إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم جعل الرقبة مركبا للرأس وركبها من سبع خرزات مجوفات مستديرات فيها تحريفات .

وزيادات ونقصانات لينطبق بعضها على بعض ويطول ذكر وجه الحكمة فيها .

ثم ركب الرقبة على الظهر وركب الظهر من أسفل الرقبة إلى منتهى عظم العجز من أربع وعشرين خرزة، وركب عظم العجز من ثلاثة أجزاء مختلفة فيتصل به من أسفله عظم العصعص، وهو أيضا مؤلف من ثلاثة أجزاء:

ثم وصل عظام الظهر بعظام الصدر وعظام الكتف وعظام اليدين وعظام العانة وعظام العجز وعظام الفخذين والساقين وأصابع الرجلين فلا نطول بذكر عدد ذلك ومجموع عدد العظام في بدن الإنسان مائتا عظم وثمانية وأربعون عظما سوى العظام الصغيرة التي حشي بها خلل المفاصل فانظر كيف خلق جميع ذلك من نطفة سخيفة رقيقة .

وليس المقصود من ذكر أعداد العظام أن يعرف عددها فإن هذا علم قريب يعرفه الأطباء والمشرحون، إنما الغرض أن ينظر منها في مدبرها وخالقها أنه كيف قدرها ودبرها وخالف بين أشكالها وأقدارها وخصصها بهذا العدد المخصوص؛ لأنه لو زاد عليها واحدا لكان وبالا على الإنسان يحتاج إلى قلعه ولو نقص منها واحدا لكان نقصانا يحتاج إلى جبره، فالطبيب ينظر فيها ليعرف وجه العلاج في جبرها وأهل البصائر ينظرون فيها ليستدلوا بها على جلالة خالقها ومصورها فشتان بين النظرين .

ثم انظر كيف خلق الله تعالى آلات لتحريك العظام وهو العضلات فخلق في بدن الإنسان خمسمائة عضلة وتسعا وعشرين عضلة والعضلة مركبة من لحم وعصب ورباط وأغشية وهي مختلفة المقادير والأشكال بحسب اختلاف مواضعها وقدر حاجاتها، فأربع وعشرون عضلة منها هي لتحريك حدقة العين وأجفانها لو نقصت واحدة من جملتها اختل أمر العين وهكذا لكل عضو عضلات بعدد مخصوص وقدر مخصوص .


(ثم جعل الرقبة مركبا للرأس وركبها من سبع خرزات مجوفات مستديرات فيها تحريفات وزيادات ونقصانات لينطبق بعضها على بعض ويطول ذكر وجه الحكمة فيها) اعلم أن عظم الصلب ينقسم إلى أربعة أجزاء أحدها الرقبة وهي مركبة من سبع فقرات والفقرة عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع، ويقال لها أيضا الخرزة الثاني: الظهر، الثالث: القطن والحقو، الرابع: العجز، وسيأتي بيان كل ذلك، ومن الفقرات ما تسمى بالزوائد، وهي ثلاثة أجناس: أحدها: يسمى بالشوك والسناسن، الثاني: الزوائد المعترضة، فما منها من فقار الرقبة مثقوب وهي في الأولين بسيطة، وفي الخمس الباقية مشقوقة باثنين وما منها في البواقي غير مثقوب، الثلاث الزوائد التي بها تلتئم مفاصل الفقار وهي في كل أربع ثنتان شاخصتان إلى فوق وثنتان إلى أسفل وفي خرز الرقبة وخرز القطن زائدتان للوقاية وقوله: فيها تحريفات وزيادات ونقصانات يشير به أن في كل من الفقرات الستة السفلية من الرقبة نصف ثقبة هي نصف دائرة تامة وتلتئم من اثنين دائرة تامة أيضا، والفقرة الأولى يخرج العصب من ثقب فيها خاصة لمكان المفاصل التي من جانبيها .

(ثم ركب الرقبة على الظهر وركب الظهر من أسفل الرقبة إلى منتهى عظم العجز من أربع وعشرين خرزة) اثنتا عشرة منها تسمى فقرات الصدر أيضا لأن حد الصدر الأسفل ينتهي عند قبالتها، وسائر الفقرات يتصل كل منها بصاحبتها من قدام برباطات ومن خلف بزوائد يدخل من كل في الأخرى ومنها خمس للقطن والحقو (وركب عظم العجز) ، وهو عظم عريض يعرف بالعظم الأعظم (من ثلاثة أجزاء مختلفة) ، وعند المشرحين مركب من جزأين أحدهما يسمى العجز باسم الجميع، وهو مركب من ثلاثة عظام شبيهة بالفقرات (فيتصل به من أسفله عظم العصعص) ، وهو الجزء الثاني من العجز (وهو أيضا مؤلف من ثلاثة أجزاء) غضروفية وتختلف هذه الخرز في الاتصال والمقدار والثخن والزوائد والثقب، ولعظم العجز زوائد شوكية وشاخصة إلى الفوق وأسفل وأما التي في الجانبين فهي عراض .

واعلم أن منافع عظم الصلب خمس: إحداها: أنه أساس الأعضاء، الثانية: مرورا بالنخاع في تجويفه والحاجة إلى النخاع ضرورية إذ لا بد للأعضاء من عصب الحس والحركة، ولو كان العصب كله يأتيها من نفس الدماغ لانقطع إذا بعدت المسافة على أنه لم يمكن أن ينسب من الدماغ عصب صلب يصلح لتحريك اليدين والرجلين للين جوهره، الثالثة: كونه جنة للنخاع واقية، الرابعة: القدرة على الانحناء والانبساط; ولذا جعل مركبا من الفقرات الكثيرة إذ لو كان واحدا لتعذر ذلك، الخامسة: أن يستر الأعضاء الموضوعة عليها ويدفع عنها .

(ثم وصل عظام الظهر بعظام الصدر) ، وهي سبعة يتصل بعضها ببعض وابتداؤها من حيث نقرة الحلق وانتهاؤها من أسفل الثدي بقليل حيث أضيق موضع من المواضع التي يحس من البطن .

(وعظام الكتف) ، وهي أربعة لكل اثنان، أحدهما له تقعير من باطنه لتحدب الأضلاع وتجويف من ظاهره ونتوء من خلفه، يقال: ظاهر الكتف وعين الكتف وله عنق في طرفه نقرة يدخل منها رأس العضد وفيه زائدتان إحداهما من خلف في الطرف الأعلى من العين شبيهة بمنقار الغراب وتسمى الأخرم، وبه يرتبط الكتف بالترقوة، وهي تمنع رأس العضد أن ينخلع، والثانية عظم [ ص: 191 ] غضروفي إلى فوق من داخل يمنع رأس العضد أن ينخلع (وعظام اليدين) ، وهي ستة عشر، لكل ثمانية،وهي عظام صلبة صلدة عديمة إلخ . سبعة منها نضدت صفين، فالصف الأعلى من ثلاثة، والأسفل من أربعة، وذلك لأن أعلى الرسغ موصول بعضو ضيق الطرف ليس بين عظميه في هذا الجانب فرجة أعني: الساعد، وأسفله متصل بعضو عريض أعني: مشط الكف، وأما الثامن فإنما خلق لحفظ عصبة هناك تأتي الكف لا للرسغ خاصة (وعظام العانة وعظام العجز) .

اعلم أن عظم العانة واحد، وهو جزء من أربعة أجزاء من عظمي الوركين، وبيانه أن عظمي الوركين متصلان بعظم العجز من جانبيه عن يمينه وعن شماله، ولكل أربعة أجزاء، فيقال للذي بجنبه منها: عظم الخاصرة، وللذي من قدامه عظم العانة، وللذي من خلفه عظم الورك، وللجزء الباطن المجوف حق الفخذ، وأما عظام العجز فقد تقدم الكلام عليها (ثم عظام الفخذين) ، وهما عظمان من أعظم عظام البدن لأنهما يحلان ما فوقهما ويقومان بتحريك عضو عظيم أعني جملة الرجل، والطرف الأعلى من كل منقول إلى الجانب الوحشي ليكون للعضل والعصب والعروق موضع، والأسفل إلى الإنسي ليتمكن البدن منه بوثاقة وحزر، ولكل رأسان الأعلى مدور داخل في حق الفخذ، ويسمى رمانة الفخذ، والأسفل ذو شعبتين يدخلان في نقرتين في رأس عظم الساق .

(والساقين) وهي ستة لكل ثلاثة: أحدها القصبة العظمى، ويقال له عظم الساق، والقصبة الإنسية لوضعه في الجانب الإنسي، والثاني الصغرى والوحشية وهي أقصر من تلك، ولذا لا تبلغ مفصل الركبة، وإنما تبلغه العظمى فيدخل رأسان من عظم الفخذين في حفرتين فيها وطرفا هذين يلتقيان عند الكعب فيحدث فيما بينهما المفصل الثالث من مفاصل الرجل .

الثالث: عين الركبة وهو عظم مطبق على مفصل الركبة مستدير فيه غضروفية ويسمى الرحى .

(وأصابع الرجلين) ، وهي مؤلفة من أربعة عشر عظما؛ لأن الإبهام فيها مؤلف من كعبين والبواقي من ثلاث، فهذه جملة عظام البدن ولم يذكر عظمي العضدين ولا عظام الساعدين، وهي أربعة لكل اثنان هما الزندان ولا عظام شطر الكفين، وهي ثمانية لكل أربعة ولا عظام أصابع اليدين، وهي ثلاثون لكل خمسة عشر، ولا عظام القدمين، وهي اثنان وخمسون لكل ستة وعشرون، وقيل أربعة وخمسون لكل سبعة وعشرون (فلا نطيل بذكر عدد ذلك .

ومجموع عدد العظام في بدن الإنسان مائتا عظم، وثمانية وأربعون عظما سوى) السمسمانيات، وهي (العظام الصغيرة التي حشي بها خلل المفاصل) من السلاميات، وهي عظام الأصابع لزيادة الاستيثاق منها سميت بذلك لتشابهها السمسم وسوى العظم الشبيه باللام اليوناني، وسوى العظم الذي في القلب فإنهما عند بعض الناس من جنس الغضروف، والاختلاف في عدد جملة عظام القدمين بل البدن كثير وتفصيله مودع في كتب التشريح (فانظر كيف خلق جميع ذلك من نطفة) قذرة (سخيفة رقيقة وليس المقصود من ذكر أعداد العظام أن يعرف عددها) فقط (فإن هذا علم قريب) سهل التناول (يعرفه الأطباء والمشرحون) أي: أرباب التشريح (وإنما الغرض) المطلوب من ذلك (أن ينظر منها في مدبرها وخالقها أنه كيف قدرها ودبرها وخالف بين أشكالها وأقدارها وخصصها بهذا العدد المخصوص؛ لأنه لو زاد عليها واحدا لكان وبالا على الإنسان يحتاج إلى قلعه) وإزالته (ولو نقص منها واحدا لكان نقصانا يحتاج إلى جبره، فالطبيب ينظر فيها ليعرف وجه العلاج في جبرها، وأهل البصائر ينظرون فيها ليستدلوا بها على جلالة خالقها ومصورها فشتان بين النظرين) نظر البصر، ونظر البصيرة (ثم انظر كيف خلق الله تعالى آلات لتحريك العظام، وهي العضلات فخلق في بدن الإنسان خمسمائة عضلة وتسعا وعشرين عضلة) أو سبعا وعشرين، وهذا على قول جالينوس (والعضلة مركبة من لحم وعصب وربط وأغشية) ، فاللحم، هو حشو خلل الأعضاء وقوتها التي يتدعم بها، ويندرج في هذا الحد أنواع اللحم أحدها اللحم الذي في العضل، هو أكثر ما في البدن، والثاني اللحم المنفرد، وهو لحم الفخذين، ولحم ظاهر الصلب وباطنه، ولحم الأسنان، والثالث اللحم العددي كلحم الأنثيين ولحم الثدي، وغير ذلك، والرابع [ ص: 192 ] السمين، وهو ما يعلو على اللحم الأحمر، والخامس الشحم، وهو جسم أبيض لين. وأما العصب فهو عضو أبيض لدن في الانعطاف، صلب في الانفصال، وأما الرباط فهو عضو عصباني المرأى والملمس من جهة البياض واللدونة. وأما الأغشية فهي أعضاء عصبانية، عريضة، شديدة، صلبة القوام .

(وهي مختلفة المقادير والأشكال بحسب اختلاف مواضعها، وقدر حاجاتها ) ومنفعتها أن الإنسان إذا أراد أن يقرب عضوا من آخر حرك العضل فتشنجت وزاد في عرضها، ونقص من طولها، وإذا أراد التبعيد حركها فاسترخت، وزاد في طولها، ونقص من عرضها، فحصل المقصود. والعضل الذي يحرك عضوا كبيرا يكون كبيرا، كالعضل الذي في الفخد المحرك، وينبت منه إما وتر، وإما أوتار، متصل بالعضو الذي يحركه، وربما تعاونت عدة عضلات على تحريك عضو واحد، والذي يحرك عضوا صغيرا يكون صغيرا، كالعضلات المحركة للأجفان العليا، فإنها صغار جدا، وليس لها أوتار. وكل عضو يتحرك حركة إرادية فإنه له عضلة بها تكون حركته، فإن كان يتحرك إلى جهات متضادة كانت له عضلات متضادة الوضع، يجذبه كل منها إلى ناحيتها عند كون تلك الحركة، ويمسك المضادة لها عن فعلها، وإن عملت المضادتان في الوضع في وقت واحد انشق العضو أو تمدد مستقيما لا يتحرك; مثال ذلك أن الكف إذا مدها العضل الموضوع في باطن الساعد انثنى، وإن مده العضل الموضوع في ظهره انحنى وانقلب إلى خلف، وإن مداها جميعا استوى وقام بينهما .

وجملة ما للبدن من الحركات الإرادية حركة جلدة الجبهة، وحركة العينين والخدين وطرفي الأنفين، والشفتين واللسان، وحركة الحنجرة والفك، وحركة الرأس والعنق، وحركة الكتف، وحركة مفصل العضد مع الكتف، وحركة مفصل العضد مع الساعد، وحركة مفصل الساعد مع الرسغ، وحركة جملة الأصابع وكل واحد من مفاصلها، وحركة الأعضاء التي في الحلق، وحركة الصدر للتنفس، وحركة القضيب، وحركة المثانة في منعها خروج البول، وحركة المعى المستقيم في منعها خروج التفل، وحركة مراق البطن، وحركة مفصل الورك والفخذ، وحركة مفصل الفخذ والساق، وحركة مفصل الساق والقدم .

(فأربع وعشرون عضلة منها هي لتحريك حدقة العين وأجفانها، لو نقصت واحدة من جملتها اختل أمر العين ) ثلاث منها لتحريك الجفن، رأسها معلق في العظم الحاوي للعين، ووترها يمرق في وسط طي الغشاء الذي يكون منه الجفن، ويتصل بوسط حافة الجفن، وهو يفتحه، واثنتان موضوعتان في موق العين، مدفونتان في حفرتها، ووتراهما يأتيان حافة الجفن ويتصلان به من جانبه، وهما يغمضان العين بإطباقهما الجفن، وذلك إذا فعل كل منهما فعلها فإن نال إحداهما آفة انطبق بعض الجفن، ويبقى باقيه مفتوحا. وواحدة وقيل: ثنتان وقيل: ثلاثة يدعم العصبة المجوفة التي يكون بها البصر ويثبتها حتى لا تنالها بسبب لينها عند التحديق الشديد أن ينقطع. وست عضلات تحرك العين: أربع إلى الاستقامة، إحداها تميلها إلى فوق، الثانية تحفظها إلى أسفل، الثالثة تحركها يمنة، الرابعة تحركها يسرة، وثنتان على الاستدارة. فهذه عشرة أو إحدى عشرة أو اثنتا عشرة لعين وللأخرى كذلك .

(وهكذا لكل عضو عضلات بعدد مخصوص، وقدر مخصوص ) منها تسع للوجه، ثنتان من جانبي الخدين يحركان الخدود من اللحى، ويفرقان بين الشفتين، وهما عريضتان، وثنتان تجذبان الشفة السفلى إلى أسفل، وثنتان تبسطان طرف الأنف، وواحدة تحت جلدة الجبهة، ومنها اثنتا عشرة لتحريك الفك الأسفل، ومنها ثلاث وعشرون لتحريك الرأس والعنق، ومنها اثنتان وثلاثون لحركة الحلق والحنجرة، ومنها تسع لتحريك اللسان، ومنها أربع عشرة للكتفين، ومنها ست وعشرون للعضدين، ومنها ثمان لمفصل المرفقين، ومنها أربع وثلاثون في الساعدين، ومنها ست وثلاثون في الكتفين، ومنها مائة وسبع لحركة الصدر، ومنها ثمان وأربعون لتحريك الصلب، ومنها ثمان موضوعة على البطن، ومنها أربع للأنثيين، ومنها واحدة لعنق المثانة، ومنها أربع تحرك الذكر، ومنها أربع تحيط بالدبر، ومنها ست وعشرون أو أربع وعشرون أو ثنتان وعشرون لمفصل الورك، ومنها ثمان عشرة أو عشرون لمفصل الركبتين وحركة الساق، ومنها ثمان وعشرون لحركة القدم، ومنها ثمان وخمسون أو ثنتان [ ص: 193 ] وخمسون موضوعة في القدم لبقية حركات الأصابع .

التالي السابق


الخدمات العلمية