إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا يتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور ؛ فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى إنه لا ضد له عسر إدراكه ، فلو اختلفت الأشياء فدل بعضها دون بعض أدركت التفرقة على قرب ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر .

ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض ، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس ، فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أنه لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها ، وهي السواد والبياض وغيرهما ، فإنا لا نشاهد في الأسود إلا السواد وفي الأبيض إلا البياض فأما ، الضوء فلا ندركه وحده ، ولكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالين ، فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب فعرفنا وجود النور بعدمه ، وما كنا نطلع عليه لولا عدمه إلا بعسر شديد ؛ وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور هذا مع أن النور أظهر المحسوسات ؛ إذ به تدرك سائر المحسوسات فما هو ظاهر في نفسه ، وهو مظهر لغيره ، انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لولا طريان ضده ؛ فالله تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ، ولو كان له عدم ، أو غيبة ، أو تغير لانهدت السموات والأرض وبطل الملك والملكوت ولأدرك بذلك التفرقة بين الحالين ، ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة ، ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد ، ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه ، فلا جرم أورثت شدة الظهور خفاء فهذا ه والسبب في قصور الأفهام .


(ولا يتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور؛ فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى إنه لا ضد له عسر إدراكه، فلو اختلفت الأشياء فدل بعضها دون بعض أدركت التفرقة على قرب ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر) واشتبه الحال (ومثاله نور الشمس المشرق) البسيط (على الأرض، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس، فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أنه لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها، وهي السواد والبياض وغيرهما، فإنا لا نشاهد في الأسود إلا السواد وفي الأبيض إلا البياض، وأما الضوء فلا ندركه وحده، ولكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالين، فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب فعرفنا وجود النور بعدمه، وما كنا نطلع عليه لولا عدمه إلا بعسر شديد؛ وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور هذا مع أن النور أظهر المحسوسات؛ إذ به تدرك سائر المحسوسات فما هو ظاهر في نفسه، وهو يظهر لغيره، انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لولا طريان ضده؛ فالله تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها، ولو كان له عدم، أو غيبة، أو تغير لانهدت [ ص: 598 ] السموات والأرض وبطل الملك والملكوت ولأدرك بذلك التفرقة بين الحالين، ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة، ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد، ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه، فلا جرم أورثت شدة الظهور خفاء) .

ولقد أفصح المصنف -رحمه الله تعالى- عن هذا المبحث في كتابه مشكل الأنوار ما نصه ما علم أن معنى كونه نور السموات والأرض تعرفه بالنسبة إلى النور الظاهر البصري، فإذا رأيت نور الربيع وخضرته مثلا في ضياء النهار فلست تشك في أنك ترى الألوان وربما ظننت أنك لست ترى مع الألوان غيرها، فكأنك تقول: لست أرى مع الحضرة غيرها، ولقد أصر على هذا أقوام فزعموا أن النور لا معنى له وأنه ليس مع الألوان غير الألوان فأنكروا وجود النور مع أنه أظهر الأشياء، وكيف لا وبه تظهر الأشياء؟! وهو الذي يبصر في نفسه ويبصر به غيره لكن عند غروب الشمس وغيبة السراج ووقوع الظل أدركوا تفرقة ضرورية بين محل الظل وبين موضع الضياء؛ فاعترفوا بأن النور معنى وراء الألوان يدرك مع الألوان حتى كأنه لشدة اتحاده به لا يدرك ولشدة ظهوره يخفى، وقد يكون شدة الظهور سبب الخفاء، والشيء إذا جاوز حده انعكس على ضده، فإذا عرفت هذا فاعلم أنه كما ظهر كل شيء للبصر بالنور الظاهر فقد ظهر كل شيء للبصيرة الباطنة بالله فهو مع كل شيء وبه يظهر، ولكن بقي هنا تفاوت؛ وهو أن النور الظاهر يتصور أن يغيب بغروب الشمس ويحجب حتى يظهر الظل، وأما النور الإلهي الذي يظهر كل شيء لا يتصور غيبته، بل يستحيل تغيره فيبقى مع الأشياء دائما؛ فاقطع طريق الاستدلال بالتفرقة، ولو تصورت غيبته انهدت السموات والأرض ولأدرك به من التفرقة ما يضطر معه إلى المعرفة بما به ظهرت الأشياء، ولكن لما تساوت الأشياء كلها على نمط واحد في الشهادة لوحدانية خالقها؛ إذ كل شيء يسبح بحمده لا بعض الأشياء في جميع الأوقات لا بعض الأوقات ارتفعت المعرفة وخفي الطريق؛ إذ الطريق الظاهر معرفة الأشياء بالأضداد فما لا ضد له ولا نقيض تتشابه الأحوال في الشهادة له، فلا يبعد أن يخفى ويكون خفاؤه لشدة جلائه، والغفلة عنه لإشراف نوره؛ فسبحان من اختفى عن الخلق بشدة ظهوره واحتجب عنهم لإشراق نوره، انتهى .

(فهذا هو السبب في قصور الأفهام) .

التالي السابق


الخدمات العلمية