إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فضيلة التفكر .

قد أمر الله تعالى بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز في مواضع لا تحصى وأثنى على المتفكرين فقال تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاوقد قال ابن عباس رضي الله عنهما إن قوما تفكروا في الله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله ، فإنكم لن تقدروا قدره وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على قوم ذات يوم وهم يتفكرون فقال : ما لكم لا تتكلمون ، فقالوا : نتفكر في خلق الله عز وجل قال : فكذلك فافعلوا ، تفكروا في خلقه ولا تتفكروا فيه ، فإن بهذا المغرب أرضا بيضاء نورها بياضها وبياضها نورها مسيرة الشمس أربعين يوما بها خلق من خلق الله عز وجل لم يعصوا الله طرفة عين ، قالوا : يا رسول الله فأين الشيطان منهم ؟ قال : ما يدرون خلق الشيطان أم لا ، قالوا : من ولد آدم ؟ قال : لا يدرون خلق آدم أم لا وعن عطاء قال انطلقت يوما أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها فكلمتنا وبيننا وبينها حجاب فقالت : يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : زر غبا تزدد حبا ، قال ابن عمير : فأخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبكت وقالت : كل أمره كان عجبا أتاني ، في ليلتي حتى مس جلده جلدي ، ثم قال ذريني : أتعبد لربي عز وجل ، فقام إلى القربة فتوضأ منها ، ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته ثم سجد حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه حتى أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح فقال : يا رسول الله ، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي ، وقد أنزل الله تعالى علي في هذه الليلة إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها فقيل للأوزاعي ما غاية التفكير فيهن ، قال يقرؤهن ويعقلهن .

وعن محمد بن واسع إن رجلا من أهل البصرة ركب إلى أم ذر بعد موت أبي ذر فسألها عن عبادة أبي ذر فقالت : كان نهاره أجمع في ناحية البيت يتفكر .

وعن الحسن قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة .

وعن الفضيل قال : الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك .

وقيل لإبراهيم إنك تطيل الفكرة ، فقال : الفكرة مخ العقل وكان سفيان بن عيينة كثيرا ما يتمثل بقول القائل

:

إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة

وعن طاوس قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم يا روح الله هل على الأرض اليوم مثلك ؟ فقال : نعم ، من كان منطقه ذكرا وصمته فكرا ونظره عبرة فإنه مثلي .

وقال الحسن من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ، ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو ، ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو وفي قوله تعالى : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق قال : أمنع قلوبهم التفكر في أمري .

وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطوا أعينكم حظها من العبادة ، فقالوا : يا رسول الله ، وما حظها من العبادة ؟ قال : النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه وعن امرأة كانت تسكن البادية قريبا من مكة أنها قالت : لو تطالعت قلوب المتقين بفكرها إلى ما قد ادخر لها في حجب الغيب من خير الآخرة لم يصف لهم في الدنيا عيش ولم تقر لهم في الدنيا عين .

وكان لقمان يطيل الجلوس وحده ، فكان يمر به مولاه فيقول : يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك ، فلو جلست مع الناس كان آنس لك ، فيقول لقمان إن طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنة وقال وهب بن منبه ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم وما علم امرؤ قط إلا عمل .

وقال عمر بن عبد العزيز الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة .

وقال عبد الله بن المبارك يوما لسهل بن علي ورآه ساكتا متفكرا : أين بلغت ؟ قال : الصراط .

وقال بشر لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل وعن ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب .

وبينا أبو شريح يمشي إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكي فقيل ، له : ما يبكيك ؟ قال : تفكرت في ذهاب عمرى وقلة عملي واقتراب أجلي .

وقال أبو سليمان عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر وقال أبو سليمان الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة ، يورث الحكمة ويحيي القلوب وقال حاتم من العبرة يزيد العلم ، ومن الذكر يزيد يزيد الحب ، ومن التفكر يزيد الخوف .

وقال ابن عباس التفكر في الخير يدعو إلى العمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه .

ويروى أن الله تعالى قال في بعض كتبه إني لست أقبل كلام كل حكيم ، ولكن انظر إلى همه وهواه ، فإذا كان همه وهواه لي جعلت صمته تفكرا وكلامه حمدا وإن لم يتكلم .

وقال الحسن إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة .

وقال إسحاق بن خلف كان داود الطائي رحمة الله تعالى على سطح في ليلة قمراء فتفكر في ملكوت السماوات والأرض ، وهو ينظر إلى السماء ويبكي حتى وقع في دار جار له قال : فوثب صاحب الدار من فراشه عريانا وبيده سيف ، وظن أنه لص ، فلما نظر إلى داود رجع ووضع السيف وقال : من ذا الذي طرحك من السطح ؟ قال : ما شعرت بذلك .

وقال الجنيد أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد والتنسم بنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد ، والنظر بحسن الظن بالله عز وجل ، ثم قال : يا لها من مجالس ما أجلها ، ومن شراب ما ألذه طوبى لمن رزقه .

وقال الشافعي رحمه الله تعالى : استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر .

وقال أيضا : صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور ، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم ، والروية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس وقوة في البصيرة ، ففكر قبل أن تعزم وتدبر قبل أن تهجم وشاور قبل أن تقدم .

وقال أيضا : الفضائل أربع : إحداها الحكمة وقوامها الفكرة .

والثانية العفة وقوامها في الشهوة .

والثالثة القوة وقوامها في الغضب والرابعة العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس .

فهذه أقاويل العلماء في الفكرة وما شرع أحد منهم في ذكر حقيقتها وبيان مجاريها .


فضيلة التفكر

اعلم أنه (قد أمر الله تعالى بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز في مواضع لا تحصى وأثنى على المتفكرين فقال) : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) أي: يذكرونه دائما على الحالات قائمين وقاعدين ومضطجعين ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) استدلالا واعتبارا ( ربنا ما خلقت هذا باطلا ) على إرادة القول، أي: يتفكرون قائلين ذلك، وهذا إشارة إلى المتفكر فيه أو الخلق على أنه أريد به المخلوق من السماوات والأرض، والمعنى ما خلقته عبثا ضائعا من غير حكمة بل خلقته لحكم عظيمة من جملتها: أن يكون مبتدأ الوجود الإنساني، وسببا لمعاشه ودليلا يدله على معرفتك ويحثه على طاعتك لينال الحياة الأبدية والسعادة السرمدية في جوارك .

(وقد قال ابن عباس) رضي الله عنه: (إن قوما تفكروا في الله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروا قدره) .

قال العراقي: رواه أبو نعيم في الحلية بالمرفوع منه بإسناد ضعيف، ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب من وجه آخر أصح منه، ورواه الطبراني في [ ص: 162 ] الأوسط، والبيهقي في الشعب من حديث ابن عمر، وقال: هذا إسناد فيه نظر .

قلت: فيه الوازع بن نافع متروك. انتهى .

قلت: حديث ابن عمر لفظه: تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله، هكذا رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر، وأبو الشيخ في العظمة، والطبراني في الأوسط، وابن عدي، وابن مردويه، والبيهقي وضعفه، والأصبهاني، وأبو نصر في الإبانة، وقال: غريب، ورواه أبو الشيخ من حديث ابن عباس: تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدروا قدره، ورواه ابن النجار، والرافعي من حديث أبي هريرة: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله.

وقال عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش له: حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في الله، فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه ألف نور، وهو فوق ذلك، ورواه كذلك أبو الشيخ، وابن مردويه وأبو نصر السجزي، والبيهقي في الأسماء والصفات، وروى أبو الشيخ من حديث أبي ذر: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا.

(وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على قوم ذات يوم وهم يتفكرون فقال: ما لكم لا تتكلمون، فقالوا: نتفكر في خلق الله عز وجل قال: فكذلك فافعلوا، تفكروا في خلقه ولا تتفكروا فيه، فإن بهذا المغرب أرضا بيضاء نورها بياضها وبياضها نورها مسيرة الشمس أربعين يوما بها خلق من خلق الله عز وجل لم يعصوا الله عز وجل طرفة عين، قالوا: يا رسول الله فأين الشيطان منهم؟ قال: ما يدرون خلق الشيطان أم لا، قالوا: من ولد آدم؟ قال: لا يدرون خلق آدم أم لا) .

قال العراقي: رويناه في جزء ثم ترك البياض، ولم يعين الجزء ولا من رواه، وقد ذكره المصنف في كتاب الجواهر والدرر من حديث ابن عباس: إن لله أرضا بيضاء مسيرة الشمس فيها ثلاثون، وهي مثل الدنيا ثلاثون مرة مشحونة خلقا لا يعلمون أن الله تعالى يعصى في الأرض ولا يعلمون أن الله تعالى خلق آدم وإبليس. انتهى .

قلت: رواه أبو الشيخ في العظمة من حديث أبي هريرة: إن لله تعالى أرضا من وراء أرضكم هذه بيضاء نورها وبياضها مسيرة شمسكم هذه أربعين يوما فيها عباد لله لم يعصوه طرفة عين ما يعلمون أن الله خلق الملائكة ولا آدم ولا إبليس، هم قوم يقال لهم: الروحانيون خلقهم الله من ضوء نوره.

وروى أبو نعيم في الحلية من طريق إسماعيل بن عياش، عن الأحوص بن حكيم عن شهر عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال: ما جمعكم؟ فقالوا: اجتمعنا نذكر ربنا ونتفكر في عظمته، فقال: تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا فيه، فإنكم لن تقدروا قدره. الحديث، وفيه ذكر إسرافيل، وهو الذي أشار إليه العراقي في الذي قبله، وإن إسناده ضعيف، وروى أحمد ومن طريقه الطبراني ثم صاحب الحلية من طريق عبد الجليل ابن عطية عن شهر عن عبد الله بن سلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه وهم يتفكرون في خلق الله فقال لهم: فيم كنتم تتفكرون؟ قالوا: نتفكر في خلق الله، فقال: لا تتفكروا في الله وتفكروا في خلق الله، فإن ربنا خلق ملكا قدماه في الأرض السابعة السفلى، ورأسه قد جاوز السماء العليا، من بين قدميه إلى كعبيه مسيرة ستمائة عام، وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ستمائة عام، الخالق أعظم من الخلق.

وروى ابن أبي الدنيا عن عثمان بن أبي دهرس قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى أصحابه وهم سكوت لا يتكلمون فقال: ما لكم لا تتكلمون؟ قالوا: نتفكر في خلق الله، قال: كذلك فافعلوا، تفكروا في خلق الله ولا تفكروا فيه، قال الحافظ السخاوي في المقاصد: وهذه الأخبار أسانيدها ضعيفة لكن اجتماعها يكسب قوة، والمعنى صحيح .

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلق الله الخلق فمن خلق الله، فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله، (وعن عطاء) بن أبي رباح المكي الفقيه الثقة روى له الجماعة (قال انطلقت أنا وعبيد بن عمير) بن قتادة الليثي قاضي أهل مكة ثقة روى له الجماعة (إلى عائشة رضي الله عنها وبينها وبيننا حجاب فقالت: يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: زر غبا تزدد حبا، قال ابن عمير: فأخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكت وقالت: كل أمره كان عجبا، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي [ ص: 163 ] عز وجل، فقام إلى القربة فتوضأ منها، ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته ثم سجد حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه حتى أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قال: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ويحك يا بلال وما يمنعني أن أبكي، وقد أنزل الله علي في هذه الليلة إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) .

قال العراقي: تقدم في كتاب الصبر والشكر، وأنه من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء. انتهى .

قلت: ورواه كذلك عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي الدنيا في التفكر، وابن عساكر كلهم عن عطاء نحوه وفيه: ثم قام فصلى، فبكى حتى سال دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة، وأما حديث: زر غبا تزدد حبا، فرواه البزار، والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما، ومن طريق ثانيهما أبو نعيم في الحلية من طريق طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا، وكذا أخرجه العسكري في الأمثال، والبيهقي في الشعب وقال: إن طلحة غير قوي، وقد روى هذا الحديث بأسانيد هذا أمثلها، وقال العقيلي: هذا الحديث إنما يعرف بطلحة، وقد تابعه قوم نحوه في الضعف، وإنما يروى هذا عن عطاء عن عبيد بن عمير قوله. انتهى .

قال الحافظ السخاوي: يشير إلى ما رواه ابن حبان في صحيحه عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد: قد آن لك أن تزور، فقال: أقول لك يا أمه كما قال الأول: زر غبا تزدد حبا. فقالت: دعونا من بطالتكم هذه، وذكر حديثا (فقيل للأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الفقيه رحمه الله تعالى: (ما غاية التفكر فيهن، قال يقرؤهن وهو يعقلهن) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر .

(وعن محمد بن واسع) البصري رحمه الله تعالى، (إن رجلا من أهل البصرة ركب إلى أم ذر) ، وهي امرأة أبي ذر قال الحافظ: وقفت على حديث فيه التصريح بأنها أسلمت مع أبي ذر في أول الإسلام أخرجه الفاكهي في تاريخ مكة (بعد موت أبي ذر) رضي الله عنه (فسألها عن عبادة أبي ذر فقالت: كان نهاره أجمع في ناحية البيت يتفكر) .

رواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الله بن محمد بن عمران، حدثنا حسين المروزي، حدثنا الهيثم بن جميل، حدثنا صالح المري عن محمد بن واسع أن رجلا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر يسألها عن عبادة أبي ذر، فأتاها فقال: جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر، قالت كان النهار أجمع خاليا يتفكر.

(وعن الحسن) البصري رحمه الله تعالى (قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة) ، رواه أبو نعيم في الحلية قال: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا عبد الله بن سفيان، حدثنا داود ابن عمر الضبي، حدثنا فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن فذكره، وهذا قد رواه أيضا أبو الشيخ في العظمة من قول ابن عباس، ورواه أحمد بن صالح في كتاب التبصرة من حديث أنس، وقد تقدم قريبا .

(وعن الفضيل) بن عياض رحمه الله تعالى (قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك، وقيل لإبراهيم) بن أدهم: (إنك تطيل الفكرة، فقال: الفكرة مخ العمل) هذان القولان أوردهما أبو نعيم في الحلية بسند واحد فقال: حدثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن علي قالا، حدثنا أبو يعلى، حدثنا عبد الصمد بن يزيد، قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: قيل لإبراهيم: إنك لتطيل الفكرة، قال: الفكرة مخ العمل، قال: وسمعت الفضيل يقول: قال الحسن: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك (وكان سفيان بن عيينة) رحمه الله تعالى (كثيرا ما يتمثل ويقول:


إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة )

رواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: الفكرة نور تدخله قلبك، قال عبد الله: وحدثنا أبو حفص القرشي قال: كان سفيان بن عيينة ربما يتمثل:

إذا المرء كانت له فكرة     ففي كل شيء له عبرة

قال: وبلغني عن سفيان بن عيينة قال: التفكر مفتاح الرحمة ألا ترى أنه يتفكر فيتوب (وعن طاوس) بن [ ص: 164 ] كيسان اليماني رحمه الله تعالى (قال: قال الحواريون) أصحاب عيسى (لعيسى عليه السلام يا روح الله هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكرا وصمته فكرا ونظره عبرة فإنه مثلي) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر .

(وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى (من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكرا فهو سهو، ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر .

وروى أبو نعيم في الحلية من طريق إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت فضيلا يقول: كلام المؤمن حكم، وصمته تفكر، ونظره عبرة، وإذا كنت كذا لم تزل في عبادة (وفي قوله تعالى: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق قال: أمنع قلوبهم التفكر في أمري وعن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوا أعينكم حظها من العبادة، فقالوا: يا رسول الله، وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف) أي: قراءة القرآن نظرا في المصحف، فإنه أفضل من قراءته عن حفظه، وبه أخذ السلف، قال النووي: وهكذا قاله أصحابنا وليس على إطلاقه، إنما هو تابع للتدبر وجمع القلب والبصر (والتفكر فيه) أي: التأمل في معانيه (والاعتبار عند عجائبه) من أوامره وزواجره ومواعظه وأحكامه وقصصه ووجوه بلاغته وبديع رموزه وإشاراته، قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر ومن طريقه أبو الشيخ في كتاب العظمة بإسناد ضعيف، انتهى .

قلت: ورواه أيضا الحكيم في النوادر، والبيهقي في الشعب وضعفه (و) يحكى (عن امرأة) صالحة (كانت تسكن البادية قريبا من مكة أنها قالت: لو تطالعت قلوب المتقين بفكرها إلى ما قد ادخر لها في حجب الغيب من خير الآخرة لم يصف لها عيش ولم تقر لهم في الدنيا عين) .

رواه ابن أبي الدنيا عن أبي علي المديني عن أبي الحسن إكرام وكان من خيار الناس (وكان لقمان) الحكيم رحمه الله تعالى (يطيل الجلوس وحده، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك، فلو جلست مع الناس كان آنس لك، فيقول لقمان إن طول الوحدة أفهم للفكرة وطول الفكرة دليل على طريق الجنة) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر (وقال وهب بن منبه) رحمه الله تعالى (ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم وما علم امرؤ قط إلا عمل) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر (وقال عمر بن عبد العزيز) رحمه الله تعالى (الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة) .

رواه أبو نعيم في الحلية (وقال عبد الله بن المبارك) رحمه الله تعالى (يوما لسهل بن علي ورآه ساكتا مفكرا: أين بلغت؟ قال: الصراط) ، رواه أبو نعيم في الحلية (وقال بشر) بن الحارث رحمه الله تعالى (لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوا الله تعالى) .

رواه أبو نعيم في الحلية (وعن ابن عباس) رضي الله عنه قال: (ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب) ، وروى أبو الشيخ في العظمة من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس التفكر في عظمة الله وجنته وناره ساعة خير من قيام ليلة، وقد تقدم قريبا .

(وبينا أبو شريح) عبد الرحمن بن شريح المعافري كانت له عبادة وفضل توفي بالإسكندرية سنة 167 روى له الجماعة (يمشي إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكي، فقلنا له: ما يبكيك؟ قال: تفكرت في ذهاب عمري وقلة عملي واقتراب أجلي) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر .

(وقال أبو سليمان) الداراني رحمه الله تعالى (عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر) ، رواه أبو نعيم في الحلية .

(وقال أبو سليمان) أيضا (الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة، يورث الحكمة ويحيي القلوب) ، رواه أبو نعيم في الحلية .

(وقال حاتم الأصم) رحمه الله تعالى (من العبرة يزيد [ ص: 165 ] العلم، ومن الذكر يزيد الحب، ومن التفكر يزيد الخوف) .

رواه أبو نعيم في الحلية (وقال ابن عباس) رضي الله عنه (التفكر في الخير يدعو إلى العمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر .

(ويروى) في الأخبار (قال) الله (عز وجل في بعض كتبه) التي أنزلها من السماء: (إني لست أقبل كلام كل حكيم، ولكن انظر إلى همه وهواه، فإذا كان همه وهواه لي جعلت صمته تفكرا وكلامه حمدا وإن لم يتكلم، وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة) ، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر .

(وقال إسحاق بن خلف كان داود) بن نصير (الطائي) رحمه الله تعالى (على سطح في ليلة قمراء فتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وهو ينظر إلى السماء ويبكي حتى وقع في دار جار له قال: فوثب صاحب الدار من فراشه عريانا وبيده سيف، وظن أنه لص، فلما نظر إلى داود رجع ووضع السيف وقال: من ذا الذي طرحك من السطح؟ قال: ما شعرت بذلك) .

رواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا إبراهيم عن نائلة، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا إسحاق بن خلف قال: كان داود الطائي في ليلة مقمرة فتفكر فقام فمشى على السطح وهو شاخص حتى وقع في دار جار له قال: فوثب صاحب الدار عريانا من الفراش، فأخذ السيف ظن أنه لص، فلما رأى داود رجع فلبس ثيابه فوضع السيف وأخذ بيد داود حتى رده إلى داره، فقيل لداود فقال: ما دريت أو ما شعرت (وقال) أبو القاسم (الجنيد) قدس سره (أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد والتنسم بنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد، والنظر بحسن الظن بالله عز وجل، ثم قال: يا لها من مجالس ما أجلها، ومن شراب ما ألذه طوبى لمن رزقه) ، رواه أبو نعيم في الحلية .

(وقال الشافعي رحمه الله تعالى: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكرة) ، رواه البيهقي في مناقبه (وقال أيضا: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والروية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس وقوة في البصيرة، ففكر قبل أن تعزم وتدبر قبل أن تهجم وشاور قبل أن تقدم) ، رواه البيهقي كذلك في مناقبه .

(وقال أيضا: الفضائل أربع: إحداها الحكمة) ، وهي أعلاها (وقوامها الفكرة، والثانية العفة وقوامها في الشهوة) أي: في تركها (والثالثة القوة وقوامها في الغضب) أي: في تركه (والرابعة العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس) ، رواه البيهقي كذلك في مناقبه .

وهذه هي الفضائل النفسية فأصولها أربعة: العقل وكماله العلم، والعفة وكمالها الورع، والشجاعة وكمالها المجاهدة، والعدل وكماله الإنصاف، وهي المعبر عنها بالدين، ويكمل ذلك بالفضائل البدنية وهي أربعة: الصحة، والقوة، والجمال، وطول العمر، وبالفضائل المطيفة بالإنسان وهي أربعة أيضا: المال والأهل والعز وكرم العشيرة، ولا سبيل إلى تحصيل ذلك إلا بتوفيق الله عز وجل وذلك بأربعة أيضا: هدايته ورشده وتسديده وتأييده، فجميع ذلك خمسة أنواع، وهي عشرون ضربا ليس للإنسان مدخل في اكتسابها إلا فيما هو نفسي فقط، وقد تقدم تفصيل ذلك في كتاب تهذيب الأخلاق .

ومما يذكر في فضيلة التفكر ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر عن عامر بن عبد قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.

وروى ابن المنذر وأبو نعيم في الحلية من طريق عون بن عبد الله قال: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار، وروى أبو الشيخ، والديلمي من حديث أبي هريرة: بينما رجل مستلق ينظر إلى السماء وإلى النجوم، فقال: والله إني لا أعلم أن لك خالقا وربا، اللهم اغفر لي، فنظر إليه فغفر له.

وروى ابن أبي حاتم وابن [ ص: 166 ] المنذر، وابن مردويه، والطبراني عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود، فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قال: عصاه ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا، فدعا ربه فنزلت: إن في خلق السماوات والأرض الآية.

فليتفكروا فيها، وروى الديلمي من حديث أنس: أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة التفكر، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة، وقال ابن عطاء الله: الفكرة سراج القلب، فإذا ذهبت فلا إضاءة له، وقال بعض الحكماء: املأ عينك من زينة هذه الكواكب وأجلهما في جملة هذه العجائب متفكرا في قدرة مقدرها متدبرا حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر ويحال بينك وبين النظر، ويروى في بعض الأخبار: أنه كان الرجل من بني إسرائيل إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته سحابة ففعله رجل فلم تظله فشكا لأمه فقالت: لعلك أذنبت، فقال: لا، قالت: فهل نظرت إلى السماء فرددت طرفك غير مفكر فيها؟ قال: نعم، قالت: من ههنا أتيت (فهذه أقاويل العلماء في الفكرة) ، وفضلها (وما شرع أحد منهم في ذكر حقيقتها وبيان مجاريها) ثم اعلم أن التفكر له مقدمات ولواحق، فمن مقدماته السماع والتيقظ والتذكر، ومن لواحقه العلم لأن من سمع تيقظ ومن تيقظ تذكر ومن تذكر تفكر، ومن تفكر علم، ومن علم عمل، إن كان علما يراد للعمل، وإن كان علما يراد لذاته سعد، والسعادة غاية المطلب، أما السماع والعلم فقد تقدم ذكر كل منهما في كتاب مستقل، واحتاج الأمر إلى بيان اليقظة والتذكر، وحقيقة اليقظة الانتباه من النوم وهي في هذا الباب انتباه القلب للغير لا غير، قال الإمام أبو إسماعيل الهروي هي القومة لله تعالى من سنة الغفلة، والنهوض عن ورطة الفترة، قال الكمال الصوفي: والقومة والنهوض هما غرة الانتباه، والنهوض هو قيام بسرعة، فعلى هذا تكون القومة لله واجبة على الفور في الأوامر والنواهي الفورية، وهي متعلقة بكل مقام، لأن العبد مأمور بالترقي من حضيض إلى ارتفاع ومن ارتفاع إلى أفق، وهكذا فصاعدا، فكلما كان القلب في حالة وتنبه من نفسه أو من غيره بحالة تسمو على حالته الأولى استحب له الارتقاء إليها ليكون له حالا، وما كان قبلها مقاما، وهكذا إلى ما لا يتناهى، وتشرف اليقظة بشرف العلم المستيقظ به، وكل ما جاء في كتاب الله عز وجل من ذكر المسارعة إلى المغفرة والمسارعة إلى الخيرات فهو دليل على فضلها .

(فصل)

في التذكر، اعلم أن القلب إذا انتبه من غفلته وتيقظ من رقدته تذكر ما كان نسيه، وانظر إلى قوله تعالى: وما يتذكر إلا من ينيب فجعل الإنابة شرطا للانتفاع بالتذكر، وقال تعالى: إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فجعل للتذكر ثلاثة أسباب: إلقاء السمع وحضور القلب وشهوده للفهم، فعلى هذا يكون حقيقة التذكر استدعاء ما كان موجودا عنده ثم نسيه، وتكراره على القلب حتى يثبت ويرسخ، وسبب ذلك أن العلوم كلها مركوزة في النفوس بالفطرة وهي كامنة فيها ككمون النار في الحجر والنخلة في النواة، وذلك أنها قابلة لإدراك العلوم كلها، فالمعلم لا يحدث لها شيئا من خارج، وإنما يخرج بالتعليم ما هو كامن فيها، وإنما طرأ عليه النسيان بسبب اغترابها في عالم الشهادة عالم الخيال والظلمة، فمتى سكت عنها حركة الخيال وظلمة الشهوات تجلى لها عالمها الذي هو من أمر الله تعالى المنزه عن الخيالات والأوهام وعن الجهات والمقدار، فحينئذ تذكر ما أودعه عندها سيدها ومالكها وهاديها من الاعتراف بوجوده ووحدانيته وكل صفة تليق بعظمته وكبريائه، فمن حرم مثل هذا الاستبصار فقد خاب من الرحمة بطريق النظر والاعتبار، فإنه تعالى أمرنا على لسان أنبيائه عليهم السلام بالتذكار، ثم لم يكلنا إلى أنفسنا حتى نبهنا فقال سبحانه: هو الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، والتذكر يتعلق بالعقد والقول والفعل والترك، وهو واجب فيما يجب من ذلك، ويحرم تذكر المعاصي إن أدى إلى استجلابها بل يجب التغافل عنها ويكره تذكر ما يستقبل من الأحوال لأنه يفوت زمنا صالحا من العمر بموهوم لا يدري أيحصل أم لا، ولا يفعل ذلك إلا غافل جاهل لا يعرف قدر عمره، وما دام المريد مفتقرا إلى التفكر فلا بد من التذكر لأن [ ص: 167 ] التفكر هو استمرار الأنوار من الأذكار، ويشرف التذكر بشرف متعلقه، وعلامة صحة التذكر موافقة الشرع في جميع مراتبه، فمتى وقع له غير ذلك فليعلم خطأه .

(فصل)

وأما التفكر ففضله عظيم وقد مر في سياق المصنف ما يدل عليه وصاحبه على بصيرة من أمره، وما يستوي الأعمى والبصير، وهو مخصوص بنوع الإنسان لأنه مركب من ظرف عقلي وظرف حسي، والذات المركبة المدركة لا تدرك الأشياء إلا بنوع تركيب، ولا يعرف التفاضل إلا بالإضافة كإضافة الدرهم إلى الدينار، وكإضافة الدنيا إلى الآخرة، فيظهر شرف الشريف بالنظر إلى خسة الخسيس، فانظر إلى حالك في النوم كيف يريك الملك الموكل بالرؤيا أرواح المعاني في قوالب الخيال لضرورة مادة يقظتك وتركيبها، ومن له فهم قنع من هذا العلم بالتلويح، وبهذا السبب تعرف حقيقة التفكر، فإنما مهدنا سببه ليسهل مدركه، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية