إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم انظر كيف خلق عظام الرأس وكيف جمعها وركبها وقد ركبها من خمسة وخمسين عظما مختلفة الأشكال والصور ، فألف بعضها إلى بعض بحيث استوى به كرة الرأس كما تراه ، فمنها ستة تخص القحف وأربعة عشر للحي الأعلى واثنان للحي الأسفل والبقية هي الأسنان بعضها عريضة تصلح للطحن وبعضها حادة تصلح للقطع وهي الأنياب والأضراس والثنايا .


(ثم انظر كيف خلق عظام الرأس وكيف جمعها وركبها وقد ركبها من خمسة وخمسين عظما مختلفة الأشكال والصور، فألف بعضها إلى بعض بحيث استوى به كرة الرأس كما تراه، فمنها ستة تخص القحف) ، وهي عظما اليافوخ وعظم مؤخر الرأس وعظم الجبهة والعظمان اللذان عن جنبيه، وفيه الأذنان فهذه هي الستة وهي عند أهل التشريح سبعة، والسابع هو المشترك الشبيه بالوتد، وهو قاعدة الدماغ وحمال الرأس ولا بد من ذكره، وقد أسقطه المصنف وبه يتم العدد الذي ذكره، كما يظهر ذلك بالتأمل، فاليافوخان مربعان رخوان وسبب رخاوتهما أن يكونا خفيفين لئلا يثقلا على الدماغ; ولأن الروح النفساني إنما ينضج أولا بالبطنين المقدمين من الدماغ، ثم يتصفى ويصير إلى البطن المؤخر، وكانت الفضول هناك أكثر، فاحتيج إلى أن يتحلل منه البخار، فلذا خلقا رخوين وعظما الجنبين مثلثان، وكل ثلاثة أجزاء أحدها: يسمى الحجري لأنه صلب كالحجر وفيه ثقب السمع. الثاني: صلب جدا وفيه زائدة شبيهة بحلتي الثدي يمنع اللحي الأسفل من أن يخرج عن موضعه لسلاسة مفصله .

الثالث: موضع الصدغ وهو الصلب أيضا وعظم الجبهة نصف دائرة وعظم مؤخر الرأس والوتد كثير الأضلاع والكل صلاب للاستغناء عن منفعة الاسترخاء المذكور ولمقاومة ما ينال الرأس من مصاكة الأجسام التي يضرب بها الرأس أو يقع هو عليها، وقلما يقع الإنسان على يافوخه بل على قفاه وجنبيه ووجهه غالبا، وعظم [ ص: 188 ] المؤخر أصلب الجميع لعدم حارس له كالعينين ودافع كاليدين والحاجة في شدة صلابة القاعدة أوضح من أن يوضح وهو موضوع تحت القحف من ناحية خلف، فيما بينه وبين اللحي الأعلى، وقد ملئ به الخلل الحادث هناك، وهذه العظام يتصل بعضها ببعض بدروز خاصة وعامة يسمى الشوان فالخاصة خمسة أحدها في مقدم الرأس في موضع يوضع فيه الإكليل مشترك مع الجبهة قوسي هكذا ويسمى الإكليلي، الثاني وسط الرأس قد ذهب في طوله ونصفه مستقيم يقال له وحده سهمي، وإذا اعتبر من جهة اتصاله بالإكليلي قيل له سفودي وشكله قوس يقوم في وسطه خط مستقيم كالعمود وهو هكذا الثالث في مؤخر الرأس مشترك بين الرأس من خلف وبين قاعدته وهو على شكل زاوية متصل بنقطة في طرف السهمي، ويسمى الدرز اللامي لأنه يشبه اللام في كتابة اليونانيين وهو هكذا وإذا انضم إلى الدرزين المقدمين صار شكله هكذا ، وهذه الدروز الثلاثة دروز حقيقية، الرابع والخامس الدرزان الكاذبان وهما ممتدان في طول الرأس فوق الأذنين على موازاة السهمي من الجانبين، وليسا بغائصين في العظم تمام الغوص، ولهذا يسميان القشرتين، وإذا اتصلا بالثلاثة الأولى الحقيقية صار شكلها هكذا ، وأما العامة وهي المشتركة بين الرأس وغيره فاثنان أحدهما الذي يصل بين الرأس وبين اللحي الأعلى وهو الذي يبتدأ من الموضع الغائر من الصدغ من طرف الدرز الإكليلي ويصير إلى موضع العينين، فيمير فيه، وفي الوسط بين الحاجبين حتى ينتهي إلى الطرف الآخر من الدرز الإكليلي فيلتزق به، الثاني: الوصل بينه وبين القاعدة فيصل بين طرفي اللامي عندما ينحدران إلى موضع القاعدة، ثم يصعد من الجانبين فيتصل بطرفي الإكليلي، واعلم أن ما ذكرناه من الخمسة فهي للرأس الذي شكله طبيعي أي مستدير له نتو في مقدمه ونتو في مؤخره، وأما الذي ليس كذلك فهو ثلاثة أحدها الذي لا نتو له في مقدمه ولا يوجد فيه الإكليلي، الثاني ما لا نتو له في مؤخره فلا يوجد فيه اللامي، الثالث ما لا نتو له في مقدمه ولا في مؤخره، فلا يوجد فيه الإكليلي واللامي. ويوجد فيه درزان متقطاعان على زوايا قائمة ويصير الرأس كالكرة متساوي الطول والعرض، ولكل هذه العظام حدود تفرزه من غيره، أما اليافوخان، فحد كل من خلف أحد ضلعي اللامي ومن قدام الإكليلي ومن الأسفل أحد القشرتين، ومن الأعلى السهمي وأما الجانبان فحد كل منهما من الأعلى أحد القشرتين ومن الخلف طرف اللامي، ومن القدام آخر الدرز العام الذي من طرف اللامي إلى طرف الإكليلي، وعظم المؤخر حده من الأعلى اللامي ومن الأسفل الجزء الوسط من العام الذي بين الرأس والوتد الذي من طرف اللامي الإكليلي، وعظم المؤخر حده من الأعلى اللامي ومن الأسفل الجزء الوسط من العام الذي بين الرأس والوتد وهو الواصل بين طرفي اللامي، وعظم الجهة حده فوق الإكليلي ومن أسفل العام الواصل بين الرأس واللحي الأعلى، واعلم أن القحف جثة الدماغ وجعل شكله مستديرا لئلا تسرع إليه الآفات، ولأن الشكل المستدير لا ينفعل عن المصادمات ما ينفعل عنه ذو الزوايا وليسع من جوهر ما يحتوي عليه مقدارا كثيرا لأن الشكل المستدير أعظم مساحة مما يحيط به غيره من الأشكال المستقيمة الخطوط، إذا تساوت إحاطتها وخلق إلى طول مع استدارته مضغوطا من الجانبين ناتئا من قدام وخلف لأن الدماغ كذلك بسبب الشعب التي يأتي منه إلى المنخرين والعينين وبسبب أبخرة المؤخر الذي هو منشأ النخاع، وفائدة دروزها اندفاع البخارات من منافذها، وفائدة كثرة عظامها أن الآفة إذا لحقت جزأ لم يقدح في البواقي وليكون في الشرايين والأوردة الداخلة إلى الدماغ والخارجة منها مسالك، وأعظم تلك المسالك هو مخرج النخاع وهو الذي من أسفل عند فقرة القفا، فهذا ما يتعلق بعظام القحف، ولم يذكر المصنف عظام الصدغين وهي أربعة لكل اثنان يسميان الزوج أحدهما ملتحم بالعظم الجبيني من عظام الرأس والآخر متصل بطرف الحاجب الذي هو عند الموق الأصغر من العين، وكلاهما قرنا بدرز مورب يفرق بينهما، ومنفعتهما حفظ عضل الصدغ عما يصاكه من خارج (وأربعة عشر للحي الأعلى) ستة في العينين [ ص: 189 ] لكل ثلاثة واثنان للوجنتين وهما كبيران منهما أكثر الأسنان سوى الثنايا والرباعيات العليا واثنان صغيران وفيهما ثقبان من المنخرين إلى الفم، واثنان في طرفي اللحي وفيهما بقية الأسنان واثنان في الأنف، وأما دروز اللحي الأعلى فالمشتركة قد ذكرت، والخاصة أربعة أحدها يبتدئ من تحت زوج شعب الثاني والثالث يبتدئان من وسط الحاجبين ويمران إلى جانب المنخرين. حتى ينتهيا إلى الموضع بين الرباعيات والأنياب، الرابع يقطع أعلى الحنك بالطول وكل واحد من هذه العظام يحده من جوانبه دروز من المشتركة والخاصة، وفائدة كثرتها أن الآفة إذا نالت أحدها لم يؤثر في الباقي (واثنان للحي الأسفل) طرف كل منهما من الأسفل في موضع الذقن يلتحم بصاحبه، والآخر من فوق له شعبتان إحداهما حادة دقيقة الرأس وهي تحت الزوج ويأتيها وتر عضلة الصدغ القائم بإطباق الفم، والثانية غليظة وهي من خلف داخلة في نقرة تحت الزيادة الشبيهة بحلمتي الثدي دخولا لا يلتئم به منها، ومن تلك النقرة مفصل (والبقية هي الأسنان) ، وهي اثنان وثلاثون في كل لحي ستة عشر (بعضها عريضة) خشنة الرؤوس (تصلح للطحن) ، وهي خمسة في كل من الجانبين وتسمى الأضراس والطواحين (وبعضها) عراض حادة الرؤوس (تصلح للقطع وهي الأنياب والأضراس والثنايا) منها أربعة من قدام وهي الثنيتان والرباعيات، ويقال لها القطاعة إذ يقطعه بها ما يؤكل من الطعام اللين واثنتان عن جانبي الأربع، ويقال لهما: النابان، وهما حادتا الرؤوس عريضتا الأصول يكسر بهما ما صلب من الطعام ولكل من هذه الست أصل واحد ولكل منها إذا كان من فوق ثلاثة أصول، وقد يكون لأقصاها أربعة، وإن كان من أسفل أصلان، وقد يكون لأقصاها ثلاثة أصول، وإنما جعلت أصول الاضطراب أكثر لشدة عملها ودوامه وإنما جعلت أصول الفوقانية منها أكثر من أصول التحتانية لتعلقها، ومن عجيب الحكمة في هيئة الأسنان أن الثنايا والرباعيات يتماس ويتلاقى في حالة العض، ولو لم يكن كذلك لم يتم العض على الأشياء، وذلك يكون بجذب الفك إلى قدام حتى يلاقي بعضها بعضا، وعند المضغ والطحن يرجع الفك إلى مكانه فيدخل الثنايا والرباعيات السفلانيات إلى داخل، ويحيد عن موازاة العالية فيتم بذلك الأضراس وقوع بعضها إلى بعض، وذلك لأنه لا يمكن تلاقي الثنايا والرباعيات التي في اللحي الأعلى في اللحي الأسفل أن يتلاقى الأضراس، وربما عدمت النواجز منها في بعض الناس وهي أربعة الطرفانية فيكون أسنانه ثمانية وعشرين النواجز تنبت في الأكثر في وسط زماني النمو وهو بعد البلوغ إلى الوقوف، وذلك الوقوف قريب من ثلاثين سنة، ولذلك تسمى أسنان الختم. (تنبيه)

اختلف الأطباء في المادة التي تخلق منها الأسنان فقال بعضهم هي عظام لأنها صلبة يابسة قابلة للكسر غير مدركة لألم السحق والنحت وإليه يميل سياق المصنف، وقال بعضهم هي أعصاب لأنها تدرك الحرارة والبرودة وألم الضربان والوجع والحكة، ويحصل لها الضرس من الحموضات وذلك خدرها، والخدر مخصوص بالعصب، قال المتأخرون: والحق هو الأول وهي عظام قد غلب عليها البرد واليبس وقد اتصل بها شعب من العصب الدماغي، وقد أنبتت في أصولها وهي الموجبة لإدراكها الوجع والضربان والحرارة والبرودة وغيرها، وقد اختلفوا أيضا هل أصلها من مني الأب والأم أو هي من الغذاء، واستدل القائلون بالأول بأنها لو كانت من الغذاء لنبتت، كلما انكسرت وسقطت وليس كذلك، واستدل القائلون بالثاني بأنها لو كانت من المني لم يوجد الجنين إلا بها ولم تنبت هي إذا سقطت كما في الأطفال، وليس كذلك، والحق أنها من مادة المني، لكن تلك المادة كامنة في عظام الفكين، والعلة الغائبة في ذلك أن الطفل لا يحتاج إلى الأسنان في أول الأمر لأن غذاءه من اللبن وفكاه صغيران وعظامهما ضعيفة، يكون ما ينبت منها مناسبا لها في الضعف والصغر فلم تف بما يحتاج إليه من المضغ والكسر وغير ذلك إلى آخر العمر، فالعناية الأزلية اقتضت تأخير خروجها ونباتها إلى حين الحاجة والاستعداد التام للوفاء بما هو المطلوب منها من الشكل [ ص: 190 ] والعظم والقوة والصلابة وغيرها، وأما سقوط أسنان الأطفال ونباتها مرة ثانية فالحكمة فيه أن الطفل إذا صار محتاجا إلى الاغتذاء بغير اللبن اقتضت العناية نبات أسنانه لكنها تكون ضعيفة صغيرة مناسبة لعظام الفكين، ولذلك لا يفي بما هو المراد إلى آخر فقدر الباري تعالى أن يسقط ويدخر الطبيعة شيئا من المادة لإنباتها مرة ثانية بحيث يفي بالمراد إلى حلول الأجل الطبيعي، ولسقوطها سبب آخر وهو نمو الإنسان وكبر أعضائه فيتسع بالضرورة مكان الأسنان فيتحرك ويتزلزل ويسقط ما يقال من أن بعض الشيوخ تسقط أسنانه وتنبت مرة ثالثة فغير مستبعد إذ قد تكون المادة التي تخلق الأسنان منها أوفر مما هو الأغلب والأكثر المعتاد في الأشخاص وذلك نادر، فيفي بنباتها مرة ثالثة، ومادة السن الزائدة هي أيضا من هذا القبيل أعني من توفر المادة كمادة الإصبع الزائدة، وقد تنبت لبعض الناس بعد البلوغ أسنان صغار ومادتها ما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية