إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان فضيلة خصوص الفقراء من الراضين والقانعين والصادقين .

قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به وقال : صلى الله عليه وسلم : يا معشر الفقراء ، أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا فالأول القانع وهذا : الراضي ، ويكاد يشعر هذا بمفهومه أن الحريص لا ثواب له على فقره ، ولكن العمومات الواردة في فضل الفقر تدل على أن له ثوابا كما سيأتي تحقيقه فلعل المراد بعدم الرضا هو الكراهة لفعل الله في حبس الدنيا عنه ، ورب راغب في المال لا يخطر بقلبه إنكار على الله تعالى ولا كراهة في فعله ، فتلك الكراهة هي التي تحبط ثواب الفقر .

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عن النبي : صلى الله عليه وسلم : أنه قال : إن لكل شيء مفتاحا ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء لصبرهم ، هم جلساء الله تعالى يوم القيامة .

وروي عن علي كرم الله وجهه عن النبي : صلى الله عليه وسلم : أنه قال : أحب العباد إلى الله تعالى الفقير القانع برزقه الراضي عن الله تعالى وقال : صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا وقال : ما من أحد غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه كان أوتي قوتا في الدنيا وأوحى الله تعالى إلى إسماعيل عليه السلام : اطلبني عند المنكسرة قلوبهم ، قال : ومن هم ؟ قال : الفقراء الصادقون وقال : صلى الله عليه وسلم : لا أحد أفضل من الفقير إذا كان راضيا وقال : صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى يوم القيامة : أين صفوتي من خلقي ؟ فتقول الملائكة : ومن هم يا ربنا ؟ فيقول : فقراء المسلمين القانعون بعطائي الراضون بقدري أدخلوهم الجنة ، فيدخلونها ويأكلون ويشربون والناس في الحساب يترددون فهذا في القانع والراضي .

وأما الزاهد فسنذكر فضله في الشطر الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى .

وأما الآثار في الرضا والقناعة فكثيرة ، ولا يخفى أن القناعة يضادها الطمع وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه : إن الطمع فقر واليأس غنى ، وإنه من يئس عما في أيدي الناس وقنع استغنى عنهم .

وقال أبو مسعود رضي الله تعالى عنه ما من يوم إلا وملك ينادي من تحت العرش : يا ابن آدم ، قليل يكفيك خير من كثير يطغيك .

وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه ما من أحد إلا وفي عقله نقص ، وذلك أنه إذا أتته الدنيا بالزيادة ظل فرحا مسرورا ، والليل والنهار دائبان في هدم عمره ، ثم لا يحزنه ذلك ، ويح ابن آدم ، ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص .

وقيل لبعض الحكماء : ما الغنى ؟ قال : قلة تمنيك ، ورضاك بما يكفيك .

وقيل : كان إبراهيم بن أدهم من أهل النعم بخراسان فبينما هو يشرف من قصر له ذات يوم ، إذ نظر إلى رجل في فناء القصر وفي يده رغيف يأكله فلما أكل نام فقال لبعض غلمانه إذا قام فجئني به فلما قام جاء به إليه فقال إبراهيم : أيها الرجل أكلت الرغيف وأنت جائع ؟ قال : نعم ، قال : فشبعت ؟ قال : نعم ، قال : ثم نمت طيبا ؟ قال : نعم ، فقال إبراهيم في نفسه فما أصنع أنا بالدنيا والنفس تقنع بهذا القدر .

ومر رجل بعامر بن عبد القيس وهو يأكل ملحا وبقلا فقال له : يا عبد الله أرضيت من الدنيا بهذا ؟ فقال : ألا أدلك على من رضي بشر من هذا ؟ قال : بلى ، قال : من رضي بالدنيا عوضا عن الآخرة .

وكان محمد بن واسع رحمة الله عليه يخرج خبزا يابسا فيبله بالماء ويأكله بالملح ويقول : من رضي من الدنيا بهذا لم يحتج إلى أحد .

وقال الحسن رحمه الله لعن الله أقواما أقسم لهم الله تعالى ثم لم يصدقوه ثم قرأ وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون .

. وكان أبو ذر رضي الله عنه يوما جالسا في الناس فأتته امرأته فقالت له أتجلس : بين هؤلاء والله ما في البيت هفة ولا سفة فقال : يا هذه ، إن بين أيدينا عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف ، فرجعت وهي راضية .

وقال ذو النون رحمه الله أقرب الناس إلى الكفر ذو فاقة لا صبر له .

وقيل لبعض الحكماء: ما مالك؟ فقال : التجمل في الظاهر والقصد في الباطن ، واليأس مما في أيدي الناس .

وروي ، أن الله : عز وجل : قال في بعض الكتب السالفة المنزلة : يا ابن آدم لو كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت ، فإذا أنا أعطيتك منها القوت وجعلت حسابها على غيرك فأنا محسن إليك ، وقد قيل في القناعة :


اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس واقنع بيأس فإن العز في الياس     واستغن عن كل ذي قربى وذي رحم
إن الغني من استغنى عن الناس

وقد قيل في هذا المعنى أيضا:


يا جامعا مانعا والدهر يرمقه     مقدرا أي باب منه يغلقه
مفكرا كيف تأتيه منيته     أغاديا أم بها يسري فيطرقه
جمعت مالا فقل لي هل جمعت له     يا جامع المال أياما تفرقه
المال عندك مخزون لوارثه     ما المال مالك إلا يوم تنفقه
أرفه ببال فتى يغدو على ثقة     أن الذي قسم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون ما يدنسه     والوجه منه جديد ليس يخلقه
إن القناعة من يحلل بساحتها     لم يبق في ظلها هم يؤرقه

.


(بيان فضل خصوص الفقراء من الراضين القانعين والصابرين)

وفي نسخة: والصادقين، (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به) رواه ابن المبارك في الزهد والترمذي وقال: صحيح، والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث فضالة ابن عبيد، وقد تقدم، وروى البيهقي من حديث أبي الحويرث والديلمي من حديث عبد الله بن حنطب [ ص: 283 ] ابن الحارث: طوبى لمن رزقه الله الكفاف ثم صبر عليه (وقال - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الفقراء، أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا) .

قال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة وهو ضعيف جدا، وأحمد بن الحسن بن أبان المضري متهم بالكذب ووضع الحديث. اهـ .

قلت: وهو بضم الميم وفتح الضاد المعجمة ويعرف بالأبلي، وقد روى عن أبي عاصم، قال الدارقطني: كذاب (فالأول القانع وهذا) وفي نسخة (والثاني: الراضي، ويكاد يشعر هذا بمفهومه بأن الحريص) الذي هو أحد أقسام الفقير (لا ثواب له على فقره، ولكن العمومات الواردة في فضل الفقر تدل على أن له ثوابا كما سيأتي تحقيقه) قريبا .

(فلعل المراد بعدم الرضا هو الكراهة لفعل الله تعالى في حبس الدنيا عنه، ورب راغب في المال لا يخطر بقلبه إنكار على الله تعالى ولا كراهة في فعله، فتلك الكراهة هي التي تحبط ثواب الفقر، وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن لكل شيء مفتاحا ومفتاح الجنة حب المساكين والفقراء الصبر، هم جلساء الله تعالى يوم القيامة) قال العراقي: رواه الدارقطني في غرائب مالك وأبو بكر بن بلال في مكارم الأخلاق، وابن عدي في الكامل، وابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر. اهـ .

قلت: وأورده القشيري في الرسالة فقال: أخبرنا أبو عبد الله السلمي أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء البزاز، حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد البغدادي، حدثنا عثمان بن معبد، حدثنا عمر بن راشد عن مالك عن نافع عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لكل شيء مفتاح، ومفتاح الجنة حب المساكين. الحديث .

(وروي عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أحب العباد إلى الله تعالى الفقير القانع برزقه الراضي عن الله تعالى) قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ، وتقدم من رواية عند ابن ماجه: أن الله يحب الفقير المتعفف. اهـ .

قلت: وروى الديلمي من حديث ابن عمر يقول الله - عز وجل -: الشاب المؤمن بقدري الراضي بكتابي القانع برزقي التارك لشهوته من أجلي هو عندي كبعض ملائكتي.

(وقال - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا) ، وفي بعض النسخ: رزق، بدل قوت. قال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي هريرة وهو متفق عليه بلفظ: قوتا. اهـ .

قلت: لفظ مسلم: اللهم ارزق آل محمد كفافا، ولفظ المتفق عليه: اللهم ارزق آل محمد قوتا، وعند أحمد والترمذي وابن ماجه وأبي يعلى والبيهقي: اللهم اجعل رزق آل محمد في الدنيا قوتا.

(وقال - صلى الله عليه وسلم -: ما من أحد غني ولا فقير إلا ود يوم القيامة أنه كان أوتي قوتا في الدنيا) رواه ابن ماجه من حديث أنس، وقد تقدم (وأوحى الله إلى إسماعيل - عليه السلام - اطلبني عند المنكسرة قلوبهم، قال: ومن هم؟ قال: الفقراء الصادقون) ، وتقدم للمصنف في حقوق المسلم: قال موسى - عليه السلام -: إلهي أين أبغيك؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم من أجلي، (وقال - صلى الله عليه وسلم -: لا أحد أفضل من الفقير إذا كان راضيا) قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ .

(وقال - صلى الله عليه وسلم -: يقول الله تعالى يوم القيامة: أين صفوتي من خلقي؟ فتقول الملائكة: ومن هم يا ربنا؟ فيقول: فقراء المسلمين القانعون بعطائي الراضون بقدري أدخلوهم الجنة، فيدخلونها ويأكلون ويشربون والناس في الحساب يترددون) ، قال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس.

(فهذا) ما ورد (في القانع والراضي، وأما الزاهد فسنذكر فضله في الشطر الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى .

وأما الآثار في الرضا والقناعة فكثيرة، ولا يخفى أن القناعة يضادها الطمع) فإن القناعة: هي الإجزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها، والطمع: نزوع النفس إلى الشيء شهوة له .

(وقد قال عمر - رضي الله عنه -: إن الطمع فقر واليأس غنى، وإنه من يئس عما في أيدي الناس وقنع استغنى عنهم) رواه أحمد في الزهد قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع [ ص: 284 ] عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر في خطبته: تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن الرجل إذا يئس من شيء استغنى عنه، ورواه أبو نعيم في الحلية من طريقه، ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا ابن وهب عن الثوري عن هشام عن أبيه عن زبيد بن الصلت عن عمر مثله .

(وقال) عبد الله (ابن مسعود) - رضي الله عنه - (ما من يوم إلا وملك ينادي من تحت العرش: يا ابن آدم، قليل يكفيك خير من كثير يطغيك) روى أبو داود والطيالسي من حديث أبي الدرداء: ما طلعت شمس إلا وبجنبها ملكان يناديان يسمعان الخلائق غير الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. تفرد به قتادة عن خليد البصري عن أبي الدرداء.

(وقال أبو الدرداء) - رضي الله عنه - (ما من أحد إلا وفي عقله نقص، وذلك أنه إذا أتته الدنيا بالزيادة ظل فرحا مسرورا، والليل والنهار دائبان في عدم عمره، ثم لا يحزنه ذلك، ويح ابن آدم، ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص، وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال: قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك) أي: عدم تعلق النفس بالآمال والرضا بما يسر له في الحال وهذا أحسن ما عرف به الغنى .

(وقيل: كان إبراهيم بن أدهم) - رحمه الله تعالى - (من أهل النعم بخراسان) إذ كان والده من أمراء بلخ (فبينما هو يشرف من قصره ذات يوم، إذ نظر إلى رجل في فناء القصر وفي يده رغيف يأكله فلما أكل نام فقال) إبراهيم (لبعض غلمانه إذا قام) هذا الرجل من نومه (فجئني به) فانتظره (فلما قام جاء به إليه فقال) له (إبراهيم: أيها الرجل أكلت الرغيف وأنت جائع؟ قال: نعم، قال: فشبعت؟ قال: نعم، قال: ثم نمت طيبا؟ قال: نعم، فقال إبراهيم في نفسه; فما أصنع أنا بالدنيا والنفس تقنع بهذا القدر) وهذا أحد أسباب توبته وخروجه من ملك أبيه.

(ومر رجل بعامر بن عبد قيس) وكان من الصديقين (وهو يأكل ملحا وبقلا فقال له: يا عبد الله) وفي نسخة: يا أبا عبد الله (أرضيت من الدنيا بهذا؟ فقال: ألا أدلك على من رضي بشر من هذا؟ قال: بلى، قال: من رضي بالدنيا عوضا عن الآخرة) ولفظ القوت: وكان عامر بن عبد قيس إذا عوتب في تقلله من الدنيا يقول: بل أنتم والله رضيتم بالقليل، وكان غيره يقول: إذا قيل له: أزهد الناس، فقال: أنتم أزهد مني لأني زهدت في قليل يفنى، وأنتم زهدتم في كثير يبقى.

(وكان محمد بن واسع البصري - رحمه الله تعالى - يخرج خبزا يابسا فيبله بالماء ويأكله بالملح ويقول: من رضي من الدنيا بهذا لم يحتج إلى أحد) قال أحمد في الزهد: حدثنا وكيع عن رجل قال: قال لمحمد بن واسع ابنه: ليس كل ساعة تبقى لنا، قال: فدعا بخبز وملح ثم جعل يأكل، فقال: تراني أقنع بهذا وأرضي به أعينهم وأدخل معهم أوالي لهم؟ وقال عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد: حدثني سفيان بن وكيع قال: سمعت أبي يقول: بلغني أن محمد بن واسع أريد على القضاء فأبى فعاتبته امرأته قالت: لك عيال وأنت محتاج، قال: ما دمت ترينني أصبر على الخل والبقل فلا تطمعين في هذا مني.

(وقال الحسن) البصري - رحمه الله تعالى - (لعن الله أقواما أقسم لهم الله ثم لم يصدقوه) ثم قرأ هذه الآية ( وفي السماء رزقكم وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق الآية. وكان أبو الدرداء) - رضي الله عنه - وفي بعض النسخ أبو ذر (جالسا في الناس فأتته امرأته فقالت له: تجلس بين هؤلاء والله ما في البيت هفة ولا سفة) أي: ما يهف ويسف (فقال: يا هذه، إن بين أيدينا عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف، فرجعت وهي راضية) رواه أبو نعيم في الحلية من طريق أبي معاوية عن موسى الصغير عن هلال بن يساف عن أم الدرداء قالت: قلت: لأبي الدرداء: ما لك لا تطلب لأضيافك كما يطلب غيرك لأضيافهم؟ فقال: لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون، فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة. تفرد به موسى الصغير عن هلال، وروى الحارث بن أبي أسامة [ ص: 285 ] في مسنده من طريق أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة سوداء شعثة ليس عليها أثر المجاسد والخلوق، قال: فقال: ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السوداء تأمرني أن آتي العراق فإذا أتيت العراق، مالوا علي بدنياهم، وإن خليلي عهد إلي أن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة وإناء إن نأت عليه، وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير.

(وقال ذو النون) المصري - رحمه الله تعالى - (أقرب الناس إلى الكفر ذو فاقة لا صبر له) وهو معنى حديث: كاد الفقر أن يكون كفرا.

(وقيل: لبعض الحكماء: ما ما لك؟ قال: التجمل في الظاهر والقصد في الباطن، واليأس مما في أيدي الناس، ويروى أن الله - عز وجل - قال في بعض الكتب السالفة المنزلة: يا ابن آدم لو كانت الدنيا كلها لك لم يكن لك منها إلا القوت، فإذا أنا أعطيتك منها القوت وجعلت حسابها على غيرك فأنا محسن إليك، وقد قيل في القناعة:


اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس واقنع بيأس فإن العز في الياس     واستغن عن كل ذي قربى وذي رحم
إن الغني من استغنى عن الناس )



وقد قيل في هذا المعنى أيضا:


( يا جامعا مانعا والدهر يرمقه     مقدرا أي باب منه يغلقه
مفكرا كيف تأتيه منيته     أغاديا أم بها يسري فيطرقه )

أي: يأتيه ليلا.

( جمعت مالا فقل لي هل جمعت له     يا جامع المال أياما تفرقه
المال عندك مخزون لوارثه     ما المال مالك إلا يوم تنفقه
أرفه ببال فتى يغدو على ثقة     إن الذي قسم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون ما يدنسه     والوجه منه جديد ليس يخلقه
إن القناعة من يحلل بساحتها     لم يلق في ظلها هما يؤرقه )

أي: يحزنه ويقلقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية