إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعن ابن مسعود أنه كان على الصفا يلبي ويقول : يا لسان ، قل خيرا تغنم ، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ، أهذا شيء تقوله أو شيء سمعته ؟ فقال : لا ، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كف لسانه ستر الله عورته ومن ملك غضبه وقاه الله عذابه ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره وروي أن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله ، أوصني . قال : اعبد الله كأنك تراه ، وعد نفسك في الموتى ، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله . وأشار بيده إلى لسانه وعن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا : أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن ؟ الصمت وحسن الخلق ، وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ، وقال الحسن ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رحم الله عبدا تكلم فغنم ، أو سكت فسلم .

وقيل لعيسى عليه السلام : دلنا على عمل ندخل به الجنة . قال : لا تنطقوا أبدا . قالوا : لا نستطيع ذلك فقال : فلا تنطقوا إلا بخير وقال سليمان بن داود عليهما السلام إن : كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وعن البراء بن عازب قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : دلني على عمل يدخلني الجنة . قال : أطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير .

وقال صلى الله عليه وسلم : " اخزن لسانك إلا من خير ؛ فإنك بذلك تغلب الشيطان .


(وعن عبد الله بن مسعود ) رضي الله عنه (أنه كان على الصفا) وهو الجبل المشهور بمكة ، (يلبي ويقول: يا لسان، قل خيرا تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ، أهذا شيء تقوله) أنت من نفسك، (أو شيء سمعته؟ فقال: لا، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ) قال العراقي : رواه الطبراني وابن أبي الدنيا في الصمت، والبيهقي في الشعب بسند حسن. اهـ .

قلت: قال المنذري : رواة الطبراني رواة الصحيح، وإسناد البيهقي حسن، وقال ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثني أبو عمر التميمي ، حدثني أبي عن أبي بكر النهشلي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن ابن مسعود أنه كان على الصفا يلبي ويقول: يا لساني، قل خيرا تغنم، أو أنصت تسلم من قبل أن تندم. قالوا: يا أبا عبد الرحمن ، هذا شيء تقوله أو سمعته؟ قال: بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. فساقه، وأبو بكر النهشلي من رجال مسلم ، تكلم فيه ابن حبان .

(وقال ابن عمر ) رضي الله عنهما: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كف لسانه) أي: عن التكلم في أعراض المسلمين (ستر الله عورته) ، أي: لم يفضحه في الدنيا، (ومن ملك غضبه) مع القدرة على الانتصاف، (وقاه الله عذابه) في الآخرة، (ومن اعتذر إلى الله قبل عذره) قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت بإسناد حسن. اهـ .

قلت: وهذا لفظه: حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا شبابة بن سوار ، عن المغيرة بن مسلم ، عن هشام بن إبراهيم ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فساقه، وهكذا هو لفظه في كتاب الصمت، وأخرجه [ ص: 453 ] في كتاب ذم الغضب، من حديث أنس ، بلفظ: "من كف غضبه كف الله عنه عذابه، ومن اعتذر إلى ربه قبل الله منه عذره، ومن خزن لسانه ستر الله عورته" . وقد رواه كذلك أبو يعلى وابن شاهين والخرائطي في مساوي الأخلاق، والضياء في المختارة. (وروي أن معاذ بن جبل ) رضي الله عنه (قال: يا رسول الله، أوصني. قال: اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله. وأشار بيده إلى لسانه ) قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وفيه انقطاع. اهـ .

قلت: وهذا لفظ كتاب الصمت، حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أن معاذ بن جبل قال: "يا رسول الله، أوصني. قال: اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله. قال: ما هو؟ قال: هذا. وأشار بيده إلى لسانه" .

وأما لفظ الطبراني في الكبير: "اعبد الله ولا تشرك به شيئا، واعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وشجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية" . وقد رواه كذلك البيهقي في الشعب، وقد أخرج الطبراني في الكبير أيضا من حديث أبي الدرداء بلفظ: "اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوات المظلوم" . الحديث، وأبو نعيم في الحلية من حديث زيد بن أرقم : "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واحسب نفسك مع الموتى، واتق دعوة المظلوم، فإنها مستجابة" . (وعن صفوان بن سليم) المدني أبي عبد الله القرشي من موالي بني زهرة ، تابعي، فقيه، قال ابن سعد : ثقة كثير الحديث، عابد، وقال أحمد بن حنبل: هو يستسقي بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره، قال الترمذي : مات سنة أربع وعشرين ومئة، روى له الجماعة. (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن؟) قالوا: أخبرنا. قال: ( الصمت وحسن الخلق ) مع الناس. قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا ، هكذا في كتاب الصمت، مرسلا، ورجاله ثقات، ورواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين من حديث أبي ذر وأبي الدرداء أيضا مرفوعا بسند ضعيف. اهـ .

قلت: ولفظ كتاب الصمت: حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فساقه، وسيأتي حديث أبي ذر في ذكر الآفة الأولى قريبا .

(وقال أبو هريرة ) رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ) أخرجه البخاري ومسلم ، وابن أبي الدنيا في الصمت، قال: حدثنا إبراهيم ابن أبي المنذر الحزامي ، حدثنا سفيان بن حمزة الأسلمي ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة .. فساقه. (وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله عبدا قال فغنم، أو سكت فسلم ) . وهذا من جوامع الكلم؛ لتضمنه الإرشاد إلى خير الدارين؛ فإنه قد تم الإرشاد إلى خير الآخرة في المعاد؛ إذ قوله: غنم؛ أي: غنم ثواب الله؛ لقوله: الخير، ثم عطف عليه الإرشاد إلى خير الدنيا، وهو السلامة من شر الناس، وقد عده العسكري من الأمثال، قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، والبيهقي في الشعب، والخرائطي في مكارم الأخلاق، هكذا مرسلا، ورجاله ثقات، ورواه البيهقي في الشعب من حديث أنس ، بسند فيه ضعف؛ فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين. اهـ .

قلت: رواه ابن أبي الدنيا عن عبيد الله بن عمر ، حدثنا حزم بن أبي حزم قال: سمعت الحسن يقول: ذكر لنا.. فساقه، وقد رواه أيضا العسكري في الأمثال مرسلا، ورواه أيضا موصولا عن الحسن ، عن أنس ، ورواه هناد كذلك عن الحسن مرسلا، وقد رواه أبو الشيخ والديلمي من حديث أبي أمامة الباهلي ، ورواه ابن المبارك في الزهد، والخرائطي في مكارم الأخلاق، عن خالد بن أبي عمران مرسلا، ورواه ابن أبي الدنيا من طريق ابن المبارك ، لكن في سنده ابن لهيعة ، وهو ضعيف، وخالد هذا قال الذهبي: هو التجيبي ، قاضي إفريقية، فقيه، عابد، مات سنة 139، ويروى مثل ذلك عن ابن عباس قال: "يا لسان؛ قل خيرا تغنم، أو اسكت عن شر تسلم" .

كذا في كتاب الصمت من رواية إسماعيل بن مسلم عنه. (وقيل لعيسى عليه السلام: دلنا على عمل ندخل به الجنة. قال: لا تنطقوا أبدا. قالوا: [ ص: 454 ] لا نستطيع ذلك. قال: فلا تنطقوا إلا بخير) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا سفيان بن عيينة قال: قالوا لعيسى عليه السلام.. فساقه. وقد روي مثل ذلك عن سلمان الفارسي "أنه قال له رجل: أوصني. قال: لا تتكلم. قال: وكيف يصبر رجل على ألا يتكلم؟ قال: فإن كنت لا تصبر عن الكلام فلا تكلم إلا بخير أو اصمت" . رواه ابن أبي الدنيا في الصمت من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عنه، ( وقال سليمان عليه السلام: لو كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب) ، قال ابن المبارك : معناه: لو كان الكلام بطاعة الله من فضة، كان السكوت عن معصيته من ذهب .

أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن الهيثم بن خارجة ، حدثنا إسماعيل بن هاشم ، عن الأوزاعي قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: "إن كان الكلام من فضة، فالصمت من ذهب" . وقد روي مثل هذا الكلام عن لقمان ، قاله لابنه يعظه .

(وعن البراء) بن عازب رضي الله عنهما (قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: أطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير ) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، قال: حدثنا أحمد بن حنبل ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا عيسى بن عبد الرحمن ، حدثني طلحة الأيامي ، حدثني عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال.. فساقه .

(وقال صلى الله عليه وسلم: "اخزن لسانك إلا من خير؛ فإنك بذلك تغلب الشيطان ) ، قال العراقي : رواه الطبراني في الصغير من حديث أبي سعيد ، وفيه ليث بن أبي سليم ، مختلف فيه، وله في المعجم الكبير، ولابن حبان في صحيحه نحوه من حديث أبي ذر . اهـ .

قلت: وأخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت من قول أبي سعيد قال: حدثنا الحسن بن حمزة ، أنبأنا عبدان ، أنبأنا عبد الله، يعني ابن المبارك ، أنبأنا إسماعيل بن عياش ، حدثني عقيل بن مدرك "أن رجلا قال لأبي سعيد الخدري : أوصني. قال: عليك بالصمت إلا في حق؛ فإنك به تغلب الشيطان" . وهذا إسناد حسن، وعقيل بن مدرك الخولاني شامي مقبول، روى له أبو داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية