إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الآفة السادسة عشرة : النميمة .

قال الله تعالى : هماز مشاء بنميم ، ثم قال : عتل بعد ذلك زنيم قال عبد الله بن المبارك الزنيم ولد الزنا ، الذي لا يكتم الحديث ، وأشار به إلى أن كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على أنه ولد زنا ؛ استنباطا من قوله عز وجل : عتل بعد ذلك زنيم ، والزنيم هو الدعي وقال تعالى : ويل لكل همزة لمزة ، قيل : الهمزة : النمام .

وقال تعالى : حمالة الحطب قيل : إنها كانت نمامة حمالة للحديث وقال تعالى : فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ، قيل : كانت امرأة لوط تخبر بالضيفان ، وامرأة نوح تخبر أنه مجنون وقد قال صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة نمام .

وفي حديث آخر : لا يدخل الجنة قتات والقتات هو النمام .


( الآفة السادسة عشرة: النميمة )

(قال الله تعالى: هماز مشاء بنميم ، ثم قال: عتل بعد ذلك زنيم ) ، فالهماز: العياب، أو المغتاب، ومشاء بنميم أي: كثير المشي بالنميمة، مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم ، والمقصود منه من جمع بين أنواع من الوصف الذميم، (قال عبد الله بن المبارك ) رحمه الله تعالى: (الزنيم ولد الزنا، الذي لا يكتم الحديث، وأشار به إلى أن كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة ولد الزنا؛ استنباطا من قوله عز وجل: عتل بعد ذلك زنيم ، والزنيم هو الدعي) ، وكون أن الزنيم هو الدعي أخرجه عبد بن حميد وابن عساكر ، عن ابن عباس ، وأنشد قول الشاعر:


زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم أكارعه



وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن عكرمة أنه سئل عن الزنيم فقال: هو ولد الزنا، وأنشد قول الشاعر:


زنيم ليس يعرف من أبوه     بغي الأم في حسب لئيم



وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد قال: زنيم ملحق في النسب، زعم ابن عباس .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب قال: الزنيم هو الملحق في القوم ليس منهم . وروي عن ابن عباس قال: العتل: الزنيم الذي يمشي بين الناس بالنميمة . أخرجه عبد بن حميد .

(وقال تعالى: ويل لكل همزة لمزة ، قيل: الهمزة: النمام) ، رواه ابن أبي الدنيا عن هارون بن عبد الله ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مسكين، أبي فاطمة ، عن شيخ من أهل البصرة ، عن أبي الجوزاء قال: قلت لابن عباس : من هذا الذي ندبه الله بالويل فقال: ويل لكل همزة لمزة ؟ قال: المشاء بالنميمة، المفرق بين الإخوان، والمغري بين الجميع . وكذلك رواه سعيد بن منصور ، وابن [ ص: 562 ] جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طرق، وأخرجه ابن أبي الدنيا أيضا في كتاب ذم الغيبة، إلا أن لفظهم: المغري بين الإخوان. (وقال عز وجل: حمالة الحطب ، وقيل: إنها كانت نمامة حمالة للحديث) ، رواه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن جميل ، أنبأنا ابن المبارك ، أنبأنا سفيان عن منصور ، عن مجاهد ، حمالة الحطب ، قال: كانت تمشي بالنميمة، وهكذا أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وروي عن قتادة قال: كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض. أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم ، (وقال تعالى: فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ، قيل: كانت امرأة لوط ) عليه السلام (تخبر بالضيفان، وامرأة نوح ) عليه السلام (كانت تخبر أنه مجنون) ، رواه ابن أبي الدنيا عن فضيل بن عبد الوهاب ، حدثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن بريدة ، سمعت ابن عباس يقول في قوله: فخانتاهما ، قال: لم يكن زنا، ولكن امرأة نوح كانت تخبر أنه مجنون، وامرأة لوط كانت تخبر بالضيف إذا نزل ، قال: وحدثنا فضيل ، حدثني بزيع ، سمعت الضحاك يقول: كانت خيانتهما النميمة ، فقول الضحاك هذا هو المناسب إيراده في المقام، وقول ابن عباس أخرجه أيضا عبد الرزاق والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وصححه من طرق، وقول الضحاك أخرجه أيضا ابن عدي والبيهقي في الشعب، وابن عساكر .

(وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام ) ، رواه ابن أبي الدنيا ، عن خالد بن خراش ، حدثنا مهدي بن ميمون ، عن واصل الأحدب ، عن أبي وائل قال: بلغ حذيفة عن رجل أنه ينم الحديث، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة نمام . (وفي حديث آخر: لا يدخل الجنة قتات ) رواه ابن أبي الدنيا عن أبي خيثمة ، حدثنا وكيع عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام ، عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قتات" . قال الأعمش : ( والقتات هو النمام ) ، وقد رواهما باللفظين الطيالسي وأحمد والشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي ، والطبراني ، وقد تقدم ذكرهما، ورواهما أيضا أبو البركات السقطي في معجمه، وابن النجار عن بشير الأنصاري عن جده .

التالي السابق


الخدمات العلمية