إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا من ذكر هاذم اللذات ومعناه نغصوا بذكره اللذات حتى ينقطع ركونهم إليها فتقبلوا على الله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم : لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سمينا وقالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد ؟ قال : نعم ، من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة وإنما سبب هذه الفضيلة كلها أن ذكر الموت يوجب التجافي عن دار الغرور ويتقاضى الاستعداد للآخرة والغفلة عن الموت تدعو إلى الانهماك في شهوات الدنيا .

وقال صلى الله عليه وسلم : تحفة المؤمن الموت وإنما قال هذا لأن الدنيا سجن المؤمن إذ لا يزال فيها في عناء من مقاساة نفسه ، ورياضة شهواته ، ومدافعة شيطانه ، فالموت إطلاق له من هذا العذاب ، والإطلاق تحفة في حقه وقال صلى الله عليه وسلم : الموت كفارة لكل مسلم وأراد بهذا المسلم حقا المؤمن صدقا الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده ويتحقق فيه أخلاق المؤمنين ، ولم يتدنس من المعاصي إلا باللمم ، والصغائر ، فالموت يطهره منها ، ويكفرها ، بعد اجتنابه الكبائر وإقامته ، الفرائض قال عطاء الخراساني مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس قد استعلى فيه الضحك فقال : شوبوا مجلسكم بذكر مكدر اللذات ، قالوا : وما مكدر اللذات ؟ قال : الموت وقال أنس رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا وقال صلى الله عليه وسلم : كفى بالموت مفرقا وقال عليه السلام : كفى بالموت واعظا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا قوم يتحدثون ويضحكون ، فقال : " اذكروا الموت ، أما والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا وذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فأحسنوا الثناء عليه ، فقال : كيف ذكر صاحبكم للموت ؟ قالوا : ما كنا نكاد نسمعه يذكر الموت ، قال : فإن صاحبكم ليس هنالك وقال ابن عمر رضي الله عنهما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة ، فقال رجل من الأنصار : من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله ؟ فقال : أكثرهم ذكرا للموت ، وأشدهم استعدادا له ، أولئك هم الأكياس ، ذهبوا بشرف الدنيا ، وكرامة الآخرة .


* (فصل ) *

وأما فضيلة ذكر الموت فقد أورد المصنف في هذا الفصل ما يدل على فضيلة الموت، وما يدل على فضيلة ذكره، ونحن ننبه على كل منهما، فما يدل على فضيلة ذكره ما (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر هادم اللذات ) الموت. وهادم روي بالدال المهملة، وبالمعجمة، والهذم القطع، ومنه سيف هذام، واللذات هي الشهوات. فإن كان بالدال المهملة فالمعنى مزيلها من أصلها، وأنكره السهيلي في "الروض"، وقال: ليس مرادا ههنا، وتعقبه الحافظ ابن حجر وقال: في ذا النفي نظر، وسياق المصنف يشعر أنها بالذال المعجمة حيث قال (معناه نغصوا بذكره اللذات حتى ينقطع ركونكم ) أي ميلكم وسكونكم (إليها فتقبلوا على الله تعالى ) . وسياق الطيبي يشعر بأنها بالدال المهملة حيث قال: شبه اللذات الفانية، والشهوات العاجلة، ثم زوالها، ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة، ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهادم لئلا يستمر على الركون إليها، ويشتغل بما عليه من التزود إلى القرار. قال العراقي: رواه الترمذي وقال حسن، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة، وقد تقدم انتهى. قلت: لفظ الترمذي: أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت، ورواه كذلك هو وأحمد، والنسائي، وابن ماجه، من طريق محمد بن عمر، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة به مرفوعا، وصححه ابن حبان، والحاكم، وابن السكن، وابن طاهر، وأعله الدارقطني بالإرسال، وقد رواه كذلك العسكري في الأمثال، والبيهقي في الشعب، ورواه أبو نعيم في الحلية، من حديث عمر، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم أيضا، والبيهقي، والضياء، من حديث أنس. وقوله الموت بجره عطف بيان، وبرفعه خبر مبتدأ محذوف، وبنصبه بتقدير أعني، وقد جاء في بعض الروايات يعني الموت، فيتعين النصب، وقد روي هذا الحديث بزيادات يأتي ذكرها قريبا .

(وقال صلى الله عليه وسلم: لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ) منه وفي لفظ بنو آدم (ما أكلتم منها سمينا ) [ ص: 227 ] لأن تذكره ينغص النعمة، ويكدر صفو اللذة، وذلك مهزل ولا محالة. قال الشيخ الأكبر- قدس سره- : حقيقة الكشف اطلاع على ظاهر من علم باطن يستجليه إدراك باطن حس من الحواس، يحاذي به المطلع حذو مدركات ظاهر حسه، والخطاب في أمره، يختص بمن وقع له في مطالعته حظ كشأن الحواس الظاهرة، وبركة الكشف في الحس بمثابة بركة العلم في أمر العلم ينال به واحدة غيبا عن ظاهر العين والسمع وسائر الحواس، فكان من لا كشف له من الناس بمنزلة أعجم الحيوان الذي لا يتقدم بين يدي ظاهر أمر، مثل ما ذكره صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وكذلك من لا كشف له لما سمنت جبلته، وضخمت طبيعته، تشبث بدنياه قلبه، ولم يجد الزهد في متاع دنياه مساغا انتهى. قال العراقي رواه البيهقي في الشعب من حديث أم صبية الجهنية، وقد تقدم انتهى. قلت: هي بضم الصاد المهملة، وفتح الموحدة، وتشديد التحتية، مصغرا صحابية اسمها خولة بنت قيس على الأصح جدة خارجة بن الحارث، وزعم ابن منده أنها خولة بنت قيس بن فهد، والصواب الأول .

وقد رواه أيضا القضاعي في مسند الشهاب، وفيه عبد الله بن أسلم ضعفه الدارقطني، ورواه الحاكم، والبيهقي، والديلمي، بسند فيه ضعفاء، عن أبي سعيد الخدري، وذكروا فيه قصة أنه مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع، فقال: صيد قوم وربيطة قوم ثم أخذ عليها فحلها، فلم يكن إلا قليلا حتى رجعت، وقد نفضت ضرعها، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء أصحابها فاستوهبها منهم فوهبوها له يعني فأطلقها، ثم قال: لو تعلم... الحديث. ولفظ الديلمي: "لو علمت البهائم من الموت ما أكلتم منها لحما سمينا"، وعنده من حديث أنس بلا سند: "لو أن البهائم التي تأكلون لحومها علمت ما تريدون بها ما سمنت، وكيف تسمن أنت يا ابن آدم والموت أمامك".

(وقالت عائشة رضي الله عنها ) قلت: (يا رسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال: نعم، من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة ) . قلت: تقدم هذا للمصنف في آخر كتاب التوحيد والتوكل، أنه من حديث أنس، وعائشة، ولفظه: "قيل: يا رسول الله هل يكون مع الشهداء يوم القيامة غيرهم، فقال: نعم، من ذكر الموت في كل يوم عشرين مرة". وتقدم هناك أن العراقي قال: لم أقف له على إسناد. وذكرنا أن حديث عائشة رواه الطبراني في الأوسط نحوه، وفيه: "من قال في يوم خمسة وعشرين مرة اللهم بارك لي في الموت، وفيما بعد الموت، ثم مات على فراشه، أعطاه الله أجر شهيد"، وعزاه السيوطي في شرح الصدور للطبراني من حديث عمار بلفظ المصنف .

(وإنما سبب هذه الفضيلة كلها أن ذكر الموت يوجب التجافي عن دار الغرور ) أي البعد عنها (ويتقاضى الاستعداد للآخرة ) أي يطالب (والغفلة عن الموت تدعو إلى الانهماك في شهوات الدنيا ) والإكباب عليها (وقال صلى الله عليه وسلم: تحفة المؤمن الموت ) . قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت، والطبراني، والحاكم، من حديث عبد الله بن عمر، وبسند حسن اهـ. قلت: ورواه كذلك ابن المبارك في الزهد، والبيهقي في الشعب، ورواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث جابر. (وإنما قال هذا لأن الدنيا سجن المؤمن ) كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة (إذ لا يزال فيها عناء ) أي تعب (من مقاساة نفسه، ورياضة شهواته، ومدافعة شيطانه، فالموت إطلاق له من هذا العذاب، والإطلاق تحفة في حقه ) فقد روى أحمد من حديث ابن عمر: "والدنيا سجن المؤمن، وسنته، فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة". ورواه ابن المبارك في الزهد بلفظ: "الدنيا جنة الكافر، وسجن المؤمن، وإنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه كمثل رجل كان في سجن فأخرج منه، فجعل يتقلب في الأرض، ويتفسح فيها". ورواه ابن أبي شيبة في المصنف بلفظ: "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر، فإذا مات المؤمن يخلي سربه حيث شاء"، والسرب بالفتح الطريق كما في الصحاح. وروى ابن أبي شيبة في المصنف، والمروزي في الجنائز، والطبراني، وأبو نعيم، عن ابن مسعود، قال: ذهب صفو الدنيا فلم يبق إلا الكدر فالموت تحفة لكل مسلم.

(وقال صلى الله عليه وسلم: الموت كفارة لكل مسلم ) أي لما يلقاه من الآلام، والأوجاع، وفي رواية: لكل ذنب، وقال ابن الجوزي: وفي بعض طرق الحديث ما يفهم أن المراد بالموت الطاعون، فإنهم كانوا في الصدر [ ص: 228 ] الأول يطلقون الموت ويريدونه به اهـ. وكأنه يشير إلى خبر البخاري: "الطاعون كفارة لكل مسلم". قال العراقي: رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، والخطيب في التاريخ، من حديث أنس، قال ابن العربي في سراج المريدين: إنه حسن صحيح، وضعفه ابن الجوزي، وقد جمعت طرقه في جزء اهـ. قلت: وكذلك رواه القضاعي في مسند الشهاب، كلهم من طريق يزيد بن هارون عن عاصم الأحول عن أنس به. وقال العراقي في أماليه: إنه ورد من طرق يبلغ بها رتبة الحسن، ولم يصب ابن الجوزي والصغاني في ذكرهما له في الموضوعات. وقال الحافظ ابن حجر: إنه لم يتهيأ الحكم عليه بالوضع مع وجود هذه الطرق. قال: ومع ذلك فليس هو على ظاهره، بل هو محمول على موت مخصوص إن ثبت الحديث اهـ. ولهذا المعنى احتاج المصنف إلى تأويله فقال: (وأراد بهذا المسلم حقا المؤمن صدقا ) أي الكامل في أحلامه وإيمانه (الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده ) . وقد روى الحاكم من حديث جابر: "أكمل المؤمنين من سلم المسلمون من لسانه ويده". وروى ابن النجار من حديث علي: "وإنما المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". (وتتحقق فيه أخلاق المؤمنين، ولم يتدنس من المعاصي إلا باللمم، والصغائر، فالموت يطهره منها، ويكفرها، بعد اجتنابه الكبائر، وإقامة الفرائض ) . وقال العامري في شرح الشهاب: معنى الحديث أن الله تعالى يتكرم على عبده المسلم بتطهيره للقائه بتكفير ذنوبه، مما يلاقي غصص الموت، وسكراته، كما كفرت الأمراض والمصائب عنه ذنوبا أخر قبل موته. وروى أبو نعيم في الحلية عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن يهون علي سكرات الموت، إنه آخر ما يكفر به المسلم.

(وقال عطاء الخراساني ) هو عطاء بن أبي مسلم، كنيته أبو أيوب، ويقال أبو عثمان، ويقال أبو محمد، ويقال أبو صالح البلخي، نزيل الشام، مولى المهلب بن أبي صفرة الأزدي، واسم أبيه أبي مسلم عبد الله، ويقال ميسرة، روى عن ابن عباس، وعنه ابن جريج، ثقة صدوق، وقال الدارقطني: إلا أنه لم يلق ابن عباس; مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وكانت ولادته سنة خمسين، ودفن ببيت المقدس، روى له مسلم والأربعة، وقيل: بل روى له البخاري أيضا، وقال الحافظ ابن حجر: لم يثبت (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس قد استعلاه الضحك فقال: شوبوا ) أي اخلطوا (مجلسكم بذكر مكدر اللذات، قالوا: وما مكدر اللذات؟ قال: الموت ) . قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت هكذا مرسلا، ورويناه في أماني الخلال من حديث أنس، ولا يصح اهـ. قلت: ورواه البيهقي من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم يضحكون ويمزحون فقال: "أكثروا ذكر هاذم اللذات". وروى العسكري في الأمثال من حديث أبي هريرة: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس من مجالس الأنصار، وهم يمزحون، ويضحكون، فقال: أكثروا من ذكر هاذم اللذات، فإنه لم يذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره، ولا في ضيق إلا وسعه، ولا في سعة إلا ضيقها". وروى البيهقي من حديث أبي سعيد: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى ناسا يكثرون، فقال: لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات الموت، وإنه لم يأت على القبر يوم إلا وهو يقول أنا بيت الوحدة، وبيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الدود". ولفظه عند العسكري: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم مصلى فرأى ناسا يكثرون، فقال: أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات فأكثروا ذكر هاذم اللذات".

(وقال أنس ) رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من ذكر الموت فإنه ) أي إكثاره (يمحص الذنوب ) أي يزيلها (ويزهد في الدنيا ) أي يقللها في أعينكم. وهو كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة، وأبلغ في الموعظة، فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص لذته الحاضرة، وزهده فيما كان يؤمل، لكن النفوس الذاكرة، والقلوب العاطلة، تحتاج إلى تطويل الوعظ، وتزويق الألفاظ، قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في الموت بإسناد ضعيف جدا اهـ. قلت: وتمامه عند ابن أبي الدنيا: "فإن ذكرتموه عند الغنى هذمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم". وهو في مكارم الأخلاق لابن لال بلفظ: "أكثروا ذكر الموت، فإن ذلك تمحيص للذنوب، وتزهيد في الدنيا، الموت القيامة، والموت المقيمة".

(وقال صلى الله عليه وسلم: كفى بالموت مفرقا ) . قال العراقي: رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس [ ص: 229 ] وعراك بن مالك بسند ضعيف، ورواه ابن المبارك في البر والصلة من رواية أبي عبد الرحمن الجيلي مرسلا اهـ. قلت: كذا هو في النسخ ابن المبارك، ولعله ابن أبي الدنيا، فإنه الذي رواه في البر والصلة، وأما حديث أنس فرواه ابن السني في عمل يوم وليلة، والعسكري في الأمثال، بلفظ: "كفى بالدهر واعظا، وبالموت مفرقا"، وذكرا له قصة تقدم ذكرها. وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي الدرداء قال: "موعظة بليغة وغفلة سريعة كفى بالموت واعظا، كفى بالدهر مفرقا، اليوم في الدور، وغدا في القبور".

(وقال صلى الله عليه وسلم: كفى بالموت واعظا ) . قال العراقي: رواه الطبراني، والبيهقي في الشعب، من حديث عمار بن ياسر بسند ضعيف، وهو مشهور من قول الفضيل بن عياض، رواه البيهقي في الزهد اهـ. قلت: لفظ الطبراني: "كفى بالموت واعظا، وكفى باليقين غنى". ورواه العسكري في الأمثال، والطبراني أيضا، والقضاعي، والبيهقي في الشعب، بلفظ: "كفى بالموت واعظا، وكفى بالموت غنى، وكفى بالعبادة شغلا". ورواه من طريق يونس بن عبيد عن الحسن عن عمار، وتقدم قريبا من قول أبي الدرداء رواه سعيد بن منصور.

(وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا قوم يتحدثون ويضحكون، فقال: "اذكروا الموت، أما والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا ) . قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في الموت من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف اهـ. قلت: هذا الشطر الأخير: لو تعلمون ما أعلم... إلخ متفق عليه من حديث أنس، وعائشة، وفي الباب عن أبي هريرة وجماعة تقدم ذكره. وقد روى البيهقي في الشعب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: "أكثروا ذكر هاذم اللذات، فإنه لا يكون في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره". (وذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فأحسنوا الثناء عليه، فقال: كيف كان ذكر صاحبكم للموت؟ قالوا: ما كنا نكاد نسمعه يذكر الموت، قال: فإن صاحبكم ليس هناك ) . قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في الموت من حديث أنس بسند ضعيف، وابن المبارك في الزهد، قال: أنبأنا مالك بن مغول فذكره بلاغا بزيادة فيه اهـ. قلت: وكذلك رواه البزار من حديث أنس، وروى ابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد في الزهد عن ابن سابط قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فأثني عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: كيف ذكره للموت؟ فلم يذكر ذلك منه، فقال: ما هو كما تذكرون. وأخرجه الطبراني عن سهل بن سعد نحوه .

(وقال ابن عمر ) رضي الله عنهما (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقال رجل من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا، وكرامة الآخرة ) . قال العراقي: رواه ابن ماجه مختصرا، وابن أبي الدنيا في الموت بكماله بإسناد جيد اهـ. قلت: ورواه الطبراني والحاكم عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا قبل نزول الموت، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا والآخرة. ورواه ابن المبارك في الزهد، وأبو بكر في الغيلانيات، من طريق يحيى بن أيوب عن عبيد بن زهر عن سعد بن مسعود الكندي، له صحبة، وقيل إنه تابعي، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أكيس؟ فقال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا. وقال أبو نعيم في الحلية حدثنا عبد الرحمن بن العباس حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحربي حدثنا الحكم بن موسى حدثنا إسماعيل بن عياش عن العلاء بن عتبة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر قال: قام فتى فقال رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل به، أولئك الأكياس. ثم قال رواه أبو سهيل بن مالك، وحفص بن غيلان، ويزيد بن مالك، وقرة بن قيس، ومعاوية بن عبد الرحمن عن عطاء مثله، ورواه مجاهد عن ابن عمر نحوه اهـ .

ومما يحسن إيراده من الأخبار في فضل الموت; روى الديلمي من حديث الحسين بن علي- رضي الله عنهما- : "الموت ريحانة المؤمن". وروى البيهقي في الشعب وضعفه، والديلمي من حديث عائشة: "الموت غنيمة، والمعصية مصيبة، والفقر راحة، والغنى عقوبة، والعقل هدية من الله، والجهل ضلالة، والظلم ندامة، والطاعة قرة العين، والبكاء من خشية الله النجاة من النار، والضحك هلاك البدن، والتائب [ ص: 230 ] من الذنب كمن لا ذنب له". وروى أحمد، وسعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح من حديث محمود بن لبيد: "اثنان يكرههما ابن آدم، يكره الموت، والموت خير له من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب". وروى ابن السكن، وأبو موسى في المعرفة، والبيهقي في الشعب، من حديث زرعة بن عبد الله الأنصاري: "يحب الإنسان الحياة، والموت خير لنفسه، ويحب الإنسان كثرة المال، وقلة المال أقل للحساب". وهو مرسل لأن زرعة تابعي، وقيل: هو صحابي، وهو بضم الزاي ثم راء، وقيل: براء ثم زاي ساكنة. وروى الشيخان من حديث أبي قتادة قال: "مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال مستريح أو مستراح منه، قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والفاجر تستريح منه العباد، والبلاد، والشجر، والدواب".

وروى أبو نعيم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: "يا أبا ذر، إن الدنيا سجن المؤمن، والقبر أمنه، والجنة مصيره، يا أبا ذر إن الدنيا جنة الكافر، والقبر عذابه، والنار مصيره". وروى النسائي، والطبراني، وابن أبي الدنيا، من حديث عبادة بن الصامت: "ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم ولها نعيم الدنيا وما فيها، إلا الشهيد، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى لما يرى من ثواب الله له". وروى الطبراني من حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب الموت إلى من يعلم أني رسولك". وروى الأصبهاني في الترغيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إن حفظت وصيتي فلا يكونن شيء أحب إليك من الموت". وروى ابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في الموت، والبيهقي في الشعب، من حديث الربيع بن أنس مرسلا: "كفى بالموت مزهدا في الدنيا، مرغبا في الآخرة". وروى الديلمي من حديث أبي هريرة: "أكثروا ذكر الموت، فما من عبد أكثر من ذكره إلا أحيا الله قلبه، وهون عليه الموت". وروى ابن عساكر من حديث أبي الدرداء: "لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاما على شهوة أبدا، ولا شربتم شرابا على شهوة أبدا". وروى ابن المبارك في الزهد من مرسل محمد بن عبد الرحمن بن نوفل: "لو تعلمين علم الموت يا بنت زمعة لعلمت أنه أشد مما تقدرين عليه". وقد رواه الطبراني عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن سودة بنت زمعة موصولا .

ومما يحسن إيراده في ذكر فضيلة ذكر الموت، والاستعداد له، من الأخبار، روى ابن أبي الدنيا عن سفيان قال حدثنا شيخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى رجلا فقال: "أكثر ذكر الموت يسليك عما سواه". وروى أبو نعيم من حديث أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ما لي لا أحب الموت؟ قال: لك مال؟ قال: نعم. قال: قدمه، فإن قلب المؤمن مع ماله إن قدمه أحب أن يلحق به، وإن أخره أحب أن يتأخر معه". وروى الطبراني عن طارق المحاربي قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا طارق، استعد للموت قبل الموت". وروى الديلمي من حديث أنس: "أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة التفكر، فمن أثقله ذكر الموت، وجد قبره روضة من رياض الجنة". وروى الترمذي من حديث أبي هريرة: "ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع".

التالي السابق


الخدمات العلمية