إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أما منفعته في الدين ، فهو أنه مظلوم من جهتك ; لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول ، والفعل بالغيبة ، والقدح فيه ، وهتك ستره ، وذكر مساويه فهذه هدايا تهديها إليه ; أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا ، محروما عن النعمة ، كما حرمت في الدنيا عن النعمة ، فكأنك أردت زوال النعمة عنه ، فلم تزل .

نعم ، كان لله عليه نعمة ; إذ وفقك للحسنات ، فنقلتها إليه ، فأضفت إليه نعمة إلى نعمة ، وأضفت إلى نفسك شقاوة إلى شقاوة .

وأما منفعته في الدنيا ، فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم وشقاوتهم ، وكونهم معذبين مغمومين ، ولا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد ، وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة ، وأن تكون في غم وحسرة بسببهم ، وقد فعلت بنفسك ما هو مرادهم ولذلك لا يشتهي عدوك موتك ، بل يشتهي أن تطول حياتك ، ولكن في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة الله عليه فيتقطع قلبك حسدا ; ولذلك قيل :


لا مات أعداؤك بل خلدوا حتى يروا فيك الذي يكمد     لا زلت محسودا على نعمة
فإنما الكامل من يحسد

ففرح عدوك بغمك وحسدك أعظم من فرحه بنعمته ، ولو علم خلاصك من ألم الحسد وعذابه لكان ذلك أعظم مصيبة وبلية عنده ، فما أنت فيما تلازمه من غم الحسد إلا كما يشتهيه عدوك ، فإذا تأملت هذا عرفت أنك عدو نفسك ، وصديق عدوك ; إذ تعاطيت ما تضررت به في الدنيا والآخرة ، وانتفع به عدوك في الدنيا والآخرة ، وصرت مذموما عند الخالق والخلائق ، شقيا في الحال والمآل ، ونعمة المحسود دائمة شئت أم أبيت باقية ثم لم تقتصر على تحصيل مراد عدوك حتى وصلت إلى إدخال أعظم سرور على إبليس الذي هو أعدى أعدائك لأنه لما رآك محروما من نعمة العلم ، والورع ، والجاه ، والمال الذي اختص به عدوك عنك خاف أن تحب ذلك له ، فتشاركه في الثواب بسبب المحبة لأن من أحب الخير للمسلمين كان شريكا في الخير ومن فاته اللحاق بدرجة الأكابر في الدنيا لم يفته ثواب الحب لهم مهما أحب ذلك ، فخاف إبليس أن تحب ما أنعم الله به على عبده من صلاح دينه ودنياه ، فتفوز بثواب الحب فبغضه إليك حتى لا تلحقه بحبك كما لم تلحقه بعملك .

وقد قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله : الرجل يحب القوم ولما ، يلحق بهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : المرء مع من أحب .

وقام أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فقال يا رسول الله : متى الساعة ? فقال : ما أعددت لها ? قال : ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ، إلا أني أحب الله ورسوله ، فقال صلى الله عليه وسلم : أنت مع من أحببت .

قال أنس فما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ ; إشارة إلى أن أكبر بغيتهم كانت حب الله ، ورسوله ، قال أنس فنحن نحب رسول الله ، وأبا بكر ، وعمر ، ولا نعمل مثل عملهم ، ونرجو أن نكون معهم وقال أبو موسى قلت : يا رسول الله ، الرجل يحب المصلين ولا يصلي ، ويحب الصوام ولا يصوم حتى عد أشياء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو مع من أحب .

وقال رجل لعمر بن عبد العزيز إنه كان يقال : إن استطعت أن تكون عالما ، فكن عالما ، فإن لم تستطع أن تكون عالما ، فكن متعلما فإن لم تستطع أن تكون متعلما فأحبهم ، فإن لم تستطع فلا تبغضهم ، فقال سبحان الله لقد ; جعل الله لنا مخرجا .

فانظر الآن كيف حسدك إبليس ، ففوت عليك ثواب الحب ، ثم لم يقنع به حتى بغض إليك أخاك ، وحملك على الكراهة حتى أثمت وكيف لا وعساك تحاسد رجلا من أهل العلم ، وتحب أن يخطئ في دين الله تعالى ، وينكشف خطؤه ليفتضح وتحب أن يخرس لسانه حتى لا يتكلم ، أو يمرض حتى لا يعلم ولا يتعلم ، وأي إثم يزيد على ذلك فليتك إذ فاتك اللحاق به ، ثم اغتممت بسببه سلمت من الإثم ، وعذاب الآخرة ، وقد جاء في الحديث : أهل الجنة ثلاثة : المحسن والمحب له ، والكاف عنه .

أي من يكف عن الأذى والحسد والبغض والكراهة فانظر كيف أبعدك إبليس عن جميع المداخل الثلاثة حتى لا تكون من أهل واحد منها ألبتة فقد نفذ فيك حسد إبليس ، وما نفذ حسدك في عدوك ، بل على نفسك بل لو كوشفت بحالك في يقظة ، أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي سهما إلى عدوه ليصيب مقتله فلا يصيبه ، بل يرجع إلى حدقته اليمنى ، فيقلعها فيزيد غضبه فيعود ثانية فيرمي ، أشد من الأولى ، فيرجع إلى عينه الأخرى فيعميها فيزداد غيظه ، فيعود على رأسه ، فيشجه وعدوه سالم في كل حال وهو إليه راجع مرة بعد أخرى ، وأعداؤه حوله يفرحون به ، ويضحكون عليه ، وهذا حال الحسود ، وسخرية الشيطان منه ، بل حالك في الحسد أقبح من هذا ; لأن الرمية العائدة لم تفوت إلا العينين ، ولو بقيتا لفاتتا بالموت لا محالة .

والحسد يعود بالإثم ، والإثم لا يفوت بالموت ، ولعله يسوقه إلى غضب الله ، وإلى النار فلأن تذهب عينه في الدنيا خير له من أن تبقى له عين يدخل بها النار فيقلعها لهيب النار فانظر كيف انتقم الله من الحاسد إذا أراد زوال النعمة عن المحسود ، فلم يزلها عنه ، ثم أزالها عن الحاسد ; إذ السلامة من الإثم نعمة والسلامة ، من الغم ، والكمد نعمة قد زالتا عنه ؛ تصديقا لقوله تعالى : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، وربما يبتلى بعين ما يشتهيه لعدوه ، وقلما يشمت شامت بمساءة إلا ويبتلى بمثلها حتى قالت عائشة رضي الله عنها : ما تمنيت لعثمان شيئا إلا نزل بي حتى لو تمنيت له القتل لقتلت فهذا إثم الحسد نفسه ، فكيف ما يجر إليه الحسد من الاختلاف ، وجحود الحق ، وإطلاق اللسان ، واليد بالفواحش في التشفي من الأعداء وهو الداء الذي فيه هلك الأمم السالفة .

فهذه هي الأدوية العلمية ، فمهما تفكر الإنسان فيها بذهن صاف وقلب حاضر انطفأت نار الحسد من قلبه وعلم أنه مهلك نفسه ، ومفرح عدوه ، ومسخط ربه ، ومنغص عيشه .


( أما منفعته في الدين، فهو أنه مظلوم من جهتك; لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول باللسان، والفعل بالغيبة، والقدح فيه، وهتك ستره، وذكر مساويه) وعيوبه بين الناس (فهو بمنزلة [ ص: 72 ] هدايا تهديها إليه; أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا، محروما عن النعمة، كما حرمت في الدنيا عن النعمة، فكأنك أردت زوال النعمة عنه، فلم تزل) عنه (نعم، كان لله عليه نعمة; إذ وفقك للحسنات، فنقلتها إليه، فأضفت إليه نعمة إلى نعمة، وأضفت لنفسك شقاوة إلى شقاوة .

وأما منفعته في الدنيا، فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء وغمهم) ، ونكدهم (وشقاوتهم، وكونهم معذبين مغمومين، ولا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد، وغاية أماني أعدائك) ، أي: نهاية ما يتمنونه (أن يكونوا في نعمة، وأن تكون في غم) وحسرة (بسببهم، وقد فعلت بنفسك ما هو مرادهم) ، ومتمناهم؛ (ولذلك لا يشتهي عدوك موتك، بل يشتهي أن تطول حياتك، ولكن في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة الله) عليه (ولينقطع قلبك حسدا; ولذلك قيل:


لا مات أعداؤك بل خلدوا حتى يروا فيك الذي يكمد )

