إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان تفصيل آفات المال وفوائده .

اعلم أن المال مثل حية فيها سم وترياق ففوائده ترياقه وغوائله سمومه فمن عرف غوائله وفوائده أمكنه أن يحترز من شره ، ويستدر من خيره .

أما الفوائد ، فهي تنقسم إلى دنيوية ، ودينية ، أما الدنيوية فلا حاجة إلى ذكرها ، فإن معرفتها مشهورة مشتركة بين أصناف الخلق ، ولولا ذلك لم يتهالكوا على طلبها .

وأما الدينية فتنحصر جميعها في ثلاثة أنواع :

النوع الأول : أن ينفقه على نفسه إما في عبادة أو في الاستعانة على عبادة ، أما في العبادة فهو كالاستعانة به على الحج والجهاد فإنه لا يتوصل إليهما إلا بالمال وهما من أمهات القربات ، والفقير محروم من فضلهما وأما فيما يقويه على العبادة ، فذلك هو المطعم ، والملبس ، والمسكن ، والمنكح ، وضرورات المعيشة فإن هذه الحاجات إذا لم تتيسر كان القلب مصروفا إلى تدبيرها ، فلا يتفرغ للدين ، وما لا يتوصل إلى العبادة إلا به فهو عبادة ، فأخذ الكفاية من الدنيا لأجل الاستعانة على الدين من الفوائد الدينية ، ولا يدخل في هذا التنعم والزيادة على الحاجة ، فإن ذلك من حظوظ الدنيا فقط .


(بيان تفصيل آفات المال وفوائده)

(اعلم) - وفقك الله تعالى - (أن المال مثل حية فيها سم وترياق) ، فسمها في فمها، وترياقها في لحمها، (ففوائده ترياقه) النافع (وغوائله سمومه) المهلكة (فمن عرف فوائده وغوائله أمكنه أن يحترز من سمه، ويستدر من خيره) ، ويدعي ذلك، فالحكيم بتناوله له يجري مجرى راق حاذق تناول حية قد عرف نفعها وضرها، وأمن شرها وسمها، فيتحرى بتناوله الوجه الذي ينتفع هو به، وينفع غيره، فهو مباح له تناوله، وغير الحكيم إذا تناوله، فهو الجاهل استحسن الحية، واستلان مسها، فظن أنها مستصلحة لأن يتقلد بها، فجعلها سخابا في عنقه، فلدغته وقتلته، وكما لا يجوز للجاهل بالرقية غير العارف بنفع الحية أن يقتدي بالراقي في تناول الحية، والتصرف فيها، كذلك لا يجوز للجاهل أن يقتدي بالحكيم في أعراض الدنيا، وكما أنه لا محال أن يسلك الأعمى طريقا وعرا يسلكه البصير من غير قائد; إذ هو غير آمن أن يقع في وهدة، كذلك محال أن يسلك مستبد برأيه في تناول أعراض الدنيا طريقا يسلكه الحكيم العالم; إذ هو غير آمن أن يقع في هاوية، وكما أن الغانية لا يجوز أن يدخل عليها، ويخلو بها من الرجال إلا من كان مجبوبا يؤمن عليها، كذلك الدنيا لا يجوز أن يتمكن منها إلا المقطوع عنها بالعفة، والزهد لئلا تغره، وذلك كأمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - حيث قال: يا حمراء، يا بيضاء، احمري، وابيضي، وغري غيري.

ومن تصور ذلك علم أن الله تعالى قد أباح الدنيا كلها لأوليائه علما بأنهم لا يتناولونها إلا على ما يجب، وكما يجب، وإذا تناولوها وضعوها كما يجب، وحيثما يجب، وعلى هذا قوله تعالى: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين ، وقال تعالى: يرثها عبادي الصالحون فافهم ذلك .

(أما الفوائد، فهي تنقسم إلى دنيوية، ودينية، أما الدنيوية فلا حاجة إلى ذكرها، فإن معرفتها مشتركة بين أصناف الخلق، ولولا ذلك لم يتهالكوا على طلبها، وأما الدينية فينحصر جميعها في ثلاثة أنواع: النوع الأول: أن ينفقه على نفسه) ، وذلك (إما في عبادة) الله تعالى كلف بها (أو في الاستعانة على عبادة، أما في العبادة فهو كالاستعانة به على الحج) إلى بيت الله الحرام (والجهاد) مع الكفار (فإنه لا يتوصل إليهما إلا بالمال) ، فمن لا مال له كيف يحج، أو كيف يجاهد (وهما من أمهات القربات، والفقير محروم عن فضلهما) ، ومن هنا قول الشاعر:


المرء يرفعه الغنى والفقر منقصة وذل

وفي الخبر: نعم العون على تقوى المال (وأما فيما يقويه على العبادة، فذلك هو المطعم، والملبس، والمسكن، والمنكح، وضرورات المعيشة) التي لا يستغني عنها الإنسان (فإن هذه الحاجات إذا لم تتيسر كان القلب منصرفا إلى تدبيرها، فلا يتفرغ للدين، وما لا يتوصل إلى العبادة إلا به فهو عبادة، فأخذ الكفاية من الدنيا لأجل الاستعانة [ ص: 154 ] على الدين من الفوائد الدنيوية، ولا يدخل في هذا التنعم) ، والتلذذ (والزيادة على الحاجة، فإن ذلك من حظوظ الدنيا فقط) ، وليس للآخرة فيها حظ .

التالي السابق


الخدمات العلمية