إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن فيهذونه هذا وربما يختمونه في اليوم والليل مرة ، ولسان أحدهم يجري به ، وقلبه يتردد في أودية الأماني إذ لا يتفكر في معاني القرآن لينزجر بزواجره ، ويتعظ بمواعظه ، ويقف عند أوامره ونواهيه ، ويعتبر بمواضع الاعتبار فيه إلى غير ذلك مما ذكرناه في كتاب تلاوة القرآن من مقاصد التلاوة ، فهو مغرور ، يظن أن المقصود من إنزال القرآن الهمهمة به مع الغفلة عنه .

ومثاله مثال عبد كتب إليه مولاه ومالكه كتابا ، وأشار عليه فيه بالأوامر والنواهي ، فلم يصرف عنايته إلى فهمه والعمل به ، ولكن اقتصر على حفظه فهو مستمر على خلاف ما أمره به مولاه ، إلا أنه يكرر الكتاب بصوته ونغمته كل يوم مائة مرة ، فهو مستحق للعقوبة ، ومهما ظن أن ذلك هو المراد منه فهو مغرور .

نعم تلاوته إنما تراد لكيلا ينسى بعد ، لحفظه ، وحفظه يراد لمعناه ، ومعناه يراد للعمل به والانتفاع بمعانيه وقد يكون له صوت طيب فهو يقرؤه ويلتذ به ويغتر باستلذاذه ، ويظن أن ذلك لذة مناجاة الله تعالى وسماع كلامه ، وإنما هي لذته في صوته .

ولو ردد ألحانه بشعر أو كلام آخر لالتذ به ذلك الالتذاذ فهو مغرور إذ لم يتفقد قلبه فيعرفه أن لذته بكلام الله تعالى من حيث حسن نظمه ومعانيه ، أو بصوته .


(وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن فيهذونه هذا) أي: يسرعون فيه، (وبما يختمون في اليوم والليلة مرة، ولسان أحدهم يجرى به، وقلبه يتردد في أودية الأماني) ، وشهوات النفوس، (إذ لا يتفكر في معاني القرآن لينزجر بزواجره، ويتعظ بمواعظه، ويقف عند أوامره ونواهيه، ويعتبر بمواضع الاعتبار فيه إلى غير ذلك مما ذكرناه في كتاب تلاوة القرآن من مقاصد التلاوة، فهو مغرور، يظن أن المقصود من إنزال القرآن الهمهمة به مع الغفلة عنه) أي: عن فهم معانيه، (ومثاله مثال عبد كتب إليه مالكه كتابا، وأشار عليه فيه بالأوامر والنواهي، فلم يصرف عنايته إلى فهمه والعمل به، ولكن اقتصر على حفظه) فقط، (فهو مستمر على خلاف ما أمره به مولاه، إلا إنه مكرر للكتاب بنغمته وصوته كل يوم مائة مرة، فهو مستحق للعقوبة، ومهما ظن أن ذلك هو المراد منه فهو مغرور، نعم تلاوته إنما تراد لكيلا ينسى، بل لحفظه، وحفظه يراد لمعناه، ومعناه يراد للعمل به والانتفاع بمعانيه) على قدر فهمه، (وقد يكون له صوت طيب فهو يقرؤه ويلتذ به) في نفسه (ويغتر باستلذاذه، ويظن أن ذلك لذة مناجاة الله وسماع كلامه، وإنما هي لذته في صوته) لا غير (ولو ردد ألحانه بشعر أو كلام آخر لالتذ به ذلك الالتذاذ) بعينه، (فهو مغرور إذ لم يتفقد قلبه فيعرفه أن لذته بكلام الله من حيث حسن نظمه ومعانيه، أو بصوته) .

التالي السابق


الخدمات العلمية