إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
قسمة ثالثة اعلم أن الخيرات باعتبار آخر تنقسم إلى ما هو مؤثر لذاته لا لغيره ، وإلى مؤثر لغيره وإلى مؤثر لذاته ولغيره فالأول ما يؤثر لذاته لا لغيره كلذة النظر إلى وجه الله تعالى وسعادة لقائه وبالجملة سعادة الأخرى التي لا انقضاء لها فإنها لا تطلب ليتوصل بها إلى غاية أخرى مقصودة وراءها بل تطلب لذاتها . الثاني ما يقصد لغيره ولا غرض أصلا في ذاته كالدراهم والدنانير ، فإن الحاجة لو كانت لا تنقضي بها فكانت هي والحصباء بمثابة واحدة ولكن لما كانت وسيلة إلى اللذات سريعة الإيصال إليها صارت عند الجهال محبوبة في نفسها حتى يجمعوها ويكنزوها ويتصارفوا عليها بالربا ويظنون أنها مقصودة ومثال هؤلاء مثال من يحب شخصا فيحب بسببه رسوله الذي يجمع بينه وبينه ثم ينسى في محبة الرسول محبة الأصل فيعرض عنه طول عمره ولا يزال مشغولا بتعهد الرسول ومراعاته وتفقده وهو غاية الجهل والضلال . الثالث ما يقصد لذاته ولغيره كالصحة والسلامة ، فإنها تقصد ليقدر بسببها على الذكر والفكر الموصلين إلى لقاء الله تعالى أو ليتوصل بها إلى استيفاء لذات الدنيا وتقصد أيضا لذاتها فإن الإنسان ، وإن استغنى عن الشيء الذي تراد سلامة الرجل لأجله فيريد أيضا سلامة الرجل من حيث إنها سلامة فإذا ، المؤثر لذاته فقط هو الخير والنعمة تحقيقا وما يؤثر لذاته ولغيره أيضا فهو نعمة ولكن دون الأول فأما ما لا يؤثر إلا لغيره كالنقدين فلا يوصفان أنفسهما من حيث إنهما جوهران بأنهما نعمة ، بل من حيث هما وسيلتان فيكونان نعمة في حق من يقصد أمرا ليس يمكنه أن يتوصل إليه إلا بهما فلو كان مقصده العلم والعبادة ومعه الكفاية التي هي ضرورة حياته استوى عنده الذهب والمدر ، فكان وجودهما وعدمهما عنده بمثابة واحدة بل ربما شغله وجودهما عن الفكر والعبادة فيكونان بلاء في حقه ولا يكونان نعمة .


(قسمة ثالثة) :

(اعلم أن الخيرات باعتبار آخر تنقسم إلى ما هو مؤثر لذاته، وإلى) ما هو (مؤثر لغيره) لا لذاته (وإلى) ما هو (مؤثر لذاته ولغيره) معا (فالأول) من الأقسام (ما يؤثر لذاته لا لغيره) وهو (كلذة النظر إلى وجه الله تعالى وسعادة لقائه) وكذلك السعادة النفسية، (وبالجملة سعادة الآخرة التي لا انقضاء لها فإنها لا تطلب ليتوصل بها إلى غاية أخرى مقصودة وراءها بل تطلب لذاتها .

الثاني) من الأقسام (ما يقصد لغيره ولا غرض أيضا في ذاته) وهذا (كالدراهم والدنانير، فإن الحاجات) الضرورية (لو كانت لا تنقضي بها لكانت هي والحصباء بمثابة واحدة) أي: بمنزلة سواء (ولكن لما كانت وسيلة إلى اللذات سريعة الإيصال إليها) كما قال القائل:


إذا كنت في حاجة مرسلا فأرسل رسولا هو الدرهم

(صارت عند الجهال محبوبة في أنفسها حتى) إنهم (يجمعونها ويكنزونها) ويتقاتلون عندها (ويتصارفون عليها بالربا ويظنون أنها مقصودة) لذاتها (ومثال هؤلاء مثال من يحب شخصا فيحب بسببه رسوله الذي يجمع بينه وبينه ثم ينسى في محبة الرسول) الذي هو الواسطة (محبة الأصل) الذي هو المحبوب (فيعرض عنه طول عمره ولا يزال مشغولا بتعهد الرسول ومراعاته وتفقده وهو غاية الجهل والضلال. الثالث) من الأقسام (ما يقصد لذاته ولغيره كالصحة والسلامة، فإنها تقصد ليقدر بسببها على الذكر والفكر الموصلين إلى لقاء الله تعالى) وهو قصد العارفين (أو ليتوصل بها إلى استيفاء لذات) الدنيا وهو قصد الجاهلين (وتقصد أيضا لذاتها فإن الإنسان، وإن استغنى عن الشيء الذي تراد سلامة الرجل لأجله فيريد أيضا سلامة الرجل) وصحتها (من حيث إنها سلامة، فإذا المؤثر لذاته فقط هو الخير والنعمة تحقيقا وما يؤثر [ ص: 81 ] لذاته ولغيره أيضا فهو نعمة ولكن دون الأولى) في الرتبة، (فأما ما لا يؤثر إلا لغيره كالنقدين فلا يوصفان في أنفسهما من حيث إنهما جوهران بأنهما نعمة، بل من حيث هما وسيلتان فيكونان نعمة في حق من يقصد أمرا ليس يمكنه أن يتوصل إليه إلا بهما فلو كان مقصده العلم والعبادة ومعه الكفاية التي هي ضرورة حياته استوى عنده الذهب والمدر، فكان وجودهما وعدمهما عنده بمثابة واحدة بل ربما شغله وجودهما) عنده (عن الفكر والعبادة فيكونان بلاء في حقه ولا يكونان نعمة) فحق العاقل أن يكتفي بالقدر الضروري منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية