إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال وهب بن منبه : لما بعث الله عز وجل موسى ، وهارون عليهما السلام إلى فرعون قال لا يروعنكما لباسه الذي لبس من الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني ، ولا يعجبنكما ما تمتع به منها فإنما هي زهرة الحياة الدنيا ، وزينة المترفين فلو ، شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن قدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت ، ولكني أرغب بكما عن ذلك ، فأزوي ذلك عنكما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة وإني لأجنبهم ملاذها ، كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن منازل العرة وما ذاك لهوانهم علي ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا إنما يتزين لي أوليائي بالذل ، والخوف والخضوع والتقوى تنبت في قلوبهم وتظهر ، على أجسادهم ، فهي ثيابهم التي يلبسون ، ودثارهم الذي يظهرون ، وضميرهم الذي يستشعرون ، ونجاتهم التي بها يفوزون ، ورجاؤهم الذي إياه يأملون ، ومجدهم الذي به يفخرون ، وسيماهم التي بها يعرفون فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك ، وذلل لهم قلبك ، ولسانك واعلم أنه من أخاف لي وليا ، فقد بارزني بالمحاربة ، ثم أنا الثائر له يوم القيامة .

وخطب علي كرم الله وجهه يوما خطبة ، فقال فيها : اعلموا أنكم ميتون ، ومبعوثون من بعد الموت ، وموقوفون على أعمالكم ، ومجزيون بها ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، فإنها بالبلاء محفوفة ، وبالفناء معروفة ، وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال وهي بين ، أهلها دول وسجال لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور أحوال ، مختلفة ، وتارات منصرفة العيش فيها مذموم ، والرخاء فيها لا يدوم ، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ، ترميهم بسهامها وتقصيهم ، بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا ، وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا ، وأبعد آثارا ، فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تقلبها وأجسادهم بالية ، وديارهم على عروشها خاوية ، وآثارهم عافية واستبدلوا بالقصور المشيدة ، والسرر والنمارق الممهدة ، الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة ، فمحلها مقترب ، وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين ، وأهل محلة متشاغلين ، لا يستأنسون بالعمران ، ولا يتواصلون تواصل الجيران ، والإخوان على ما بينهم من قرب المكان والجوار ، ودنو الدار ، وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلا وأكلتهم الجنادل والثرى ، وأصبحوا بعد الحياة أمواتا ، وبعد نضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب ، وسكنوا تحت التراب وظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فكأن ، قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى ، والوحدة في دار المثوى ، وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع ، فكيف بكم لو عاينتم الأمور ، وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور وأوقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل ، فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب ، وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار ? هنالك تجزى كل نفس بما كسبت إن الله عز وجل يقول ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، وقال تعالى : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه الآية . جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين ، لأوليائه ، حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله . إنه حميد مجيد .

وقال بعض الحكماء : الأيام سهام ، والناس أغراض ، والدهر يرميك كل يوم بسهامه ، ويخترمك بلياليه وأيامه حتى يستغرق جميع أجزائك فكيف بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك ، وسرعة الليالي في بدنك لو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص ، لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك ، واستثقلت ممر الساعة بك ، ولكن تدبير الله فوق تدبير الاعتبار وبالسلو عن غوائل الدنيا وجد طعم لذاتها وإنها لأمر من العلقم إذا عجنها الحكيم وقد أعيت الواصف لعيوبها بظاهر أفعالها ، وما تأتي به من العجائب أكثر مما يحيط به الواعظ اللهم أرشدنا إلى الصواب وقال بعض الحكماء ، وقد استوصف الدنيا ، وقدر بقائها ، فقال : الدنيا وقتك الذي يرجع إليك فيه طرفك ; لأن ما مضى عنك ، فقد فاتك إدراكه ، وما لم يأت ، فلا علم لك به والدهر يوم مقبل تنعاه ليلته ، وتطويه ساعاته ، وأحداثه تتوالى على الإنسان بالتغيير ، والنقصان ، والدهر موكل بتشتيت الجماعات ، وانخرام الشمل ، وتنقل الدول ، والأمل طويل ، والعمر قصير ، وإلى الله تصير الأمور .

وخطب عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه فقال : يا أيها الناس ، إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدقون به فإنكم ، حمقى وإن كنتم تكذبون به فإنكم هلكى ; إنما خلقتم للأبد ، ولكنكم من دار إلى دار تنقلون . عباد الله ، إنكم في دار لكم فيها من طعامكم غصص ومن شرابكم شرق لا تصفو لكم نعمة تسرون بها إلا بفراق أخرى تكرهون فراقها ، فاعملوا لما أنتم صائرون إليه ، وخالدون فيه ، ثم غلبه البكاء ، ونزل .


(وقال وهب بن منبه: لما بعث الله موسى، وهارون - عليهما السلام - إلى فرعون) كان فيما (قال) له: اسمع كلامي، واسمع وصيتي (لا يروعنكما لباسه الذي لبس في الدنيا) ، أي: لا يعجبكما، (فإن ناصيته بيدي ليس ينطق) بحرف، (ولا يطرف) يلحظ (ولا يتنفس إلا بإذني، ولا يعجبكما ما متع به منها) ، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما، (فإنما هي زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، ولو شئت أزينكما بزينة من الدنيا يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك، فأزوي) ، أي: أقبض (ذلك عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودهم) ، [ ص: 102 ] أي: أسوقهم (عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيق) ، أي: المشفق (غنمه عن مواقع الهلكة) محركة، أي: الهلاك، (وإني لأجنبهم ملاذها، ورفاءها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العرة) بالضم، وهي الجرب، (وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا) لم تكلمه الدنيا، ولم ينقصه الهوى، واعلم يا موسى أنه لم يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ عندي من الزهد في الدنيا، فإنها زينة الأبرار عندي، (إنما يتزين لي أوليائي بالذل، والخشوع، والخوف) ، والنحول، والسجود، (والتقوى تثبت في قلوبهم، فتظهر على أجسادهم، فهي ثيابهم التي يلبسون، ودثارهم الذي يظهرون، وضميرهم الذي يستشعرون، ونجاتهم التي بها يفوزون، ورجاؤهم الذي إياه يأملون، ومجدهم الذي به يفخرون، وسيماهم التي بها يعرفون) أولئك هم أوليائي حقا، (فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك، وذلل لهم قلبك، ولسانك) .

هكذا أورد قول وهب هذا صاحب الحلية، وصاحب القوت .

(واعلم) يا موسى، (أنه من أخاف لي وليا، فقد بارزني بالمحاربة، ثم أنا الثائر له يوم القيامة) ، أي: الآخذ بالثأر، وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء، والحكيم في النوادر، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر من حديث أنس يقول الله - عز وجل -: من أهان لي وليا، فقد بارزني بالمحاربة... الحديث، وعند الطبراني من حديث ابن عباس يقول الله - عز وجل -: من عادى لي وليا، فقد ناصبني بالمحاربة... الحديث، وروى أحمد، والحكيم، وأبو يعلى، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الطب، والبيهقي في الزهد، وابن عساكر من حديث عائشة، قال الله - عز وجل -: من آذى لي وليا، فقد استحل محاربتي... الحديث، (وخطب علي - رضي الله عنه - يوما خطبة، فقال فيها: اعلموا أنكم ميتون، ومبعوثون من بعد الموت، وموقوفون على أعمالكم، ومجزيون بها، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها بالبلاء محفوفة، وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، فهي من أهلها دول) ، أي: نوب، (وسجال) جمع سجل بالفتح، وهو الدلو يقال: الحرب بينهم سجال، أي: تارة لهم، وتارة عليهم (لا تدوم أحوالها) ، أي: لا تثبت على حالة واحدة، (ولن يسلم من شر نزالها) جمع نازل، أي: واردها، شبههم بالمسافر الذي ينزل، ثم يسافر (بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور، وأحوال مختلفة، وتارات متصرفة) ، أي: متغيرة (العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة بالبلايا والمحن، ترميهم بسهامها، وتقصمهم) ، أي: تكسرهم (بحمامها) ، أي: موتها العاجل، (وكل) منهم (حتفه فيها مقدور) مكتوب من الأزل، (وحظه منها موفور) ، أي: واف (واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا، وأشد منكم بطشا) ، أي: قوة وقهرا (وأعمر ديارا، وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة) ، أي: ساكنة (من بعد طول تقلبها وأجسادهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية) ، أي: مندرسة (استبدلوا بالقصور المشيدة، والسرر والنمارق الممهدة، الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة) ، أي: اللاصقة (الملحدة، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين، وأهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون تواصل الجيران، والإخوان على ما بينهم من قرب المكان والجوار، ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل) ، أو توافق، (وقد طحنهم بكلكله) ، أي: بصدره، يقال: أناخ عليه الدهر بكلكله، وأصله في صدر البعير; وذلك لأنه إذا أناخ على شيء بصدره فقد أهلكه، ثم استعير للدهر (البلى) ، [ ص: 103 ] أي: استأصلهم، فلم يبق منهم شيئا (وأكلتهم الجنادل والثرى، وأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد نضارة العيش) ، أي: طراوته (رفاتا) متكسرين، (فجمع بهم الأحباب، وسكنوا التراب وظعنوا) ، أي: ساروا، (فليس لهم إياب) ، أي: رجوع (هيهات هيهات; إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ، فكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلاء، والوحدة في دار المثوى، وارتهنتم في ذلك المضجع) ، أي: حبستم، (وضمكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد عاينتم الأمور، وبعثرت القبور) ، أي: خرج ما فيها، (وحصل ما في الصدور) من النيات (وأوقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل، فطارت القلوب لإشفاقها) ، أي: خوفها (من سالف الذنوب، وهتكت منكم الحجب والأستار) ، أي: مزقت ورفعت (وظهرت منكم العيوب والأسرار؟ هنالك تجزى كل نفس بما كسبت) من خير، أو شر (إن الله - عز وجل - يقول: ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ، وقال تعالى: ووضع الكتاب، فترى المجرمين مشفقين مما فيه الآية .

جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه، ومتبعين لأوليائه، حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله .

إنه حميد مجيد) .

هذه الخطبة أوردها الشريف في نهج البلاغة، ونصها: دار بالبلاء محفوفة، وبالغدر معروفة لا تدوم أحوالها، ولا تسلم .

نزالها أحوال مختلفة، وتارات متصرفة .

العيش فيها مذموم، والأمان فيها معدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتفنيهم بحمامها، واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم ممن كان أطول منكم أعمارا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا، أصبحت أصواتهم هامدة، ورياحهم راكدة، وأجسادهم بالية، ديارهم خالية، وآثارهم عافية، واستبدلوا بالقصور المشيدة، والنمارق الممهدة، الصخور والأحجار المسندة، والقبور اللاطئة الملحدة التي قد بني على الخراب بناؤها، وشيد بالتراب بناؤها، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب بين أهل محلة موحشين، وأهل فراغ متشاغلين لا يستأنسون بالأوطان، ولا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار، ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تزاور، وقد طحنهم بكلكله البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى، وكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه، وارتهنكم ذلك المضجع، وضمكم ذلك المستودع، وكيف بكم لو تناهت بكم الأمور، وبعثرت القبور هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت، وردوا إلى الله مولاهم الحق، وضل عنهم ما كانوا يفترون .

(وقال بعض الحكماء: الأيام سهام، والناس أغراض، والدهر يرميك كل يوم بسهامه، ويخترمك بلياليه وأيامه) ، أي: ينتقصك (حتى يستغرق جميع أجزائك) ، أي: يستولي، (فكيف بقاء سلامتك مع وقوع الأيام بك، وسرعة الليالي في بدنك لو كشف لك) ، وحققت الحقائق (عما أحدثت الأيام فيك من النقص، لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك، واستثقلت ممر الساعة بك، ولكن تدبير الله فوق الاعتبار) لكل معتبر، (وبالسلو عن غوائل الدنيا) ، أي: مهالكها، (وجد طعم لذاتها) لذائقيه، (وإنها لأمر من العلقم) ، وهو الحنظل، وقيل: قثاء الحمار (إذا عجنها الحكيم) ، أي: اختبرها، (وقد أعيت الواصف) ، أي: أعجزته (لعيوبها بظاهر أفعالها، وما تأتي به من العجائب أكثر مما يحيط به الواعظ) في فصيح مقاله، (فتستوهب الله رشدا إلى الصواب) .

هذا كله ما كتبه الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز أورده هكذا بتمامه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا .

(وقال بعض الحكماء، وقد استوصف الدنيا، وقدر بقائها، فقال: الدنيا وقتك الذي يرجع إليك فيه طرفك; لأن ما مضى عنك، فقد فاتك إدراكه، وما لم يأت، فلا علم لك به) ، وإليه أشار القائل:


ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها

[ ص: 104 ] وإليه أشار الصوفية بقولهم: الصوفي ابن وقته، (والدهر يوم مقبل تنعاه ليلته، وتطويه ساعته، وأحداثه) ، أي: صروفه (تتوالى على الإنسان بالتغيير، والنقصان، والدهر موكل بتشتيت الجماعات، وانخرام الشمل، وتنقل الدول، والأمل طويل، والعمر قصير، وإلى الله تصير الأمور) .

أخرجه ابن أبي الدنيا.

(وخطب عمر بن عبد العزيز) - رحمه الله تعالى -، (فقال: يا أيها الناس، إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدقون به، فأنتم حمقى) لا عقول لكم، (وإن كنتم تكذبون به إنكم لهلكى; إنما خلقتم للأبد، ولكنكم من دار إلى دار تنقلون .

عباد الله، إنكم في دار لكم فيها من طعامكم غصص) جمع غصة بالضم، وهو ما يعترض في الحلق فيغص به، (ومن شرابكم شرق) ، وهو ما يشرق به في الحلق (لا تصفو لكم نعمة تسرون بها إلا بفراق لأخرى تكرهون فراقها، فاعملوا لما أنتم صائرون إليه، وخالدون فيه، ثم غلبه البكاء، ونزل) .

هكذا أخرجه ابن أبي الدنيا.

وأخرجه أبو نعيم في الحلية مختصرا، فقال: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار، قال: قال عمر بن عبد العزيز: إنما خلقتم للأبد، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار، ثم ساق سندا آخر إلى ابن عيينة ، قال فيه: قال عمر بن عبد العزيز: ولم يذكر عمرو بن دينار، وقال في موضع آخر: إن هذه الخطبة كانت بخناصرة، وقد سبقه إلى ذلك علي - رضي الله عنه -، فقال في بعض خطبه: أيها الناس، إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تتنقل فيه المنايا مع كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يعمر معمر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجل، ولا تجدد له زيادة في أكلة إلا بنفاد ما قبلها من رزقه، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر، ولا يتجدد له جديد إلا بعد أن يخلق له جديد، ولا تقوم له ثانية إلا وتسقط منه مخضودة .

التالي السابق


الخدمات العلمية