إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان فضيلة الرجاء والترغيب فيه

اعلم أن العمل على الرجاء أعلى منه على الخوف ؛ لأن أقرب العباد إلى الله تعالى أحبهم : له والحب يغلب بالرجاء واعتبر ذلك بملكين يخدم أحدهما خوفا من عقابه ، والآخر رجاء لثوابه ، ولذلك ورد في الرجاء وحسن الظن رغائب : لا سيما في وقت الموت قال تعالى : لا تقنطوا من رحمة الله فحرم أصل اليأس وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن الله تعالى أوحى إليه :

أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف ، لأنك قلت أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لم خفت الذئب ولم ترجني ؟ ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له ؟!

وقال صلى الله عليه وسلم : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء

ودخل صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في النزع : فقال : كيف تجدك ؟ فقال : أجدني أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي ،

فقال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجا ، وأمنه مما يخاف
وقال علي رضي الله عنه لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط : لكثرة ذنوبه يا هذا يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك

وقال سفيان من أذنب ذنبا فعلم أن الله تعالى قدره عليه ، ورجا غفرانه ، غفر الله له ذنبه . قال لأن الله عز وجل عير : قوما فقال وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم وقال تعالى وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا : وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإن لقنه الله حجته ، قال : يا رب رجوتك ، وخفت الناس ، قال فيقول الله تعالى : قد غفرته لك وفي الخبر الصحيح أن رجلا كان يداين الناس : فيسامح الغني ويتجاوز عن المعسر فلقي الله ولم يعمل خيرا قط ، فقال الله عز وجل : من أحق بذلك منا فعفا عنه لحسن ظنه ورجائه أن يعفو عنه مع إفلاسه عن الطاعات وقال تعالى إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ولما قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون : أي : صدوركم وتجأرون : إلى ربكم ، فهبط جبريل عليه السلام فقال : إن ربك يقول : لك لم تقنط عبادي ؟! فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم

وفي الخبر إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أحبني ، وأحب من يحبني ، وحببني إلى خلقي ، فقال : يا رب كيف أحببك إلى خلقك؟ قال : اذكرني بالحسن الجميل ، واذكر آلائي وإحساني ، وذكرهم ذلك ، فإنهم لا يعرفون مني إلا الجميل ورؤي أبان بن أبي عياش في النوم وكان يكثر ذكر أبواب الرجاء فقال : أوقفني الله تعالى بين يديه ، فقال : ما الذي حملك على ذلك ؟ فقلت : أردت أن أحببك إلى خلقك ، فقال : قد غفرت لك ورؤي يحيى بن أكثم بعد موته في النوم ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : أوقفني الله بين يديه ، وقال : يا شيخ السوء فعلت وفعلت ، وقال فأخذني من الرعب ما يعلم الله ثم قلت : يا رب ما هكذا حدثت عنك ، فقال : وما حدثت عني ؟ فقلت : حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس عن نبيك صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام أنك قلت : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ، وكنت أظن بك أن لا تعذبني ، فقال الله عز وجل : صدق جبريل وصدق نبيي ، وصدق أنس ، وصدق الزهري ، وصدق معمر ، وصدق عبد الرزاق ، وصدقت ، قال : فألبست : ومشى بين يدي الولدان إلى الجنة ، فقلت : يا لها من فرحة !

وفي الخبر أن رجلا من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدد عليهم قال : : فيقول له الله تعالى يوم القيامة : اليوم أؤيسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها وقال صلى الله عليه وسلم إن رجلا يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادي : يا حنان يا منان ، فيقول الله تعالى لجبريل اذهب فأتني بعبدي ، قال : فيجيء به فيوقفه على ربه فيقول الله تعالى : كيف وجدت مكانك ؟ فيقول : شر مكان ، قال فيقول : : ردوه إلى مكانه ، قال : فيمشي ويلتفت إلى ورائه ، فيقول الله عز وجل : إلى أي شيء تلتفت ؟ فيقول : لقد رجوت أن لا تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها ، فيقول الله تعالى : اذهبوا به إلى الجنة فدل هذا على أن رجاءه كان سبب نجاته نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه

.


(بيان فضيلة الرجاء والترغيب فيه)

(اعلم) أرشدك الله تعالى (أن العمل على الرجاء أعلى منه على الخوف؛ لأن أقرب العباد إلى الله أحبهم) أي: أكثرهم حبا (له) وأنسا به (والحب يغلب بالرجاء) لا بالخوف، ويحتمل أن يكون هذا وجه تقديم الرجاء على الخوف في الذكر (واعتبر ذلك بملكين يخدم أحدهما خوفا من عقابه، والآخر رجاء لثوابه، فالراجي ثوابه أكثر حبا له من الخائف من عقابه) وهو اعتبار صحيح (ولذلك ورد في الرجاء وحسن الظن) [ ص: 169 ] بالله تعالى (رغائب) أي: مرغبات (لا سيما في وقت الموت) سواء عرف نفسه بالإساءة أم لا، وقال القشيري: ومن عرف نفسه بالإساءة فينبغي أن يكون خوفه غالبا على رجائه، انتهى. وهذا غير مقيد وقت الموت، وفي القوت: ولولا أن الرجاء وحسن الظن من فواضل المقامات ما طلبه العلماء في آخر الأوقات عند فراق العمر، ولقاء المولى، لتكون الخاتمة به، وهم يسألون الله حسن الخاتمة لطول الحياة. وكذلك قيل إن الخوف أفضل ما دام حيا، فإذا حضر الموت فالرجاء أفضل. (قال تعالى: لا تقنطوا من رحمة الله) إن الله يغفر الذنوب جميعا ، (فحرم أصل اليأس) الذي هو ضد الرجاء والقنوط بمعناه قال تعالى: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .

(وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن الله تعالى أوحى إليه: أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف هذه المدة؟ قال: لا، قال: لأنك قلت) لإخوته: (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لم خفت الذئب) عليه (ولم ترجني؟ ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له؟!) . نقله صاحب القوت زاد في رواية عن الله تعالى أنه أوحى إليه: من سبق عنايتي بك أن جعلت نفسي عندك أرحم الراحمين فرجوتني، ولولا ذلك لكنت أجعل نفسي عندك أبخل الباخلين. (وقال صلى الله عليه وسلم: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث جابر اهـ .

قلت: ورواه كذلك الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد وأبو داوود وابن ماجه وابن حبان، وروى ابن جميع في معجمه والخطيب وابن عساكر من حديث أنس: "لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله تعالى، فإن حسن الظن بالله من الجنة"، قال الذهبي: فيه أبو نواس الشاعر فسقه ظاهر، فليس بأهل أن يروى عنه .

(وقال صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء) .

قال العراقي: رواه ابن حبان من حديث واثلة بن الأسقع، وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة دون قوله: فليظن بي ما شاء. اهـ .

قلت: وبمثل رواية الصحيحين رواه الطبراني عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وحديث واثلة رواه أيضا ابن أبي الدنيا والحكيم وابن عدي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي وتمام، ولفظهم: قال الله عز وجل، والباقي سواء. وفي رواية للطبراني في الأوسط وأبي نعيم في الحلية وابن عساكر أن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ورواه كذلك الشيرازي في الألقاب من حديث أنس، وروى أحمد وابن حبان من حديث أبي هريرة قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، الحديث. وفي رواية لمسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، الحديث .

(ودخل صلى الله عليه وسلم على رجل وهو في النزع) أي: حالة نزوع الروح منه (فقال: كيف تجدك؟ فقال: أجدني أخاف ذنوبي وأرجو رحمة ربي، فقال صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما رجا، وأمنه مما يخاف) . قال العراقي: رواه الترمذي وقال: غريب، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه من حديث أنس، وقال النووي: إسناده جيد اهـ .

قلت: وروى البيهقي من مرسل سعيد بن المسيب رفعه: ما اجتمع الرجاء والخوف في قلب مؤمن إلا أعطاه الله الرجاء وأمنه الخوف. (وقال علي رضي الله عنه لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط: يا هذا يأسك من رحمة الله أعظم من ذنوبك) كذا في القوت. ورواه الشريف الموسوي في نهج البلاغة قال صاحب القوت: صدق رضي الله عنه؛ لأن اليأس من روح الله الذي يستريح إليه المكروب من الذنوب، والقنوط من رحمة الله التي يرجوها بالغيوب أعظم من ذنوبه، وهو أشد من جميع عيوبه؛ لأنه قطع بهواه على صفات الله المرجوة، وحكم على كرم الله بصفاته المذمومة، وكان ذلك من أكبر الكبائر، وإن كانت ذنوبه كبائر .

(وقال سفيان) الثوري رحمه الله تعالى: (من أذنب ذنبا فعلم أن الله تعالى قدره عليه، ورجا غفرانه، غفر الله له ذنبه. قال) سفيان: (لأن الله عز وجل عير) أي: عاب (قوما فقال) تعالى: ( وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم) فأصبحتم من الخاسرين [ ص: 170 ] (وقال تعالى) في مثله: ( وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ) أي: هلكى، ففي دليل خطابه أن من ظن ظنا حسنا كان من أهل النجاة. هكذا أورده صاحب القوت ثم قال: وقد جاء في الأثر: من أذنب ذنبا فأحزنه ذلك غفر له ذنبه، وإن لم يستغفر .

قلت: وقول سفيان المذكور سيأتي معناه في أحاديث الرجاء قريبا .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإن لقنه الله حجته، قال: رب رجوتك، وخفت الناس، قال فيقول الله تعالى: قد غفرت لك) . قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد جيد، وقد تقدم في كتاب الأمر بالمعروف. (وفي الخبر الصحيح أن رجلا كان يداين الناس) أي: يعاملهم بالدين (فيسامح الغني ويتجاوز عن المعسر فلقي الله) تعالى (ولم يعمل خيرا قط، فقال الله عز وجل: من أحق بذلك منا فعفا عنه لحسن ظنه ورجائه أن يعفو عنه مع إفلاسه عن الطاعات) . قال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي مسعود: حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، فقال قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه. واتفقا عليه من حديث حذيفة وأبي هريرة بنحوه اهـ .

قلت: حديث أبي مسعود رواه كذلك أحمد والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي وقال: حسن صحيح، والطبراني والحاكم والبيهقي، وأبو مسعود راويه هو عقبة بن عمر، والبدوي الصحابي رضي الله عنه. ورواه أحمد والشيخان وابن ماجه من حديث حذيفة وأبي مسعود معا أن رجلا ممن كان قبلكم أتاه ملك الموت ليقبض نفسه، فقال له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قال له: انظر، قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس وأحارفهم فأنظر المعسر، وأتجاوز عن الموسر، فأدخله الله الجنة. وروى البزار وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية من حديث أبي هريرة أن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا، فلما هلك قال عز وجل: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت: له خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك. وفي رواية لأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن حبان: كان رجل تاجر يداين الناس فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه.

(ولما قال) لهم (صلى الله عليه وسلم) يعظهم (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون) أي: تضربون (صدوركم وتجأرون) أي: تتضرعون (إلى ربكم، فهبط جبريل عليه السلام فقال: إن ربك يقول: لم تقنط عبادي؟!) قال (فخرج عليهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرجاهم وشوقهم) هكذا هو في سياق القوت. ولفظ القشيري في الرسالة، وفي بعض التفاسير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أصحابه من باب بني شيبة فرآهم يضحكون، فقال: تضحكون! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ثم مر ورجع القهقرى، وقال: نزل علي جبريل، وأتى بقوله: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ، اهـ. وقال العراقي: رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة وأوله متفق عليه من حديث أنس. ورواه بزيادة: ولو خرجتم إلى الصعدات، أحمد والحاكم، وقد تقدم اهـ .

