إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآفة الثانية فضول الكلام .

، وهو أيضا مذموم ، وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني ، والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة ، فإن من يعنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر ، ويمكنه أن يجسمه ويقرره ويكرره ، ومهما تأدى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين ، فالثانية فضول ، أي : فضل عن الحاجة ، وهو أيضا مذموم ؛ لما سبق ، وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر قال عطاء بن أبي رباح إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام ، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمرا بمعروف ، أو نهيا عن منكر ، أو أن تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها ، أتنكرون أن عليكم لحافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ؟ أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه وعن ؟ بعض الصحابة قال : إن الرجل ليكلمني بالكلام لجوابه أشهى إلي من الماء البارد إلى الظمآن ، فأترك جوابه خيفة أن يكون فضولا وقال مطرف ليعظم جلال الله في قلوبكم ، فلا تذكروه عند مثل قول أحدكم للكلب والحمار : اللهم اخزه ، وما أشبه ذلك .

واعلم أن فضول الكلام لا ينحصر بل المهم محصور في كتاب الله تعالى ، قال الله عز وجل : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس وقال صلى الله عليه وسلم : طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه ، وأنفق الفضل من ماله .

فانظر كيف قلب الناس الأمر في ذلك فأمسكوا فضل المال وأطلقوا فضل اللسان وعن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من بني عامر فقالوا : أنت والدنا ، وأنت سيدنا ، وأنت أفضلنا علينا فضلا وأنت أطولنا ، علينا طولا ، وأنت الجفنة الغراء ، وأنت وأنت . فقال : قولوا قولكم ، ولا يستهوينكم الشيطان إشارة إلى أن اللسان إذا أطلق بالثناء ، ولو بالصدق فيخشى أن يستهويه الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها ، وقال ابن مسعود أنذركم فضول كلامكم ، حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته وقال مجاهد إن الكلام ليكتب حتى إن الرجل ليسكت ابنه فيقول أبتاع لك كذا وكذا فيكتب كذابا .

وقال الحسن يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفة ، ووكل بها ملكان كريمان يكتبان أعمالك ، فاعمل ما شئت وأكثر ، أو أقل وروي أن سليمان عليه السلام بعث بعض عفاريته ، وبعث نفرا ينظرون ما يقول ويخبرونه فأخبروه بأنه مر في السوق فرفع رأسه إلى السماء ، ثم نظر إلى الناس وهز رأسه ، فسأله سليمان عن ذلك فقال : عجبت من الملائكة على رءوس الناس ما أسرع ما يكتبون ! ومن الذين أسفل منهم ما أسرع ما يملون ! وقال إبراهيم التيمي إذا أراد المؤمن أن يتكلم نظر ، فإن كان له ، تكلم ، وإلا أمسك والفاجر إنما لسانه رسلا رسلا .

وقال الحسن من كثر كلامه كثر كذبه ، ومن كثر ماله كثرت ذنوبه ، ومن ساء خلقه عذب نفسه .

وقال عمرو بن دينار تكلم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر ، فقال له صلى الله عليه وسلم : كم دون لسانك من حجاب ؟ فقال : شفتاي وأسناني . قال : أفما كان لك ما يرد كلامك ؟ وفي رواية أنه قال ذلك في رجل أثنى عليه فاستهتر ، في الكلام ثم قال : ما أوتي رجل شرا من فضل في لسانه .

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله عليه إنه ليمنعني من كثير من الكلام خوف المباهاة وقال بعض الحكماء : إذا كان الرجل في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت ، وإن كان ساكتا فأعجبه السكوت فليتكلم وقال يزيد بن أبي حبيب من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع ، فإن وجد من يكفيه ، فإن في الاستمتاع سلامة ، وفي الكلام تزيين وزيادة ونقصان وقال ابن عمر إن أحق ما طهر الرجل لسانه ورأى أبو الدرداء امرأة سليطة فقال : لو كانت هذه خرساء كان خيرا لها وقال إبراهيم يهلك الناس خلتان : فضول المال ، وفضول الكلام .

فهذه مذمة فضول الكلام وكثرته ، وسببه الباعث عليه ، وعلاجه ما سبق في الكلام فيما لا يعني .


(الآفة الثانية فضول الكلام ، وهو أيضا مذموم، وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني، والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة، فإن من يعنيه) أي: يهمه (أمر) ، ويكون مقصودا له (يمكنه أن يذكره بكلام مختصر، ويمكنه أن يجنحه) أي: يطوله، فيجعل له جناحا، (ويكرره، ومهما تأدى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين، فالثانية) منهما (فضول، أي: فضل عن الحاجة، وهو أيضا مذموم؛ لما سبق، وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر) ؛ لكونه مباحا. (قال عطاء بن أبي رباح) القرشي، مولاهم المكي، ثقة، فقيه، فاضل، كثير الإرسال، مات سنة أربع عشرة على المشهور، روى له الجماعة (إن من قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله) أن تقرأه، (أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون أن عليكم لحافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ؟ أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه؟) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وغيره، قالوا: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: دخلنا على محمد بن سوقة ، فقال: أحدثكم بحديث لعله ينفعكم، فإنه قد نفعني، قال لنا عطاء بن أبي رباح : يا بني أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام.. فساقه سواء، وأخرجه أبو نعيم في الحلية من هذا الطريق عن عبد الله بن محمد ، وابن أبي الدنيا ، عن حاجب بن أبي بكر ، وأحمد ويعقوب الدورقيان ، قالوا: حدثنا يعلى بن عبيد ، وروي (عن بعض الصحابة) رضوان الله عليه (قال: إن الرجل ليكلمني بالكلام لجوابه أشهى إلي من الماء البارد على الظمآن، فأترك جوابه خيفة من أن يكون فضلا ) أخرجه ابن أبي الدنيا عن حمزة بن العباس أخبرنا عبدان بن عثمان أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا عمر بن بكار عن عمرو بن الحارث عن العلاء بن سعد بن مسعود عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره، (وقال مطرف) بن عبد الله بن [ ص: 465 ] الشخير العامري الحارثي أبو عبد الله البصري، ثقة عابد، فاضل، مات سنة خمس وتسعين، روى له الجماعة، ( ليعظم جلال الله في قلوبكم، فلا تذكروه عن مثل قولكم للكلب وللحمار: اللهم اخزه، وما أشبه ذلك ) أخرجه ابن أبي الدنيا عن حمزة بن العباس ، أنبأنا عبدان ، أنبأنا عبد الله عن سليمان بن المغيرة عن ثابت بن مطرف قال: ليعظم جلال الله في صدوركم، فلا تذكروه عند مثل قول أحدكم للكلب: اللهم اخزه، وللحمار، والشاة . وأخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا محمد بن محمد بن الحسن ، حدثنا أبي، حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال: قال مطرف : ليعظم جلال الله تعالى أن تذكروه عند الحمار، والكلب، فيقول أحدكم لكلبه: أخزاك الله، وفعل الله بك ، (واعلم أن فضول الكلام لا ينحصر) بضبط، (بل المهم محصور في كتاب الله تعالى، قال الله عز وجل: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) ، قال ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثنا إسحاق بن إسماعيل وسعدويه ، وغيرهما، وهذا لفظ إسحاق بن إسماعيل عن محمد بن يزيد بن خنيس قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده، فدخل عليه سعيد بن حسان ، فقال له سفيان : الحديث الذي حدثتني عن أم صالح اردده علي. فقال سعيد بن حسان : حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل كلام ابن آدم هو عليه، إلا أمرا بمعروف، أو نهيا عن منكر، أو ذكر الله. قال: فقال رجل: ما أشد هذا الحديث! قال: فقال سفيان: وأي شيء شدته، أليس الله يقول: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، أليس الله يقول: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ، أليس الله يقول: ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير .

(وقال صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه، وأنفق الفضل من ماله ) قال العراقي : رواه البغوي وابن قانع في معجمي الصحابة، والبيهقي من حديث ركب المصري ، وقال ابن عبد البر : إنه حديث حسن، وقال البغوي : لا أدري سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وقال ابن منده : مجهول، لا تعرف له صحبة، ورواه البزار من حديث أنس بسند ضعيف. اهـ .

قلت: قال: عباس الدوري : له صحبة، وقال ابن عبد البر : هو كندي، له حديث، روى عنه نصيح العنسي في التواضع. اهـ. وقد أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، فقال: حدثنا مهدي بن حفص ، حدثنا إسماعيل بن عياش عن مطعم بن المقدام الصغاني ، عن عنبسة بن سعيد الكلاعي عن نصيح العنسي عن ركب المصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فساقه، كسياق المصنف، ولفظ البغوي وابن قانع والبيهقي : طوبى لمن تواضع في غير منقصة، وذل في نفسه في غير مسكنة، وأنفق من مال جمعه في غير معصية، وخالط أهل الفقه والحكمة، ورحم أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه وحسنت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله ، وقد رواه كذلك البخاري في التاريخ، والباوردي وابن شاهين ، والعسكري ، وتمام وابن عساكر ، ورواه أبو محمد الجيزي في تاريخ مصر ، فقال: حدثني أحمد بن حمزة بن محمد بن هارون البصري ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا مطعم بن المقدام الصغاني ، وعنبسة بن سعيد الكلاعي عن نصيح .. فساقه، وفيه أن ابن عياش رواه عن مطعم ، وعنبسة ، وفي سياق ابن أبي الدنيا مطعم عن عنبسة ، وقال الذهبي في المهذب: ركب يجهل، ولم تصبح له صحبة، ونصيح ضعيف. اهـ. وقال المنذري : رواه أبي نصيح ، ثقات، وقال الهيثمي بعدما عزاه للطبراني : نصيح العنسي عن ركب لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وقال ابن حبان : إن هذا السند لا يعتمد عليه، وإن قول ابن عبد البر : إنه حسن؛ أراد به الحسن اللغوي ، أي: لفظه حسن، وأما الحديث الذي أشار إليه العراقي أنه رواه البزار عن أنس بسند ضعيف، فلفظه: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة، ولم يعد عنها إلى البدعة . وقد رواه كذلك الديلمي في مسند الفردوس، (فانظر) ، وتأمل، (كيف قلب الناس الأمر [ ص: 466 ] فأمسكوا فضل المال وأطلقوا فضل اللسان) ، فخالفوا كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، (وعن مطرف بن عبد الله ) تقدمت ترجمته قريبا، (عن أبيه) وهو عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب بن وقدان بن الحريش ، وهو معاوية بن ركب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الحرشي العامري ، من مسلمة الفتح، عداده في أهل البصرة ، روى له الجماعة سوى البخاري ، (قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من بني عامر) بن صعصعة، وذلك في عام الفتح، (فقالوا: أنت والدنا، وأنت سيدنا، وأنت أفضلنا علينا فضلا، وأطولنا علينا طولا، وأنت الجفنة الغراء، وأنت أنت. فقال: قولوا قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان) ، وفي بعض النسخ: ولا يستهو منكم الشيطان، قال العراقي : رواه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة بإسناد صحيح بلفظ آخر، ورواه ابن أبي الدنيا بلفظ المصنف. اهـ .

قلت: قال ابن أبي الدنيا : حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير ، عن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال: قدمت.. فساقه، ولفظ أبي داود ، والنسائي : قولوا بعضكم قولكم، ولا يستجرمنكم الشيطان ، وكذلك رواه أحمد ، والطبراني في الكبير، والضياء في المختارة، (إشارة إلى أن اللسان إذا أطلق بالثناء، ولو بالصدق فيخشى أن يستهويه الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها، وقال) عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه، (أنذركم) أي: أخوفكم (فضول كلامكم، حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته) أخرجه ابن أبي الدنيا ، فقال: حدثنا أبي، أخبرنا ابن علية ، عن ليث أن ابن مسعود قال: أنذرتكم فضول الكلام، بحسب أحدكم ما بلغ حاجته ، (وقال مجاهد ) رحمه الله تعالى: (إن الكلام ليكتب حتى إن الرجل ليسكت ابنه فيقول) له في جملة ما يسكته به: (أبتاع) أي: أشتري (لك كذا وكذا) من اللعب والمأكولات، فيسمع به فيسكت من البكاء، (فيكتب كذابا) أخرجه ابن أبي الدنيا ، فقال: حدثنا أحمد بن جيل المروزي ، أخبرنا المعتمر بن سليمان ، عن ليث عن مجاهد قال: إن الكلام ليكتب حتى إن الرجل ليسكت ابنه: أبتاع لك كذا وكذا، وأفعل لك كذا وكذا، فتكتب كذبته، (وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى، ( يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان يكتبان أعمالك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر ) أخرجه ابن أبي الدنيا ، فقال: حدثنا داود بن عمر ، والضبي ، حدثنا محمد بن الحسن الأسدي ، حدثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال: يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان يكتبان عملك، فأمل ما شئت، فأكثر أو أقل ، (وروي أن سليمان عليه السلام) فيما أخرجه ابن أبي الدنيا فقال: حدثني سويد بن سعيد ، حدثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن طارق بن شهاب قال: (بعث) سليمان بن داود عليهما السلام (بعض عفاريته، وبعث نفرا ينظرون ما يقول ويخبرونه) ، قال: (فأخبروه أنه مر في السوق) ولفظ ابن أبي الدنيا : على السوق، (فرفع رأسه إلى السماء، ثم نظر إلى الناس وهز رأسه، فسأله سليمان ) عليه السلام (عن ذلك) ، ولفظ ابن أبي الدنيا : لم فعل ذلك، (قال: عجبت من الملائكة على رؤوس الناس ما أسرع ما يكتبون! ومن الذين أسفل منهم ما أسرع ما يملون! وقال إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) الكوفي العابد، (المؤمن إذا أراد أن يتكلم نظر، فإن كان) كلامه (له، تكلم، وإلا) أي: وإن لم يكن له، بل عليه (أمسك) عنه، (والفاجر إنما لسانه رسلا رسلا) أي: كثيرا، يتبع بعضه بعضا .

أخرجه ابن أبي الدنيا ، فقال: حدثني علي بن أبي مريم ، عن عثمان بن زفر التيمي ، حدثنا محمد بن عبد العزيز التيمي قال: ذكر الحسن عن إبراهيم التيمي قال: المؤمن إذا أراد أن يتكلم نظر، فإن كان كلامه له تكلم، وإن كان عليه أمسك عنه، والفاجر إنما كلامه رسلا رسلا .

(وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: ( من كثر كلامه كثر كذبه، ومن كثر ماله كثرت ذنوبه، ومن ساء خلقه عذب نفسه ) أخرجه ابن أبي الدنيا عن حمزة بن العباس ، أخبرنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا وهيب عن هشام عن الحسن .. فساقه، إلا أنه قدم الجملة الثانية على الأولى، (وقال عمرو بن دينار) المكي التابعي، ثقة، ( تكلم رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثر، فقال له [ ص: 467 ] صلى الله عليه وسلم: كم دون لسانك من باب؟ فقال: شفتاي وأسناني. قال: أفما كان لك في ذلك ما يرد كلامك؟ ) . هكذا رواه ابن أبي الدنيا مرسلا، فقال: حدثني إسماعيل بن أبي الحارث محمد بن مقاتل ، حدثنا ابن المبارك ، عن نافع بن عمر ، عن عمرو بن دينار قال: تكلم رجال.. فساقه، قال العراقي : ورجاله ثقات، (وفي رواية أنه قال ذلك في رجل أثنى عليه، فاستخفر في الكلام) ، أي: بالغ وأطال، ولفظ ابن أبي الدنيا في الصمت: وبلغني عن ابن عائشة عن عبد الأعلى بن أبي عثمان قال: "أثنى رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فاستخفر في الثناء، فقال: كم بيننا وبين لسانك من حجاب؟ قال: شفتاي وأسناني. قال: أما كان فيها ما يرد فضل قولك عنا منذ اليوم؟" (ثم قال: ما أوتي رجل شرا من فضل في لسان) وروى الديلمي من حديث ابن عباس : ما أعطي عبد شرا من طلاقة لسانه ، (وقال عمر بن عبد العزيز ) رحمه الله تعالى: ( إنه ليمنعني من كثير من الكلام خوف المباهاة ) أخرجه ابن أبي الدنيا عن حمزة بن العباس ، أخبرنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن رجاء أبي المقدام عن نعيم ، كاتب عمر بن عبد العزيز ، قال عمر بن عبد العزيز .. فساقه، (وقال بعض الحكماء: إذا كان الرجل في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت، وإن كان ساكتا فأعجبه السكوت فليتكلم) أخرجه ابن أبي الدنيا عن حمزة بن العباس ، أخبرنا عبدان بن عثمان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا رشدين بن سعد ، حدثنا الحجاج بن شداد أنه سمع عبيد الله بن أبي جعفر ، وكان أحد الحكماء يقول في بعض قوله: إذا كان المرء يحدث في المجلس فأعجبه الحديث، فليسكت، وإن كان ساكتا فأعجبه السكوت فليحدث .

(وقال يزيد بن أبي حبيب) المصري أبو رجاء، واسم أبيه سويد ، ثقة، فقيه، روى له الجماعة: (من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع، فإن وجد من يكفيه، فإن في الاستماع سلامة، وفي الكلام تزين وزيادة ونقصان) أخرجه ابن أبي الدنيا عن حمزة بن العباس ، أخبرنا عبدان ، أخبرنا عبد الله قال: أخبرني رجل من أهل الشام ، عن يزيد بن أبي حبيب قال: من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع، وإن وجد من يكفيه، فإن في الاستماع سلامة، وزيادة في العلم، والمستمع شريك المتكلم في الكلام، إلا من عصم الله، وفي الكلام ترفق وتزين وزيادة ونقصان. (وقال ابن عمر ) رضي الله عنه: (إن أحق ما طهر الرجل لسانه) أخرجه ابن أبي الدنيا عن إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .. فساقه، (ورأى أبو الدرداء ) رضي الله عنه، (امرأة سليطة) اللسان، (فقال: لو كانت هذه خرساء كان خيرا لها) أخرجه ابن أبي الدنيا عن الفضل بن يعقوب ، حدثنا سعيد بن مسلمة ، حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: رأى أبو الدرداء امرأة.. فساقه .

(وقال إبراهيم) يعني النخعي ( يهلك الناس خلتان: فضول المال، وفضول الكلام ) أخرجه ابن أبي الدنيا عن محمد بن عبد الملك ، حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن حماد بن إبراهيم قال: يهلك الناس في خلتين: فضول المال، وفضول الكلام . (فهذه مذمة فضول الكلام وكثرته، وسببه الباعث عليه، وعلاجه ما سبق في الكلام فيما لا يعني) ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية