إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وبلغنا أن بعض أهل العلم قال : ليجيء يوم القيامة قوم يطلبون حسنات لهم فيقال لهم : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها وأنت في غفلة قد حرمت نعيم الآخرة بسبب نعيم الدنيا ، فيا لها حسرة ومصيبة ! نعم ، وعساك أن تجمع المال للتكاثر والعلو والفخر والزينة في الدنيا ، وقد بلغنا أنه من طلب الدنيا للتكاثر أو للتفاخر لقي الله وهو عليه غضبان وأنت غير مكترث بما حل بك من غضب ربك حين أردت التكاثر والعلو .

نعم ، وعساك المكث في الدنيا أحب إليك من النقلة إلى جوار الله فأنت ، تكره لقاء الله ، والله للقائك أكره وأنت في غفلة ، وعساك تأسف على ما فاتك من عرض الدنيا ، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أسف على دنيا فاتته اقترب من النار مسيرة شهر وقيل سنة .

وأنت تأسف على ما فاتك غير مكترث بقربك من عذاب الله .

نعم ، ولعلك تخرج من دينك أحيانا لتوفير دنياك وتفرح بإقبال الدنيا عليك ، وترتاح لذلك؛ سرورا بها، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب الدنيا وسر بها ذهب خوف الآخرة من قلبه .

وبلغنا أن بعض أهل العلم قال: إنك تحاسب على التحزن على ما فاتك من الدنيا، وتحاسب بفرحك في الدنيا إذا قدرت عليها، وأنت فرح بدنياك، وقد سلبت الخوف من الله تعالى، وعساك تعنى بأمور دنياك أضعاف ما تعنى بأمور آخرتك، وعساك ترى مصيبتك في معاصيك أهون من مصيبتك في انتقاص دنياك، نعم، وخوفك من ذهاب مالك أكثر من خوفك من الذنوب، وعساك تبذل للناس ما جمعت من الأوساخ كلها للعلو والرفعة في الدنيا، وعساك ترضي المخلوقين مساخط الله تعالى كيما تكرم وتعظم، ويحك! فكان احتقار الله لك في القيامة أهون عليك من احتقار الناس إياك، وعساك تخفي من المخلوقين مساويك ولا تكترث باطلاع الله عليك فيها، فكان الفضيحة عند الله أهون عليك من الفضيحة في الناس، فكأن العبيد أعلى عندك قدرا من الله، تعالى الله عن جهلك، فكيف تنطق عند ذوي الألباب وهذه المثالب فيك؟! أف لك! متلوثا بالأقذار، وتحتج بمال الأبرار، هيهات هيهات ما أبعدك عن السلف الأخيار! والله لقد بلغني أنهم كانوا فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم إن الذي لا بأس به عندكم كان كالموبقات عندهم، وكانوا للزلة الصغيرة أشد استعظاما منكم لكبائر المعاصي، فليت أطيب مالك وأحله مثل شبهات أموالهم! وليتك أشفقت من سيئاتك كما أشفقوا على حسناتهم أن لا تقبل! ليت صومك على مثال إفطارهم! وليت اجتهادك في العبادة على مثال فتورهم ونومهم! وليت جميع حسناتك مثل واحدة من سيئاتهم! وقد بلغني عن بعض الصحابة أنه قال: «غنيمة الصديقين ما فاتهم من الدنيا، ونهمتهم ما زوي عنهم منها فمن لم يكن كذلك فليس معهم في الدنيا ولا معهم في الآخرة، فسبحان الله كم بين الفريقين من التفاوت! فريق خيار الصحابة في العلو عند الله، وفريق أمثالكم في السفالة، أو يعفو الله الكريم بفضله، وبعد: فإنك إن زعمت أنك متأس بالصحابة بجمع الأموال للتعفف والبذل في سبيل الله تعالى، فتدبر أمرك، ويحك! هل تجد من الحلال في دهرك كما وجدوا في دهرهم، أو تحسب أنك محتاط في طلب الحلال كما احتاطوا، لقد بلغني أن بعض الصحابة قال: «كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام» أفتطمع من نفسك في مثل هذا الاحتياط؟! ورب الكعبة ما أحسبك كذلك! ويحك! كن على يقين أن جمع المال لأعمال البر مكر من الشيطان ليوقعك بسبب البر في اكتساب الشبهات الممزوجة بالسحت والحرام، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اجترأ على الشبهات أوشك أن يقع في الحرام .


(وبلغنا أن بعض أهل العلم قال: إنك محاسب على التحزن على ما فاتك من الدنيا، ومحاسب بفرحك في الدنيا إذا قدرت عليها، وأنت فرح بدنياك، وقد سلبت الخوف من الله تعالى، وعساك تعنى بأمور الدنيا أضعاف ما تعنى بأمور آخرتك، وعساك ترى أن مصيبتك في معاصيك أهون من مصيبتك في انتقاص دنياك، نعم، وخوفك من ذهاب مالك أكثر من خوفك من الذنوب، وعساك تبذل للناس ما جمعت من الأوساخ كلها للعلو والرفعة في الدنيا، وعساك ترضي المخلوقين بمساخط الله تعالى كيما تكرم وتعظم، ويحك! فكان احتقار الله لك في القيامة أهون عليك من احتقار الناس إياك، وعساك تخفي من المخلوقين مساويك) وعيوبك (ولا تكترث باطلاع الله عليك فيها، فكان الفضيحة عند الله أهون عليك من الفضيحة في الناس، وكان العبيد أعلى عندك قدرا من الله، تعالى الله عن جهلك، فكيف تنطق عند ذوي الألباب وهذه المثالب) أي: المفالج والمعائب موجودة (فيك؟! أف لك! متلوثا بالأقذار، تحتج بمال الأبرار، هيهات هيهات [ ص: 220 ] ما أبعدك عن السلف الأخيار! والله لقد بلغني أنهم كانوا فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم) رواه صاحب القوت، عن الحسن، قال: "رأيت سبعين بدريا كانوا والله فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم".

(إن الذي لا بأس به عندكم كان كالموبقات) أي: الكبائر المهلكات (عندهم، وكانوا للذلة الصغيرة أشد استعظاما منكم لكبائر المعاصي، فليت أطيب مالك وأحله مثل شبهات أموالهم! وليتك أشفقت من سيئاتك كما أشفقوا على حسناتهم أن لا تقبل! ليت صومك على مثال إفطارهم! وليت اجتهادك في العبادة على مثال فتورهم ونومهم! وليت جميع حسناتك مثل واحدة من حسناتهم! وقد بلغني عن بعض الصحابة أنه قال: "غنيمة الصديقين ما فاتهم من الدنيا، ونهمتهم ما زوي عنهم منها) أي: أخر وأبعد .

(فمن لم يكن كذلك فليس معهم في الدنيا ولا معهم في الآخرة، فسبحان الله كم بين الفريقين من التفاوت! فريق خيار الصحابة في العلو عند الله تعالى وفريق أمثالكم في السفالة، أو يعفو الله الكريم بفضله، وبعد: فإن زعمت أنك متأس) أي: مقتد (بالصحابة بجمع الأموال للتعفف والبذل في سبيل الله تعالى، فتدبر أمرك، ويحك! هل تجد من الحلال في دهرك كما وجدوا في دهرهم، أو تحسب أنك محتاط في طلب الحلال كما احتاطوا، لقد بلغني أن بعض الصحابة قال: "كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام") تقدم في كتاب الحلال والحرام .

روى صاحب الحلية من طريق عباس بن خليد، عن أبي الدرداء: "التقوى هو أن يترك العبد بعض ما يرى أنه حلال؛ خشية أن يكون حراما".

(أفتطمع من نفسك في مثل هذا الاحتياط؟! ورب الكعبة ما أحسبك كذلك! ويحك! كن على يقين أن جمع المال لأعمال البر مكر من الشيطان) واستدراج (ليوقعك بسبب البر في اكتساب الشبهات الممزوجة بالسحت والحرام، وقد بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اجترأ على الشبهات أوشك أن يقع في الحرام") متفق عليه من حديث عبد الرحمن بن بشير، نحوه، وقد تقدم في كتاب الحلال والحرام أول الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية