إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : إنه سيصيب أمتي داء الأمم ، قالوا وما داء الأمم؟ قال : الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا ، والتباعد ، والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج وقال صلى الله عليه وسلم : لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك وروي أن موسى عليه السلام لما تعجل إلى ربه تعالى رأى في ظل العرش رجلا ، فغبطه بمكانه فقال : إن هذا لكريم على ربه ، فسأل ربه تعالى أن يخبره باسمه ، فلم يخبره ، وقال : أحدثك من عمله بثلاث كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وكان لا يعق والديه ولا ، يمشي بالنميمة وقال زكريا عليه السلام : قال الله تعالى : الحاسد عدو لنعمتي متسخط ، لقضائي ، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي وقال صلى الله عليه وسلم : أخوف ما أخاف على أمتي : أن يكثر فيهم المال ، فيتحاسدون ، ويقتتلون وقال صلى الله عليه وسلم : استعينوا على قضاء الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود وقال صلى الله عليه وسلم : إن لنعم الله أعداء فقيل : ومن هم؟ فقال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله وقال صلى الله عليه وسلم : ستة يدخلون النار قبل الحساب بسنة ، قيل : يا رسول الله ، من هم؟ قال : الأمراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالتكبر والتجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجهالة والعلماء بالحسد .


(وقال صلى الله عليه وسلم: إنه سيصيب أمتي داء الأمم، قالوا) : يا رسول الله، (وما داء الأمم؟ قال: الأشر) محركة، أي: كفر النعمة (والبطر) محركة، أي: الطغيان عند النعمة (والتكاثر) من جمع المال (والتنافس في الدنيا، والتباعد، والتحاسد حتى يكون البغي) ، أي: مجاوزة الحد (ثم يكون الهرج) بفتح فسكون، أي: القتل، وهذا تحذير شديد من التنافس في الدنيا، والتحاسد عليها، فإن ذلك أصل الفتن، وعنه ينشأ الشرور .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة بإسناد جيد. انتهى .

قلت: ورواه كذلك ابن أبي الدنيا في ذم الحسد، والحاكم وصححه، وأقره الذهبي، وفي إسناد الطبراني: أبو سعيد الغفاري، لم يرو عنه غير حميد بن هانئ، ورجاله وثقوا، وهذا السياق الذي ساقه المصنف لابن أبي الدنيا، ولفظ الجماعة: والتشاحن في الدنيا، والتباغض، والتحاسد، وليس عندهم: ثم يكون الهرج (وقال صلى الله عليه وسلم: لا تظهر الشماتة لأخيك) في الدين .

كذا هو باللام في سائر الروايات، والمشهور: بأخيك بالباء الموحدة، والشماتة الفرح ببلية من يعاديك، أو تعاديه (فيعافيه الله) ، وفي رواية: فيرحمه الله، أي: رغما لأنفك (ويبتليك) حيث زكيت نفسك، ورفعت منزلتك، وشمخت بأنفك، وشمت به، قال الطيبي: وجملة: فيرحمه الله نصب جوابا للنهي، ويبتليك عطف عليه، وهذا معدود من جوامع الكلم .

قال العراقي: رواه الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع، وقال: حسن غريب، وفي رواية ابن أبي الدنيا: يرحمه الله. انتهى .

قلت: أورده الترمذي من طريقين; أحدهما من حديث عمر بن إسماعيل بن مجالد، عن حفص بن غياث بن يزيد بن سنان، عن مكحول، عن واثلة، والآخر من طريق القاسم بن أمية الحذاء، عن حفص بن غياث به، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال عمر بن إسماعيل: كذاب، كذبه ابن معين، وغيره، والقاسم لا يجوز الاحتجاج به، ولا أصل للحديث، وممن تبع ابن الجوزي القزويني، فانتقده على المصابيح، وزعم وضعه، ونازعهما العلائي، والحق مع العلائي، فإن القاسم بن أمية صدوق، وتضعيف ابن حبان له بلا مسند، فالحديث له أصل لا كما قاله ابن الجوزي (وروي أن موسى) - عليه السلام - (لما تعجل إلى ربه رأى في ظل العرش رجلا، فغبطه بمكانه) ، أي: تمنى أن يكون مثله (وقال: إن هذا الكريم على ربه، فسأل ربه أن يخبره باسمه، فلم يخبره باسمه، وقال: أحدثك من عمله بثلاث) خصال (كان لا يحسد الناس على ما أتاهم الله من فضله، وكان لا يعق والديه، وكان لا يمشي بالنميمة) أورده القشيري في الرسالة مختصرا، ولفظه: رأى موسى - عليه السلام - رجلا عند العرش، فغبطه، فقال: ما صنعته؟ فقيل: كان لا يحسد الناس على ما أتاهم الله من فضله، وقد وقع نظيره لنبينا صلى الله عليه وسلم ذلك فيما ذكره العلماء في قصة المعراج أنه رأى رجلا في نور العرش... الحديث، وفيه: ولم يكن عاقا لوالديه .

أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث أبي المخارق مرسلا، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب، (وقال زكريا - صلوات الله عليه -: قال الله تعالى: الحاسد عدو لنعمتي، مسخط لقضائي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي (قال القشيري في الرسالة: قال بعضهم: الحاسد جاحد; لأنه لا يرضى بقضاء الواحد.

قال: وفي بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي .

(وقال صلى الله عليه وسلم: أخوف ما أخاف على أمتي: أن يكثر فيهم المال، فيتحاسدون، ويقتتلون) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الحسد من حديث أبي عامر الأشعري، وفيه ثابت بن أبي ثابت، جهله ابن أبي حاتم.

قال العراقي: وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد: إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا، وزينتها.

ولهما من حديث عمرو بن عوف البدري: والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا... الحديث، ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو: إذا فتحت عليكم فارس، والروم... الحديث، وفيه: يتنافسون، ثم يتحاسدون، ثم يتدابرون... الحديث، ولأحمد والبزار من حديث عمر: لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وفيه ابن لهيعة.

(وقال صلى الله عليه وسلم: استعينوا على قضاء الحوائج) ، وفي رواية: على قضاء حوائجكم (بالكتمان) ، أي: كونوا [ ص: 54 ] لها كاتمين عن الناس، واستعينوا بالله على الظفر بها، ثم علل طلب الكتمان بقوله: (فإن كل ذي نعمة محسود) ، أي: إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني من حديث معاذ بسند ضعيف. انتهى .

قلت: حديث معاذ أخرجه العقيلي ، وابن عدي ، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي، فالعقيلي رواه عن محمد بن خزيمة، عن سعيد بن سالم العطار، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ، والباقون من طريق العقيلي، ثم قال أبو نعيم: غريب من حديث خالد، تفرد به عنه ثور، حدث به عمر بن يحيى البصري، عن شعبة، عن ثور. ا ه .

وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: سعيد كذاب، قال البخاري: يذكر بوضع الحديث، وتابعه حسين بن علوان، وضاع، وقد أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا بهذا الإسناد، وقال ابن حبان: سعيد يضع الحديث، وقال العقيلي: لا يعرف إلا بسعيد، ولا يتابع عليه، قال الهيتمي: إن ابن معدان لم يسمع معاذا، فهو منقطع .

وفي الباب ابن عباس، رواه الخطيب في التاريخ، عن إبراهيم بن مخلد، عن إسماعيل بن علي الخطيبي، عن الحسين بن عبد الله الأبزاري، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، عن أبيه، عن جده، عن عطاء، عن ابن عباس، قال ابن الجوزي: موضوع من عمل الأبزاري ، وسئل أحمد، وابن معين عنه، فقالا: يضع، وقال ابن أبي حاتم: هو - أي: حديث ابن عباس هذا - منكر لا يعرف .

وعمر بن الخطاب، رواه أبو بكر الخرائطي في اعتلال القلوب، عن علي بن حرب، عن حابس بن عمر، وعن ابن جريج، عن عطاء عنه، وهو ضعيف أيضا .

وعلي بن أبي طالب، رواه الخلعي في فوائده، عن أحمد بن محمد بن الحجاج، عن أحمد بن محمد القرسياني، عن أحمد بن عبد الله، عن غندر، عن شعبة، عن مروان الأصفر، عن النزال بن سبرة عنه، وقال الحافظ السخاوي في المقاصد: رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة، وعنه، وعن غيره أبو نعيم في الحلية من حديث سعيد بن سالم العطار، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ رفعه، وكذا أخرجه ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب، والعسكري في الأمثال، والخلعي في فوائده، والقضاعي في مسنده، وسعيد كذبه أحمد، وغيره، وقال العجلي: لا بأس به، ولكن قد أخرجه العسكري أيضا من غير طريقه بسند ضعيف أيضا عن وكيع، عن ثور، ولفظه: استعينوا على طلب حوائجكم بكتمانها، فإن لكل نعمة حسدة، ولو أن أمرا كان أقوم من قدح لكان له من الناس غامز.

وهو مع ذلك منقطع، فخالد لم يسمع من معاذ، وله طريق أخرى عند الخلعي في فوائده من حديث مروان الأصفر، عن النزال بن سبرة، عن علي رفعه، أي: بلفظ المصنف، إلا أنه زاد في آخره: لها، ثم قال: وفي الباب جماعة منهم عمر .

قلت: وبما ذكر يظهر أن الحديث ضعيف لا موضوع، وابن الجوزي يتساهل كثيرا، كما تقدمت الإشارة إليه، ثم إن الأحاديث الواردة في التحدث بالنعم محمولة على ما بعد وقوعها، فلا تكون معارضة لهذا .

نعم، إن ترتب على التحديث بها حسد، فالكتمان أولى، والله أعلم .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن لنعم الله أعداء، قيل: ومن أولئك؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس: إن لأهل النعم حسادا، فاحذروهم، وسنده ضعيف، (وقال صلى الله عليه وسلم: ستة يدخلون النار قبل الحساب، قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: الأمراء بالجور) أي: الظلم على الرعية، (والعرب) ، وهم سكان البادية (بالعصبية) الجاهلية (والدهاقين) جمع دهقان بالكسر، وهو رئيس القرية (بالتكبر) على أهل قريته (والتجار بالخيانة) في معاملاتهم (وأهل الرستاق) ، أي: السواد (بالجهالة) في أمور الدين (والعلماء بالحسد) .

قال العراقي: رواه الديلمي من حديث ابن عمر وأنس، بسندين ضعيفين. ا ه .

قلت: لفظ الديلمي من حديث أنس: ستة يعذبهم الله بذنوبهم يوم القيامة: الأمراء بالجور، والعلماء بالحسد، والعرب بالعصبية، وأهل الأسواق بالخيانة، والدهاقين بالكبر، وأهل الرساتيق بالجهل.

وأما حديث ابن عمر، فأخرجه أبو نعيم في الحلية بلفظ: ستة يدخلون النار بغير حساب: الأمراء بالجور، والعرب بالعصبية، والدهاقين بالكبر، والتجار بالكذب، والعلماء بالحسد، والأغنياء بالبخل.

[ ص: 55 ] ومما جاء في المرفوع: الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل.

رواه الديلمي من حديث معاوية بن حيدة، وعن ابن مسعود رفعه: إياكم والكبر، فإن إبليس حمله الكبر على أن لا يسجد لآدم، وإياكم والحرص، فإن آدم حمله الحرص على أكل الشجرة، وإياكم والحسد، فإن ابني آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا، فهن أصل كل خطيئة.

أخرجه القشيري في الرسالة، وابن عساكر في التاريخ من حديثه .

التالي السابق


الخدمات العلمية