إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعن بعضهم أنه كان يسأل كثيرا من المرضى : كيف تجدون الموت ؟ فلما مرض قيل له : فأنت كيف تجده ؟ فقال : كأن السماوات مطبقة على الأرض ، وكأن نفسي يخرج من ثقب إبرة .

وقال صلى الله عليه وسلم : موت الفجأة راحة للمؤمن ، وأسف على الفاجر وروي عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : لو أن شعرة من شعر الميت وضعت على أهل السماوات والأرض لماتوا بإذن الله تعالى ، لأن في كل شعرة الموت ، ولا يقع الموت بشيء إلا مات ويروى : لو أن قطرة من ألم الموت وضعت على جبال الدنيا كلها لذابت وروي إن إبراهيم عليه السلام لما مات قال الله تعالى له : كيف وجدت الموت يا خليلي ؟ قال : كسفود جعل في صوف رطب ، ثم جذب ، فقال : أما إنا قد هونا عليك وروي عن موسى عليه السلام أنه لما صارت روحه إلى الله تعالى ، قال له ربه : يا موسى كيف وجدت الموت ؟ قال : وجدت نفسي كالعصفور حين يقلى على المقلى ، لا يموت فيستريح ، ولا ينجو فيطير وروي عنه أنه قال : وجدت نفسي كشاة حية تسلخ بيد القصاب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان عنده قدح من ماء عند الموت ، فجعل يدخل يده في الماء ثم يمسح بها وجهه ، ويقول : اللهم هون علي سكرات الموت وفاطمة رضي الله عنها تقول : واكرباه لكربك يا أبتاه ، وهو يقول : لا كرب على أبيك بعد اليوم وقال عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار يا كعب حدثنا عن الموت ، فقال : نعم يا أمير المؤمنين إن ، الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل ، وأخذت كل شوكة بعرق ، ثم جذبه رجل شديد الجذب ، فأخذ ما أخذ ، وأبقى ما أبقى وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن العبد ليعالج كرب الموت ، وسكرات الموت ، وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول : عليك السلام ، تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة .

فهذه سكرات الموت على أولياء الله وأحبابه فما حالنا ونحن المنهمكون في المعاصي .


(وعن بعضهم أنه كان يسأل كثيرا من المرضى: كيف تجدون الموت؟ فلما مرض قيل له: فأنت كيف تجده؟ فقال: كأن السموات مطبقة على الأرض، وكأن نفسي تخرج من ثقب إبرة ) المراد بالبعض هو عمرو بن العاص، فروى ابن سعد عن عوانة بن الحكم قال كان عمرو بن العاص يقول: عجبا لمن نزل به الموت وعقله معه، كيف لا يصفه. فوصف لنا الموت، قال: يا بني الموت أجل من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئا; أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأني في جوفي شوك السلا، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة. وروى ابن أبي الدنيا في المحتضرين عن أبي زيد النميري: حدثنا محمد بن يحيى الكناني عن عبد العزيز بن عمران [ ص: 262 ] الزهري عن معاوية بن محمد بن عبد الله بن بجير عن أبيه قال: لما احتضر عمرو بن العاص قال له ابنه: "يا أبتاه إنك كنت تقول ليتني ألقى رجلا عاقلا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجده; وأنت ذلك الرجل، فصف لي الموت؟ فقال: يا بني، والله لكأن جنبي في تخت، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يمر به من قدمي إلى هامتي".

وقال صاحب كتاب المتفجعين حدثنا سليمان بن سيف حدثنا أبو عاصم أخبرنا حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة أخبره أن عمرو بن العاص لما حضره الموت قال له عبد الله ابنه: "يا أبا عبد الله أجزعا من الموت؟ قال: لا، ولكن لما بعد الموت، قال: فقد كنت أسمعك تقول إني لأعجب ممن يدركه الموت ومعه عقله كيف لا يخبر به، وقد جاءك الموت، وعقلك معك، قال: نعم يا بني، كأن السماء قد أطبقت على الأرض وأنا بينهما، وكأن سفودا محمى ينزع من سحري، وكأن روحي تجذب من حذة إبرة، وما من عضو من أعضائي إلا وهو يألم على ذي حدته". ثم قال: "أي بني، إني كنت على حالات ثلاث: كنت جاهليا لا أعرف الدين فلو مت على ذلك كانت النار، ثم قذف الله الإسلام في قلبي، وأحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا شديدا حتى لو ذهبت أصفه لم أستطع ذلك لإجلالي إياه، وكان لي محبا مقدما، فلو مت على ذلك كانت الجنة إن شاء الله تعالى; ثم أصابتنا بعده أمور ما ندري ما حالنا فيها. ثم قال: اللهم إني لست ببريء فأعتذر، ولست بقوي فأنتصر. يا بني إذا حملتموني فأسرعوا بي، فإنما هو خير توردوني إليه أو شر تضعونه عن رقابكم، ولا تتبعوني نائحة ولا بمجمرة، وسنوا علي التراب سنا، فإذا دفنتموني فاجلسوا عند قبري مقدار ما ينحر جزور ويقسم لحمه، لكي أعلم ما أراجع به رسل ربي عز وجل".

(وقال صلى الله عليه وسلم: موت الفجأة راحة للمؤمن، وأسف على الفاجر ) قال العراقي: رواه أحمد من حديث عائشة بإسناد صحيح بلفظ: وأخذة أسف للكافر. ولأبي داود من حديث عبيد بن خالد السلمي: موت الفجأة أخذة أسف اهـ. قلت: حديث عبيد بن خالد رواه أحمد وابن ماجه، وأما حديث عائشة فرواه أيضا البيهقي في الشعب عن عبيد بن عمير: قال سألت عائشة- رضي الله عنها- عن موت الفجأة أيكره؟ قالت: لأي شيء يكره، سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: راحة للمؤمن، وأخذ أسف للفاجر. وقال السخاوي في المقاصد: وفي الباب عن أنس وابن مسعود بينهما الزيلعي في سورة طه من تخريجه .

(وروي عن ) أبي عبد الله (مكحول ) الشامي، ثقة، فقيه، كثير الإرسال، مشهور، مات سنة بضع عشرة ومائة، روى له البخاري في خبر القراءة، ومسلم، والأربعة (عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: لو أن شعرة من شعر الميت وضعت على أهل السموات والأرض لماتوا بإذن الله تعالى، لأن في كل شعرة الموت، ولا يقع الموت بشيء إلا مات ) . قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت من رواية أبي ميسرة رفعه وفيه: لو أن ألم شعرة، وزاد: وإن في يوم القيامة لساعة تضاعف على الموت سبعين ألف ضعف. وأبو ميسرة هو عمرو بن شرحبيل، والحديث مرسل حسن الإسناد اهـ. قلت: عمرو بن شرحبيل كوفي، ثقة، عابد، مخضرم، مات سنة ثلاث وستين، روى له الجماعة سوى ابن ماجه.

(ويروى: لو أن قطرة من ألم الموت وضعت على جبال الدنيا كلها لذابت ) . قال العراقي: لم أجد له أصلا، ولعل المصنف لم يورده حديثا، فإنه قال ويروى اهـ. قلت: بل روى أبو بكر المروزي في الجنائز عن أبي ميسرة رفعه: "لو أن قطرة من ألم الموت وضعت على أهل السماء والأرض لماتوا جميعا، وإن في القيامة لساعة تضعف على شدة الموت سبعين ضعفا". (وروي أن إبراهيم- عليه السلام- لما مات قال الله تعالى له: كيف وجدت الموت يا خليلي؟ قال: كسفود جعل في صوف رطب، ثم جذب، فقال: أما إنا قد هونا عليك ) رواه أحمد في الزهد، والمروزي في الجنائز، من طريق ابن أبي مليكة، بلفظ: "إن إبراهيم- عليه السلام- لما لقي الله قيل له: كيف وجدت الموت؟ قال: وجدت نفسي كأنها تنزع بالسلا، قيل له: قد يسرنا عليك الموت" .

(وروي عن موسى- عليه السلام- أنه لما صارت روحه إلى الله تعالى، قال له ربه: يا موسى كيف وجدت الموت؟ قال: وجدت نفسي كالعصفور ) الحي (حين يقلى على المقلى، لا يموت فيستريح، ولا ينجو فيطير ) . رواه أحمد في الزهد .

(وروي عنه أنه قال: وجدت نفسي كشاة حية تسلخ بيد القصاب ) رواه أيضا أحمد في الزهد. وروى أبو الشيخ في كتاب العظمة عن الحسن قال: قيل لموسى عليه السلام: كيف وجدت الموت؟ قال: كسفود دخل جوفي له شعب كثيرة، [ ص: 263 ] تعلق كل شعبة منه بعرق من عروقي ثم انتزع من جوفي نزعا شديدا، فقيل: لقد هونا عليك". وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الموت عن أبي إسحاق قال: قيل لموسى عليه السلام: كيف وجدت طعم الموت؟ قال: كسفود أدخل في جزة صوف فامتلخ، قال: يا موسى هونا عليك .

(وروي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كان عنده قدح من ماء عند الموت، فجعل يدخل يده في الماء ثم يمسح بها وجهه، ويقول: اللهم هون علي سكرات الموت ) . قال العراقي: متفق عليه من حديث عائشة اهـ. قلت: لفظ البخاري من حديثها أنه كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه، ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات. ورواه كذلك أحمد، ورواه الترمذي عن قتيبة حدثنا ليث عن ابن الهاد عن موسى بن سرجس عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء، وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت أو مسكرات الموت"، (وفاطمة- رضي الله عنها- تقول: واكرباه لكربك يا أبتاه، وهو يقول: لا كرب على أبيك بعد اليوم ) قال العراقي رواه البخاري من حديث أنس بلفظ: واكرب أبتاه. وفي رواية لابن خزيمة: واكرباه اهـ .

(وقال عمر- رضي الله عنه- لكعب الأحبار ) رحمه الله تعالى: (يا كعب حدثنا عن الموت، فقال: نعم يا أمير المؤمنين، الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل، وأخذت كل شوكة بعرق، ثم جذبه رجل شديد الجذب، فأخذ ما أخذ، وأبقى ما أبقى ) . هذا لفظ ابن أبي شيبة في مسنده، ورواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المؤذن حدثنا أبو الحسن بن أبان حدثنا أبو بكر بن سفيان حدثنا خالد بن خراش حدثنا حماد بن زيد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عمر قال لكعب: أخبرني عن الموت؟ قال: يا أمير المؤمنين، هو مثل شجرة كثيرة الشوك في جوف ابن آدم، وليس منه عرق ولا مفصل إلا فيه شوك، ورجل شديد الذراعين فهو يعالجها ينزعها، فأرسل عمر دموعه. وأبو بكر بن سفيان هذا هو ابن أبي الدنيا، وهكذا رواه في كتاب الموت عن خالد بن خراش، وقد ساقه السيوطي في أمالي الدرة الفاخرة من طريق ابن أبي الدنيا ثم أعقبه بقوله ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق خالد بن خراش فأوهم أنه من طريق أخرى، وليس كذلك، بل هو من طريق ابن أبي الدنيا.

(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليعالج كرب الموت، وسكرات الموت، وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول: عليك السلام، تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة ) . قال العراقي: رويناه في الأربعين لأبي هدبة إبراهيم بن هدبة عن أنس، وأبو هدبة هالك اهـ. قلت: ورواه كذلك الديلمي في مسند الفردوس، وأبو الفضل الطوسي في عيون الأخبار، والقشيري في الرسالة، وإبراهيم بن هدبة قال الذهبي: كذاب واه. وقال الدارقطني: متروك .

(فهذه سكرات الموت على أوليائه وأحبابه ) وهم المتقربون إلى الله تعالى (فما حالنا ونحن المنهمكون في المعاصي ) والمخالفات!

التالي السابق


الخدمات العلمية