إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان فضيلة الفقر مطلقا

أما من الآيات فيدل عليه قوله تعالى : للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم الآية ، وقال تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض ساق الكلام في معرض المدح ، ثم قدم وصفهم بالفقر على وصفهم بالهجرة والإحصار وفيه دلالة ظاهرة على مدح الفقر .


(بيان فضيلة الفقر مطلقا) .

من الآيات والأخبار والآثار (أما من الآيات فيدل عليه قوله تعالى: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم الآية، وقوله: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) أي: حبسوا ومنعوا ( لا يستطيعون ضربا في الأرض ساق الكلام في معرض المدح، ثم قدم وصفهم بالفقر على وصفهم بالهجرة والإحصار) أي: الصدقات لهؤلاء وكانوا فقراء المهاجرين نحو أربعمائة نفس لم تكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر، وكانوا قد حبسوا أنفسهم على الجهاد، وكانوا وقفا على كل سرية يبعثها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أهل الصفة هذا أحد الأقوال في إحصارهم في سبيل الله .

وقيل: هو حبسهم أنفسهم في طاعة الله وقيل: حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد، وقيل: لما عادوا أعداء الله وجاهدوهم أحصروا عن الضرب في الأرض لطلب المعاش فلا يستطيعون ضربا في الأرض، والصحيح أنه لفقرهم وعجزهم وضعفهم لا يستطيعون ضربا في الأرض ولكمال عفتهم وصيانتهم يحسبهم من لم يعرف حالهم أغنياء (وفيه دلالة ظاهرة على مدح الفقر) ومن المواضع التي ذكر الله فيها الفقر قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية وقوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وقوله تعالى: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير [ ص: 273 ] والمراد في الآية الأولى والثانية خواص الفقراء، وفي قوله: إنما الصدقات الآية، فقراء المسلمين خاصتهم وعامتهم، وفي قوله: يا أيها الناس الآية، الفقر العام لأهل الأرض كلهم غنيهم وفقيرهم مؤمنهم وكافرهم، وفي الآية الأخيرة: الفقر إلى الله المشار إليه بقوله: اللهم أغنني بالافتقار إليك، وبهذا ألم الشاعر بقوله:


ويعجبني فقري إليك ولم يكن ليعجبني لولا محبتك الفقرا

والفقراء الموصوفون في الآية الثانية يقابلهم أصحاب الجدة ومن ليس محصرا في سبيل الله، ومن لا يكتم فقره ضعفا فمقابلهم أكثر من مقابل الصنف الثاني، والصنف الثاني يقابل أصحاب الجدة، ويدخل فيهم المتضعف وغيره والمحصر وغيره .

والصنف الثالث: لا مقابل لهم بل الله وحده الغني، وكل ما سواه فقير إليه، ومراد المشايخ بالفقر شيء أخص من هذا كله وهو الافتقار إلى الله في كل حالة، وهذا المعنى أجل من أن يسمى فقرا، بل هو حقيقة العبودية ولبها، وعزل النفس عن مزاحمة الربوبية كما تقدمت الإشارة إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية