إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا ، والغضب .

وروي أن رجلا أبصر أبا الدرداء يلتقط حبا من الأرض وهو يقول : إن من فقهك رفقك في معيشتك وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم : الاقتصاد وحسن السمت والهدي ، الصالح جزء من بضع وعشرين جزءا من النبوة .

وفي الخبر : التدبير نصف المعيشة .


(وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاث) خصال (منجيات) من عذاب الله تعالى: (خشية الله) ، أي: خوفه (في السر [ ص: 165 ] والعلانية) قدم السر; لأن تقوى الله فيه أعلى درجة من المعلن; لما يخاف فيها من شوب رؤية الناس، وهذه درجة المراقبة، وخشية فيها تمنع من ارتكاب كل منهي عنه، وتحثه على فعل كل مأمور (والقصد في الغنى والفقر) ، وفي لفظ: بتقديم الفقر على الغنى، والمراد التوسط فيهما في الإنفاق، ونحوه، (والعدل في) حالتي (الرضا، والغضب) ، فلا يحمله الغضب على الجور، ولا الرضا على الوقوع في محذور لأجل رضا المخلوق .

قال العراقي: رواه البزار، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب من حديث أنس بسند ضعيف. انتهى .

قلت: هو في الأوسط للطبراني، وفيه زيادة: وثلاث مهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه، وكذلك رواه أبو الشيخ في التوبيخ، وروى العسكري في الأمثال، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المراغي في ثواب الأعمال من حديث ابن عباس: ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث درجات كفارات، فذكر الحديث، وفيه: قيل: وما المنجيات؟ قال: تقوى الله في السر والعلانية، والاقتصاد في الفقر والغنى، والعدل في الرضا والغضب... الحديث .

وقد رواه أيضا الخطيب في التاريخ هكذا، ورواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر، قال العلائي: سنده ضعيف، وعده في الميزان من المناكير، قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة، ومن لا يعرف (وروي أن رجلا أبصر أبا الدرداء) - رضي الله عنه - (يلتقط حبا من الأرض، ويقول: إن من فقهك رفقك في معيشتك) .

رواه ابن عدي في الكامل، والبيهقي في الشعب من حديثه مرفوعا بلفظ: من فقهك رفقك في معيشتك.

ورواه أحمد، والطبراني في الكبير بلفظ: من فقه الرجل رفقه في معيشته، ورواه أبو نعيم في الحلية من قوله، ولم يرفعه، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي الدرداء، قال: من فقه الرجل رفقه في معيشته.

(وقال ابن عباس) - رضي الله عنه -: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: الاقتصاد) ، أي: في الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط (وحسن السمت، والهدي الصالح) ، أي: أخذ المنهج، ولزوم المحجة (جزء من بضع وعشرين جزءا من النبوة) ، أي: هذه الخصال من شمائل أهل النبوة، وجزء من أجزاء فضائلهم، فاقتدوا بهم فيها، وتابعوهم عليها، فليس معناه أن النبوة تتجزأ، ولا أن من جمع هذه الخصال صار فيه جزء من النبوة; لأنها غير مكتسبة، أو المراد أن هذه الخلال مما جاءت به النبوة، ودعا إليها الأنبياء، أو أن من جمعها ألبسه الله لباس التقوى الذي ألبسه الأنبياء، فكأنها جزء منها .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث ابن عباس مع تقديم وتأخير، وقال: السمت الصالح، وقال: من خمسة وعشرين، ورواه الترمذي، وحسنه من حديثه عبد الله بن سرجس، وقال: التؤدة بدل: الهدي الصالح، وقال: من أربعة. انتهى .

قلت: حديث عبد الله بن سرجس المزني أخرجه الترمذي في البر بلفظ: السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة، قال الصدر المناوي: رجاله موثوقون، ورواه عبد بن حميد، وابن أبي عاصم، والطبراني في الكبير، والخطيب، والضياء بلفظ: التؤدة، والاقتصاد، والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة.

(وفي الخبر: التدبير نصف العيش) ، أي: النظر في عواقب الإنفاق; إذ به يحترز عن الإسراف، والتقتير .

قال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس، وفيه خلاد بن عيسى، جهله العيلي، ووثقه ابن معين. انتهى .

قلت: ورواه أيضا العسكري، والطبراني، وابن لال من طريق خلاد بن عيسى ، عن ثابت، عن أنس، ولكن بلفظ: الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين.

ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث علي بلفظ المصنف، لكن بزيادة: والتؤدة نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين.

قال العامري شارحه: حسن غريب، وتعقب بأن فيه ابن لهيعة، وفيه أيضا إسحاق بن إبراهيم الشامي، أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: له مناكير، وقد رويت هذه الزيادة في سياق الديلمي أيضا، إلا أنه قال: والتؤدى بدل: التؤدة، ورواه البيهقي بنحوه من قول ميمون بن مهران ، ولابن حبان في صحيحه من حديث طويل، عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر، لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.

وقال بعضهم: لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التدبير نصف العيش لقلت: بل هو العيش كله، وهذا لا يعارض قول [ ص: 166 ] الصوفية: أرح نفسك عن التدبير، فقام به غيرك عنك، لا تقم به لنفسك; ما ذاك إلا لأن الكلام هنا في تدبير صحبه تفويض، وكلامهم فيما لا يصحبه، وعلى هذا يحمل جميع ما أورده العارف ابن عطاء الله - قدس سره - في كتابه الذي سماه التنوير في إسقاط التدبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية