إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفاة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه .

قال عمر بن ميمون كنت قائما غداة أصيب عمر ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس وكان إذا مر بين الصفين قام بينهما فإذا رأى خللا قال : استووا حتى إذا لم ير فيهم خللا لا تقدم فكبر قال : وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول : قتلني أو أكلني الكلب ، حين طعنه أبو لؤلؤة وطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا أو شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا فمات منهم تسعة وفي رواية سبعة .

فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه .

وتناول عمر رضي الله تعالى عنه عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأما من كان يلي عمر فقد رأى ما رأيت ، وأما نواحي المسجد ما يدرون ما الأمر غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون : سبحان الله ، سبحان الله ، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال يا ابن العباس ، انظر من قتلني ؟ قال : فغاب ساعة ، ثم جاء فقال : غلام المغيرة بن شعبة فقال عمر رضي الله عنه : قاتله الله لقد كنت أمرت به معروفا .

ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل مسلم ، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة ، وكان العباس أكثرهم رقيقا ، فقال ابن عباس : إن شئت فعلت ، أي : إن شئت قتلناهم ، قال بعدما : تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم وحجوا حجكم ؟ فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه ، قال : وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، قال : فقائل يقول : أخاف عليه ، وقائل : يقول لا بأس .

فأتي بنبيذ فشرب منه فخرج من جوفه ، ثم أتي بلبن فشرب منه فخرج من جوفه فعرفوا أنه ميت .

قال فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه ، وجاء رجل شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى من الله عز وجل قد كان لك صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة ، فقال : وددت أن ذلك كان كفافا لا علي ولا لي .

فلما أدبر الرجل إذا إزاره يمس الأرض فقال : ردوا علي الغلام فقال : يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك .

ثم قال يا عبد الله ، انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه فقال : إن وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم وادعني ، هذا المال وانطلق ، إلى أم المؤمنين عائشة فقل عمر يقرأ عليك السلام ، ولا تقل أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا ، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه .

فذهب عبد الله فسلم واستأذن ، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي ، فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه ، فقالت : كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء فقال : ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك ؟ قال : الذي تحب يا أمير المؤمنين قد أذنت، قال الحمد لله ما كان شيء أهم إلي من ذلك ، فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلم ، وقل : يستأذن عمر ، فإن أذنت لي فأدخلوني ، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين .

وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال فولجت داخلا فسمعنا بكاءها من داخل ، فقالوا : أوص يا أمير المؤمنين واستخلف ، فقال : ما أرى أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، فسمى : عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمارة سعدا فذاك وإلا فليستعن به أيكم أمر فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة .

وقال : أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم فضلهم ويحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ، أن يقبل من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم ، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا ، فإنهم ردء الإسلام وجباة الأموال وغيظ العدو ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضا منهم ، وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام وأن يأخذ ، من حواشي أموالهم ويرد على فقرائهم ، وأوصيه بذمة الله عز وجل وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل لهم من وراءهم ولا يكلفهم إلا طاقتهم ، قال : فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر وقال : يستأذن عمر بن الخطاب ، فقالت : أدخلوه فأدخلوه في موضع هنالك مع صاحبيه ، الحديث .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال لي جبريل عليه السلام ليبك الإسلام على موت عمر .

وعن ابن عباس قال : وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي فالتفت ، فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فترحم على عمر ، وقال : ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم ، الله إن كنت لأظن ليجعلنك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر فإني ، كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما .


* (وفاة عمر رضي الله عنه) *

(قال عمر بن ميمون) بن مهران الجزري أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن سبط سعيد بن جبير، ثقة فاضل، مات سنة سبع وأربعين روى له الجماعة (كنت قائما غداة أصيب عمر) -رضي الله عنه- (ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس) -رضي الله عنه- (وكان) عمر (إذا مر بين الصفين) من صفوف الصلاة (قام بينهما فإذا رأى خللا قال: استووا) أمرهم لتسوية الصف (حتى إذا لم ير خللا تقدم فكبر) للصلاة (قال: وربما قرأ) في صلاة الغداة (سورة يوسف أو) سورة (النحل أو نحو ذلك) من السور الطوال (في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس) ويدخلون في الصلاة (فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو) قال (أكلني الكلب، حين طعنه أبو لؤلؤة) غلام المغيرة بن شعبة (وطار العلج) يريد به المذكور فإنه كان مجوسيا (بسكين ذات طرفين) نضابها في الوسط (لا يمر على أحد يمينا وشمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا) في المسجد (فمات منهم تسعة وفي رواية سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين) من حاج العراق (طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ) إذ كثرت عليه الناس (نحر نفسه) بتلك السكين .

(وتناول عمر -رضي الله عنه- عبد الرحمن بن عوف فقدمه) للصلاة إذ كان قريبا منه (فأما من كان يلي عمر فقد رأى ما رأى، وأما نواحي المسجد ما يدرون ما الأمر غير أنهم فقدوا صوت عمر) -رضي الله عنه- (وهم يقولون: سبحان الله، سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال) عمر (يا ابن عباس، انظر من قتلني؟ قال: فغاب) ابن عباس (ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة بن شعبة، قال: قاتله الله لقد كنت [ ص: 311 ] أمرت به معروفا، ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل مسلم، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقا، فقال ابن عباس: إن شئت فعلت، أي: إن شئت قتلناهم، قال: بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم وحجوا حجكم؟ فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، قال: وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، قال: فقائل يقول: أخاف عليه، وقائل: يقول لا بأس) به (فأتي) بالطبيب فأمره (بنبيذ فشرب فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشرب منه فخرج من جوفه فعرفوا أنه ميت) لنفوذ الجرح الصفاق .

(قال فدخلت عليه وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى من الله -عز وجل- قد كان لك من صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة، فقال: وددت أن ذلك كان كفافا لا علي ولا لي، فلما أدبر الرجل إذا إزاره يمس الأرض) أي: من طوله (فقال: ردوا علي الغلام) فردوه (فقال: يا ابن أخي ارفع ثوبك) عن الأرض (فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك) .

روى أحمد وابن سعد والبيهقي، عن الأشعث بن سليم، عن عمته، عن عمتها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك، أما لك في أسوة ( ثم قال) لولده عبد الله بن عمر (يا عبد الله، انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا) درهما (ونحوه فقال: إن وفى به مال آل عمر) هم أهله من أولاد وأزواج (فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب) وهم عشيرته الأدنون (فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم) أي: لا تجاوزهم (إلى غيرهم، وادعني هذا المال، انطلق إلى أم المؤمنين عائشة) -رضي الله عنها- (فقل عمر يقرأ عليك السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فذهب عبد الله) بن عمر إلى عائشة -رضي الله عنها- (فسلم) على الباب (واستأذن، ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل) من عندها (قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء فقال: ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين) قد (أذنت) أن تدفن مع صاحبيك (فقال الحمد لله الذي ما كان شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قبضت فاحملوني) إلى حجرتها (ثم سلم، وقل: يستأذن عمر، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين، وجاءت أم المؤمنين حفصة) -رضي الله عنها- (والنساء يسترنها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة) وسيأتي أنه منعها من النوح والتعديد (واستأذن الرجال فولجت داخلا) معهم (فسمعنا بكاءها من داخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف، فقال: ما أرى أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر) الستة (الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، فسمى: عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعد) بن أبي وقاص (وعبد الرحمن) بن عوف رضي الله عنهم (وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر) يعني ولده (وليس له من الأمر شيء) أي: لا يستحق في الإمارة شيئا (كهيئة التعزية) له والتسلية (فإن أصابت الإمارة سعد) بن [ ص: 312 ] أبي وقاص (فذاك) هو المظنون فيه (وإلا فليستعن به) أي: برأيه ومشورته (أيكم أمر) أي: جعل أميرا (فإني لم أعزله) ، عن الكوفة (من عجز) في رأيه (ولا من خيانة) في دينه، وكان عمر قد أمره على الكوفة سنة إحدى وعشرين، ثم عزله .

(وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم فضلهم ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء الإسلام وجباة الأموال وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضا منهم، وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يوفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم، قال: فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي) بجنازته إلى حجرة أم المؤمنين عائشة (فسلم عبد الله بن عمر وقال: يستأذن عمر بن الخطاب، فقالت: أدخلوه فأدخل في موضع هناك مع صاحبيه، الحديث) إلخ .

وهو: فلما فرغ من دفنه ورجعوا، اجتمع الرهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، قال فخلا هؤلاء الثلاثة: علي وعثمان وعبد الرحمن، فقال عبد الرحمن لهما: أيكما يبرأ من هذا الأمر ونجعله إليه والله عليه والإسلام، لننظرن أفضلهم من نفسه وليحرص على صلاح الأمة، قال فأسكت الشيخان، فقال: اجعلاه إلي والله علي لا آلو عن أفضلكم، قالا: نعم، فخلا بعلي فقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، آلله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن، قال: نعم، ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق، قال لعثمان: ارفع يدك فبايعه، ثم بايع له علي، ثم ولج أهل الدار فبايعوه .

رواه بهذا السياق البخاري فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون أنه رأى عمر قبل أن يصاب بأيام، وقف على حذيفة وابن حنيف إلى أن قال: فإذا رأى خللا قال: استروا، فساقه، وفيه: قتلني الكلب، ولم يشك، وفيه: بسكين ذي طرفين، ولم يذكر بعده إلى أن قال: فأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون بل فقدوا صوت عمر ولم يقل: فأما من كان يليه، وفيه: لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام، وفيه: فقال ابن عباس: إن شئت، ولم يقل فعلت، وفيه: فاستقى لبنا فخرج من جرحه فعرفوا أنه ميت، ولم يذكر فيه قصة رد الغلام، ولا وصيته في قضاء الدين، ولا وصيته بالمهاجرين وأهل الأمصار والأعراب .

وقد رواه بهذه الزيادات البخاري والنسائي من طريق جرير، عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بثلاث أو أربع واقفا على ناقته على حذيفة وعثمان بن حنيف، وهو يقول: لعلكما حملتما الأرض، يعني من الخراج، ما لم تطق، فساق الحديث. وفيه: فما أتت عليه ثلاث حتى أصيب، قال: وكان إذا دخل المسجد وأقيمت الصلاة قام بين كل صفين. فساقه كسياق المصنف، وفيه: مات سبعة، فطرح عليه رجل من حاج العراق برنسا فأخذه، وفيه: فجال ابن عباس ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة بن شعبة قال: آلصنع؟ قال: قاتله الله، وفيه: والناس يقولون لا بأس عليك فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فعرف أنه الموت، فقال لابنه عبد الله: انظر ما كان علي من دين قال: ستة وثمانون ألفا، قال: إن وفى، إلخ. إلى أن قال: واذهب إلى عائشة، فساقه إلى أن قال: فلما جاء ابن عمر قال عمر: أقعدوني، فأسنده رجل إلى صدره، فقال لابن عمر: ما لديك، إلخ. وفيه: وليس له من الأمر شيء، فمن استخلفوه فهو الخليفة بعدي، فإن أصابت سعدا وإلا فليستعن به الخليفة، فإني لم أنزعه من ضعف ولا خيانة، ثم ذكرا قصة الغلام وقوله: يا ابن أخي ارفع إزارك، ثم ذكرا وصيته بالمهاجرين وأهل الأمصار والأعراب وأهل الذمة، وفيه: فلما توفي حمل فكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ حتى إذا دنا ابن عمر سلم على عائشة، ثم قال: استأذنك عمر، فأذنت له، وقالت له: أدخله، هذا آخر سياقها من طريق جرير.

وقال صاحب كتاب المتفجعين: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، حدثنا شبابة بن سوار، حدثني فرات بن السائب، عن ميمون بن مهران قال: لقيت ابن عمر بالمدينة فقلت: إني لأحب أن أعلم كيف كان قتل عمر -رضي الله عنه- فقال: صنع قين المغيرة مدية لها رأسان مقبضهما في وسطها، فدخل المسجد صلاة الفجر، وعمر -رضي الله عنه- معه درته يأمر الناس بتسوية الصفوف، فطعنه تسع طعنات فقال عمر: دونكم الكلب، فقد قتلني [ ص: 313 ] فثار بالناس فجعل لا يدنو إليه أحد إلا أهوى إليه فطعنه، فطعن يومئذ ثلاثة عشر إنسانا، فمات منهم ستة في المسجد، واحتمل عمر -رضي الله عنه- إلى بيته، وأدخل الناس إلى منزله، فقال لي: أي بني، اخرج إلى الناس فسلهم أعن ملامتهم كان هذا، فلما ذكرت ذلك لهم قالوا: معاذ الله وحاشا لله، لوددنا أنا فديناه بالآباء والأبناء، والله ما أتى علينا يوم قط بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظم من هذا اليوم، وكان أول من دخل عليه علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، فنظر إليه ابن عباس فبكى، وقال: أبشر يا أمير المؤمنين بالجنة، فقال: يا ابن عباس أتشهد لي بذلك فكأنه كاع فضرب على كاع منكبه وقال: أجل فأشهد له وأنا على ذلك من الشاهدين، فقال عمر بن الخطاب: وكيف؟ فقال ابن عباس: كان إسلامك عزا، وولايتك عدلا، ومنيتك شهادة، فقال: والله لا تفروا بي من ربي وذنبي، ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه، ثم قال لي: ضع رأسي بالأرض ثكلتك أمك، قال: وحدثنا عبد الملك الميموني، حدثنا حوذة، حدثنا ابن عوف، عن محمد بن سيرين، قال: لما طعن عمر -رضي الله عنه- جعل الناس يقولون: إنه لا بأس عليك، فقال عمر للطبيب: انظر فأدخل يده فنظر فقال: ما وجدت؟ فقال: قد بقي من وتينك ما تقضي منه حاجتك، قال: أنت أصدقهم، وأخبرهم، فقال له رجل، قال ابن عون: أراه ابن عباس، والله إني لأرجو أن لا تمس النار جلدك، فنظر إليه نظرا شديدا حتى رثينا له، ثم قال: إن علمك بذلك يا ابن فلان لقليل، لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به هول المطلع.

وقال الذهبي في مناقب عمر روى الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون رأيت عمر يوم طعن وعليه ثوب أصفر، فجر وهو يقول: وكان أمر الله قدرا مقدورا.

وروى يحيى بن أيوب، عن يونس، عن ابن شهاب، حدثني عبيد الله أن ابن عباس أخبره أنه جاء عمر حين طعن فاحتمله هو ورهط حتى أدخل بيته، قال: ثم غشي عليه فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق فقال: هل صلى الناس؟ قلنا: نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم توضأ وصلى وقال الحمد لله الذي قتلني من لا يحاجني عند الله بصلاة صلاها، وكان مجوسيا.

وقال صالح بن كيسان: عن ابن شهاب قال: كان عمر لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة، حتى كتب إليه المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا، ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس، إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسله إلى المدينة وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، قال فجاء إلى عمر يناشده شدة الخراج، فقال له عمر: ما خراجك بكثير في كنه ما تعمل فانصرف ساخطا يتذمر فلبث عمر ليالي، ثم دعاه فقال: ألم أحدث أنك تقول لو شاء لصنعت الطحن بالرمح، فالتفت إلى عمر عابسا، وقال لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فلما ولى قال عمر: أوعدني العبد آنفا، ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس فخرج عمر يوقظ الناس لصلاة الفجر، فلما دنا منه عمر وثب فطعنه في وسطه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته، ثم مال على أهل المسجد حتى طعن سوى عمر أحد عشر رجلا، ثم انخنس بخنجره، فقال عمر: قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس، ثم غلب عمر الدم حتى غشي عليه، قال ابن عباس: فاحتملت عمر في رهط حتى أدخلناه، فلم نزل عنده ولم يزل في غشية واحدة حتى أسفر، ثم أفاق فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ قلت: نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة، ثم توضأ، ثم صلى يعني في دمائه، وكان أبو لؤلؤة مجوسيا.

وقال عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ علي فمر أبو لؤلؤة فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنه لولا مكاني بطش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد لصلاة الفجر فإني لبين النائم واليقظان إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب، فماج الناس ساعة، ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف.

وقال ثابت البناني: عن أبي رافع، قال: كان أبو لؤلؤة عبدا للمغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب، وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله واتخذ خنجرا وشحذه وسمه، فجاء فقام خلف عمر في الصف، وضربه في كتفه وفي خاصرته فسقط عمر، وطعن ثلاثة عشر، مات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله، وكادت الشمس أن تطلع فصلى عبد الرحمن بالناس بأقصر سورتين، وسقي عمر نبيذا فخرج من جرحه، فلم يتبين فسقوه لبنا فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت، فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما [ ص: 314 ] والله وددت أني خرجت منها كفافا لا علي ولا لي، وإن صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلمت لي، وأثنى عليه ابن عباس، فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به هول المطلع، وقد جعلتها شورى في هؤلاء الستة، وأمر صهيبا أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثا.

وروى الأوزاعي ومسعر، عن سماك الحنفي، عن ابن عباس، قال: دخلت على عمر حين طعن، فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين، والله لقد مصر الله بك الأمصار وأوسع بك الرزق وأظهر بك الحق، فقال: وددت أني أنجو كفافا لا أجر ولا وزر.

وروى أبو عوانة، عن داود بن عبد الله، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: حدثنا ابن عباس، قال: أنا أول من أتى عمر حين طعن، فقال: احفظ مني ثلاثا: إني أخاف أن يدركني الناس، أما أنا فلم أقض في الكلالة قضاء، ولم أستخلف على الناس خليفة، وكل مملوك لي عتيق. فقال له الناس: استخلف، فقال: إن أدع الناس فقد ترك نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر.

وروى عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن كثير النواء، عن أبي عبيد مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: كنت مع علي فسمعت الصيحة على عمر، فقام وقمت معه حتى دخلنا على عمر البيت فقلت: ما هذا الصوت قالت امرأة: سقاه الطبيب نبيذا فخرج وسقاه لبنا فخرج، فقال: لا أرى أن تمسي فما كنت فاعلا فافعل، فقالت أم كلثوم: واعمراه، وكان معها نسوة يبكين معها وارتج البيت بكاء، فقال عمر: والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع، وقال ابن عباس: والله إني لأرجو أن لا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى: وإن منكم إلا واردها إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين وأمين المؤمنين وسيد المؤمنين تقضي بكتاب الله وتقسم بالسوية فأعجبه قولي، فاستوى جالسا قال: أتشهد لي بهذا يا ابن عباس؟ قال: فكففت فضرب علي -رضي الله عنه- كتفي فقال: اشهد، قلت: نعم أنا أشهد.

وروى مبارك بن فضالة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال قال عمر: من قتلني؟ قيل: أبو لؤلؤة؟ قال: الحمد لله الذي لم يقتلني رجل يخاصمني بلا إله إلا الله، فوضعت رأسه على فخذي فقال: ألصق خدي بالأرض، ففعلت، فقال: ويل عمر وويل أم عمر إن لم يغفر الله لي.

وقال يزيد بن هارون، حدثنا جرير بن عثمان، حدثنا حبيب بن عبيد، عن المقدام بن معدي كرب قال: دخلت حفصة على عمر فقالت: يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله، ويا أمير المؤمنين، فقال لابنه: أجلسني فلا صبر لي على ما أسمع، وقال لها: إني أحرج لما لي عليك من الحق أن تندبيني بعدها، فأما عينيك فلا أملكهما، إنه ليس من ميت يندب بما ليس فيه إلا مقتته الملائكة.

وروى حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: لما طعن عمر صرخت حفصة، فقال: يا حفصة أما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن المعول عليه يعذب، وجاء صهيب فقال: واعمراه فقال: ويلك يا صهيب، أما بلغك أن المعول عليه يعذب؟

وقال صاحب كتاب المتفجعين: حدثنا محمد بن جبلة، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا أسامة، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد، حدثني يحيى بن أبي راشد البصري قال: لما احتضر عمر بن الخطاب قال لابنه: يا بني، ادن مني، فضع ركبتيك بين كتفي وضع راحتك اليمنى على جبيني واليسرى تحت ذقني، وراعني فإذا مت فأغمض بصري، وغسلوني وأحسنوا غسلي، وكفنوني في ثوبين ولا تتغالوا في كفني، فإن يكن ربي -عز وجل- راضيا عني فلن يرضى لي بثيابكم حتى يكسوني من ثياب الجنة، وإن يكن علي ساخطا فإنه يسلبني سلبا سريعا ويلبسني شر الثياب، فإذا حفرتم قبري فاحفروا قدر مضجعي فإن يكن عني راضيا فسيوسعه مد بصري، وإن يكن ساخطا فسيضيقه علي حتى تختلف أعضائي، فإذا حملتموني فأسرعوا بي فإنما هو خير تردوني إليه أو شر تلقونه عن أعناقكم، ولا تمشين مع جنازتي امرأة ولا تتبعني نائحة، ولا تزكوني فربي أعلم بي، فإذا وضعتموني في حفرتي فقولوا: اللهم باسمك وعلى ملتك وملة رسولك وفي سبيلك أسلمه إليك الأهل والولد والمال والعشيرة، فاغفر له اللهم وارحمه، ثم أقرأ عليكم السلام حتى ألقاكم.

(وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال لي جبريل -عليه السلام- ليبك الإسلام على موت عمر) قال العراقي: رواه الآجري في كتاب الشريعة من حديث أبي بسند ضعيف جدا، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات . انتهى. قلت: قال فيه: حدثنا محمد بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا محمد بن رزق الله، حدثنا حبيب بن ثابت، حدثنا عبد الله بن عامر الأسلمي، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي بن كعب، رفعه: كان جبريل يذاكرني أمر عمر فقلت [ ص: 315 ] له: اذكر لي، فقال: لو جلست معك كما جلس نوح في قومه ما بلغت فضائل عمر، وليبكين الإسلام بعد موت عمر، قال الذهبي في "نعم السمر": ابن عامر واه، وحبيب مجهول، لعل الآفة منه .

(وعن ابن عباس) -رضي الله عنه- (قال: وضع عمر على سريره) بعدما كفن (فتكنفه الناس) أي: أحاطوا حواليه (يدعون ويصلون) أي: يترحمون (قبل أن يرفع، وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي) من ورائي (فالتفت، فإذا هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن ليجعلنك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت كثيرا أسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أو لأظن أن يجعلك الله معهما) .

قال العراقي: متفق عليه، قلت: روياه من طريق ابن المبارك، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس، فساقاه هكذا .

وروى أبو معشر نجيح، عن نافع، عن ابن عمر قال: وضع عمر بين القبر والمنبر فجاء علي حتى قام بين يدي الصفوف، فقال: رحمة الله عليك، ما من خلق الله أحب إلي من ألقى الله بصحيفته بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا المسجى عليه ثوبه.

وروى يونس بن أبي يعفور، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه أن عليا قال، فذكر نحوه. وروى ابن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن عليا دخل على عمر وهو مسجى فقال: صلى الله عليك، قال الذهبي: إسناده صحيح .

وقال صاحب كتاب المتفجعين: قيل لجعفر بن محمد: أيصلى على غير النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذا علي -كرم الله وجهه- قد صلى على عمر -رضي الله عنه- .

التالي السابق


الخدمات العلمية