إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الأخبار فقد روى أبو موسى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة ، عجل الله عقابها في الدنيا : الزلازل والفتن ، فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من أمتي رجل من أهل الكتاب ، فقيل : هذا فداؤك من النار

وفي لفظ آخر : يأتي كل رجل من هذه الأمة بيهودي أو نصراني إلى جهنم فيقول : هذا فدائي من النار ، فيلقى فيها وقال صلى الله عليه وسلم : الحمى من فيح جهنم ، وهي حظ المؤمن من النار وروي في تفسير قوله تعالى : يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه أن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أني أجعل حساب أمتك إليك ، قال : لا يا رب أنت أرحم بهم مني ، فقال : إذن لا نخزيك فيهم

وروي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه في ذنوب أمته فقال : يا رب اجعل حسابهم إلي لئلا يطلع على مساويهم غيري ، فأوحى الله تعالى إليه : هم أمتك ، وهم عبادي ، وأنا أرحم بهم منك ، ولا أجعل حسابهم إلى غيري لئلا تنظر إلى مساويهم أنت ولا غيرك

وقال صلى الله عليه وسلم : حياتي : خير لكم ، وموتي خير لكم أما حياتي فأسن لكم السنن ، وأشرع لكم الشرائع ، وأما موتي فإن أعمالكم تعرض علي فما رأيت منها حسنا حمدت الله عليه ، وما رأيت منها سيئا استغفرت الله تعالى لكم وقال صلى الله عليه وسلم يوما : يا كريم العفو ، فقال جبريل عليه السلام : أتدري ما تفسير يا كريم العفو ؟ هو إن عفا عن السيئات برحمته ، بدلها حسنات بكرمه ، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول : اللهم إني أسألك تمام النعمة ، فقال : هل تدري ما تمام النعمة ؟ قال : لا ، قال : دخول الجنة

قال العلماء : قد أتم الله علينا نعمته برضاه الإسلام لنا ؛ إذ قال تعالى وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وفي الخبر : إذا أذنب العبد ذنبا فاستغفر الله يقول الله عز وجل لملائكته : انظروا إلى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنوب ، ويأخذ بالذنب ، أشهدكم أني قد غفرت له وفي الخبر : لو أذنب العبد حتى تبلغ ذنوبه عنان السماء غفرتها له ما استغفرني ورجاني وفي الخبر : لو لقيني عبدي بقراب الأرض ذنوبا لقيته بقراب الأرض مغفرة وفي الحديث : أن الملك ليرفع القلم عن العبد إذا أذنب ست ساعات ، فإن تاب واستغفر لم يكتبه عليه ، وإلا كتبها سيئة . وفي لفظ آخر : فإذا كتبها عليه وعمل حسنة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال ، وهو أمير عليه : ألق هذه السيئة ، حتى ألقى من حسناته واحدة تضعيف ، العشر وأرفع له تسع حسنات ، فتلقى عنه السيئة وروى أنس في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : إذا أذنب العبد ذنبا كتب عليه ، فقال أعرابي وإن تاب عنه قال محي عنه قال فإن عاد قال النبي صلى الله عليه وسلم : يكتب عليه ، قال الأعرابي : فإن تاب ؟ قال محي من صحيفته ، قال إلى متى قال إلى أن يستغفر ويتوب إلى الله عز وجل ، إن الله لا يمل من المغفرة حتى يمل العبد من الاستغفار ، فإذا هم العبد بحسنة كتبها صاحب اليمين قبل أن يعملها ، فإن عملها كتبت عشر حسنات ثم يضاعفها الله سبحانه وتعالى إلى سبعمائة ضعف ، وإذا هم بخطيئة لم تكتب عليه ، فإذا عملها كتبت خطيئة واحدة ووراءها حسن عفو الله عز وجل

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني لا أصوم إلا الشهر : لا أزيد عليه ، ولا أصلي إلا الخمس لا أزيد عليها ، وليس لله في مالي صدقة ولا حج ، ولا ، تطوع أين أنا إذا مت ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال نعم معي ، إذا حفظت قلبك من اثنتين : الغل والحسد ، ولسانك من اثنتين : الغيبة والكذب ، وعينيك من اثنتين : النظر إلى ما حرم الله وأن تزدري بهما مسلما ، دخلت معي الجنة على راحتي هاتين وفي الحديث الطويل لأنس أن الأعرابي قال يا رسول الله من يلي حساب الخلق فقال الله تبارك وتعالى ، قال : هو بنفسه ؟ قال : نعم ، فتبسم الأعرابي ، فقال صلى الله عليه وسلم : مم ضحكت يا أعرابي ؟ فقال إن الكريم إذا قدر عفا وإذا حاسب سامح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، الأعرابي ، ألا لا كريم أكرم من الله تعالى ، هو أكرم الأكرمين ثم قال : فقه الأعرابي وفيه أيضا : إن الله تعالى شرف الكعبة وعظمها ، ولو أن عبدا هدمها حجرا حجرا ، ثم أحرقها ، ما بلغ جرم من استخف بولي من أولياء الله تعالى ، قال الأعرابي : ومن أولياء الله تعالى ؟ قال : المؤمنون كلهم أولياء الله تعالى ، أما سمعت قول الله : عز وجل الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور وفي بعض الأخبار : المؤمن أفضل من الكعبة

والمؤمن طيب طاهر والمؤمن أكرم على الله تعالى من الملائكة وفي الخبر : خلق الله تعالى جهنم ، من فضل رحمته ، سوطا يسوق به عباده إلى الجنة

وفي خبر آخر يقول الله عز وجل : إنما خلقت الخلق ليربحوا علي ، ولم أخلقهم لأربح عليهم وفي حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلق الله تعالى شيئا إلا جعل له ما يغلبه ، وجعل رحمته تغلب غضبه وفي الخبر المشهور : إن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي تغلب غضبي .


(وأما الأخبار فقد روى أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة، عجل عقابها في الدنيا: الزلازل والفتن، فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من أمتي رجل من أهل الكتاب، فقيل: هذا فداؤك من النار) . قال صاحب القوت: رويناه في حديث أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى، وقال العراقي: رواه أبو داوود دون قوله: فإذا كان يوم القيامة... إلخ، فرواه ابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف، وهي صحيحة من حديث أبي موسى كما يأتي في الحديث الذي يليه، انتهى .

قلت: لفظ أبي داوود: أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة، إنما عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل والبلايا، ورواه كذلك الطبراني والحاكم، وروى الحاكم في السكنى من حديث أنس: أمتي أمة مرحومة مغفور لها متاب عليها، وروى الخطيب في المتفق والمفترق، وابن النجار من حديث ابن عباس: أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة، إذا كان يوم القيامة أعطى الله كل رجل من أمتي رجلا من أهل الأديان فكان فداءه من النار، وفيه عبد الله بن ضرار عن أبيه قال [ ص: 176 ] ابن معين: لا يكتب حديثه .

(وفي لفظ آخر: يأتي كل رجل من هذه الأمة بيهودي أو نصراني إلى جهنم فيقول: هذا فدائي من النار، فيلقى فيها) كذا أورده صاحب القوت. وقال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي موسى: إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول: هذا فداؤك من النار، وفي رواية: لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه من النار يهوديا أو نصرانيا. انتهى .

قلت: وفي لفظ لمسلم: أعطى الله كل رجل من هذه الأمة رجلا من الكفار فيقال له: هذا فداؤك من النار، رواه هكذا عن أبي بردة عن أبي موسى، وفي لفظ للطبراني في الكبير وفي الأوسط، والحاكم في الكنى: إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى كل مؤمن ملكا معه كافر، فيقول الملك للمؤمن: يا مؤمن هاك هذا الكافر فهذا فداؤك من النار. وفي لفظ لأحمد: إذا كان يوم القيامة لم يبق مؤمن إلا أتي بيهودي أو نصراني حتى يدفع إليه فيقال له: هذا فداؤك من النار، وعند أبي نعيم في الحلية: إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد ثم يرفع لكل قوم آلهتهم... الحديث، وفيه: فيقال لأهل التوحيد ارفعوا رؤوسكم فقد أوجب الله لكم الجنة، وجعل مكان كل رجل منهم يهوديا أو نصرانيا في النار. وأما الرواية الثانية لمسلم: لا يموت رجل... الحديث، فقد رواه كذلك ابن حبان والطبراني.

(وقال صلى الله عليه وسلم: الحمى من فيح جهنم، وهي حظ المؤمن من النار) . قال العراقي: رواه أحمد من رواية أبي صالح الأشعري عن أبي أمامة، وأبو صالح لا يعرف، ولا يعرف اسمه، انتهى .

قلت: ويقال: هو الأنصاري، روى له ابن ماجه في كتاب التفسير له، وقد رواه أيضا الطبراني وابن مردويه، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات، ولفظ الكل: الحمى كير من جهنم، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار. وفي الصحيحين: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء. وروى الطبراني وابن قانع وابن مردويه، والشيرازي في الألقاب، وابن عساكر من حديث أبي ريحانة الأنصاري: الحمى كير من جهنم، وهي نصيب المؤمن من النار. وعند ابن النجار: من كير جهنم، وهي حظ المؤمن من النار، وروى الطبراني في الأوسط من حديث أنس: الحمى حظ المؤمن من النار، وزاد ابن عساكر من حديث عثمان بن عفان: يوم القيامة، وروى البزار من حديث عائشة: الحمى حظ كل مؤمن من النار، ورواه كذلك القضاعي من حديث ابن مسعود بزيادة: وحمى ليلة تكفر خطايا سنة مجرمة.

(وروي في تفسير قوله تعالى: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا ) الآية. (إن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أني أجعل حساب أمتك إليك، قال: لا يا رب أنت خير لهم مني، فقال: إذا لا نخزيك فيهم) هكذا أورده صاحب القوت. وقال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله .

قلت: روى أحمد وابن عساكر من حديث حذيفة: إن ربي استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم، فقلت: ما شئت يارب، هم خلقك، وعبادك، فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك، فاستشارني الثالثة، فقلت له كذلك، فقال تعالى: إني لن أخزيك في أمتك يا أحمد، الحديث .

(وروي عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه في ذنوب أمته فقال: يا رب اجعل حسابهم إلي لئلا يطلع على مساويهم غيري، فأوحى الله تعالى إليه: هم أمتك، وهم عبادي، وأنا أرحم بهم منك، لا أجعل حسابهم إلى غيري لئلا تنظر إلى مساويهم أنت ولا غيرك) هكذا أورده صاحب القوت عن سلمة بن وردان عن أنس. وقال العراقي: لم أقف له على أصل. (وقال صلى الله عليه وسلم: حياتي) أي: في الدنيا (خير لكم، وموتي خير لكم) ولفظ خير أريد به التفضيل لا الأفضلية، فلا توصل بمن، وليست بمعنى الأفضل، وإنما المقصود أن في كل من حياته وموته خير إلا أن هذا خير من هذا، ولا هذا خير من هذا، كما توهم (أما حياتي فأسن لكم السنن، وأشرع لكم الشرائع، وأما موتي فإن أعمالكم تعرض علي فما رأيت منها حسنا حمدت الله عليه، وما رأيت منها سيئا أستغفر الله لكم) أي أطلب لكم مغفرة الصغائر، وتخفيف عقوبات الكبائر. هكذا هو في القوت، وقال العراقي: رواه البزار من حديث ابن مسعود، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن رواد، وإن أخرج له مسلم، ووثقه ابن معين، والنسائي، فقد ضعفه كثيرون. وفي رواية الحارث ابن أبي أسامة في [ ص: 177 ] مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف، انتهى. قلت: لفظ الحارث بن أبي أسامة: "حياتي خير لكم، ينزل علي الوحي من السماء فأخبركم بما يحل لكم، وما يحرم عليكم، وموتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم كل خميس، فما كان من حسن حمدت الله عليه، وما كان من ذنب استوهبت لكم ذنوبكم"، ورواه الحارث أيضا مختصرا بلفظ: "حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم". ورواه كذلك أبو نصر اليونارتي في معجمه، وابن النجار، وروى ابن سعد في الطبقات عن بكر بن عبد الله المزني مرسلا: "حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم، تعرض علي أعمالكم، فإن رأيت خيرا حمدت الله، وإن رأيت شرا استغفرت لكم".

(وقال صلى الله عليه وسلم يوما: يا كريم العفو، فقال جبريل عليه السلام: أتدري ما تفسير يا كريم العفو؟ هو إن عفا عن السيئات برحمته، بدلها حسنات بكرمه) . هكذا هو في القوت، وقال العراقي: لم أجده عن النبي صلى الله عليه وسلم، والموجود أن هذا كان بين إبراهيم الخليل وجبريل عليهما السلام، هكذا رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة من قول عتبة بن الوليد، ورواه البيهقي في الشعب من رواية عتبة بن الوليد قال: حدثني بعض الزهاد فذكره .

(وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة، فقال: وهل تدري ما تمام النعمة؟ قال: لا، قال: دخول الجنة) رواه الطبراني من حديث معاذ بزيادة: والنجاة من النار، وقد تقدم. ورواه ابن أبي شيبة وأحمد، والبخاري في الأدب، والترمذي، والبيهقي في الأسماء، بلفظ: "يا ابن آدم هل تدري ما تمام النعمة؟ فإن من تمام النعمة الفوز من النار، ودخول الجنة"، وفي لفظ للترمذي: "من تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار". (قال العلماء: قد أتم نعمته برضاه الإسلام لنا؛ إذ قال) ولفظ القوت: وقد أخبرنا الله عز وجل أنه قد أتم نعمته علينا برضاه الإسلام لنا، فهذا دليل على دخول الجنة، فقال تعالى: ( وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، وقد أشركنا في ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن نرجو المغفرة لذنوبنا بفضله تعالى، فقال: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك .

(وفي الخبر: إذا أذنب العبد ذنبا فاستغفر يقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنوب، ويأخذ بالذنب، أشهدكم أني قد غفرت له) كذا في القوت. وقال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة أن عبدا أذنب ذنبا فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي... الحديث. وفي رواية: أذنب عبد ذنبا فقال.... الحديث، انتهى .

قلت: لفظ المتفق عليه أن عبدا أصاب ذنبا فقال: رب أذنبت فاغفره، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا فقال: رب أذنبت آخر فاغفره لي، قال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء. ورواه كذلك أحمد وابن حبان، وروى الحاكم من حديث أنس: من أذنب ذنبا فعلم أن له ربا إن شاء أن يغفر له غفر له، وإن شاء أن يعذبه عذبه، كان حقا على الله أن يغفره. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: كلا والله كيف يكون صحيحا وفيه جابر بن مرزوق، وهو نكرة. ورواه أبو نعيم في الحلية من وجه آخر، وهذا قد تقدم للمصنف، وروى الطبراني في الصغير والأوسط بسند ضعيف حديث ابن مسعود: من أذنب ذنبا فعلم أن له ربا غفر له وإن لم يستغفر، وهذا أيضا قد تقدم .

(وفي الخبر: لو أذنب العبد حتى تبلغ ذنوبه عنان السماء غفرتها له ما استغفرني ورجاني) كذا أورده صاحب القوت. وقال العراقي: رواه الترمذي من حديث أنس: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، وقال: حسن. انتهى .

قلت: لفظ الترمذي: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة". وقال: حسن غريب. وقد رواه كذلك الضياء في المختارة، ورواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس، ورواه ابن النجار من حديث أبي هريرة، ورواه البيهقي من حديث أبي ذر، وروى ابن أبي الدنيا في كتاب العسر، والحكيم، وابن حبان في الضعفاء من حديث [ ص: 178 ] أنس: "ولا أزال أغفر لعبدي ما استعفرني".

(وفي الخبر: لو لقيني عبدي بقراب الأرض ذنوبا لقيته بقرابها مغفرة) ما لم يشرك بي شيئا. كذا لفظ القوت، وقال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي ذر: ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة. وللترمذي من حديث أنس الذي قبله: يا ابن آدم لو لقيتني... الحديث. انتهى .

قلت: لفظ حديث مسلم: يقول الله عز وجل: من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر، ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة... الحديث. ورواه كذلك أحمد وابن ماجه وأبو عوانة، وفي لفظ للطيالسي: قال ربكم عز وجل: الحسنة بعشر، والسيئة بواحدة أو أغفرها، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بقراب الأرض مغفرة... الحديث. وروى الطبراني والبيهقي من حديث أبي الدرداء: قال الله عز وجل: يا ابن آدم، مهما عبدتني ورجوتني ولم تشرك بي شيئا غفرت لك ما كان فيك، وإن استقبلتني بملء السماء والأرض خطايا وذنوبا استقبلتك بملئهن من المغفرة، وأغفر لك ولا أبالي. ورواه كذلك الشيرازي في الألقاب .

(وفي الحديث: إن الملك ليرفع القلم عن العبد إذا أذنب ست ساعات، فإن تاب واستغفر لم يكتبه عليه، وإلا كتبها سيئة. وفي لفظ آخر: فإذا كتبها عليه وعمل حسنة قال لصاحب الشمال، وهو أمير عليه: ألق هذه السيئة، حتى ألقي من حسناته واحدة من تضعيف العشرة، وأرفع له تسع حسنات، فيلقي عنه هذه السيئة) . هكذا أورده صاحب القوت وزاد: ويقال إن الله تعالى جعل في قلب صاحب اليمين للعبد أضعاف ما جعل في قلب صاحب الشمال مع أنه أمره عليه، فإذا عمل العبد الحسنة فرح بها ملك اليمين، ويقال: فرح بها الملائكة، فيكتب للعبد بفرحهم الحسنات. انتهى. وقال العراقي: رواه الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند فيه لين باللفظ الأول، ورواه أيضا أطول منه، وفيه: إن صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، وليس فيه أنه أمر صاحب الشمال بإلقاء السيئة حتى يلقي من حسناته واحدة، ولم أجد لذلك أصلا .

(وروى أنس) رضي الله عنه (في حديث طويل أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا أذنب العبد ذنبا كتب عليه، فقال أعرابي) كان حاضر المجلس (فإن تاب عنه قال) صلى الله عليه وسلم (محي عنه) من صحيفته (قال) الأعرابي: (فإن عاد) إلى الذنب (قال صلى الله عليه وسلم: يكتب عليه، قال الأعرابي: فإن تاب؟ قال) صلى الله عليه وسلم (محي من صحيفته، قال) الأعرابي (إلى متى) يا رسول الله؟ (قال) صلى الله عليه وسلم (إلى أن يستغفر ويتوب إلى الله عز وجل، إن الله لا يمل من المغفرة حتى يمل العبد من الاستغفار، فإذا هم العبد بحسنة كتبها صاحب اليمين حسنة قبل أن يعملها، فإن عملها كتبت عشر حسنات ثم يضاعفها الله إلى سبعمائة ضعف، فإذا هم بخطيئة لم تكتب عليه، فإذا عملها كتبت خطيئة واحدة وراءها حسن عفو الله عز وجل) هكذا هو في القوت .

وقال العراقي: رواه البزار والبيهقي في الشعب بلفظ: "جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أذنبت، قال: استغفر ربك، قال: فأستغفر ربي ثم أعود، قال: فإذا عدت فاستغفر ربك ثلاث مرات أو أربعا، قال: استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المسجور"، وفيه أبو بدر بشار بن الحكم المصري، منكر الحديث. وروى الطبراني والبيهقي فيه أيضا من حديث عقبة بن عامر: أحدنا يذنب، قال: يكتب عليه، قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: يغفر له ويتاب عليه، قال: فيعود... الحديث، وفيه: ولا يمل حتى تملوا. وإسناده حسن، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة بسند ضعيف، وسمي الرجل السائل حبيب بن الحارث، وليس في الحديثين قوله في آخره: فإذا هم العبد بحسنة... إلخ .

وفي الصحيحين بنحوه من حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: "فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة"، زاد مسلم في رواية: "أو محاها الله، ولا يهلك على الله إلا هالك"، ولهما نحوه من حديث أبي هريرة، انتهى .

قلت: حديث أبي هريرة هذا رواه كذلك [ ص: 179 ] أحمد، وأما حديث ابن عباس في الصحيحين فأوله: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة... الحديث. وروى الديلمي من حديث عبد الله بن أبي أوفى: من هم بذنب ثم تركه كانت له حسنة، وروى هناد من حديث أنس: إذا هم الرجل بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات، وإذا هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة فعملها كتبت عليه سيئة، وإذا هم بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة لتركه السيئة.

(وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لا أصوم إلا الشهر) أي: شهر رمضان (لا أزيد عليه، ولا أصلي إلا الخمس لا أزيد عليها، وليس لله في مالي صدقة ولا حج، ولا أتطوع، أين أنا إذا مت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: معي في الجنة، قال: يا رسول الله معك؟! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم معي، إن حفظت قلبك من اثنتين: الغل والحسد، ولسانك من اثنتين: الغيبة والكذب، وعينيك من اثنتين: النظر إلى ما حرم الله وأن تزدري بهما مسلما، دخلت الجنة على راحتي هاتين) كذا في القوت، وتقدم في كتاب ذم الحقد والحسد. (وفي حديث طويل لأنس) رضي الله عنه (أن الأعرابي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم) : يا رسول الله (من يلي حساب الخلق) يوم القيامة؟ (فقال) صلى الله عليه وسلم: (الله تبارك وتعالى، قال: هو بنفسه؟ قال: نعم، فتبسم الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: مم ضحكت يا أعرابي؟ قال: إن الكريم إذا قدر عفا) وفي لفظ تجاوز (وإذا حاسب سامح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق الأعرابي، ألا لا كريم أكرم من الله تعالى، هو أكرم الأكرمين ثم قال: فقه الأعرابي) . هكذا هو في القوت، وقال العراقي: لم أجد له أصلا .

(وفيه أيضا) أي: في حديث أنس المذكور (أن الله تعالى شرف الكعبة وعظمها، ولو أن عبدا هدمها حجرا حجرا، ثم أحرقها، ما بلغ جرم من استخف بولي من أولياء الله تعالى، قال الأعرابي: ومن أولياء الله تعالى؟ قال: المؤمنون كلهم أولياء الله تعالى، أما سمعت قول الله تعالى: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) هكذا هو في القوت .

(وفي بعض الأخبار:) ولفظ القوت: وفي الخبر المنفرد (المؤمن أفضل من الكعبة) قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك، ماله، ودمه، وأن تظن به إلا خيرا". وشيخه نصر بن محمد بن سليمان الحمصي ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان، وقد تقدم انتهى .

قلت: لفظ ابن ماجه: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة وهو يقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه، وأن يظن به إلا خيرا". ولابن أبي شيبة من طريق المجالد عن الشعبي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمسلم أعظم حرمة منك، فقد حرم الله دمه وماله وعرضه، وأن يظن به ظن السوء. وعند البيهقي من طريق مجاهد عن ابن عباس نحوه، وفيه حفص بن عبد الرحمن. وقال صاحب القوت: وفي الخبر المشهور عن ابن عمر، وأبي هريرة، وكعب الأحبار، أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة فقال: ما أشرفك وأعظمك، وللمؤمن أعظم درجة عند الله منك.

(و) قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن طيب طاهر) قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ، وفي الصحيحين من حديث حذيفة: المؤمن لا ينجس. (و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن أكرم على الله من الملائكة) . قال العراقي: رواه ابن ماجه من رواية أبي المهزم يزيد بن سفيان عن أبي هريرة بلفظ: "المؤمن أكرم من بعض ملائكته"، وأبو المهزم تركه شعبة، وضعفه ابن معين. ورواه ابن حبان في الضعفاء، والبيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ المصنف انتهى .

قلت: ونحو هذا الحديث قول عمرو بن العاص: "ليس شيء أكرم على الله من ابن آدم، قلت: ولا الملائكة؟ قال: أولئك كمنزلة الشمس والقمر، أولئك مجبورون". أخرجه البيهقي، وقال: إن الصحيح وقفه ورفعه بعضهم، وهو ضعيف. وروى ابن النجار عن حكامة حدثنا أبي عن أخيه مالك بن دينار عن أنس رفعه: "المؤمن أكرم على الله من الملائكة المقربين".

(وفي الخبر: خلق الله جهنم، من فضل رحمته، سوطا يسوق الله به عباده إلى الجنة) كذا في القوت، وقال العراقي: لم أجده مرفوعا هكذا، ويغني [ ص: 180 ] عنه ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة: "عجب ربنا من قوم يجاء بهم إلى الجنة بالسلاسل". (وفي خبر آخر يقول الله عز وجل: إنما خلقت الخلق ليربحوا علي، ولم أخلقهم لأربح عليهم) كذا في القوت. وقال العراقي: لم أقف على أصل، قلت: ولفظ القشيري في الرسالة: وقيل: أوحى الله إلى داوود عليه السلام: قل لهم إني لم أخلقهم لأربح عليهم، وإنما خلقتهم ليربحوا علي. انتهى. فظهر أنه خبر إسرائيلي .

(وفي حديث أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ما خلق الله شيئا إلا جعل له ما يغلبه، وجعل رحمته تغلب غضبه) أورده صاحب القوت من رواية عطاء بن يسار عن أبي سعيد. وقال العراقي: رواه أبو الشيخ في الثواب، وفيه عبد الرحيم بن كردم، جهله أبو حاتم، وقال صاحب الميزان: ليس بواه، ولا هو بمجهول، انتهى .

قلت: لفظ أبي الشيخ: "ما خلق الله من شيء إلا وقد خلق له ما يغلبه، وخلق رحمته تغلب غضبه"، ورواه كذلك الحاكم وصححه وتعقب .

(وفي الخبر المشهور: إن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي تغلب غضبي) رواه الشيخان من حديث أبي هريرة، وفي لفظ لابن ماجه: إن الله تعالى لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه أن رحمتي تغلب غضبي وقد تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية