إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآفة الثانية عشر : إفشاء السر .

وهو منهي عنه ؛ لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف ، والأصدقاء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا حدث الرجل ثم التفت فهي أمانة .

وقال مطلقا الحديث بينكم أمانة .

وقال الحسن إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ويروى أن معاوية رضي الله عنه أسر إلى الوليد بن عتبة حديثه ، فقال لأبيه يا أبت ، إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثا ، وما أراه يطوى عنك ما بسطه إلى غيرك . قال : فلا تحدثني به ؛ فإن من كتم سره كان الخيار إليه ، ومن أفشاه كان الخيار عليه . قال فقلت : : يا أبت ، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه، فقال: ؟ : لا والله يا بني ، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السر . قال فأتيت معاوية فأخبرته ، فقال : يا وليد ، أعتقك أبوك من رق الخطأ فإفشاء السر خيانة ، وهو حرام ، إذا كان فيه إضرار ولؤم إن لم يكن فيه إضرار ، وقد ذكرنا ما يتعلق بكتمان السر في كتاب آداب الصحبة فأغنى عن الإعادة .

.


(الآفة الثانية عشرة: إفشاء السر ) أي: إظهاره، (وهو منهي عنه؛ لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف، والأصدقاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة" ) قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث جابر ، وقد تقدم، قلت: ورواه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن جميل ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا ابن أبي ذئب ، أخبرني عبد الرحمن بن عطاء ، عن عبد الملك بن جابر بن عتيك ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث.. فساقه. (وقال) صلى الله عليه وسلم: ( مطلق الحديث بينكم أمانة ) ، رواه ابن [ ص: 505 ] أبي الدنيا ، عن أحمد بن جميل ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا حيوة بن شريح ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره، هكذا رواه مرسلا، وهو إسناد جيد. (وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: ( إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن جميل ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال: سمعته يقول: إن من الخيانة.. فذكره، (ويروى أن معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنه، (أسر إلى الوليد بن عتبة) بن أبي سفيان، وهو ابن أخي معاوية (حديثا، فقال) الوليد (لأبيه) عتبة بن أبي سفيان ، وهو أخو معاوية لأبويه، قال ابن منده : ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وولاه عمر الطائف ، وأنكره الحافظ ابن حجر في الإصابة، وقال: لم أجد بعد التتبع ما يدل على أنه ولد في العهد النبوي، وهو محتمل، وإنما ولاه الطائف أخوه معاوية ، حج بالناس سنة إحدى وأربعين، وبعدها، ثم ولاه بمصر الجند بعد عزله عبد الله بن عمرو بن العاص ، فمات بالإسكندرية ، هذا لفظه في الإصابة، ورجح تلميذه الحافظ السخاوي أن الموصوف بما ذكر في كلام ابن منده هو عنبسة بن أبي سفيان ، لا عتبة ، وقد وجدت في كتاب الأنساب لأبي عبيد القاسم بن سلام ما يشهد لما ذكره الحافظ ، قال: ومن بني حرب بن أمية معاوية ، وعتبة ، ويزيد ، وعنبسة ، ومحمد ، وعمرو وحنظلة ، بنو أبي سفيان بن حرب ، وأم معاوية وعتبة هند بنت عتبة بن ربيعة ، وأم عنبسة ومحمد عاتكة بنت أبي أزهر الدوسي ، وكان معاوية ولى عنبسة الطائف ، ثم عزله، وولاه عتبة ، (يا أبت، إن أمير المؤمنين) يعني عمه معاوية ، (أسر إلي حديثا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإن من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت: يا أبت، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر. قال) الوليد : (فأتيت معاوية ، فحدثته) بما جرى، (فقال: يا وليد ، أعتقك أخي من رق الخطإ) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، فقال: وحدثني أبي عن بعض أشياخه قال: أسر معاوية إلى الوليد بن عتبة ، فذكر القصة، ثم قال: وحدثني أبي عن رجل من همدان قال: سمعت أعرابيا يقول لابن عم له: إن سرك من دمك، فلا تضعه إلا عند من تثق به، قال: وحدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جريرة بن حمزة الزيات قال: قال علي رضي الله عنه:


ولا تفش سرك إلا إليـ ـك فإن لكل نصيح نصيحا




فإني رأيت غواة الرجا     ل لا يتركون أديما صحيحا



(فإفشاء السر خيانة، وهو حرام، إذا كان فيه إضرار ولؤم) طبع، (إذا لم يكن فيه إضرار، وقد ذكرنا ما يتعلق بكتمان السر في كتاب الصحبة) ، وفصلناه (فلا نعيده) ثانيا، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية