إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان ما يستحب من أحوال المحتضر عند الموت .

اعلم أن المحبوب عند الموت من صورة المحتضر هو الهدوء والسكون ومن لسانه أن يكون ناطقا بالشهادة ومن قلبه أن يكون حسن الظن بالله تعالى .

أما الصورة فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ارقبوا الميت عند ثلاث: إذا رشح جبينه ودمعت عيناه ويبست شفتاه ، فهي من رحمة الله قد نزلت به ، وإذا غط غطيط المخنوق واحمر لونه واربدت شفتاه ، فهو من عذاب الله قد نزل به .


* (بيان ما يستحب من أحوال المحتضر عند الموت)

* وفيه بيان علامة الخير والأمر بتحسين الظن بالله والخوف منه، وبيان ما يشاهد من أسرار الملكوت .

(اعلم) وفقك الله تعالى (أن المحبوب عند الموت من صورة المحتضر) يقال: حضره الموت واحتضره، أشرف عليه، فهو في النزع، وهو محضور، ومحتضر بالفتح (هو الهدوء والسكون) أي: عدم الانزعاج في ظاهره من الجوارح (و) المحبوب (من لسانه أن يكون ناطقا بالشهادة) أي: بكلمتها وهي لا إله إلا الله (و) المحبوب (من قلبه أن يكون حسن الظن بالله تعالى، أما الصورة فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ارقبوا الميت عند ثلاث إذا رشح جبينه ودمعت) وفي نسخة: ذرفت (عيناه ويبست شفتاه، فهي من رحمة الله تعالى قد نزلت به، وإذا غط غطيط المخنوق واحمر لونه وأزبدت شفتاه، فهو من عذاب الله قد نزل به) .

قال العراقي: رواه الحكيم والترمذي في نوادر الأصول من حديث سلمان ولا يصح. اهـ . قلت: وكذلك رواه الخليلي في مشيخته ولفظهما: ارقبوا الميت عند وفاته، فإذا ذرفت عيناه ورشح جبينه وانتشر منخراه فهي رحمة من الله قد نزلت به، وإذا غط غطيط البكر المخنوق وكمد لونه وأزبد شدقاه فهو عذاب من الله قد نزل به، وقد وردت في رشح الجبين أحاديث أوردها السيوطي في أمالي الدرة الفاخرة .

* (فصل) * ومن علامات خاتمة الخير ما رواه الترمذي والحاكم من حديث أنس: إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت، وروى أحمد والحاكم من حديث عمر وابن الحمق: إذا أحب الله عبدا عسله، قالوا: وما عسله؟ قال: يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه، وروى ابن أبي الدنيا من حديث عائشة: إذا أراد الله بعبد خيرا بعث إليه قبل موته بعام ملكا يسدده ويوفقه، حتى يموت على خير أحايينه، فيقول الناس: مات فلان على خير أحايينه، فإذا حضر ورأى ما أعد له جعل يتهوع نفسه من الحرص على أن تخرج، فهناك أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإذا أراد الله بعبد شرا قيض له قبل موته بعام [ ص: 274 ] شيطانا يضله ويغويه حتى يموت على شر أحايينه، فيقول الناس: قد مات فلان على شر أحايينه، فإذا حضر ورأى ما أعد له جعل يتبلع نفسه كراهية أن تخرج، فهناك كره لقاء الله وكره الله لقاءه.

قال ابن هبيرة في الإفصاح في معنى هذا الحديث: اعلم أن خروج الروح عند دعاء ملك الموت له من جنس دعاء الحاوي بالحية من جحرها وخروج الجسمين عند الدعاء على حد السواء، فأما المؤمن فيتهوع نفسه أي: يستدعي إخراجها; إذ التهوع إنما هو استدعاء القيء للبروز، وأما الكافر فيبتلع روحه، والتبلع رد الجسم الذي في الفم فهو يريد الخروج إلى الجوف. اهـ .

وقال بعض العلماء: الأسباب المفضية لسوء الخاتمة، والعياذ بالله، أربعة: التهاون بالصلاة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وأذى المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية