكفاية من نحوها إلى أن ينبسط إلى ما وراء امتدادا ورحمة وعلما ، ولا تقع السعة إلا مع إحاطة العلم والقدرة وكمال الحلم والإفاضة في جود الكفايات ظاهرا وباطنا عموما وخصوصا ، وذلك ليس إلا لله ، أما المخلوق فلم يكد يصل إلى حظ من السعة ، أما ظاهرا فلا يقع منه ولا يكاد وأما باطنا بخصوص حسن الخلق فعساه يكاد اهـ .

قال العراقي : رواه البزار وأبو يعلى والطبراني في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة ، وبعض طرق البزار رجاله ثقات اهـ .

قلت: وكذلك رواه الطبراني ، والحاكم ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي ، وقال البيهقي : تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبيه ، وروي من وجه آخر ضعيف عن عائشة اهـ .

وعبد الله بن سعيد قال البخاري: تركوه ، وقال العلائي: إسناد حديث أبي يعلى حسن ، وعزاه الحافظ في الفتح إلى البزار وحده ، وقال: سنده حسن ، وقال المنذري: رواه أبو يعلى والبزار من طرق أحدها حسن .

(وقال) -صلى الله عليه وسلم- (أيضا : سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) أي: يعود عليه بالإحباط ، وقال القشيري : أراد أن البذيء يفعل الخير، إذا قرنه بسوء الخلق أفسد عمله وأحبط أجره ، كالمتصدق إذا أتبعه بالمن والأذى. قال العراقي : رواه ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة ، والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وأبي هريرة أيضا ، وضعفهما اهـ .

قلت: ورواه أيضا الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، والحاكم في الكنى والألقاب ، وأبو نعيم والديلمي من حديث ابن عمر .

(تنبيه)

حاول بعضهم استيعاب مساوئ الأخلاق فقال: هي الانتقاد على أهل الله ، واعتقاد كمال النفس ، والاستنكاف من التعلم والاتعاظ ، والتماس عيوب الناس ، وإظهار الفرح وإفشاؤه ، وإكثار الضحك ، وإظهار المعصية ، والإيذاء ، والاستهزاء ، والإعانة على الباطل ، والانتقام للنفس ، وإثارة الفتن ، والاختيال ، والاستماع لحديث قوم وهم له كارهون ، والاستطالة والأمن من مكر الله، والإصرار على الذنب مع رجاء المغفرة ، واستعظام ما يعطيه ، وإظهار الفقر مع الكفاية ، والبغي والبهتان ، والبخل ، والشح ، والبطالة ، والتجسس ، والتبذير ، والتعمق ، والتملق ، والتذلل للأغنياء لغناهم ، والتعبير ، والتحقير ، وتزكية النفس ، والتجبر ، والتبختر ، والتكلف ، والتعرض للتهم ، والتكلم بالنهي ، والتشدق ، وتضييع الوقت بما لا يعني ، والتكذيب ، والتسفيه ، والتنابز بالألقاب ، والتعبيس ، والتفريط ، والتسويف في الأجل ، والتمني المذموم ، والتخلق بزي الصالحين زورا ، وتناول الرخص بالتأويلات ، والتساهل في تدارك الغيرة ، والتهور ، والتدبير للنفس ، والجهل ، وجحد الحق ، والجدال ، والجفاء ، والجور ، والجبن ، والحرص ، والحقد ، والحسد ، والحمق ، وحب الدنيا ، وحب الرياسة ، والجاه ، والشهوة ، والحزن الدائم ، والخديعة ، والخبثة ، والخيانة ، وخلف الوعد ، والخيلاء ، والدخول فيما لا يعني ، والذم ، والذل ، والرياء ، والركون إلى الأغيار ، ورؤية الفضل على الأقران ، وسوء الظن ، والسعاية ، والشماتة ، والشره ، والشرك الخفي ، وصحبة الأشرار ، والصلف ، وطول الأمل ، والطمع ، والطيرة ، وطاعة النساء ، وطلب العوض على الطاعة ، والظلم ، والعجلة ، والعجب ، والعداوة في غير الدين ، والغضب ، والغرور ، والغفلة ، والغدر ، والفسق ، والفرح المذموم ، والقسوة ، وقطع الرحم ، والكفر ، وكفران النعمة والعشير ، والكسل ، وكثرة النوم ، واللؤم ، والمداهنة ، والملاحاة ، ومجالسة الأغنياء لغناهم ، والمزح المفرط ، والنفاق ، والنية الفاسدة ، وهجر المسلم ، وهتك الستر ، والوقوع في العرض ، والوقوع في غلبة الدين ، واليأس من الرحمة ، فهذه كلها أخلاق خبيثة مذمومة عند الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية