إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة ، فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين .

فإن ترك الأفعال المشتهاة عمل يثمره حال يسمى الصبر ، وهو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة ، وثبات باعث الدين حال تثمرها المعرفة بعداوة الشهوات ومضاداتها ، لأسباب السعادات في الدنيا والآخرة ، فإذا قوي يقينه ، أعني المعرفة التي تسمى إيمانا ، وهو اليقين بكون الشهوة عدوا قاطعا لطريق الله تعالى ، قوي ثبات باعث الدين ، وإذا قوي ثباته تمت الأفعال على خلاف ما تتقاضاه الشهوة ، فلا يتم ترك الشهوة إلا بقوة باعث الدين المضاد لباعث الشهوة ، وقوة المعرفة والإيمان تقبح مغبة الشهوات وسوء عاقبتها وهذان الملكان هما المتكفلان بهذين الجندين بإذن الله تعالى وتسخيره إياهما وهما من الكرام الكاتبين ، وهما الملكان الموكلان بكل شخص من الآدميين وإذا عرفت أن رتبة الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوي لم يخف عليك أن جانب اليمين هو أشرف الجانبين من جنبتي الدست الذي ينبغي أن يكون مسلما له فهو إذا صاحب اليمين والآخر صاحب الشمال .

وللعبد طوران في الغفلة والفكر ، وفي الاسترسال والمجاهدة ، فهو بالغفلة معرض عن صاحب اليمين ومسيء إليه فيكتب أعراضه سيئة ، وبالفكر مقبل عليه ليستفيد منه الهداية ، فهو به محسن فيكتب إقباله له حسنة ، وكذا بالاسترسال هو ، معرض عن صاحب اليسار تارك للاستمداد منه ، فهو به مسيء إليه فيثبت عليه سيئة ، وبالمجاهدة مستمد من جنوده فيثبت له به حسنة ، وإنما ثبتت هذه الحسنات والسيئات بإثباتهما ، فلذلك سميا كراما كاتبين .

أما الكرام فلانتفاع العبد بكرمهما ، ولأن الملائكة كلهم كرام بررة .


(فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة، فإن ثبت) هذا الباعث (حتى قهره) أي: باعث الشهوة، (واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين) ، وأنزله الله في جواره ومتعه بالنظر إلى وجهه، (وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين) ووسم عليه بميسم الإبعاد عن حضرة رب العالمين .

(فإذا ترك الأفعال المشتهاة عمل يثمره حال يسمى الصبر، وهو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة، وثبات باعث الدين حال تثمرها المعرفة بعداوة الشهوات، ومضادتها لأسباب السعادات في الدنيا والآخرة، فإذا قوي يقينه، أعني المعرفة التي تسمى إيمانا، وهو اليقين بكون الشهوة عدوا قاطعا لطريق الله تعالى، قوي ثبات باعث الدين، وإذا قوي ثباته تمت الأفعال) الصادرة عنه (على خلاف ما تتقاضاه الشهوة، فلا يتم ترك الشهوة إلا بقوة باعث الدين المضاد لباعث الشهوة، وقوة المعرفة والإيمان تقبح مغبة الشهوات وسوء عاقبتها) والقدر الواجب من ثبات باعث الدين تقويته بالوعد والوعيد وسائر البواعث الحادثة المقوية له أي أن يغلب وينتصر ويفوز بالخلع السنية الموعودة له، ولو لم يكن إلا قوله تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ، وإن تغافل وتلاشى في أمره ولم يستمد بمزايا من الملك خذل وغلب وحق عليه كلمة العذاب بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: ولو شاء الله ما أشركوا ولو شاء الله ما اقتتلوا ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين .

(وهذان الملكان هما المتكفلان بهذين الجندين بإذن الله تعالى وتسخيره إياهما وهما من) جملة (الكرام الكاتبين، وهما الملكان الموكلان بكل شخص من الآدميين) قال الله عز وجل: كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون . روى ابن جرير عن ابن عباس قال: جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار، يحفظان عمله، ويكتبان أثره. وروى البزار من حديث ابن عباس : إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من ملائكة الله الذين منهم الكرام الكاتبون الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط والجنابة والغسل، فإن اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحزم حائط أو بغيره. وفيه حفص بن سليمان لين الحديث، وروى ابن مردويه من حديث ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة فرأى رجلا يغتسل بفلاة من الأرض، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فاتقوا الله وأكرموا الكرام الكاتبين الذين معكم ليس يفارقونكم إلا عند إحدى منزلتين حيث يكون الرجل عند خلائه أو يكون مع أهله؛ لأنهم كرام كما سماهم الله، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بحزم حائط أو بغيره، فإنهم لا ينظرون إليه.

(وإذا عرفت أن رتبة الملك الهادي أعلى من رتبة الملك المقوي لم يخف عليك أن جانب اليمين الذي هو أشرف الجانبين من جنبتي الدست ينبغي أن يكون مسلما له) موكولا إليه، (فهو إذا صاحب اليمين والآخر صاحب الشمال، وللعبد طوران في الغفلة والفكر، وفي الاسترسال والمجاهدة، فهو بالغفلة معرض عن صاحب اليمين ومسيء إليه فيكتب إعراضه) عنه (سيئة، وبالفكر مقبل عليه ليستفيد منه الهداية، فهو به محسن فيكتب له إقباله به حسنة، وكذا بالاسترسال، وهو معرض عن صاحب اليسار تارك للاستمداد منه، فهو به مسيء إليه فيثبت عليه سيئة، وبالمجاهدة مستمد من جنوده فيثبت له به حسنة، وإنما تثبت) وفي نسخة: ثبتت (هذه الحسنات والسيئات بإثباتهما، فلذلك سميا كراما كاتبين، أما الكرام فلانتفاع العبد بكرمهما، ولأن الملائكة كلهم كرام بررة) [ ص: 11 ] كما وصفهم الله تعالى بذلك، وهم كما وصفوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية