إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : العلم خزائن مفاتيحها السؤال ألا فاسألوا فإنه يؤجر فيه أربعة السائل والعالم والمستمع والمحب لهم وقال صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله ، ولا للعالم أن يسكت على علمه " وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه " حضور مجلس عالم أفضل من صلاة ألف ركعة ، وعيادة ألف مريض ، وشهود ألف جنازة ، فقيل : يا رسول الله ، ومن قراءة القرآن ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : وهل ينفع القرآن إلا بالعلم "
الحديث السابع: (وقال -صلى الله عليه وسلم-: العلم خزائن) جمع خزينة (مفاتحها) جمع مفتح ومفتاح كمنبر ومصباح، وفي بعض النسخ: "مفاتيحها" بزيادة التحتية، وفي بعض الروايات: ومفتاحها (السؤال) .

قال الماوردي: حكي أن بعض الحكماء رأى شيخا يحب النظر في العلم، ويستحي من السؤال، فقال: يا هذا تستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل مما كنت في أوله .

(فاسألوا) وفي بعض النسخ: فسلوا، وفي بعض الروايات هنا بزيادة: "يرحمكم الله" (فإنه يؤجر فيه أربعة) من الأنفس (السائل والعالم) وفي بعض الروايات: والمعلم بدل العالم (والمستمع والمحب لهم) وفي بعض النسخ: والمجيب لهم .

والمراد بالسؤال سؤال تفهم لا تعنت، فذلك منهي عنه .

قال العراقي: أخرجه أبو نعيم في الحلية، من رواية داود بن سليمان الغازي، عن علي بن موسى، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره .

ورواه الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه من طريق الطبراني، عن عبد الله بن أحمد بن عامر، عن أبيه، عن علي بن موسى، قال في الميزان: ما ينفك عن وضعه أو وضع أبيه، وأيضا فداود الغازي كذبه ابن معين، وله نسخة موضوعة عن أهل البيت، وهذا الحديث معروف من قول الزهري، رواه عبد الغني بن سعيد في كتاب آداب الحديث والمحدث. اهـ .

قلت: وأخرجه العسكري في الأمثال بمثل رواية الحلية، وأورده صاحب القوت فقال: وفي الخبر الذي رويناه من طريق أهل البيت، وساقه، وزاد في الميزان: إن تلك النسخة الموضوعة رواها عن داود الغازي علي بن محمد بن مهرويه القزويني العدوي، فيها هذا الحديث. اهـ .

وأما عبد الله بن محمد بن عامر الطائي فقد ذكره ابن النجار في تاريخه في ترجمة علي الرضا، وذكر له جملة أحاديث رواها عنه بواسطة أبيه .

وأما قوله: وهذا الحديث معروف من قول الزهري: فقد أخرج أبو نعيم في الحلية من رواية ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: "العلم خزائن وتفتحها المسائل".

وأخرج أيضا من رواية قتيبة بن سعيد: حدثنا رشدين بن سعد، عن ابن شهاب، قال مثله .

وأخرج من رواية محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: "كان يصطاد العلم بالمسألة كما يصطاد الوحش" .

الحديث الثامن: (وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله، ولا العالم أن يسكت على علمه") هكذا أورده صاحب القوت، فقال: وكذلك روينا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينبغي للجاهل أن يستقر على جهله ولا ينبغي للعالم أن يسكت عن علمه، وقد قال الله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .

وقال العراقي: رواه ابن السني وأبو نعيم في كتابيهما رياضة المتعلمين، وأبو بكر بن مردويه في تفسيره، وأبو الشيخ في كتاب الثواب من رواية محمد بن أبي حميد، عن ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره، وقدم ذكر العالم، وفي آخره: "فإن الله قال: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ومحمد بن أبي حميد منكر الحديث، قاله البخاري وغيره. اهـ .

قلت: هو حماد بن أبي حميد إبراهيم الزرقي الأنصاري أبو إبراهيم المدني من رجال الترمذي وابن ماجه ضعيف، وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من هذا الطريق، وسياقه كسياق الجماعة .

الحديث التاسع: (وفي حديث أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه، رفعه: ("حضور مجلس عالم أفضل من صلاة ألف ركعة، وعيادة ألف مريض، وشهود ألف جنازة، فقيل: يا رسول الله، ومن قراءة القرآن؟ فقال: وهل ينفع القرآن إلا بالعلم") قال العراقي: هذا الحديث موضوع، وإنما أعرفه من حديث عمر لا من حديث أبي ذر، كما ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، فقال: روى محمد بن علي بن عمر المذكر قال: حدثنا إسحاق بن الجعد، حدثنا أحمد بن عبد الله الهروي، حدثنا إسحاق بن نجيح، حدثنا هشام [ ص: 100 ] ابن حسان، حدثنا محمد بن سيرين، حدثنا عبيدة السلماني، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا شاهد، فقال: يا رسول الله، إذا حضرت جنازة وحضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن أشهده؟ فقال: إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها فإن حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة تشيعها، ومن حضور ألف مريض تعوده، ومن قيام ألف ليلة للصلاة، ومن ألف يوم تصومه، ومن ألف درهم تتصدق بها، ومن ألف حجة سوى الفرض، ومن ألف غزوة سوى الواجب تغزوها في سبيل الله بنفسك ومالك" الحديث .

وفيه: فقال رجل: قراءة؟ فقال: ويحك! وما قراءة القرآن بغير علم؟! وما الحج بغير علم؟! وما الجمعة بغير علم؟! أما علمت أن السنة تقضي على القرآن، والقرآن لا يقضي على السنة.


قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، أما المذكر فقال أبو بكر الخطيب: هو متروك، وأما الهروي فهو الجويباري، وهو الذي وضعه، وإسحاق بن نجيح قال أحمد: أكذب الناس. اهـ .

قلت: ونص ابن الجوزي بعد قوله: "بنفسك ومالك": "وأين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم؟! أما علمت أن الله يطاع بالعلم، ويعبد بالعلم، وخير الدنيا والآخرة في العلم، وشر الدنيا والآخرة في الجهل؟! فقال رجل" إلخ .

وقد أقره على كونه موضوعا الحافظ ابن حجر في اللسان، وقال: هذا من طامات الجويباري، وتبعه الحافظ السيوطي في اللآلئ المصنوعة، وقد وجدت لحديث أبي ذر طريقا أخرى، أخرجه ابن ماجه، كما في الذيل للسيوطي، والحاكم في تاريخه كما في الجامع الكبير له في مسند أبي ذر، ولفظه: "يا أبا ذر لأن تعدو في أن تتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة، وأن تغدو فتتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير من أن تصلي ألف ركعة تطوعا" فيحتمل أن الشيخ أشار إلى هذا. والله أعلم .

وأخرج الخطيب وابن النجار في تاريخيهما عن ابن عباس مرفوعا: "من تعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به كان أفضل من صلاة ألف ركعة، فإن هو عمل به أو علمه كان له ثوابه وثواب من يعمل به إلى يوم القيامة".

التالي السابق


الخدمات العلمية