إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الركن الثاني : المراءى به ، وهو الطاعات ، وذلك ينقسم إلى الرياء بأصول العبادات ، وإلى الرياء بأوصافها :

القسم الأول : وهو الأغلظ ، الرياء بالأصول ، وهو على ثلاث درجات :

الأولى : الرياء بأصل الإيمان وهذا ، أغلظ أبواب الرياء ، وصاحبه مخلد في النار ، وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ، ولكنه يرائي بظاهر الإسلام وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه في مواضع شتى ، كقوله عز وجل : إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون أي : في دلالتهم بقولهم على ضمائرهم وقال تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها الآية وقال تعالى : وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ وقال تعالى : يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك والآيات فيهم كثيرة .

وكان النفاق يكثر في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض وذلك مما يقل في زماننا ولكن يكثر نفاق من ينسل عن الدين باطنا فيجحد الجنة والنار والدار الآخرة ميلا إلى قول الملحدة أو يعتقد طي بساط الشرع والأحكام ميلا إلى أهل الإباحة أو يعتقد كفرا أو بدعة وهو يظهر خلافه ، فهؤلاء من المنافقين المرائين المخلدين في النار ، وليس وراء هذا الرياء رياء وحال هؤلاء أشد حالا من الكفار المجاهرين لأنهم جمعوا بين كفر الباطن ونفاق الظاهر .

الثانية : الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين ، وهذا أيضا عظيم عند الله ، ولكنه دون الأول بكثير .

ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة ؛ خوفا من ذمه والله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع ، وعادته ترك الصلاة في الخلوة وكذلك يصوم رمضان وهو يشتهي خلوة من الخلق ليفطر ، وكذلك يحضر الجمعة ولولا خوف المذمة لكان لا يحضرها ، أو يصل رحمه ، أو يبر والديه لا عن رغبة ولكن خوفا من الناس ، أو يغزو ، أو يحج كذلك .

فهذا مراء ، معه أصل الإيمان بالله ، يعتقد أنه لا معبود سواه ، ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغيره لم يفعل ، ولكنه يترك العبادات للكسل ، وينشط عند اطلاع الناس فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق ، وخوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله ، ورغبته في محمدتهم أشد من رغبته في ثواب الله ، وهذا غاية الجهل ، وما أجدر صاحبه بالمقت ! وإن كان غير منسل عن أصل الإيمان من حيث الاعتقاد .

الثالثة : أن لا يرائي بالإيمان ولا بالفرائض ولكنه ، يرائي بالنوافل والسنن التي لو تركها لا يعصي ولكنه يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها ولإيثار لذة الكسل على ما يرجى من الثواب ، ثم يبعثه الرياء على فعلها ، وذلك كحضور الجماعة في الصلاة ، وعيادة المريض ، واتباع الجنازة ، وغسل الميت ، وكالتهجد بالليل ، وصيام يوم عرفة وعاشوراء ويوم ، الاثنين والخميس .

فقد يفعل المرائي جملة ذلك ؛ خوفا من المذمة أو طلبا ، للمحمدة ويعلم الله تعالى منه أنه لو خلا بنفسه لما زاد على أداء الفرائض .

فهذا أيضا عظيم ولكنه دون ما قبله فإن الذي قبله آثر حمد الخلق على حمد الخالق .

وهذا ، أيضا قد فعل ذلك ، واتقى ذم الخلق دون ذم الخالق ، فكان ذم الخلق أعظم عنده من عقاب الله ، وأما هذا فلم يفعل ذلك ؛ لأنه لم يخف عقابا على ترك النافلة لو تركها ، وكأنه على الشطر من الأول ، وعقابه نصف عقابه .

فهذا هو الرياء بأصول العبادات .


(الركن الثاني: المراءى به، وهو الطاعات، وذلك ينقسم إلى الرياء بأصول العبادات، وإلى الرياء بأوصافها:

القسم الأول: وهو الأغلظ، الرياء بالأصول، وهو على ثلاث درجات:

الدرجة الأولى: الرياء بأصل الإيمان، وهو أغلظ أبواب الرياء، وصاحبه مخلد في النار، وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة) بلسانه (وباطنه مشحون بالتكذيب، ولكنه مراء بظاهر الإسلام) وقاية لحاله (وهو الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه في مواضع شتى، كقوله تعالى: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ) الشهادة إخبار عن علم، من الشهود وهو الحضور والاطلاع؛ ولذلك صدق المشهود به وكذبهم بالشهادة بقوله: ( والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون أي: في دلالتهم بقولهم على ضمائرهم) لأنهم لم يعتقدوا ذلك، ثم قال: اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا أي: ظاهرا ثم كفروا أي: سرا فطبع على قلوبهم أي: حتى تمرنوا على الكفر، واستحكموا فيه فهم لا يفقهون أي: حقيقة الإيمان، ولا يعرفون صحته .

(وقال تعالى: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ) أي: أشدهم عنادا ولجاجة وخصومة ( وإذا تولى سعى في الأرض ) ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل (الآية) إلى آخرها (وقال تعالى: وإذا لقوكم قالوا آمنا ) أي: بألسنتهم ( وإذا خلوا ) أي: انفردوا بأنفسهم ( عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور .

(وقال تعالى: يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا والآيات فيهم كثيرة، وكان النفاق يكثر في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض) من الأغراض كحماية النفس والمال والعرض، وكالطمع في الدنيا، وغير ذلك (وذلك مما يقل في زماننا) بل وقبل زمانه (ولكن يكثر نفاق من ينسل عن الدين باطنا) انسلالا خفيا (فيجحد الجنة والنار والدار الآخرة) من أصلها (ميلا إلى قول الملحدة) وهم في زمن المصنف عرفوا بالباطنية، يدعون أن للقرآن ظاهرا وباطنا، وأنه مخالف الظاهر، وأنهم يعملون الباطن، فأحالوا بذلك الشريعة؛ لأنهم تأولوا بما يخالف العربية التي نزل بها القرآن (أو يعتقد طي بساط الشرع والأحكام ميلا إلى أهل الإباحة) القائلين بسقوط التكليف عن العبد إذا بلغ مقام اليقين (أو يعتقد كفرا أو بدعة وهو يظهر خلافه، فهؤلاء من المنافقين المرائين المخلدين في النار، وليس وراء هذا الرياء رياء) إذ هو آخر درجاته .

(وحال هؤلاء أشد من حال الكفار المجاهرين) بالكفر (لأنهم جمعوا بين كفر الباطن ونفاق الظاهر) أعاذنا [ ص: 277 ] الله منه بمنه .

(الدرجة الثانية: الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين، وهذا أيضا عظيم عند الله، ولكنه دون الأول بكثير، ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة؛ خوفا من ذمه) أي: أن يلحقه ذم من الناس (والله تعالى يعلم أنه لو كان في يديه) ومتمكنا منه (لما أخرجها) بخلا منه (أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع) من الناس (فيصلي معهم، وعادته ترك الصلاة في الخلوة) إذا كان منفردا بنفسه (وكذلك يصوم رمضان وهو يشتهي خلوة من الخلق ليفطر، وكذلك يحضر الجمعة) مع الناس (ولولا خوفه المذمة لكان لا يحضرها، أو يصل رحمه، أو يبر والديه لا عن رغبة لكن خوفا من الناس، أو يغزو، أو يحج كذلك) دفعا لشين العار والذم عنه فقط .

(فهذا مراء، معه أصل الإيمان بالله، يعتقد أنه لا معبود سواه، ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغير الله لم يفعل، ولكنه يترك العبادات للكسل، وينشط عند اطلاع الناس) وإليه أشار علي -رضي الله عنه- بقوله: للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان مع الناس، كما تقدم في الآثار .

وروى صاحب الحلية من طريق عقيل بن معقل قال: سمعت عمي وهب بن منبه يقول: إن لكل شيء علامة يعرف بها، ويشهد له أو عليه، فذكر الحديث، وفيه: "وللمنافق ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان أحد عنده، ويحرص في كل أمره على المحمدة".

(فتكون منزلته عند الخلق) في قلوبهم (أحب إليه من منزلته عند الخالق، وخوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله، ورغبته في محمدتهم أشد من رغبته في ثواب الله تعالى، وهذا غاية الجهل، وما أجدر صاحبه بالمقت!) من الله تعالى (وإن كان غير منسل من أصل الإيمان من حيث الاعتقاد .

الدرجة الثالثة: أن لا يرائي بالإيمان ولا بالفرائض، ولكن يرائي بالنوافل والسنن التي لو تركها لا يعصي) الله تعالى بتركها (ولكن يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها ولإيثاره لذة الكسل على ما يرجى من الثواب، ثم يبعثه الرياء على فعله، وذلك كحضور الجماعة في الصلاة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وغسل الميت، وكالتهجد بالليل، وصيام) يومي (عرفة وعاشوراء، و) صوم (يوم الاثنين والخميس، فقد يفعل المرائي جملة ذلك؛ خوفا للمذمة، وطلبا للمحمدة) من الناس (ويعلم الله تعالى أنه لو خلا بنفسه لما زاد على أداء الفرائض، فهذا أيضا عظيم) عند الله تعالى (ولكن هو دون ما قبله فإن الذي قبله آثر حمد الخلق على حمد الخالق، وهو أيضا قد فعل ذلك، واتقى ذم الخلق دون ذم الخالق، فكان ذم الخلق عنده أعظم من عقاب الله تعالى، وأما هذا فلم يفعل ذلك؛ لأنه لم يخف عقابا على ترك النافلة لو تركها، وكأنه على الشطر من الأول، وعقابه نصف عقابه، فهذا هو الرياء بأصول العبادات) .

التالي السابق


الخدمات العلمية