أي: يورث فيهم الكمد والحزن

( لا زلت محسودا على نعمة     إنما الكامل من يحسد

ففرح عدوك بغمك وحسدك أعظم من فرحه بنعمته، ولو علم خلاصك من ألم الحسد وعذابه لكان ذلك أعظم مصيبة وبلية عنده، فما أنت فيما تلازمه من غم الحسد إلا كما يشتهيه عدوك، فإذا تأملت هذا عرفت أنك عدو نفسك، وصديق عدوك; إذ تعاطيت ما تضررت به في الدنيا والآخرة، وانتفع به عدوك في الدنيا والآخرة، وصرت مذموما عند الخلق والخالق، شقيا في الحال والمآل، ونعمة المحسود دائمة) تتوالى عليه (شئت أم أبيت) ليس بيدك شيء (ثم لم تقتصر على تحصيل مراد عدوك حتى توصلت إلى إدخال أعظم سرور على إبليس الذي هو أعدى أعدائك) ، أي: أكبر أعدائك؛ (لأنه لما رآك محروما عن نعمة العلم، والورع، والجاه، والمال الذي اختص به عدوك عنك خاف أن تحب ذلك له، فتشاركه في الثواب بسبب المحبة) له؛ (لأن من أحب الخير للمسلمين كان شريكا في الخير) ، ويشهد له ما رواه الخطيب من حديث جابر: من أحب قوما على أعمالهم حشر يوم القيامة في زمرتهم، فحوسب بحسابهم، وإن لم يعمل بأعمالهم (ومن فاته اللحاق بدرجة الأكابر في الدين) من عباد الله الصالحين (لم يفته ثواب الحب لهم مهما أحب ذلك، فخاف إبليس أن تحب ما أنعم الله به على عبده من صلاح دينه ودنياه، فتفوز بثواب الحب فيبغضه إليك حتى لا تلحقه بحبك) له (كما لم تلحقه بعملك، وقد قال أعرابي) ، أي: رجل من البادية (للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم، ولا يلحق بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب) ، أي: في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا بالطاعة والأدب الشرعي، وفي الآخرة بالعافية والقرب المشهدي، فمن لم يتحقق بهذا، وادعى المحبة، فدعواه كاذبة .

قال العراقي: متفق عليه من حديث ابن مسعود. ا ه .

قلت: ولكن لفظه عندهما: المرء مع من أحب، قال العلائي: والحديث مشهور، أو متواتر لكثرة طرقه .

(وقام أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: متى الساعة؟ فقال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت) ، أي: في زمرتهم، وإن لم تعمل بعملهم .

[ ص: 73 ] (قال أنس) - رضي الله عنه -: (فما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ; إشارة إلى أن أكبر بغيتهم كان حب الله، ورسوله، قال أنس) - رضي الله عنه -: (فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، ولا نعمل مثل عملهم، ونرجو أن نكون معهم) ، أي: في زمرتهم .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أنس.

قلت: وكذلك رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وعند بعضهم، قال أنس: فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث .

ورواه الدارقطني في السنن بزيادة: وله ما اكتسب، وذكر سببه أن أعرابيا جاء فبال في المسجد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر، فصب عليه دلو، فقال الأعرابي: يا رسول الله، المرء يحب القوم، ولا يعمل عملهم، فذكره .

(وقال أبو موسى) الأشعري - رضي الله عنه -: (قلت: يا رسول الله، الرجل يحب المصلين ولا يصلي، ويحب الصوم ولا يصوم حتى عد أشياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو مع من أحب) .

قال العراقي: متفق عليه بلفظ آخر مختصر: الرجل يحب القوم، ولما يلحق بهم، قال: المرء مع من أحب. انتهى .

قلت: ووجد بخط الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: وأما هذا اللفظ، عن عتبة بن عمر مرسلا (وقال رجل لعمر بن عبد العزيز) - رحمه الله تعالى -: (أنه كان يقال: إن استطعت أن تكون عالما، فكن عالما، فإن لم تستطع أن تكون عالما، فكن متعلما فأحبهم، فإن لم تستطع فلا تبغضهم، فقال) عمر بن عبد العزيز: (سبحان الله; لقد جعل الله لنا مخرجا) ، وقد أخرجه البزار في المسند، والطبراني في الأوسط من حديث أبي بكر: اغد عالما، أو متعلما، أو مستمعا، أو محبا، ولا تكن الخامسة، فتهلك .

قال عطاء: قال لي مسعر: زدتنا خامسة لم تكن عندنا، والخامسة أن تبغض العلم وأهله، وقال ابن عبد البر: هي معاداة العلماء وبغضهم، ومن لم يحبهم، فقد أبغضهم، أو قارب، وفيه الهلاك .

قال الولي العراقي في المجلس الثالث والأربعين بعد الخمسمائة من أماليه بعد أن رواه من طريق الطبراني، عن محمد بن الحسين الأنماطي، عن عبيد بن جنادة الحلبي، عن عطاء بن مسلم، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، فذكره، إن هذا الحديث ضعيف، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وعطاء بن مسلم هو الخفاف، وهو ضعيف، وعن أبي داود: ليس بشيء .

(فانظر الآن كيف حسدك إبليس، ففوت عليك ثواب الحب، ثم لم يقنع به حتى بغض إليك أخاك، وحملك على الكراهية حتى أثمت) ، أي: وقعت في الإثم (وكيف لا) يكون ذلك (وعساك تحاسد رجلا من أهل العلم، وتحب) فيه (أن يخطئ) يوما في مسألة (في دين الله، وينكشف خطؤه لينفضح) بين الناس (وتحب أن يخرس لسانه حتى لا يتكلم، أو يمرض حتى لا يعلم، وأي إثم يزيد على ذلك) إذا تأملت فيه، (فليتك إذا فاتك اللحاق به، ثم اغتممت بسببه سلمت من الإثم، وعذاب الآخرة، وقد جاء في الحديث: أهل الجنة ثلاثة: المحسن) ، أي: في عمله (والمحب له، والكاف عنه) .

قال العراقي: لم أجد له أصلا .

أي: من يكف عنه الأذى، والحسد، والبغض، والكراهة، فلا يؤذيه بقول ولا فعل، ولا يحسده على نعمة أوتيها، ولا يبغضه ولا يكرهه .

وروى الديلمي من طريق عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي رفعه: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه.

وقد سمعت هذا الحديث من لفظ الشريف الأجل عميد السادة ابن قناع، محمد بن مقاعس بن أبي نمى الحسني - رحمه الله تعالى - بمصر.

(فانظر كيف أبعدك إبليس عن جميع المداخل الثلاثة حتى لا تدور بها ألبتة) ، وهو أن تعمل عملهم، أو تحبهم، أو تكف عنهم (فقد نفذ) فيك (حسد إبليس، وما نفذ حسدك على عدوك، بل على نفسك) خاصة (بل لو كوشفت بحالك في يقظة، أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي حجرا إلى عدوه ليصيب به مقتله) ، أي: الموضع الذي إذا أصابه ذلك الحجر قتله [ ص: 74 ] (فلا يصيبه، بل يرجع على حدقته اليمنى، فيقلعها فيزيد غضبه) ثانيا (فيعود، ويرميه أشد من الأول، فيرجع الحجر على عينه الأخرى فيعميها فيزداد، فيعود) مرة (ثالثة) فيرمي الحجر (فيعود على رأسه، فيشجه) ، ويدميه (وعدوه سالم في كل حال) لم يصبه شيء (وهو إليه راجع مرة بعد أخرى، وأعداؤه حواليه يفرحون به، ويضحكون عليه، وهذا حال الحسود، وسخرية الشيطان منه، بل حالك في الحسد أقبح من هذا; لأن الحجر العائد بعد الرمي لم يفوت إلا العين، ولو بقيت لفاتت بالموت لا محالة، والحسد يعود بالإثم، والإثم لا يفوت بالموت، ولعله يسوقه إلى غضب الله، وإلى النار) إن لم يتب منه، (فلأن تذهب عينه في الدنيا خير له من أن تبقى له عين يدخل بها النار فيذهبها لهب النار) ، وفي نسخة: فيقلعها لهيب النار .

(فانظر كيف انتقم الله من الحاسد إذا أراد زوال النعمة عن المحسود، فلم يزلها عنه، ثم أزال نعمة الحاسد; إذ السلامة من الإثم نعمة من الله تعالى، و) كذا (السلامة من الغم، والكمد نعمة) من الله تعالى، (وقد زالتا عنه؛ تصديقا لقوله تعالى: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، وربما يبتلى) الحاسد (بعين ما يشتهيه لعدوه، وقلما يشمت شامت لمساءة إلا ويبتلى بمثلها) ، ففي الخبر: ولا تظهر الشماتة بأخيك، فيعافيه الله ويبتليك، وتقدم قريبا (قالت عائشة - رضي الله عنها -: ما تمنيت لعثمان - رضي الله عنه - شيئا إلا نزل بي حتى لو تمنيت له القتل لقتلت) ، وكان سبب كلامها فيه لكثرة ما كان يبلغها من الشكاية في حقه من قبل جور عماله، وإبقائهم على أعمالهم، فكانت كغيرها من الصحابة يغضبون بذلك منه .

(فهذا إثم الحسد نفسه، فكيف بما يجر إليه الحسد من الاختلاف، وجحود الحق، وإطلاق اللسان، واليد بالفواحش في التشفي من الأعداء) ، والانتصار منهم (وهو الداء الذي به هلك الأمم السالفة، فهذه هي الأدوية العلمية، فمهما تفكر الإنسان فيها بذهن صاف) عن كدر الغش (وقلب حاضر انطفأ من قلبه نار الحسد) في الحال (وعلم أنه مهلك نفسه، ومفرح عدوه، ومسخط ربه، ومنغص عيشه) ، ومشتت حاله، وقد تقدم بيان ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية