إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : لأن تغدو فتتعلم بابا من العلم خير من أن تصلي مائة ركعة وقال صلى الله عليه وسلم : " باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا وما فيها " وقال صلى الله عليه وسلم : " اطلبوا العلم ولو بالصين " وقال صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم "
الحديث الثالث: (وقال -صلى الله عليه وسلم-: لأن تغدو فتتعلم بابا من العلم) أي نوعا منه، وفي بعض [ ص: 97 ] الروايات: بابا من الخير (خير من أن تصلي مائة ركعة) وفي بعض النسخ: مائتي ركعة، قال العراقي: رواه ابن عبد البر من رواية علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره، وابن جدعان ضعيف، والحديث عند ابن ماجه من هذا الوجه، إلا أنه قال: "ألف ركعة" وزاد فيه: "عمل به أو لم يعمل به" وزاد في أوله: "لأن تغدو فتتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة" وإسناد ابن ماجه منقطع؛ فإنه عنده من رواية عبد الله بن غالب العباداني، عن عبد الله بن زياد البحراني هكذا معنعنا، وفي رواية ابن عبد البر: عبد الله بن غالب العباداني، قال: حدثنا خلف بن أعين، عن عبد الله بن زياد، فزاد فيه رجلا. اهـ .

قلت: قال ابن القيم: أخرجه ابن عبد البر، عن معاذ مرفوعا، ولا يثبت رفعه، هكذا قاله عن معاذ، ولعله سهو من قلم الناسخ .

وأما حديث ابن ماجه الطويل فأخرجه الحاكم أيضا في تاريخه، ويأتي بطوله في الحديث التاسع إن شاء الله تعالى .

وروى الطبراني في الأوسط من رواية ابن جدعان، عن ابن المسيب، عن أبي ذر مرفوعا: "باب من العلم يتعلمه أحدكم خير له من مائة ركعة يصليها تطوعا".

وروى المخلص في فوائده عن ابن صاعد، حدثنا القاسم بن الفضل، حدثنا حجاج بن نصير، حدثنا هلال بن عبد الرحمن، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي هريرة، وأبي ذر أنهما قالا: "باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعا، وباب من العلم نتعلمه عمل به أو لم يعمل أحب إلينا من مائة ركعة تطوعا" وقالا: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات شهيدا".

ورواه ابن أبي داود، عن شاذان، عن حجاج به، وروى الخطيب عن أبي هريرة، قال: "لأن أعلم بابا من العلم في أمر أو نهي أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله".

الحديث الرابع: (وقال -صلى الله عليه وسلم-: "باب من العلم يتعلمه الرجل خير له من الدنيا وما فيها") قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ مرفوعا، وهو معروف هكذا من قول الحسن البصري، رويناه في أمالي أبي عبد الله بن منده، ورواه ابن عبد البر في العلم، وابن حبان في روضة العقلاء موقوفا عن الحسن. اهـ .

ويروى عن الحسن: "لأن أتعلم بابا من العلم فأعلمه مسلما أحب إلي من أن يكون لي الدنيا كلها في سبيل الله".

الحديث الخامس: (وقال -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم") أخرجه ابن عدي والبيهقي عن أنس، والطبراني في الكبير عن ابن مسعود، وفي الأوسط عن ابن عباس، وفيه أيضا وكذا البيهقي عن أبي سعيد، وتمام في فوائده عن ابن عمر، والخطيب في تاريخه عن علي.

قلت: أما حديث أنس فأخرجه الخطيب في رحلته من رواية طريف بن سليمان، وأبو علي الحداد في معجم شيوخه من رواية هشام بن الصلت، عن مسلم، وابن خسروا في مسنده من رواية أحمد بن الصلت، عن بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، وابن عدي في الكامل من رواية معاذ بن رفاعة، عن عبد الوهاب بن بخت، وابن ماجه في سننه من رواية محمد بن سيرين، خمستهم عن أنس.

وروينا في الكامل من رواية أحمد بن عبد الملك، عن نافع، عن ابن عمر، وعن محمد بن المنكدر، عن جابر في مشيخة أبي علي بن شاذان، من طريق حماد، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، وفي معجم شيوخ الحداد من رواية الشعبي، عن ابن عباس.

قال البيهقي في الشعب: متنه مشهور، وإسناده ضعيف، وقد روي من أوجه كلها ضعيفة، وقال النووي في فتاويه: هو حديث ضعيف، وإن كان معناه صحيحا، وقال البزار: أسانيده واهية، وقال ابن القطان: لم يصح فيه شيء، وأحسن ما فيه ضعيف، وسكت عنه مغلطاي.

وقال البدر الزركشي: روي عن عدة من الصحابة، وفي كل طرقه مقال، وأجودها طريق قتادة وثابت عن أنس، وطريق مجاهد عن ابن عمر، وقد أخرجه ابن ماجه في سننه عن كثير بن شنظير، عن ابن سيرين، عن أنس، وفيه زيادة: "وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب" وكثير بن شنظير مختلف فيه، فالحديث حسن .

قال ابن عبد البر: روي من وجوه كلها معلولة، ثم روى عن إسحاق بن راهويه ما معناه أن في أسانيده مقالا، ولكن معناه صحيح عندهم .

وقال البزار: أحسن [ ص: 98 ] طرقه ما رواه إبراهيم بن سلام، عن حماد، عن إبراهيم، عن أنس، قال: ولا نعلم إسناد إبراهيم عن أنس سواه، وإبراهيم بن سلام لا نعلم روى عنه إلا أبو عاصم .

وأخرج ابن الجوزي في منهاج العابدين من رواية أبي بكر بن أبي داود: حدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا يحيى بن حسان، عن سليمان بن قرم، عن ثابت، عن أنس، فذكره .

ثم قال ابن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس في طرقه أصح من هذا .

وقال السخاوي في المقاصد: أخرجه ابن ماجه، وابن عبد البر في بيان العلم له من حديث حفص بن سليمان، عن كثير بن شنظير، عن ابن سيرين، عن أنس مرفوعا بتلك الزيادة، وحفص ضعيف جدا، بل اتهمه بعضهم بالكذب والوضع، ولكن له شاهد عند ابن شاهين في الأفراد .

ورويناه في ثاني الشهونيات من حديث موسى بن داود، حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس به .

وقال ابن شاهين: إنه غريب، قال السخاوي: ورجاله ثقات، بل يروى عن نحو عشرين تابعيا عن أنس، كإبراهيم النخعي، وثابت، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وله عنه طرق، وحميد، والزبير بن خريت، وزياد بن ميمون بن عمار أو ابن عمار، وسلام الطويل، وطريف بن سليمان أبي عاتكة، وقتادة، والمثنى بن دينار، والزهري، ومسلم الأعور، كلهم عن أنس، ولفظ حميد: "طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم" ولزياد: "والله يحب إعانة اللهفان" ولأبي عاتكة في أوله: "اطلبوا العلم ولو بالصين" وفي كل منهما مقال؛ ولذا قال ابن عبد البر، فساق ما أوردناه آنفا، ثم نقل عن البزار ما قدمنا ذكره، ثم قال: وهو عند البيهقي في الشعب وابن عبد البر في العلم، وتمام في فوائده من طريق عبد القدوس بن حبيب الوحاظي، عن حماد، ثم ساق طريق ابن أبي داود الذي قدمناه .

قال: وكذا رواه ابن عبد البر من جهة جعفر، بل وفي الباب عن أبي، وجابر، وحذيفة، والحسين بن علي، وسلمان، وسمرة، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وعلي، ومعاوية بن حيوة، ونبيط بن شريط، وأبي أيوب، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وعائشة بنت قدامة، وآخرين .

وقال أبو علي الحافظ: إنه لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ساق كلام ابن الجوزي في العلل، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: لا يثبت عندنا في هذا الباب شيء، ثم نقل كلام ابن راهويه، وكلام القطان، وكلام البيهقي، ثم قال: ومثل به ابن الصلاح للمشهور الذي ليس بصحيح، وتبع في ذلك أيضا الحاكم، ولكن قال العراقي: قد صحح بعض الأئمة طرقه. اهـ كلام السخاوي.

وقال المزني: هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن، وقال السيوطي في التعليقة المنيفة: وعندي أنه بلغ رتبة الصحيح؛ لأني رأيت له نحو خمسين طريقا، وقد جمعتها في جزء. ونقل المناوي عنه قال: جمعت له خمسين طريقا، وحكمت بصحته لغيره، ولم أصحح حديثا لم أسبق لتصحيحه سواه. اهـ .

قلت: إن أراد السيوطي بأنه لكثرة طرقه ارتقى من الضعف إلى الصحة فهذا منظور فيه؛ لأن كثرة الطرق لا ترقي الحديث إذا كان فيها مقال، كما صرح به الحافظ وغيره، وتقدم ذلك في حديث: "من حفظ على أمتي" وإن كان اعتمد على طريق قتادة وثابت فالأمر سهل .

قال السخاوي: وقد ألحق بعض المصنفين في آخره: "ومسلمة" وليس لها ذكر في شيء من طرقه، وإن كانت صحيحة المعنى. والله أعلم .

الحديث السادس: (وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اطلبوا العلم ولو بالصين") قال العراقي: أخرجه ابن عدي في الكامل، والبيهقي في الشعب والمدخل، وابن عبد البر في العلم من رواية أبي عاتكة، عن أنس، وأبو عاتكة منكر الحديث، وقال البيهقي: هذا الحديث مشهور وأسانيده ضعيفة .

وأخرجه ابن عبد البر أيضا من رواية الزهري، عن أنس، وفي إسناده يعقوب بن إسحاق العسقلاني، فقد كذبه البيهقي، قلت: رواه من طريق عبيد بن محمد، عن ابن عيينة، عن الزهري، قاله السخاوي. اهـ .

وأخرجه ابن عدي أيضا من رواية الفضل بن موسى، عن محمد بن عمر، وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رفعه، ثم قال: هذا من وضع الجويباري لابن كرام، باطل بهذا الإسناد. اهـ .

قلت: وحديث أنس أيضا أخرجه الخطيب في الرحلة، والديلمي في مسند الفردوس، وزادا كالبيهقي وابن عبد البر بآخره: "فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم" وقال الحافظ في اللسان: وقد [ ص: 99 ] روي أيضا من طريق النخعي، سمعت أنسا، وهو باطل أيضا؛ فإن النخعي لم يسمع من أنس. اهـ .

وقد روى هذا الحديث عن أبي عاتكة ستة: محمد بن غالب التمتام، وجعفر بن هاشم، والحسن بن علي بن عباد، وأبو بكر الأعين، والعباس بن طالب، والحسن بن عطية، وقد خرج الخطيب هذا الحديث في رحلته من طرق هؤلاء، وكذا البيهقي والديلمي، وابن عدي والعقيلي، وتمام، وقد ألفت في تخريجه والحديث الذي قبله جزءا لطيفا، أوردت فيه ما تيسر لي من الأسانيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية