إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفرقة أخرى زادت على هؤلاء في الغرور إذ شق عليها الاقتداء بهم في بذاذة الثياب والرضا بالدون فأرادت أن تتظاهر بالتصوف ، ولم تجد بدا من التزين بزيهم فتركوا الحرير والإبريسم وطلبوا المرقعات النفيسة والفوط الرقيقة والسجادات المصبغة ولبسوا من الثياب ما هو أرفع من الحرير والإبريسم ، وظن أحدهم مع ذلك أنه متصوف بمجرد لون الثوب وكونه مرقعا ونسي أنهم إنما لونوا الثياب لئلا يطول عليهم غسلها كل ساعة لإزالة الوسخ وإنما لبسوا المرقعات إذ كانت ثيابهم مخرقة فكانوا يرقعونها ، ولا يلبسون الجديد فأما تقطيع الفوط الرقيقة قطعة قطعة ، وخياطة المرقعات منها فمن أي يشبه ما اعتادوه ? فهؤلاء أظهر حماقة من كافة المغرورين ، فإنهم يتنعمون بنفيس الثياب ، ولذيذ الأطعمة ، ويطلبون رغد العيش ويأكلون أموال السلاطين ولا يجتنبون المعاصي الظاهرة فضلا عن الباطنة وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير وشر هؤلاء مما يتعدى إلى الخلق ; إذ يهلك من يقتدي بهم ومن لا يقتدي بهم تفسد عقيدته في أهل التصوف كافة ويظن ; أن جميعهم كانوا من جنسه فيطول اللسان في الصادقين منهم وكل ذلك من شؤم المتشبهين وشرهم .


(وفرقة أخرى زادت على هؤلاء في الغرور إذ شق عليها الاقتداء بهم في بذاذة الثياب) أي: رثاثتها، (والرضا بالدون) في المعيشة. (وأرادت أن تتظاهر بالتصوف، ولم تجد بدا من التزيي بزيهم فتركوا الخز والإبريسم وطلبوا المرقعات النفيسة والفوط الرفيعة) المثمنة، (والسجادات المصبوغة) بالألوان المختلفة، (ولبسوا من الثياب ما هو أرفع قيمة من الخز والإبريسم، وظن أحدهم مع ذلك أنه متصوف بمجرد لون الثوب وكونه مرقعا) أي: رقعا خيطت في بعضها (ونسي أنهم إنما لونوا الثياب لئلا يطول عليهم غسلها كل ساعة لإزالة الوسخ) فيشغلهم عن المراقبة، (و) أنهم (إنما لبسوا المرقعات إذ كانت ثيابهم مخرقة) قد بليت من طول الاستعمال، (فكانوا يرقعونها، ولا يلبسون الجديد) ، ويكتفون بالقديم; لأنه يقضي الحاجة في ستر العورة. (فأما تقطيع الفوط الرفيعة قطعة قطعة، وخياطة المرقعات منها) بالخيوط الملونة مع الهيئات الغريبة (فأين يشبه ما اعتادوه؟ فهؤلاء أظهر حماقة من كافة المغرورين، فإنهم يتنعمون بنفيس الثياب، ولذيذ الأطعمة، ويطلبون رغد العيش) ، ولذة النفس، (ويأكلون أموال السلاطين) من إدرار وهدية، (ولا يجتنبون المعاصي الظاهرة فضلا عن الباطنة [ ص: 480 ] وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير) والصلاح، (وشر هؤلاء مما يتعدى إلى الخلق; إذ يهلك من يقتدي بهم) أي: يكون لهلاكه، (ومن لا يقتدي بهم تفسد عقيدته في أهل التصوف كافة; إذ يظن أن جميعهم كانوا من جنسه فيطول اللسان) لا محالة (في الصادقين منهم) ، وقد سرى هذا الشر إلى جملة من العوام، بل وبعض الخواص، فلم يميزوا بين المتحقق والمتشبه، وأطلقوا ألسنتهم في أعراضهم، ونسبوهم إلى ما هم مبرؤون منه، (وكل ذلك من شؤم المتشبهين وشرهم) .

التالي السابق


الخدمات العلمية