إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعن معاذ بن جبل ، وأنس بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم قال : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله لم تمسه النار ، ومن لقي الله لا يشرك به شيئا حرمت عليه النار ، ولا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان وفي خبر آخر : لو علم الكافر سعة رحمة الله ما أيس من جنته أحد ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، قال : أتدرون أي يوم هذا ؟ هذا يوم يقال لآدم عليه الصلاة والسلام قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول كم ؟ فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة قال فأبلس القوم : وجعلوا يبكون ، وتعطلوا يومهم عن الاشتغال والعمل ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال ما لكم لا تعملون فقالوا : ومن يشتغل بعمل بعد ما حدثتنا بهذا ؟! فقال : كم أنتم في الأمم ؟! أين ؟! تاويل وتاريس ومنسك ويأجوج ومأجوج أمم لا يحصيها إلا الله تعالى إنما أنتم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، وكالرقمة في ذراع الدابة .


(وعن معاذ بن جبل، وأنس بن مالك) رضي الله عنهما (أنه صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله لم تمسه النار، ومن لقي الله لا يشرك به شيئا حرمت عليه النار، ولا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان) .

هذه أربعة أحاديث ساقها جملة واحدة تبعا لصاحب القوت، أما الحديث الأول فقال العراقي: رواه الطبراني في الدعاء بلفظ: من شهد، من حديث معاذ، وهو في اليوم والليلة للنسائي، بلفظ: من مات يشهد، من حديث معاذ، ومن حديث أنس، وتقدم في الأذكار، انتهى .

قلت: ورواه الحاكم من حديث أنس بلفظ: من قال لا إله إلا الله وجبت له الجنة. وروى النسائي والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر بلفظ: من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة، وروياه كذلك من حديث عمر، ورواه تمام في فوائده من رواية جابر عن عمر، وروى أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان وابن خزيمة من حديث عثمان: من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة. وأما الحديث الثاني، فقال العراقي: رواه أبو داوود والحاكم وصححه من حديث معاذ بلفظ: دخل الجنة، انتهى .

قلت: ورواه كذلك أحمد والطبراني والبيهقي كلهم من حديث معاذ، ورواه ابن سعد في الطبقات من حديث أبي سعيد الخدري.

وأما الحديث الثالث فقال العراقي: رواه الشيخان من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار. وفي رواية: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة. ورواه أحمد من حديث معاذ بلفظ: جعله الله في الجنة. وللنسائي من حديث أبي عمرة الأنصاري في أثناء حديث، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عبد مؤمن بهما إلا حجب عن النار يوم القيامة، انتهى .

قلت: حديث أنس عند الشيخين رواه أيضا الحاكم عن معاذ، وسعيد بن الحارث بن عبد المطلب معا، ولفظه: من لقي الله وهو لا يشرك به شيئا دخل الجنة. ورواه أيضا أحمد من حديث معاذ، وأبي الدرداء معا، وروى البيهقي وابن عساكر من حديث جابر: من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقي الله يشرك به شيئا دخل النار.

وأما الحديث الرابع فقال العراقي: رواه أحمد من حديث سهل بن بيضاء: من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار. وفيه انقطاع، وله من حديث عثمان بن عفان: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرمه الله على النار، قال عمر بن الخطاب: هي كلمة الإخلاص. وإسناده صحيح. ولكن هذا ونحوه مخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من دخول جماعة من الموحدين النار، وإخراجهم بالشفاعة، نعم؛ لا يبقى في النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان كما هو متفق عليه من حديث أبي سعيد، وفيه: من وجدتم في قلبه ذرة من إيمان فأخرجوه، وقال مسلم: من خير بدل إيمان .

(وفي خبر آخر: لو علم الكافر سعة رحمة الله ما أيس من جنته أحد) ولفظ القوت: من رحمته بدل من جنته، قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة. (ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، [ ص: 181 ] قال: أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم يقال) فيه (لآدم عليه السلام قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول) آدم: (كم؟ فيقال) له (من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة قال) الراوي: (فأبلس القوم) أي: وقعوا في حيرة (وجعلوا يبكون، وتعطلوا يومهم) ذلك (عن الأشغال والعمل، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لكم لا تعملون) وتصنعون (فقالوا: ومن يشتغل بعمل بعد ما حدثتنا بهذا؟! فقال: كم أنتم في الأمم؟! أين باويل؟!) بالباء الموحدة، وفي بعض النسخ بالتاء الفوقية (وتاريس) بالفوقية وآخره سين مهملة وتبت (ومنسك ويأجوج ومأجوج) وهؤلاء كلهم من أولاد آدم (أمم لا يحصيها إلا الله تعالى) ولكل هؤلاء بقية إلى يوم القيامة في مشارق الشمس، كما أن يأجوج ومأجوج في مغاربها (إنما أنتم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وكالرقمة في ذراع الدابة) هكذا هو في سياق القوت، والرقمة الشسية. قال العراقي: رواه الترمذي من حديث عمران بن حصين، وقال: حسن صحيح .

قلت: هو من رواية الحسن البصري عن عمران، ولم يسمع منه، وفي الصحيحين نحوه من حديث أبي سعيد اهـ. قلت: ورواه كذلك ابن جرير وابن مردويه من حديث عمران، ولفظهم: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فتفاوت بين أصحابه في السير، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بهاتين الآيتين: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، إلى قوله: ولكن عذاب الله شديد ، فلما سمع ذلك أصحابه حثوا المطي، وعرفوا أنه عنده قول يقوله، فقال: هل تدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم ينادي الله فيه آدم فيقول: يا آدم ابعث بعث النار، فيقول: أي رب ما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحدا إلى الجنة، فتعبس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بأصحابه قال: اعملوا وأبشروا؛ فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا أكثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم، ومن بني إبليس، فسري عن القوم ثم قال: اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، وكالرقمة في ذراع الدابة.

وفي لفظ للترمذي قال: لما نزلت يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله: ولكن عذاب الله شديد ، أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان جاهلية، فيوحده العدة من الجاهلية، فإن تمت والاه أكملت من المنافقين، وما مثلكم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبروا. قال: لا أدري قال الثلثين أم لا.

ورواه كذلك سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين رضي الله عنه، وقد روي عن الحسن البصري أيضا مرسلا قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العسيرة، ومعه أصحابه، بعد ما شارف المدينة قرأ: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، فذكر نحو حديث عمران إلا أنه زاد فيه: لم يكن رسولان إلا كان بينهما فترة من الجاهلية فهم أهل النار، وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض إلا كثر، وهم يأجوج ومأجوج، وهم أهل النار، وتكمل العدة من المنافقين.

أما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه في الصحيحين: يقول الله يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعند ذلك يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. قال: فشق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى الواحد فأين ذلك [ ص: 182 ] الواحد؟ فقال: من يأجوج ومأجوج ألف، ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض. وقد رواه كذلك أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، وفي الباب أنس وابن عباس وأبو موسى. أما حديث أنس فرواه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه، ولفظه: نزلت يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، إلى قوله: ولكن عذاب الله شديد ، على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له، فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه، فقال: أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم يقول الله لآدم يا آدم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فكبر ذلك على المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا وأبشروا، فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا أكثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الجن والإنس.

وأما حديث ابن عباس فرواه البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه، ولفظه: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وأصحابه عنده: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، فقال: هل تدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم يقول الله لآدم: يا آدم فابعث بعث النار، فيقول: رب كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعا وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة، ثم قال: اعملوا وأبشروا، فشق ذلك على القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ثم قال: اعملوا وأبشروا فإنكم بين يدي خليقتين لم تكونا مع أحد إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، وإنما أنتم في الأمم كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإنما أمتي جزء من ألف جزء.

ورواه ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه باللفظ: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيره في غزوة بني المصطلق؛ إذ أنزل الله عليه: يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ، إلى قوله: شديد ، فلما أنزلت عليه وقف على ناقته ثم رفع بها صوته فتلاها على أصحابه فقال لهم: أتعلمون أين ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم يقول الله لآدم: يا آدم ابعث بعث النار من ولدك، فيقول: يا رب من كل كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحدا إلى الجنة، فبكى المسلمون بكاء شديدا فقال: والذي نفس محمد بيده ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الشاة السوداء، وإني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة. وأما حديث أبي موسى فهو نحو من حديث ابن عباس أخرجه ابن مردويه في التفسير .

التالي السابق


الخدمات العلمية