قلت: أما المتفق عليه من حديث أنس إلى قوله كثيرا رواه أيضا أحمد والدارمي والنسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان، ورواه أيضا أحمد والبخاري والترمذي من حديث أبي هريرة ورواه ابن عساكر والطبراني من حديث سمرة، ورواه ابن عساكر أيضا من حديث أبي الدرداء. ورواه بزيادة: ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تنجون أو لا تنجون، الطبراني والحاكم والبيهقي من حديث أبي الدرداء. ورواه بزيادة: ولما ساغ لكم الطعام والشراب بعد قوله كثيرا، الحاكم من حديث أبي ذر، وروى الحاكم من حديث أبي هريرة: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا، يظهر النفاق، وترتفع الأمانة .. الحديث. وروى أبو نعيم في الحلية من طريق حزام بن حكيم قال: قال أبو الدرداء: لو تعلمون ما أنتم راؤون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة، ولا شربتم شرابا على شهوة، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم [ ص: 171 ] وتبكون على أنفسكم.

(وفي الخبر أن الله تعالى أوحى إلى داوود عليه السلام:) يا داوود (أحبني، وأحب من يحبني، وحببني إلى خلقي، فقال: يا رب) هذا أحبك، وأحب من يحبك و (كيف أحببك إلى خلقك؟ قال: اذكرني بالحسن الجميل، واذكر آلائي وإحساني، وذكرهم ذلك، فإنهم لا يعرفون مني إلا الجميل) . هكذا هو في القوت إلا أنه قال: أوحى الله إلى داوود وغيره من الأنبياء، ثم ساقه ولم يقل وفي الخبر؛ ولذلك قال العراقي: لم أجد له أصلا، وكأنه من الإسرائيليات .

(ورؤي أبان بن أبي عياش) البصري، أبو إسماعيل العبدي، واسم أبيه فيروز، روى له أبو داوود، مات في حدود الأربعين، (في النوم) بعد موته (وكان يكثر ذكر أبواب الرجاء) والرخص، فقال له الرائي: ما فعل الله بك؟ (فقال: أوقفني الله تعالى بين يديه، فقال: ما الذي حملك على ذلك؟) أي: على أن حدثت عني بما حدثت به من الرخص، قال (فقلت: يا رب أحببت أن أحببك إلى خلقك، فقال: قد غفرت لك) هكذا أورده صاحب القوت. (ورؤي) القاضي (يحيى بن أكثم) بن محمد بن قطن التميمي المروزي، أبو محمد، فقيه صدوق، روى له الترمذي، وكان يرى الرواية بالإجازة والوجادة؛ ولذلك كثر فيه الكلام، مات عن ثلاث وثمانين سنة في أواخر سنة اثنتين وأربعين ومائة (بعد موته في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه، وقال: يا شيخ السوء فعلت وفعلت، قال: فأخذني من الرعب) والفزع (ما يعلم الله ثم قلت: يا رب ما هكذا حدثت عنك، فقال: وما حدثت عني؟ فقلت: حدثني عبد الرزاق) ترجمته بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصغاني، ثقة، حافظ، مصنف شهير، عمي في آخر عمره، مات سنة إحدى عشرة ومائة عن خمس وثمانين سنة، روى له الجماعة (عن معمر) بن راشد الأزدي مولاهم ابن عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة، ثبت، فاضل، مات سنة أربع وخمسين عن ثمان وخمسين سنة، روى له الجماعة (عن الزهري) هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب المدني الفقيه، الثبت، المشهور (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (عن نبيك صلى الله عليه وسلم أنك قلت:) تباركت وتعاليت: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء، و) قد (كنت أظن بك أن لا تعذبني، فقال عز وجل: صدق نبيي، وصدق أنس، وصدق الزهري، وصدق معمر، وصدق عبد الرزاق، وصدقت أنت، قال: فألبست) أي: من خلع الجنة (ومشى بين يدي الولدان إلى الجنة، فقلت: يا لها من فرحة!) . هكذا أورده صاحب القوت .

وحديث "أنا عند ظن عبدي بي" تقدم ذكره قريبا من رواية واثلة بن الأسقع عند ابن حبان بهذا السياق، وليس هو من حديث أنس. وأورده القشيري من وجه آخر فقال: سمعت أبا الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد المركي قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد الأديب، قال: حدثنا الفضل بن صدقة، حدثنا أبو عبد الله الحسن بن عبد الله بن سعيد قال: كان يحيى بن أكثم القاضي صديقا لي، وكان يودني وأوده، فمات يحيى، فكنت أشتهي أن أراه في المنام، فأقول له: ما فعل الله بك؟ فرأيته ليلة في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي إلا أنه وبخني ثم قال: يا يحيى خلطت علي في دار الدنيا، فقلت: يا رب اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك قلت: إني لأستحيي أن أعذب ذا شيبة بالنار، فقال: قد عفوت عنك يا يحيى، وصدق نبيي، إلا أنك خلطت علي في دار الدنيا .

(وفي الخبر أن رجلا من بني إسرائيل كان يقنط الناس) من رحمة الله تعالى (ويشدد عليهم) بالإنذار والتخويف (قال: فيقول الله تعالى له يوم القيامة: اليوم أؤيسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها) كذا في القوت. وقال العراقي: رواه البيهقي في الشعب عن زيد بن أسلم فذكره مقطوعا. (وقال صلى الله عليه وسلم إن رجلا يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادي: يا حنان يا منان، فيقول الله تعالى لجبريل) عليه السلام: (اذهب فأتني بعبدي، قال: فيجيء به فيوقفه على ربه فيقول الله تعالى له: كيف وجدت مكانك؟ فيقول: شر مكان، فيقول: ردوه إلى مكانه، قال: فيمشي [ ص: 172 ] ويلتفت إلى ورائه، فيقول الله عز وجل: إلى أي شيء تلتفت؟ فيقول: لقد رجوت أن لا تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها، فيقول الله تعالى: اذهبوا به إلى الجنة) . قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله، والبيهقي في الشعب، وضعفه من حديث أنس اهـ .

قلت: وروى أحمد من حديث عبادة بن الصامت، وفضالة بن عبيد معا: "إذا كان يوم القيامة، وفرغ الله تعالى من قضاء الخلق، فيبقى رجلان، فيؤمر بهما إلى النار، فيلتفت أحدهما، فيقول الجبار تعالى: ردوه، فيردونه، فيقول له: لم التفت؟ فيقول: كنت أرجو أن تدخلني الجنة، فيؤمر به إلى الجنة، فيقول: لقد أعطاني الله عز وجل حتى لو أطعمت أهل الجنة ما نقص ما عندي شيئا". وأما لفظ حديث أنس عند البيهقي: "إن عبدا في جهنم ينادي ألف سنة: يا حنان يا منان، فيقول الله لجبريل: اذهب ائتني بعبدي هذا، فينطلق جبريل فيجد أهل النار مكبين يبكون، فيرجع إلى ربه عز وجل فيخبره، فيقول: ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به، فيوقفه على ربه فيقول له: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقبلك؟ فيقول: يا رب شر مكان، وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي، فيقول: يا رب ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تعيدني فيها، فيقول: دعوا عبدي". وقد رواه كذلك أحمد وابن خزيمة.

(فدل هذا على أن رجاءه كان سبب نجاته) من النار، ولفظ القوت: وروينا في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا يخرج من النار فيوقف بين يدي الله عز وجل، فيقول له: كيف وجدت مكانك؟.... الحديث. ثم قال: فقد صار الرجاء طريقه إلى الجنة، كما كان الخوف طريق صاحبه في الدنيا إليها، روينا أن الآخر سعى مبادرا إلى النار لما قال ردوه، فقيل له في ذلك، فقال: لقد ذقت من وبال معصيتك في الدنيا ما خفت من عذابك في الآخرة، وقال: خفت أن أعصيه في الآخرة كما عصيته في الدنيا، فقال: اذهبوا به إلى الجنة. نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية