إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن التعذيب تهذيب الذيب .

والقضيب الرطب يقبل الانحناء فإذا جف وطال عليه الزمان لم يقبل ذلك فإذا كنت أيتها النفس لا تفهمين هذه الأمور الجلية وتركنين إلى التسويف فما بالك تدعين الحكمة وأية حماقة تزيد على هذه الحماقة .

ولعلك تقولين : ما يمنعني عن الاستقامة إلا حرصي على لذة الشهوات وقلة صبري على الآلام والمشقات ، فما أشد غباوتك وأقبح اعتذارك ، إن كنت صادقة في ذلك فاطلبي التنعم بالشهوات الصافية عن الكدورات الدائمة أبد الآباد ، ولا مطمع في ذلك إلا في الجنة فإن كنت ناظرة لشهوتك فالنظر لها في مخالفتها فرب : أكلة تمنع أكلات .

وما قولك في عقل مريض أشار عليه الطبيب بترك الماء البارد ثلاثة أيام ليصح ويهنأ بشربه طول عمره ، وأخبره أنه إن شرب ذلك مرض مرضا مزمنا وامتنع عليه شربه طول العمر فما مقتضى العقل في قضاء حق الشهوة أيصبر ثلاثة أيام ، ليتنعم طول العمر أم يقضي شهوته في الحال خوفا من ألم المخالفة ثلاثة أيام حتى يلزمه ألم المخالفة ثلاثمائة يوم وثلاثة آلاف يوم وجميع عمرك بالإضافة إلى الأبد الذي هو مدة نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أقل من ثلاثة أيام بالإضافة إلى جميع العمر وإن طالت مدته .

وليت شعري ألم الصبر عن الشهوات أعظم شدة وأطول مدة ، أو ألم النار في دركات جهنم ، فمن لا يطيق الصبر على ألم المجاهدة كيف يطيق ألم عذاب الله ، ما أراك تتوانين عن النظر لنفسك إلا لكفر خفي أو لحمق جلي .

، أما الكفر الخفي فهو ضعف إيمانك بيوم الحساب وقلة معرفتك بعظم قدر الثواب والعقاب .

وأما الحمق الجلي فاعتمادك على كرم الله تعالى وعفوه من غير التفات إلى مكره واستدراجه واستغنائه عن عبادتك مع أنك لا تعتمدين على كرمه في لقمة من الخبز أو حبة من المال أو كلمة واحدة تسمعينها .

من الخلق بل تتوصلين إلى غرضك في ذلك بجميع الحيل ، وبهذا الجهل تستحقين لقب الحماقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

ويحك يا نفس لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور فانظري لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك ولا تضيعي أوقاتك فالأنفاس معدودة ، فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك فاغتنمي الصحة قبل السقم والفراغ قبل الشغل والغنى قبل الفقر ، والشباب قبل الهرم والحياة قبل الموت واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها يا نفس أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب وغير ذلك ، فإنه قادر على ذلك ، أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف بردا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء أم تظنين أن ذلك دون هذا ، كلا أن يكون هذا كذلك أو أن يكون بينهما مناسبة في الشدة والبرودة أفتظنين أن العبد ينجو منها بغير سعي هيهات ، كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات وإنما كرم الله تعالى في أن عرفك طريق التحصن ويسر لك أسبابه لا في أن يندفع عنك العذاب دون حصنه ، كما أن كرم الله تعالى في دفع برد الشتاء أن خلق النار وهداك لطريق استخراجها من بين حديدة وحجر ، حتى تدفعي بها برد الشتاء عن نفسك ، وكما أن شراء الحطب والجبة مما يستغني عنه خالقك ومولاك وإنما تشترينه لنفسك إذ خلقه سببا لاستراحتك ، فطاعاتك ومجاهداتك أيضا هو مستغن عنها ، وإنما هي طريقك إلى نجاتك فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها والله غني عن العالمين .

ويحك يا نفس انزعي عن جهلك وقيسي آخرتك بدنياك ، فما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ، وكما بدأنا أول خلق نعيده ، وكما بدأكم تعودون ، وسنة الله تعالى لا تجدين لها تبديلا ولا تحويلا ويحك يا نفس ما أراك إلا ألفت الدنيا وأنست بها فعسر عليك مفارقتها ، وأنت مقبلة على مقاربتها وتؤكدين في نفسك مودتها فاحسبي ، أنك غافلة عن عقاب الله وثوابه وعن أهوال القيامة وأحوالها فما أنت مؤمنة بالموت المفرق بينك وبين محابك أفترين أن من يدخل دار ملك ليخرج من الجانب الآخر فمد بصره إلى وجه مليح يعلم أنه يستغرق ذلك قلبه ثم يضطر لا محالة إلى مفارقته ، أهو معدود من العقلاء أم من الحمقى أما تعلمين أن الدنيا دار لملك الملوك وما لك فيها إلا مجاز وكل ما فيها لا يصحب المجتازين بها بعد الموت ، ولذلك قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم : إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به وعش ما شئت فإنك ميت ويحك يا نفس أتعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذ الدنيا ويأنس بها مع أن الموت من ورائه فإنما يستكثر من الحسرة عند المفارقة ، وإنما يتزود من السم المهلك وهو لا يدري أو ما ، تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ثم ذهبوا وخلوا وكيف أورث الله أرضهم وديارهم أعداءهم ، أما ترينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون ، ويبنون ما لا يسكنون ، ويؤملون ما لا يدركون يبني ! كل واحد قصرا مرفوعا إلى جهة السماء ومقره قبر محفور تحت الأرض ، فهل في الدنيا حمق وانتكاس أعظم من هذا يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينا ويخرب آخرته وهو صائر إليها قطعا .

أما تستحيين يا نفس من مساعدة هؤلاء الحمقى على حماقتهم واحسبي أنك لست ذات بصيرة تهتدى إلى هذه الأمور وإنما تميلين بالطبع إلى التشبه والاقتداء فقيسي عقل الأنبياء والعلماء والحكماء بعقل هؤلاء المنكبين على الدنيا واقتدي من الفريقين بمن هو أعقل عندك إن كنت تعتقدين في نفسك العقل والذكاء .

يا نفس ما أعجب أمرك وأشد جهلك وأظهر طغيانك ، عجبا لك كيف تعمين عن هذه الأمور الواضحة الجلية ، ولعلك يا نفس أسكرك حب الجاه وأدهشك عن فهمها ، أوما تتفكرين أن الجاه لا معنى له إلا ميل القلوب من بعض الناس إليك فاحسبي أن كل من على وجه الأرض سجد لك وأطاعك أفما تعرفين أنه بعد خمسين سنة لا تبقين أنت ولا أحد ممن على وجه الأرض ممن عبدك وسجد لك وسيأتي ، زمان لا يبقى ذكرك ولا ذكر من ذكرك كما أتى على الملوك الذين كانوا من قبلك فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا فكيف تبيعين يا نفس ما يبقى أبد الآباد بما لا يبقى أكثر من خمسين سنة إن بقي ، هذا إن كنت ملكا من ملوك الأرض سلم لك الشرق والغرب حتى أذعنت لك الرقاب وانتظمت لك الأسباب كيف ويأبى إدبارك وشقاوتك أن يسلم لك أمر محلتك بل أمر دارك فضلا عن محلتك ، فإن كنت يا نفس لا تتركين الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمى بصيرتك فما لك لا تتركينها ترفعا عن خسة شركائها وتنزها عن كثرة عنائها وتوقيا من سرعة فنائها أم ما لك لا تزهدين في قليلها بعد أن زهد فيك كثيرها وما لك تفرحين بدنيا ، إن ساعدتك فلا تخلو بلدك من جماعة من اليهود والمجوس يسبقونك بها ويزيدون عليك في نعيمها وزينتها ، فأف لدنيا يسبقك بها هؤلاء الأخساء فما أجهلك وأخس همتك وأسقط رأيك إذ رغبت عن أن تكوني في زمرة المقربين من النبيين والصديقين في جوار رب العالمين أبد الآبدين لتكوني في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين أياما قلائل فيا حسرة عليك إن خسرت الدنيا والدين فبادري . ويحك يا نفس فقد أشرفت على الهلاك واقترب الموت وورد النذير فمن ذا يصلي عنك بعد الموت ، ومن ذا يصوم عنك بعد الموت ، ومن ذا يترضى عنك ربك بعد الموت .

ويحك يا نفس ما لك إلا أيام معدودة هي بضاعتك إن اتجرت فيها وقد ضيعت أكثرها فلو بكيت بقية عمرك على ما ضيعت منها لكنت مقصرة في حق نفسك فكيف إذا ضيعت البقية وأصررت على عادتك ، أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك ، والقبر بيتك والتراب فراشك والدود أنيسك ، والفزع الأكبر بين يديك ، أما علمت يا نفس أن عسكر الموتى عندك على باب البلد ينتظرونك وقد آلوا على أنفسهم كلهم بالأيمان المغلظة أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يأخذوك معهم أما تعلمين يا نفس أنهم يتمنون الرجعة إلى الدنيا يوما ليشتغلوا بتدارك ما فرط منهم وأنت في أمنيتهم ويوم من عمرك لو بيع منهم بالدنيا بحذافيرها لاشتروه لو قدروا عليه ، وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة . ويحك يا نفس أما تستحيين تزينين ظاهرك للخلق وتبارزين الله في السر بالعظائم أفتستحيين من الخلق ولا تستحيين من الخالق ، ويحك أهو أهون الناظرين عليك أتأمرين الناس بالخير وأنت متلطخة بالرذائل ، تدعين إلى الله وأنت عنه فارة ، وتذكرين بالله وأنت له ناسية أما تعلمين يا نفس أن المذنب أنتن من العذرة ، وأن العذرة لا تطهر غيرها فلم تطمعين في تطهير غيرك وأنت غير طيبة في نفسك . ويحك يا نفس لو عرفت نفسك حق المعرفة لظننت أن الناس ما يصيبهم بلاء إلا بشؤمك ويحك يا نفس قد جعلت نفسك حمارا لإبليس يقودك إلى حيث يريد ويسخر بك ، ومع هذا فتعجبين بعملك ، وفيه من الآفات ما لو نجوت منه رأسا برأس لكان الربح في يديك ، وكيف تعجبين بعملك مع كثرة خطاياك وزللك وقد لعن الله إبليس بخطيئة واحدة بعد أن عبده مائتي ألف سنة وأخرج آدم من الجنة بخطيئة واحدة مع كونه نبيه وصفيه ويحك يا نفس ما أغدرك ، ويحك يا نفس ما أوقحك ، ويحك يا نفس ما أجهلك ، وما أجرأك على المعاصي ، ويحك كم تعقدين فتنقضين ، ويحك كم تعهدين فتغدرين ، ويحك يا نفس أتشتغلين مع هذه الخطايا بعمارة دنياك كأنك غير .

مرتحلة عنها ، أما تنظرين إلى أهل القبور كيف كانوا ؟ جمعوا كثيرا وبنوا مشيدا وأملوا بعيدا ، فأصبح جمعهم بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرورا ويحك يا نفس أما لك بهم عبرة أما لك إليهم نظرة أتظنين أنهم دعوا إلى الآخرة وأنت من المخلدين هيهات هيهات ساء ما تتوهمين ، ما أنت إلا في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فابني على وجه الأرض قصرك فإن بطنها عن قليل يكون قبرك أما تخافين إذا بلغت النفس منك التراقي أن تبدو رسل ربك منحدرة إليك بسواد الألوان وكلح الوجوه وبشرى بالعذاب ، فهل ينفعك حينئذ الندم أو يقبل منك الحزن أو يرحم منك البكاء والعجب كل العجب منك يا نفس أنك مع هذا تدعين البصيرة والفطنة ، ومن فطنتك أنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ولا تحزنين بنقصان عمرك وما نفع مال يزيد وعمر ينقص ، ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك ، فكم من مستقبل يوما لا يستكمله ، وكم من مؤمل لغد لا يبلغه ، فأنت تشاهدين ذلك في إخوانك وأقاربك وجيرانك فترين تحسرهم عند الموت ثم لا ترجعين عن جهالتك فاحذري ، أيتها النفس المسكينة يوما آلى الله فيه على نفسه أن لا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله دقيقه وجليله سره وعلانيته فانظري يا نفس بأي بدن تقفين بين يدي الله وبأي لسان تجيبين ، وأعدي للسؤال جوابا وللجواب صوابا ، واعملي بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال ، وفي دار زوال لدار مقامة وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود اعملي ، قبل أن لا تعملي ، اخرجي ، من الدنيا اختيارا خروج الأحرار قبل أن تخرجي منها على الاضطرار ، ولا تفرحي بما يساعدك من زهرات الدنيا فرب مسرور مغبون ورب مغبون لا يشعر فويل لمن له الويل ثم لا يشعر يضحك ويفرح ويلهو ويمرح ويأكل ويشرب وقد حق له في كتاب الله أنه من وقود النار ، فليكن نظرك يا نفس إلى الدنيا اعتبارا وسعيك لها اضطرارا ورفضك لها اختيارا وطلبك للآخرة ابتدارا ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي. وينهى الناس ولا ينتهي واعلمي يا نفس أنه ليس للدين عوض ولا للإيمان بدل ولا للجسد خلف ، ومن كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن لم يسر .

فاتعظي يا نفس بهذه الموعظة واقبلي هذه النصيحة ، فإن من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار وما أراك بها راضية ولا لهذه الموعظة واعية فإن ، كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة فاستعيني ، عليها بدوام التهجد والقيام .


(ومن التعذيب تهذيب الذيب) فإنه جبل على الخبث فلا ينفع فيه التهذيب ومنه قول الشاعر:


إذا كان الطباع طباع سوء فليس بنافع فيه الأديب

(والقضيب الرطب ينفع فيه الانحناء فإذا جف وطال عليه الزمان لم يقبل ذلك) أبدا (فإذا كنت أيتها النفس لا تفهمين هذه الأمور) الواضحة (الجلية وتركنين إلى التسويف فما لك تدعين الحكمة) ، والإصابة .

(وأية حماقة تزيد على هذه الحماقة، ولعلك تقولين: ما يمنعني عن الاستقامة إلا حرصي على لذة الشهوات وقلة صبري على الآلام والمشقات، فما أشد غباوتك وأقبح اعتذارك، إن كنت صادقة في ذلك فاطلبي التنعم بالشهوات الصافية من الكدورات الدائمة أبد الآباد، ولا مطمع في ذلك إلا في الجنة) فإن لذاتها هي الموصوفة بذلك (فإن كنت ناظرة لشهوتك فالنظر لها في مخالفتها: فرب أكلة تمنع أكلات) ، وهو مثل مشهور أورده الحريري في المقامات .

(وما قولك في عقل مريض أشار عليه الطبيب بترك الماء البارد ثلاثة أيام ليصبح) مزاجه (ويتهنأ بشربه طول العمر، وأخبره أنه إن شرب ذلك مرض مرضا مزمنا) لا يفارقه (وامتنع عليه شربه طول العمر يقضي شهوته في الحال خوفا من ألم المخالطة ثلاثة أيام، ليتنعم طول العمر وجميع عمرك بالإضافة إلى الأبد الذي هو مدة نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار أقل من ثلاثة أيام بالإضافة إلى جميع العمر وإن طالت مدته، وليت شعري ألم الصبر عن الشهوات أعظم شدة وأطول مدة، أو ألم النار في دركات جهنم، فمن لا يطيق الصبر على ألم المجاهدة كيف يطيق ألم عذاب الله، ما أراك تتوانين) أي: تتساهلين (عن النظر إلى نفسك إما لكفر خفي أو لحمق جلي، أما الكفر الخفي فهو ضعف إيمانك بيوم الحساب وقلة معرفتك بعظم قدر الثواب والعقاب، وأما الحمق الجلي فاعتمادك على كرم الله تعالى وعفوه من غير التفات إلى مكروه واستدراجه واستغنائه عن عبادتك مع إنك لا تعتمدين على كرم الله في لقمة من الخبز أو حبة من المال أو كلمة واحدة تسمعينها من الخلق بل تتوصلين إلى غرضك في ذلك بجميع الحيل، وبهذا الجهل تستحقين لقب الحماقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله) .

رواه الطيالسي وأحمد والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس من حديث شداد بن أوس، وفي رواية لهم: "والعاجز" بدل الأحمق، وقد تقدم مرارا .

(ويحك يا نفس لا ينبغي أن تغرك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور) ، كما قال الله تعالى: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، (فانظري لنفسك فما أمرك بمهم لغيرك ولا تضيعي أوقاتك) فإنها عزيزة (فالأنفاس معدودة، فإذا مضى منام نفس فقد ذهب بعضك فاغتنمي الصحة قبل السقم والفراغ قبل الشغل والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم والحياة قبل الموت) .

فقد روى الحاكم، والبيهقي من حديث ابن عباس: اغتنم خمسا [ ص: 152 ] قبل خمس؛ حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك، وقد رواه ابن المبارك وأحمد معا في كتاب الزهد وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي أيضا عن عمرو بن ميمون الأودي مرسلا (واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها يا نفس أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب) الموافقة للزمان (ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه حتى يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب وغير ذلك، فإنه قادر على ذلك، أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف بردا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء أم تظنين أن ذلك دون هذا، كلا أن يكون هذا كذلك وأن يكون بينهما مناسبة في الشدة والبرودة أفتظنين أن العبد ينجو منها بغير سعي، وهيهات كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة والنار وسائر الأسباب فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات) ، فقد روي من طريق أهل البيت: لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي .

(وإنما كرم الله تعالى في أن عرفك طريق التحصن ويسر لك أسبابه لا في أن يدفع عنك العذاب دون حصنه، كما أن كرم الله تعالى في دفع برد الشتاء أن خلق النار وهداك لطريق استخراجها من بين حديدة وحجر، حتى تدفع بها برد الشتاء عن نفسك، وكما أن شراء الحطب والجبة مما يستغني عنه خالقك ومولاك وإنما تشتريه لنفسك إذ خلق سببا لاستراحتك، فطاعاتك ومجاهداتك أيضا هو مستغن عنها، وإنما هي طريقك إلى نجاتك فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها والله غني عن العالمين، ويحك يا نفس انزعي عن جهلك) ، وغيك وارعوي عن طغيانك (وقيسي آخرتك بدنياك، فما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة، وكما بدأنا أول خلق نعيده، وكما بدأكم تعودون، وسنة الله) في خلقه (لا تجدين لها تبديلا ولا تحويلا) ، فتأملي في ذلك .

(ويحك يا نفس ما أراك إلا ألفت الدنيا وأنست بها فعسر عليك مفارقتها، وأنت مقبلة على مقاربتها وتؤكدين في نفسك مودتها، فاحسبي أنك غافلة عن عقاب الله وثوابه وعن أهوال القيامة وأحوالها) ، وشدائدها (فما أنت مؤمنة بالموت المفرق بينك وبين محابك) وأحبابك (أفترين أن من يدخل دار ملك ليخرج من الجانب الآخر) متفرجا (فمد بصره إلى وجه مليح يعلم أنه يستغرق ذلك قلبه ثم يضطر لا محالة إلى مفارقته، أهو معدود من العقلاء أو من الحمقى أما تعلمين أن الدنيا دار ملك من الملوك وما لك فيها إلا مجاز) يشير بذلك إلى قول عيسى عليه السلام الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها (وكل ما فيها لا يصحب المجتازين بها بعد الموت، ولذلك قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به وعش ما شئت فإنك ميت) .

رواه الشيرازي في الألقاب من حديث سهل بن سعد نحوه، والطبراني في الأصغر والأوسط من حديث علي وكلاهما ضعيف، وقد تقدم في كتاب العلم .

(ويحك يا نفس أما تعلمين أن كل من يلتفت إلى ملاذ الدنيا ويأنس بها مع أن الموت من ورائه) ، وبالمرصاد منه (فإنما يستكثر [ ص: 153 ] من الحسرة عند المفارقة، وإنما يتزود من السم المهلك وهو لا يدري، أوما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا) ما بنوا (ثم ذهبوا وخلوا) أي: تركوا، ومنه قولهم: يا من بنى وعلى ثم راح وخلى، (وكيف أورث الله أرضهم وديارهم أعداءهم، أما تراهم كيف يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويؤملون ما لا يدركون!) .

وقد روى الطبراني في الكبير من حديث أم الوليد بنت عمر بن الخطاب: يا أيها الناس، أما تستحيون، تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تعمرون وتؤملون ما لا تدركون، ألا تستحيون من ذلك (يبني كل واحد منهم قصرا مرفوعا إلى جهة السماء ومقره قبر محفور تحت الأرض، فهل في الدنيا حمق وانتكاس أعظم من هذا يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينا ويخرب آخرته وهو صائر إليها قطعا، أما تستحيين يا نفس من مساعدة هؤلاء الحمقى على حماقتهم واحسبي أنك لست ذات بصيرة تهتدين إلى هذه الأمور وإنما تميلين بالطبع إلى التشبه والاقتداء فقيسي عقل الأنبياء والعلماء والحكماء بعقل هؤلاء المكبين على الدنيا) الحريصين على تحصيلها (واقتدي من الفريقين بمن هو أعقل عندك إن كنت تعتقدين في نفسك العقل والذكاء، يا نفس ما أعجب أمرك وأشد جهلك وأظهر طغيانك، عجبا لك كيف تعمين عن هذه الأمور الواضحة الجلية، ولعلك يا نفس أسكرك حب الجاه وأدهشك عن فهمها، أوما تتفكرين أن الجاه لا معنى له إلا ملك القلوب من بعض الناس إليك فاحسبي أن كل من على وجه الأرض سجد لك وأطاعك أما تعرفين أن بعد خمسين سنة) أو أقل من ذلك (لا تبقى أنت ولا أحد ممن على وجه الأرض ممن عبدك وسجد لك، وسيأتي زمان لا يبقى ذكرك ولا ذكر من ذكرك كما أتى على الملوك الذين كانوا من قبلك فهل نحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا) أي: صوتا خفيا (فكيف تبيعي يا نفس ما يبقى أبد الآباد بما لا يبقى أكثر من خمسين سنة إن بقي، هذا إن كنت ملكا من ملوك الأرض سلم لك الشرق والغرب حتى أذعنت لك الرقاب وانتظمت لك الأسماء كيف ويأبى إدبارك وشقاوتك أن يسلك لك أمر محلتك بل أمر دارك فضلا عن محلتك، فإن كنت يا نفس لا تتركين الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمى بصيرتك فما لك لا تتركينها ترفعا عن خسة شركائها وتنزها عن كثرة عنائها) أي: تعبها (وتوقيا من سرعة فنائها أم ما لك لا تزهدين في قليلها بعد أن زهد فيك كثيرها وما لك تفرحين بدنيا، إن ساعدتك فلا يخلو بلدك من جماعة من اليهود والمجوس يسبقونك بها ويزيدون عليك في نعيمها وزينتها، فأف لدنيا يسبقك بها هؤلاء الأخساء فما أجهلك وأخس همتك وأسقط رأيك إذ رغبت عن أن تكوني في زمرة المقربين من النبيين والصديقين) ، والصالحين (في جوار رب العالمين أبد الآبدين لتكوني في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين أياما قلائل فيا حسرة عليك إذ خسرت الدنيا والدين فبادري .

ويحك يا نفس فقد أشرفت على الهلاك واقترب الموت) ، وجاء الأجل (وورد النذير) [ ص: 154 ] وهو الشيب (فمن ذا يصلي عنك بعد الموت، ومن ذا يصوم عليك بعد الموت، ومن ذا يترضى عنك ربك بعد الموت .

ويحك يا نفس ما لك إلا أياما معدودة هي بضاعتك إن اتجرت فيها وقد ضيعت أكثرها فلو بكيت بقية عمرك على ما ضيعت منها لكنت مقصرة في حق نفسك فكيف إذا ضيعت البقية وأصررت على عادتك، أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك، والقبر بيتك والتراب فراشك والدود أنيسك، والفزع الأكبر بين يديك، أما علمت يا نفس أن عسكر الموتى على باب البلد ينتظرونك) .

روى أبو نعيم في الحلية أن رجلا جاء للفضيل فقال: عظني، فقال له: إن عسكر الموتى ينتظرونك، (وقد آلوا كلهم على أنفسهم بالإيمان المغلظة أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يأخذوك معهم) فلا بد وأن يأخذوك معهم (أما تعلمين يا نفس أنهم يتمنون الرجعة إلى الدنيا يوما يشتغلون بتدارك ما فرط منهم وأنت في أمنيتهم) كما قال تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ، (ويوم من عمرك لو بيع منهم بالدنيا بحذافيرها) أي: بتمامها (لاشتروه لو قدروا عليه، وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة .

ويحك يا نفس أما تستحيين تزينين ظاهرك للخلق وتبارزين الله في السر بالعظائم أفتستحيين من الخلق ولا تستحيين من الخالق، ويحك أهو أهون الناظرين عليك أتأمرين الناس بالخير وأنت متلطخة بالرذائل، تدعين) غيرك (إلى الله) تعالى (وأنت عنه فارة، وتذكرين بالله وأنت له ناسية أما تعلمين يا نفس أن الذنب أنتن من العذرة، وأن العذرة لا تطهر غيرها فلم تطمعين في تطهير غيرك وأنت غير طيبة في نفسك .

ويحك يا نفس لو عرفت نفسك حق المعرفة لظننت أن الناس لا يصيبهم بلاء إلا بشؤمك) وسوء فعلك .

(ويحك يا نفس قد جعلت نفسك حمارا لإبليس يقودك إلى حيث يريد) من الشهوات (ويسخر بك، ومع هذا فتعجبين بعملك، وفيه من الآفات ما لو نجوت منه رأسا برأس لكان الريح في يديك، وكيف تعجبين بعملك مع كثرة خطاياك وزلك وقد لعن الله إبليس) ، وطرده من جواره (بخطيئة واحدة) ، وهي مخالفة أمر الله تعالى في السجود لآدم عليه السلام (بعد أن عبده مائتي ألف سنة) قبل خلق آدم عليه السلام، كما في خبر ابن عباس، رواه الحاكم، وروى ابن جرير، وابن الأنباري عن ابن عباس قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما، فذلك دعاه إلى الكبر، وعند وكيع، وابن المنذر عنه قال: كان من خزان الجنة وكان يدبر أمر السماء الدنيا .

وروى ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال: كان رئيس ملائكة سماء الدنيا (وأخرج آدم) عليه السلام من الجنة (بخطيئة واحدة مع كونه نبيه وصفيه) ، وتلك قربانه الشجرة المنهي عنها، روى ابن عساكر عن عطاء أن آدم لما أهبط من الجنة خر في موضع البيت ساجدا فمكث أربعين يوما لا يرفع رأسه.

وروى ابن سعد عن الحسن قال: بكى آدم على الجنة ثلاثمائة سنة.

(ويحك يا نفس ما أغدرك، ويحك يا نفس ما أوقحك، ويحك يا نفس ما أجهلك، وما أجرأك على المعاصي، ويحك كم تعقدين) بينك وبين الله عقدا (فتنقضين، ويحك كم تعهدين مع الله عهدا فتغدرين، ويحك يا نفس أتشتغلين مع هذه الخطايا بعمارة دنياك كأنك غير مرتحلة عنها، أما تنظرين إلى أهل القبور كيف كانوا؟ جمعوا كثيرا وبنوا مشيدا وأملوا بعيدا، فأصبح [ ص: 155 ] جمعهم بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرورا) ، روي ذلك من كلام علي رضي الله عنه، قاله في بعض خطبه .

(ويحك يا نفس أما لك بهم عبرة) تعتبرين بها (أما لك إليهم نظرة) تتعظين بها (أتظنين أنهم دعوا إلى الآخرة وأنت من المخلدين هيهات هيهات ساء ما تتوهمين، ما أنت إلا في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فابني على وجه الأرض قصرك فإن بطنها عن قليل يكون قبرك) .

روى ابن عساكر عن مجاهد قال: إن الله لما أهبط آدم وحواء إلى الأرض قال: اهبطوا إلى الأرض فلدوا للموت وابنوا للخراب،، ورواه ابن المبارك في الزهد نحوه، وفي حديث الزبير: ما من صباح يصبح على العباد إلا وصارخ يصرخ: لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب رواه البيهقي في الشعب، وقال أبو ذر رضي الله عنه: تلدون للموت وتبنون للخراب وتؤثرون ما يفنى وتتركون ما يبقى. رواه أبو نعيم في الحلية .

وقال عيسى عليه السلام: يا بني آدم لدوا للموت وابنوا للخراب تفنى نفوسكم وتبلى دياركم. رواه أحمد في الزهد، وقد نظم الحافظ ابن حجر هذا المعنى فقال:


بني الدنيا أقلوا الهم فيها     فما فيها يؤول إلى الفوات
بناء للخراب وجمع مال     ليفنى والتوالد للممات

(أما تخافين إذا بلغت النفس منك التراقي أن تبدو رسل ربك منحدرة إليك بسواد الألوان وكلح الوجوه وبشرى بالعذاب، فهل ينفعك حينئذ الندم) وقد فات وقته (أو يقبل منك الحزن) حيث لا ينفع (أو يرحم منك البكاء) والدموع .

(والعجب كل العجب منك يا نفس أنك مع هذا تدعين البصيرة والفطنة، ومن فطنتك أنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ولا تحزنين بنقصان عمرك وما نفع مال يزيد وعمر ينقص، ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك، فكم من مستقبل يوما لا يستكمله، وكم من مؤمل لغد لا يبلغه، فأنت تشاهدين في إخوانك وأقاربك وجيرانك فترين تحسرهم عند الموت ثم لا ترجعين عن جهالتك، فاحذري أيتها النفس المسكينة يوما آلى الله) تعالى (فيه على نفسه أن لا يترك عبدا أمره في الدنيا ونهاه حتى يسأله عن عمله دقيقه وجليله سره وعلانيته) كما وردت بذلك الأخبار .

(فانظري يا نفس بأي بدن تقفين بين يدي الله وبأي لسان تجيبين، وأعدي للسؤال جوابا وللجواب صوابا، واعملي بقية عمرك في أيام قصار لأيام طوال، وفي دار زوال لدار مقامة وفي دار حزن ونصب لدار نعيم وخلود، اعملي قبل أن لا تعملي، اخرجي من الدنيا اختيارا خروج الأحرار قبل أن تخرجي منها على الاضطرار، ولا تفرحي بما يساعدك من زهرات الدنيا فرب مسرور مغبون) في سروره، (ورب مغبون لا يشعر) بغبنه .

(فويل لمن له الويل) دركة من دركات جهنم (ثم لا يشعر يضحك ويفرح ويلهو ويمرح ويأكل ويشرب وقد حق له في كتاب الله أنه من وقود النار، فليكن نظرك يا نفس إلى الدنيا اعتبارا وسعيك لها اضطرارا ورفضك لها اختيارا وطلبك للآخرة ابتدارا) فالمفر المفر قبل أن تسحب وتجر واسمعي النصيحة قبل حلول الفضيحة (ولا تكوني ممن يعجز عن شكر ما أوتي ويبتغي الزيادة فيما بقي) ، وأنى له الزيادة ولم يشكر، وقد قال الله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم ، (وينهى الناس ولا ينتهي) ، قال الله تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ، (واعلمي يا نفس أنه ليس للدين عوض ولا للإيمان بدل ولا للجسد خلف، ومن كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن لم يسر) .

روى ابن عدي والديلمي، وابن عساكر من حديث ابن [ ص: 156 ] عباس: الليل والنهار مطيتان فاركبوهما بلاغا إلى الآخرة (فاتعظي يا نفس بهذه الموعظة واقبلي هذه النصيحة، فإن من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار وما أراك بها راضية ولا لهذه الموعظة واعية، إن كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة، فاستعيني عليها بدوام التهجد والقيام) بالليل والناس نيام فعسى أن تزول بذلك قساوة قلبك .

التالي السابق


الخدمات العلمية