إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثاني : الرياء بالهيئة والزي ، أما الهيئة فبتشعيث شعر الرأس ، وحلق الشارب وإطراق الرأس في المشي والهدوء ، في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه وغلظ الثياب ، ولبس الصوف وتشميرها إلى قريب من الساق ، وتقصير الأكمام ، وترك تنظيف الثوب ، وتركه مخرقا كل ذلك يرائي به ليظهر من نفسه أنه متبع للسنة فيه ، ومقتد فيه بعباد الله الصالحين ومن ذلك لبس المرقعة والصلاة على السجادة ولبس الثياب الزرق تشبها بالصوفية ، مع الإفلاس من حقائق التصوف في الباطن .

ومنه التقنع بالإزار فوق العمامة ، وإسبال الرداء على العينين ليري به ؛ أنه قد انتهى تقشفه إلى الحذر من غبار الطريق ، ولتنصرف إليه الأعين بسبب تميزه بتلك العلامة .

ومنه الدراعة والطيلسان يلبسه من هو خال عن العلم ليوهم أنه من أهل العلم .

والمراءون . بالزي على طبقات ، فمنهم من يطلب المنزلة عند أهل الصلاح بإظهار الزهد ، فيلبس الثياب المخرقة الوسخة القصيرة الغليظة ليرائي بغلظها ووسخها وقصرها وتخرقها أنه غير مكترث بالدنيا ولو كلف أن يلبس ثوبا وسطا نظيفا مما كان السلف يلبسه لكان عنده بمنزلة الذبح ؛ وذلك لخوفه أن يقول الناس : قد بدا له من الزهد ، ورجع عن تلك الطريقة ، ورغب في الدنيا .

وطبقة أخرى يطلبون القبول عند أهل الصلاح ، وعند أهل الدنيا من الملوك والوزراء والتجار ، ولو لبسوا الثياب الفاخرة ردهم القراء ، ولو لبسوا الثياب المخرقة البذلة ازدرتهم أعين الملوك والأغنياء ، فهم يريدون الجمع بين قبول أهل الدين والدنيا ؛ فلذلك يطلبون الأصواف الدقيقة والأكسية الرقيقة والمرقعات المصبوغة والفوط الرفيعة فيلبسونها ، ولعل قيمة ثوب أحدهم قيمة ثوب أحد الأغنياء ، ولونه وهيئته لون ثياب الصلحاء ، فيلتمسون القبول عند الفريقين ، وهؤلاء إن كلفوا لبس ثوب خشن أو وسخ لكان عندهم كالذبح خوفا من السقوط من أعين الملوك والأغنياء ، ولو كلفوا لبس الدبيقي والكتان الدقيق الأبيض والمقصب ، المعلم ، وإن كانت قيمته دون قيمة ثيابهم لعظم ذلك عليهم ؛ خوفا من أن يقول أهل الصلاح : قد رغبوا في زي أهل الدنيا .

وكل طبقة منهم رأى منزلته في زي مخصوص ، فيثقل عليه الانتقال إلى ما دونه ، أو إلى ما فوقه ، وإن كان مباحا خيفة ؛ من المذمة .

وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالثياب النفيسة والمراكب الرفيعة ، وأنواع التوسع والتجمل في الملبس والمسكن وأثاث البيت وفره الخيول وبالثياب المصبغة والطيالسة النفيسة ، وذلك ظاهر بين الناس ؛ فإنهم يلبسون في بيوتهم الثياب الخشنة ويشتد عليهم لو برزوا للناس على تلك الهيئة ما لم يبالغوا في الزينة .


(الثاني: الرياء بالزي والهيئة، أما الهيئة فتشعيث شعر الرأس، وحلق الشارب) بتمامه، أو إحفاؤه (وإطراق الرأس) [ ص: 270 ] على الأرض (في المشي، والهدء في الحركة، وإبقاء أثر السجود على الوجه) مما يلحقه من غبار أو غيره (وغلظ الثياب، ولبس الصوف) الخشن (وتشميرها) أي: الثياب (إلى قريب من نصف الساق، وتقصير الأكمام، وترك تنظيف الثوب، وتركه مخرقا) أو: يرقعه بما ليس من جنسه .

(كل ذلك يرائي به ليظهر من نفسه أنه متبع للسنة فيه، ومقتد فيه بعباد الله الصالحين) في هيئاتهم (ومنه لبس المرقعة) وهي ثوب يقطع قطعا، ثم يرقع رقعا، ثم يخاط بالصوف، ويسمى أيضا بالخرقة، وهي من لبس الصوفية (والصلاة على السجادة ولبس الثياب الزرق) المصبوغة بالنيل، أو الصفر المصبوغة بالطين الأحمر، كل ذلك (تشبها بالصوفية، مع الإفلاس عن حقائق التصوف في الباطن) وعدم السلوك على طريقتهم .

(ومنه التقنع بالإزار فوق العمامة، وإسبال الرداء على العينين؛ ليري أنه انتهى تقشفه إلى الحذر من غبار الطريق، ولتنصرف إليه الأعين بسبب تميزه بتلك العلامات) فيكرم لذلك .

(ومنه الدراعة) وهي المسماة بالطرحة (والطيلسان) وهو كساء أسود مربع، وكل منهما من زي العلماء (وهو خال من العلم) وإنما يفعل ذلك (ليوهم) الناس (أنه من أهل العلم .

والمراؤون بالزي على طبقات، فمنهم من يطلب المنزلة عند أهل الصلاح بإظهار الزهد، فيلبس الثياب المخرقة الوسخة القصيرة) الذيل والأكمام (الغليظة) الخشنة (ليرائي بغلظها وقصرها ووسخها وتخرقها) بأنه من الزاهدين في الدنيا (ولو كلف) هذا (أن يلبس ثوبا نظيفا وسطا مما كان يلبسه السلف لكان عنده بمنزلة الذبح؛ وذلك لخوفه أن يقول الناس: قد بدا له رأي من الزهد، ورجع عن تلك الطريقة، ورغب في الدنيا .

وطبقة أخرى يطلبون القبول عند أهل الصلاح، وعند أهل الدنيا من الملوك والوزراء والتجار، ولو لبسوا الثياب الفاخرة ردهم القراء، ولو لبسوا الثياب المخرقة البذلة) وفي نسخة: الخلقة (ازدرتهم) أي: احتقرتهم (أعين الملوك والأغنياء، فهم يريدون الجمع بين قبول أهل الدين والدنيا؛ فلذلك يطلبون الأصواف الرقيقة) من المرعزى (والأكسية الرفيعة) الثمن (والمرقعات المصبوغة) بأنواع الألوان (والفوط الرفيعة) وفي نسخة: الرقيقة (فيلبسونها، ولعل قيمة ثيابهم) وفي نسخة: قيمة ثوب أحدهم (قيمة ثياب الأغنياء، وهيئته ولونه هيئة ثياب الصلحاء، فيلتمسون) بذلك (القبول عند الفريقين، وهؤلاء لو كلفوا لبس ثوب خشن) من الكرباس الغليظ أو من الصوف (أو) ثوب (وسخ) أو مخرق (لكان عندهم كالذبح) في الحلق (خوفا من السقوط من أعين الملوك والأغنياء، ولو كلفوا لبس ثوب الدبيقى) منسوب إلى دبيق، وهي من قرى دمياط، قد خربت منذ زمان، كان يعمل فيها هذه الثياب المنسوجة بالحرير (والكتان الرقيق الأبيض، أو) ثوب (القصب المعلم، وإن كانت قيمته دون قيمة ثيابهم - لعظم ذلك عليهم؛ خوفا من أن يقول أهل الصلاح: قد رغب في زي أهل الدنيا .

وكل طبقة منهم رأى منزلته في زي مخصوص، فيثقل عليه الانتقال إلى ما دونه، أو ما فوقه، وإن كان مباحا؛ خوفا من) لحوق (المذمة) إليه .

(وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالثياب النفيسة) الناعمة (والمراكب الرفيعة، وأنواع التوسع والتجمل في الملبس والمسكن وأثاث البيت) من الفرش المفتخرة (وفره الخيل) أي: السمينة الموسومة (وبالثياب المصبغة) بأنواع الألوان (والطيالسة النفيسة، وذلك ظاهر بين الناس؛ فإنهم يلبسون في بيوتهم [ ص: 271 ] الثياب الخشنة) البذلة (ويشتد عليهم لو برزوا للناس في تلك الثياب ما لم يبالغوا في الزينة) والإصلاح والتسوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية