إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال الحسن لا راحة للمؤمن إلا في لقاء الله ، ومن كانت راحته في لقاء الله تعالى فيوم الموت يوم سروره وفرحه وأمنه وعزه وشرفه .

وقيل : لجابر بن زيد عند الموت : ما تشتهي ؟ قال : نظرة إلى الحسن فلما دخل عليه الحسن قيل له : هذا الحسن فرفع طرفه إليه ، ثم قال : يا إخواتاه ، الساعة والله أفارقكم إلى النار أو إلى الجنة .

وقال محمد بن واسع عند الموت يا إخواناه : عليكم السلام ، إلى النار أو يعفو الله وتمنى بعضهم أن يبقى في النزع أبدا ولا يبعث لثواب ولا عقاب ، فخوف سوء الخاتمة قطع قلوب العارفين وهو ، من الدواهي العظيمة عند الموت .

وقد ذكرنا معنى سوء الخاتمة وشدة خوف العارفين منه في كتاب الخوف والرجاء وهو لائق بهذا الموضع .

ولكننا لا نطول بذكره وإعادته .


(وقال الحسن) البصري -رحمه الله تعالى- (لا راحة لمؤمن إلا في لقاء الله تعالى، ومن كانت راحته في لقاء الله فيوم الموت يوم سروره) رواه أبو نعيم في الحلية، وقد رواه وكيع وأحمد كلاهما في الزهد عن ابن مسعود من قوله بلفظ: لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال السخاوي: ورفعه بعضهم واستشهد له من حديث عائشة: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وكذا من شواهده ما عند أحمد من حديث عائشة: إنما المستريح من غفر له.

(وقيل: لجابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي البصري التابعي الثقة المشهور بكنيته، مات سنة ثلاثة وتسعين، روى له جماعة (عند الموت: ما تشتهي؟ قال: نظرة إلى الحسن) وهو البصري (فلما دخل عليه الحسن قيل له: هذا الحسن فرفع طرفه إليه، ثم قال: يا إخواتاه، الساعة والله أفارقكم إلى النار أو إلى الجنة) .

قال أبو نعيم في الحلية، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن يونس، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا أبو عمير الحارث بن عمير قال: قالوا لجابر بن زيد عند الموت: أي شيء تريد أن تشتهي؟ قال: نظرة إلى الحسن، أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا حبيب بن الشهيد عن ثابت قال: لما ثقل جابر بن زيد قيل له: ما تشتهي؟ قال: نظرة من الحسن، قال فأتيت الحسن فأخبرته، فركب إليه، فلما دخل عليه قال لأهله: أرقدوني، فجلس فما زال يقول أعوذ بالله من النار ومن سوء الحساب.

وقال محمود بن محمد بن الفضل في كتاب المتفجعين: حدثنا أحمد بن الأسود الحنفي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثني صلت بن دينار، حدثني عروة صاحب الخمر أنه شهد جابر بن زيد عند موته يتبرأ من قريب وزحاف ومن الأباضية، قال: وقيل: ما تشتهي؟ قال: نظرة من الحسن، فأعلم الحسن، فجاءه، فقال: يا أبا سعيد قد نزل بي الموت فما تأمرني؟ فقال: ليست بساعة صلاة ولا صيام ولكن عليك بحسن الظن بالله .

(وقال) أبو عبد الله (محمد بن واسع) البصري العابد -رحمه الله تعالى- (عند الموت قال: يا إخواتاه، عليكم السلام، إلى النار أو يعفو الله) رواه أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن عامر سمعت حزما يحدث قال: قال محمد بن واسع: يا إخواتاه ترون أين يذهب بي؟ والله الذي لا إله إلا هو إلى النار أو يعفو الله عني. وقال ابن الجوزي في كتاب الثبات: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم أنبأنا محمد بن علي العمري، أخبرنا أبو الفضل محمد بن محمد الفامي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن أحمد المرواني، حدثنا محمد بن المنذر، حدثنا عبد الله بن يحيى، حدثنا العتبي قال: حدثني محمد بن عبد الله مولى الثقفيين، قال: دخلنا على محمد بن واسع وهو يقضي فقال: يا إخواتاه، هبوني وإياكم سألنا الله الرجعة فأعطاكموها ومنعنيها فلا تخسروا أنفسكم .

(وتمنى بعضهم أن يبقى في النزع أبدا ولا يبعث لثواب ولا عقاب، فخوف سوء الخاتمة قطع قلوب العارفين، وهي من الدواهي العظيمة عند الموت، وقد ذكرنا معنى سوء الخاتمة وشدة خوف العارفين منه في كتاب الخوف والرجاء وهو لائق بهذا الموضع ولكننا لا نطول بذكره وإعادته) هذه فصول نذكر فيها ما يتعلق بمقدمات الموت، وبمن دنا أجله، وكيفية الموت وشدته، وما جاء في ملك الموت وشدته، وما جاء في ملك الموت وأعوانه، ومن يحضر الميت من الملائكة وغيرهم .

(فصل) في نذير الموت.

قال القرطبي: ورد في الخبر: أن بعض الأنبياء قال لملك الموت: أما لك رسول تقدمه بين يديك ليكون على حذر منك؟ قال: نعم والله، لي رسل كثيرة من الإعلال، والأمراض، والشيب، والهرم، وتغير السمع والبصر، فإذا لم يتذكر من نزل به ذلك ولم يتب، ناديته إذا قبضته: ألم أقدم إليك رسولا بعد رسول، ونذيرا بعد نذير، فأنا الرسول الذي ليس بعدي رسول، وإنا النذير الذي ليس بعدي نذير. وروى أبو نعيم في الحلية عن مجاهد، قال: أما من مرض يمرضه العبد إلا رسول ملك الموت عنده حتى إذا كان آخر مرض يمرضه العبد أتاه ملك الموت، فقال: أتاك رسول بعد رسول فلم تعبأ به، وقال: أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا، وروى البخاري من حديث أبي هريرة: عذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة، يقال: أعذر الأمر، أي: بالغ فيه فلم يترك لصاحبه عذرا .

* (فصل) * فيمن دنا أجله وكيفية الموت وشدته،

روى عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن يوسف بن [ ص: 271 ] يعقوب الحنفي قال: بلغنا أن يعقوب -عليه السلام- لما أتاه البشير قال له: ما أدري ما أثيبك اليوم إلا أنه هون الله عليك سكرات الموت .

وروى الطبراني وأبو نعيم من حديث ابن مسعود: إن نفس المؤمن تخرج رشحا، وإن نفس الكافر تسيل كما تسيل نفس الحمار، وإن المؤمن ليعمل خطيئة فيشدد به عليه عند الموت ليكفر بها عنه، وإن الكافر ليعمل الحسنة فيسهل عليه عند الموت فيجزى بها.

وروى الدينوري في المجالسة عن وهيب بن الورد: يقول الله تعالى: إني لا أخرج أحدا من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه حتى أوفيه بكل خطيئة كان عملها سقما في جسده، ومصيبة في أهله وولده، وضيقا في معاشه، وإقتارا في رزقه حتى أبلغ منه مثاقيل الذر، فإن بقي عليه شيء شددت عليه الموت حتى يفضي إلي كيوم ولدته أمه، وعزتي لا أخرج عبدا من الدنيا وأنا أريد أن أعذبه حتى أوفيه بكل حسنة عملها صحة في جسده، وسعة في رزقه، ورغدا في عيشه، وأمنا في سربه، حتى أبلغ منه مثاقيل الذر، فإن بقي له شيء هونت عليه الموت حتى يفضي إلي وليس له حسنة يتقي بها النار .

وروى ابن ماجه من حديث عائشة: إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حسنة في الكظ عند الموت، وروى ابن أبي الدنيا عن عمار بن نصر بن قتيبة، قال: سمعت شيخا يقول: سمعت الضحاك بن حمرة يقول: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الموت فقال: أدنى جبذات الموت بمنزلة مائة ضربة بالسيف، قال السيوطي في الأمالي: هو حديث ضعيف معضل، والضحاك بن حمرة، بضم الحاء المهملة، وسكون الميم، واسطي نزل الشام من أتباع التابعين، أرسل عن أنس، ضعفه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما، ووثقه ابن حبان، وبقية مدلس وقد أبهم شيخه .

ويقرب منه ما رواه الحارث بن أبي أسامة عن طريق ابن أبي داود، عن زيد بن أبي أسلم، عن عطاء بن يسار، رفعه: معالجة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، وما من مؤمن يموت إلا وكل عرق منه يألم على حدته، وأقرب ما يكون عدو الله منه في تلك الساعة. ورواه ابن أبي الدنيا، عن إسحاق بن حاتم، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن مروان بن سالم بن أبي حسين البرجمي، رفعه بأطول منه، وفيه: وإن إبليس عدو الله أقرب ما يكون من العبد في ذلك الموطن عند فراق الدنيا، وترك الأحباء، وروى أبو نعيم من حديث واثلة بن الأسقع: والذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف.

وروى الخطيب من حديث أنس: لمعالجة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، وروى أحمد في الزهد من حديث أنس أن الملائكة تكتنف العبد وتحبسه ولولا ذلك لكان يعدو في الصحارى والبراري من شدة سكرات الموت، قال في الصحاح: اكتنفوه أحاطوا به، وروى أبو الشيخ في كتاب العظمة عن الفضيل بن عياض أنه قيل له: ما بال الميت تنزع نفسه وهو ساكت وابن آدم يضطرب من القرصة؟ قال: إن الملائكة توثقه، وروى أحمد في الزهد عن ابن عباس قال: آخر شدة يلقاها المؤمن الموت.

وروى أبو نعيم والمروزي والبيهقي في الشعب عن عمر بن عبد العزيز قال: ما أحب أن يهون علي سكرات الموت; لأنه آخر ما يؤجر به المسلم، وروى ابن أبي الدنيا عن أنس، قال: لم يلق ابن آدم شيئا قط منذ خلقه الله أشد عليه من الموت، وروي عن زيد بن أسلم أن رجلا قال لكعب: ما الداء الذي لا دواء له؟ قال: الموت دواءه رضوان الله تعالى.

وروي عن ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: أشد ما يكون من الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي، فعند ذلك يضرب ويعلو نفسه، قال السيوطي: قد اختص الشهيد بأن لا يجد من ألم الموت ما يجد غيره، روى الطبراني من حديث أبي قتادة: الشهيد لا يرى ألم القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة.

وروى ابن أبي الدنيا، عن محمد بن كعب القرظي، قال: بلغني أن آخر من يموت ملك الموت، يقال له: يا ملك الموت مت، فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السموات والأرض لماتوا فزعا، ثم يموت. وروي عن زياد النميري قال: قرأت في بعض الكتب أن الموت أشد على ملك الموت منه على جميع الخلق .

* (فصل) *

فيما يتعلق بدواهي الموت الثلاثة روي عن أبي حاتم وأبي شيبة في المصنف عن ابن عباس في قوله تعالى: حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا قال: أعوان ملك الموت من الملائكة، وروى أبو الشيخ في تفسيره عن إبراهيم النخعي مثله. وزاد: ثم يقبضها ملك الموت منهم بعد، وروى أبو الشيخ في كتاب العظمة عن وهب [ ص: 272 ] بن منبه قال: الملائكة الذين يقرنون بالناس هم الذين يتوفونهم ويكتبون لهم آجالهم، فإذا توفوا النفس دفعوها إلى ملك الموت وهو كالعاقب يعني العشار الذي يؤدى من تحته .

وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: لما أراد الله تعالي أن يخلق آدم -عليه السلام- بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض فلما هوي ليأخذه قالت الأرض: أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني اليوم شيئا يكون للنار منه نصيب غدا فتركها، فلما رجع إلى ربه قال: ما منعك أن تأتي بما أمرتك؟ قال: سألتني بك فأرسل آخر، فقال مثل ذلك حتى أرسلهم كلهم، فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك، فقال: إن الذي أرسلني أحق بالطاعة منك، فأخذ من وجه الأرض كلها من طيبها وخبيثها فجاء به إلى ربه فصب عليه من ماء الجنة فصار حمأ مسنونا، فخلق منه آدم، عليه السلام.

وروى أبو حذيفة إسحاق بن بشير في كتاب المبتدأ، عن ابن إسحاق عن الزهري نحوه وسمى الملك المرسل أولا إسرافيل، والثاني ميكائيل.

وروى ابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود وناس من الصحابة نحوه، وسمى المرسل أولا جبريل والثاني ميكائيل.

وروى ابن عساكر أيضا عن يحيى بن خالد نحوه وسمى الأول جبريل والثاني ميكائيل، وقال في آخره: فسماه ملك الموت ووكله بالموت .

وروى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الشعب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، فأما جبريل فصاحب الجنود والريح، وأما ميكائيل فصاحب القطر والنبات، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو يتنزل عليهم بالأمر وفي لفظ: بما يؤمرون .

وروى أبو الشيخ في العظمة، عن الربيع بن أنس أنه سئل عن ملك الموت: هل هو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال: هو الذي يلي أمر قبض الأرواح، وله أعوان على ذلك غير أن ملك الموت هو الرئيس، وكل خطوة منه من المشرق إلى المغرب، قلت: أين تكون أرواح المؤمنين؟ قال: عند السدرة .

وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس في قوله تعالى: فالمدبرات أمرا قال: ملائكة تكون مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم، فمنهم من يعرج بالروح، ومنهم من يؤمن على الدعاء، ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلى عليه، ويدلى في حفرته .

وروي أيضا عن عكرمة في قوله تعالى: وقيل من راق قال: أعوان ملك الموت يقول بعضهم لبعض: من يرقى بروحه من أسفل قدمه إلى موضع خروج نفسه؟

(فصل)

روى أبو نعيم عن الأعمش قال: كان ملك الموت يظهر للناس فيأتي الرجل فيقول: اقض حاجتك فإني أريد أن أقبض روحك فشكى فأنزل الداء وجعل الموت .

وروى أحمد والبزار والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة: كان ملك الموت يأتي الناس عيانا، فأتى موسى -عليه السلام- فلطمه ففقأ عينه، فأتى ربه فقال: يا رب، عبدك موسى فقأ عيني ولولا كرامته عليك لشققت عليه، قال له: اذهب إلى عبدي فقل له فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة، فأتاه فقال له: ما بعد هذا؟ قال: الموت، قال: فالآن، قال: فشمه شمة فقبض روحه ورد الله إليه عينه، فكان بعد يأتي الناس خفية.

وروى أبو حذيفة إسحاق بن بشر في المبتدأ عن ابن عمر، قال: قال ملك الموت: يا رب إن عبدك إبراهيم جزع من الموت، فقال: قل للخليل إذا طال به العهد من خليله اشتاق إليه، فبلغه قال: نعم، يا رب قد اشتقت إلى لقائك فأعطاه ريحانة فشمها فقبض فيها .

وروى أبو الشيخ عن محمد بن المنكدر أن ملك الموت قال لإبراهيم -عليه السلام-: إن ربي يأمرني أن أقبض نفسك بأيسر ما قبضت نفس مؤمن، قال: فإني أسألك بحق الذي أرسلك أن تراجعه في، فقال: إن خليلك سأل أن أراجعك فيه، فقال: آته وقل له: إن ربك يقول: إن الخليل يحب لقاء الخليل، فأتاه فقال له فقال: امض لما أمرت به، قال: يا إبراهيم، هل شربت شرابا قط؟ قال: لا، فاستنكهه، فقبض نفسه على ذلك .

(فصل)

روى ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن عيسى قال: كان فيمن كان قبلكم رجل عبد الله أربعين سنة في البر، ثم قال يا رب: قد اشتقت أن أعبدك في البحر، فأتى قوما فاستحملهم فحملوه، وجرت بهم سفينتهم ما شاء الله أن تجري، ثم قامت فإذا شجر في ناحية الماء فقال: ضعوني على هذه الشجرة فوضعوه وجرت بهم سفينتهم فأراد [ ص: 273 ] ملك أن يعرج إلى السماء فتكلم بكلامه الذي كان يعرج به فلم يقدر على ذلك فعلم أن ذلك لخطيئة كانت منه; فأتى صاحب الشجرة فسأله أن يشفع إلى ربه فصلى ودعا للملك وطلب إلى ربه أن يكون هو يقبض نفسه ليكون أهون عليه من ملك الموت، فأتاه حين حضر أجله، فقال: إني طلبت إلى ربي أن يشفعني فيك كما شفعك في، وأن أكون أنا أقبض نفسك فمن حيث شئت أقبضها فسجد سجدة فخرجت من عينه دمعة فمات .

وروى ابن عساكر في تاريخه عن أبي زرعة، قال: قال لي نجيب بن أبي عبيد البشري: رأيت ملك الموت في النوم وهو يقول: قل لأبيك يصلي علي حتى أرفق به عند قبض روحه، فحدثت أبي بما رأيت، فقال: يا بني لأنا بملك الموت آنس مني بأمك، وروى ابن عساكر من طريق زيد بن أسلم عن أبيه قال: ذكرت حديثا رواه ابن عمر: ما حق امرئ مسلم يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، فدعوت بدواة وقرطاس لأكتب وصيتي فغلبني النوم فنمت ولم أكتبها فبينا أنا نائم إذ دخل داخل أبيض الثياب حسن الوجه طيب الريح، فقلت: يا هذا من أدخلك داري؟ قال: أدخلنيها ربها قلت: من أنت؟ قال: ملك الموت: فرعبت منه، فقال: لا ترع إني لم أومر بقبض روحك، قلت: فاكتب لي إذا براءة من النار، قال: هات دواة وقرطاسا، فمددت يدي إلى الدواة والقرطاس الذي نمت عنه وهو عند رأسي فناولته فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أستغفر الله، أستغفر الله، حتى ملا ظهر الكاغد وبطنه، ثم ناولنيه وقال هذا براءتك، رحمك الله، وانتبهت فزعا ودعوت بالسراج ونظرت فإذا القرطاس الذي نمت وهو عند رأسي مكتوب ظهره وبطنه أستغفر الله أستغفر الله .

* (فصل) *

قال القرطبي: لا تنافي بين قوله تعالى: قل يتوفاكم ملك الموت وقوله: توفته رسلنا تتوفاهم الملائكة وقوله: الله يتوفى الأنفس ; لأن إضافة التوفي إلى ملك الموت; لأنه مباشر للقبض وللملائكة الذين هم أعوانه; لأنهم يأخذون في جذبها من البدن فهو قابض وهم معالجون، وإلى الله; لأنه الفاعل على الحقيقة. وقال الكلبي: يقبض ملك الموت الروح، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية