إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم جعل مفصل اللحيين متخلخلا ، بحيث يتقدم الفك الأسفل ويتأخر ، حتى يدور على الفك الأعلى دوران الرحى ولولا ذلك ، لما تيسر إلا ضرب أحدهما على الآخر ، مثل تصفيق اليدين مثلا ، وبذلك لا يتم الطحن فجعل اللحي الأسفل متحركا حركة دورية ، واللحي الأعلى ثابتا لا يتحرك : فانظر إلى عجيب صنع الله تعالى فإن كل رحى صنعه الخلق فيثبت منه الحجر الأسفل ويدور الأعلى إلا هذا الرحى الذي صنعه الله تعالى إذ يدور منه الأسفل على الأعلى فسبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه ، وأتم برهانه ، وأوسع امتنانه . ثم هب أنك وضعت الطعام في فضاء الفم فكيف يتحرك الطعام إلى ما تحت الأسنان أو كيف تستجره الأسنان إلى نفسها وكيف يتصرف باليد في داخل الفم ؟ فانظر كيف أنعم الله عليك بخلق اللسان فإنه يطوف في جوانب الفم ، ويرد الطعام من الوسط إلى الأسنان بحسب الحاجة كالمجرفة التي ترد الطعام إلى الرحى .

هذا مع ما فيه من فائدة الذوق وعجائب قوة النطق والحكم التي لسنا نطنب بذكرها .


(ثم جعل مفصل اللحيين متخلخلا، بحيث يتقدم الفك الأسفل ويتأخر، حتى يدور على الفك الأعلى دوران الرحى، ولولاه لما تيسر إلا ضرب أحدهما على الآخر، مثل تصفيق اليدين مثلا، وبذلك [ ص: 108 ] لا يتم الطحن فجعل اللحي الأسفل متحركا حركة دورية، واللحي الأعلى ثابتا لا يتحرك) أي: أن الثنايا والرباعيات تتماس وتتلاقى في حالة العض، ولو لم يكن كذلك لم يتم العض على الأشياء، وذلك يكون بجذب الفك إلى قدام حتى يلاقي بعضها بعضا، وعند المضغ والطحن يرجع الفك إلى مكانه فتدخل الثنايا والرباعيات السفلانيات إلى داخل، وتحيد عن موازاة العالية، فيتم بذلك للأضراس وقوع بعضها على بعض، وذلك لأنه لا يمكن عن تلاقي الثنايا والرباعيات التي في اللحي الأعلى وفي اللحي الأسفل أن تتلاقى الأضراس .

(فانظر إلى عجيب صنع الله تعالى) وبديع حكمته (فإن كل رحى صنعه الخلق فيثبت منه الحجر الأسفل ويدور الأعلى) ولو تحرك الأسفل لفسد (إلا هذا الرحى الذي صنعه الله تعالى إذ يدور منه الأسفل على الأعلى) وسر ذلك أن الله تعالى قد وضع خزائن الحواس في اللحي الأعلى، فلو دار الفك الأعلى لخيف من تطرق الخلل والفساد على تلك الخزائن، وقد استثني مما ذكر التمساح فقد قالوا كل حيوان يتحرك فكه الأسفل عند المضغ إلا التمساح (فسبحانه ما أعظم شأنه، وأتم برهانه، وأوسع إمتانه. ثم هب أنك وضعت الطعام في فضاء الفم فكيف يتحرك الطعام إلى ما تحت الأسنان أو كيف تستجره الأسنان إلى نفسها أو كيف ينصرف باليدين في داخل الفم؟ فانظر كيف أنعم الله عليك بخلق اللسان) وركبه من لحم، وعروق، وشريانات، وعصب حساس، وغشاء متصل بغشاء المريء (فإنه يطوف في جوانب الفم، ويرد الطعام من الوسط إلى الأسنان بحسب الحاجة) إلى طحن أو كسر أو مضغ (كالمجرفة التي ترد الطعام إلى الرحى) ، وذلك أن جوهره لحم أبيض رخو مجلل بالغشاء المذكور، وقد التفت به عروق صغار كثيرة فيها دم هو سبب حمرة لونه، وتحته عروق وشريانات وأعصاب كثيرة فوق ما يستحقه قدره من العظم (هذا مع ما فيه من فائدة الذوق) إذ موضع قوته العصب المفروش عليه (وعجائب قوة النطق) وهي القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام (والحكم التي لسنا نطنب بذكرها) .

التالي السابق


الخدمات العلمية