إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان حال القبر وأقاويلهم عند القبور .

قال الضحاك قال رجل : يا رسول الله من أزهد الناس ؟ قال : من لم ينس القبر والبلى ، وترك فضل زينة الدنيا ، وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من أيامه ، وعد نفسه من أهل القبور وقيل لعلي ، كرم الله وجهه : ما شأنك جاورت المقبرة ؟ قال إني أجدهم خير جيران أجدهم جيران صدق يكفون الألسنة ويذكرون الآخرة .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه وقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : خرجنا مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى المقابر فجلس إلى قبر ، وكنت أدنى القوم منه .

فبكى وبكيت وبكوا ، فقال : ما يبكيكم ؟ قلنا : بكينا لبكائك ، قال : هذا قبر أمي آمنة بنت وهب استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ، فاستأذنته أن أستغفر لها فأبى علي فأدركني ما يدرك الولد من الرقة
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته .

فسئل عن ذلك وقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي إذا وقفت على قبر ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن
القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد
وقيل: إن عمرو بن العاص نظر إلى المقبرة فنزل وصلى ركعتين فقيل له : هذا شيء لم تكن تصنعه فقال ذكرت أهل القبور وما حيل بينهم وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله بهما .

وقال مجاهد أول ما يكلم ابن آدم حفرته فتقول : أنا بيت الدود وبيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الظلمة هذا ما أعددت لك فما أعددت لي ؟ وقال أبو ذر ألا أخبركم بيوم فقري يوم أوضع في قبري .

وكان أبو الدرداء يقعد إلى القبور فقيل له في ذلك ، فقال أجلس إلى قوم يذكروني معادي وإذا قمت لم يغتابوني .

وكان جعفر بن محمد يأتي القبور ليلا ويقول : يا أهل القبور ما لي إذا دعوتكم لا تجيبوني ، ثم يقول : حيل والله بينهم وبين جوابي ، وكأني بي أكون مثلهم ، ثم يستقبل الصلاة إلى طلوع الفجر .

وقال عمر بن عبد العزيز لبعض جلسائه : يا فلان لقد أرقت الليلة أتفكر في القبر وساكنه وإنك لو رأيت الميت بعد ثلاثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك به ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ويجري فيه الصديد وتخترقه الديدان مع تغير الريح وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة وطيب الريح ونقاء الثوب قال ، ثم شهق شهقة خر مغشيا عليه .

وكان يزيد الرقاشي يقول : أيها المقبور في حفرته والمتخلي في القبر بوحدته المستأنس في بطن الأرض بأعماله ليت شعري بأي أعمالك استبشرت وبأي إخوانك اغتبطت ، ثم يبكي حتى يبل عمامته ، ثم يقول : استبشر والله بأعماله الصالحة ، واغتبط والله بإخوانه المتعاونين على طاعة الله تعالى ، وكان إذا نظر إلى القبور خار كما يخور الثور .

وقال حاتم الأصم من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم .

وكان بكر العابد يقول يا أماه ليتك كنت بي عقيما إن لابنك في القبر حبسا طويلا ومن بعد ذلك منه رحيلا .

وقال يحيى بن معاذ يا ابن آدم دعاك ربك إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه إن أجبته من دنياك واشتغلت بالرحلة إليه دخلتها وإن أجبته من قبرك منعتها .

وكان الحسن بن صالح إذا أشرف على المقابر يقول : ما أحسن ظواهرك إنما الدواهي في بواطنك وكان عطاء السلمي إذا جن عليه الليل خرج إلى المقبرة ، ثم يقول : يا أهل القبور متم فواموتاه ، وعاينتم أعمالكم فواعملاه ، ثم يقول : غدا عطاء في القبور فلا يزال ذلك دأبه حتى يصبح وقال سفيان من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة ، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار .


(بيان حال القبر وأقاويلهم عند القبور)

(قال الضحاك) بن مزاحم الهلالي: أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني المفسر صدوق كثير الإرسال، مات بعد المائة، روى له الأربعة (قال رجل: يا رسول الله من أزهد الناس؟ قال: من لم ينس القبر والبلى، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ومن لم يعد غدا من أيامه، وعد نفسه من أهل القبور) .

رواه البيهقي في الشعب عن الضحاك مرسلا، وقد تقدم في كتاب الزهد والفقر، وقال أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن الضحاك بن مزاحم، قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال، فساقه، وفيه: وترك أفضل زينة الدنيا، وفيه: وعد نفسه من الموتى (وقيل لعلي، كرم الله وجهه: ما شأنك جاورت المقبرة؟ قال إني أجدهم خير جيران إني أجدهم جيران صدق يكفون الألسنة ويذكرون الآخرة) .

رواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: قيل لعلي: ما شأنك أبا حسن جاورت المقبرة؟ فذكره، روى أبو نعيم في الحلية من ترجمة زيد بن أسلم قال: سكن رجل المقابر فعوتب في ذلك، فقال: جيران صدق ولي فيهم عبرة، (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه) روي ذلك من حديث عثمان، وقد تقدم في الباب الثالث من كتاب آداب الصحبة، وسيأتي له ذكر أيضا، (وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المقابر فجلس إلى قبر، وكنت أدنى القوم منه فبكى وبكيت وبكوا، فقال: ما يبكيكم؟ قلنا: بكينا لبكائك، قال: هذا قبر أمي آمنة بنت وهب استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، فاستأذنته أن أستغفر لها فأبى علي فأدركني ما يدرك الولد من الرقة) .

قال العراقي: تقدم في كتاب الصحبة أيضا، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور من حديث ابن مسعود، وفيه ذكر لعمر بن الخطاب، انتهى .

قلت: حديث الاستئذان بزيارة قبر الأم قد ورد من طرق من حديث أبي هريرة وبريدة بن الحصيب وابن مسعود، فحديث أبي هريرة قال ابن أبي شيبة في المصنف: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: زار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبر أمه [ ص: 352 ] فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت.

وقد رواه كذلك أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان، وحديث بريدة بن الحصيب رواه ابن أبي شيبة أيضا فقال: حدثنا محمد بن عبيد الله الأسدي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سلمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة أتى جذع قبر فجلس إليه فجعل يحرك يده ورأسه كهيئة المخاطب، وأجلس الناس حوله، فقام وهو يبكي فتلقاه عمر، وكان من أجرأ الناس عليه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما الذي أبكاك؟ قال: هذا قبر أمي سألت ربي الزيارة فأذن لي وسألته الاستغفار فلم يأذن لي، فذكرتها فرقت نفسي فبكيت، قال فلم ير يوما كان أكثر باكيا منه يومئذ، وقال محمود بن محمد في كتاب المتفجعين: حدثني محمد بن علي بن ميمون، حدثنا الفريابي، حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة قال: أتى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- رسم قبر فجلس وجلس الناس عنده فجعل يحرك يده ورأسه كالمخاطب، وقام يبكي، فقال له عمر: ما يبكيك يا نبي الله؟ قال: استأذنت ربي -عز وجل- في زيارة قبر أم محمد فأذن لي، وسألته الاستغفار لها فأبى علي.

قلت: هكذا هو في سياق السند عن سليمان بن بريدة، قال: ولعله سقط لفظ عن أبيه، والله أعلم .

وحديث ابن مسعود رواه الحاكم، ولفظه: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيه، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه، ونزل علي: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة، فذلك الذي أبكاني. وقال ابن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، حدثنا فرقد السبخي، حدثنا جابر بن زيد، حدثنا مسروق عن عبد الله، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إني نهيتكم عن زيارة القبور فإنه قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها تذكركم، وقد تقدم الكلام على شيء من ذلك في كتاب آداب الصحبة (وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فسئل عن ذلك وقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي إذا وقفت على قبر، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد) .

قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه، وتقدم في آداب الصحبة، انتهى، قلت: ورواه كذلك حسان بن السري وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والبيهقي، وقال محمود بن محمد في كتاب المتفجعين: حدثنا محمد بن جبلة والميموني قالا: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف الصاغاني، حدثني عبد الله بن بحير عن هانئ مولى عثمان عن عثمان أنه كان إذا وقف على القبر فبكى حتى تبل الدموع لحيته فقيل له: إنك تذكر الجنة والنار فلا نراك تبكي وتبكي من القبر؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده شر منه. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه. قال عثمان: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت، قال: استغفروا لصاحبكم، وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل، ورواه أبو نعيم في الحلية مختصرا فقال: حدثنا فاروق الخطابي، حدثنا أبو مسلم، حدثنا علي بن عبد الله المديني، حدثنا هشام بن يوسف، حدثنا عبد الله بن يحيى عن هانئ مولى عثمان بن عفان، قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته (وقيل: إن عمرو بن العاص) - رضي الله عنه- (نظر إلى المقبرة) يوما (فنزل) عن دابته (وصلى ركعتين فقيل له: هذا شيء لم تكن تصنعه) فهل له من سبب؟ (فقال) : نعم (ذكرت أهل القبور وما حيل بينهم وبينه فأحببت أن أتقرب إلى الله بهما) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور (وقال مجاهد) رحمه الله تعالى: (أول ما يكلم ابن آدم حفرته فتقول: أنا بيت الدود وبيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الظلمة هذا ما أعددت لك فماذا أعددت لي؟) .

ويروى نحوه مرفوعا من حديث أبي الحجاج الثمالي والبراء بن عازب وغيرهما، وأقرب السياق إليه حديث البراء وقول عبيد بن عمير، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى في بيان كلام القبر للميت (وقال أبو ذر) الغفاري، رضي الله عنه: (ألا أخبركم بيوم فقري يوم أوضع في قبري) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور (وكان أبو الدرداء) -رضي الله عنه- (يقعد إلى القبور فقيل له في ذلك، فقال [ ص: 353 ] أجلس إلى قوم يذكروني معادي وإن قمت لم يغتابوني) ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور (وكان) أبو عبد الله (جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين، رحمه الله تعالى (يأتي القبور ليلا ويقول: يا أهل القبور ما لي إذا دعوتكم لا تجيبوني، ثم يقول: حيل والله بينهم وبين جوابي، وكأني بي أكون مثلهم، ثم يستقبل الصلاة إلى طلوع الفجر) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور (وقال عمر بن عبد العزيز) رحمه الله تعالى (لبعض جلسائه: يا فلان) كذا في النسخ وفي الحلية أبا فلان: (لقد أرقت الليلة أتفكر) ، قال: فيم أمير المؤمنين؟ قال: (في القبر وساكنه أنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك به) ولفظ الحلية: بناحيته (ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ويجري فيه الصديد وتخترقه الديدان مع تغير الريح وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة وطيب الريح ونقاء الثوب، ثم شهق شهقة خر مغشيا عليه) .

رواه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبان، حدثني أبي، حدثنا أبو بكر بن سفيان، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا عمرو بن جرير، حدثني أبو السريع الشامي، قال: قال عمر بن عبد العزيز لرجل من جلسائه، فساقه وزاد بعد قوله: مغشيا عليه، فقالت فاطمة: يا مزاحم ويحك أخرج هذا الرجل عنا فلقد نغص على أمير المؤمنين الحياة منذ ولي، فليته لم يل، قال: فخرج الرجل فجاءت فاطمة تصب على وجهه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته فرآها تبكي فقال: ما يبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا أمير المؤمنين رأيت مصرعك بين أيدينا فذكرت به مصرعك بين يدي الله تعالى للموت وتخليك من الدنيا وفراقك لنا، فذلك الذي أبكاني فقال: حسبك يا فاطمة فلقد أبلغت، ثم مال ليسقط فضمته إلى نفسها، فقالت: بأبي أنت يا أمير المؤمنين ما تستطيع أن نكلمك بكل ما نجد لك في قلوبنا فلم يزل على حاله تلك حتى حضرته الصلاة فصبت على وجهه ماء، ثم نادته: الصلاة يا أمير المؤمنين، فأفاق فزعا قلت: أبو بكر بن سفيان في سياق السند هو ابن أبي الدنيا، وهكذا أورده بهذا السياق كله في كتاب القبور له (وكان يزيد) بن أبان (الرقاشي) البصري التابعي، رحمه الله تعالى (يقول: أيها المقبور في حفرته المتخلي في القبر بوحدته المستأنس في بطن الأرض بأعماله ليت شعري بأي أعمالك استبشرت وبأي إخوانك اغتبطت، ثم يبكي حتى يبل عمامته، ثم يقول: استبشر والله بأعماله الصالحة، واغتبط بإخوانه المتعاونين على طاعة الله تعالى، وكان إذا نظر إلى القبر خار كما يخور الثور) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور بلفظ: قال يزيد الرقاشي: بلغني أن الميت إذا وضع في قبره احتوشته أعماله، ثم أنطقها الله، ثم قالت أيها العبد المنفرد في حفرته انقطع عنك الأخلاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم غيرنا.

رواه الخطيب في التاريخ، وزاد: ثم يبكي يزيد ويقول: فطوبى لمن كان أنيسه صالحا، والويل لمن كان أنيسه عليه وبالا، وروى أبو نعيم في الحلية من طريق أبي إسحاق الخميسي قال: كان يزيد الرقاشي يقول في قصصه: يا معشر من القبر بيته والموت موعده ألا تبكون؟ قال: فبكى حتى سقطت أشفار عينيه (وقال) أبو عبد الرحمن (حاتم) بن يوسف (الأصم) مولى المثنى المحاربي، رحمه الله تعالى: (من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور (وكان بكر) بن محمد (العابد) رحمه الله تعالى حكى عن مالك بن دينار له ذكر في الحلية (يقول) لأمه: (يا أماه ليتك كنت بي عقيما إن لابنك في القبر حبسا طويلا وبعد ذلك منه رحيلا) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور (وقال يحيى بن معاذ) الرازي رحمه الله تعالى: (يا ابن آدم دعاك الله إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه إن أجبته من دنياك واشتغلت بالرحلة إليه دخلتها وإن أجبته من قبرك منعتها) .

رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور (وكان الحسن بن صالح) بن حيي بن حيان بن شفي الهمداني الثوري الكوفي العابد، مولده سنة مائة، ومات سنة تسع وستين، روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة: (إذا أشرف على المقابر يقول: ما أحسن ظواهرك إنما الدواهي في بواطنك) . رواه ابن أبي الدنيا [ ص: 354 ] في كتاب القبور، وروى أبو نعيم من طريق يحيى بن يونس، قال: كان الحسن بن صالح ينظر إلى المقبرة فيصرخ ويغشى عليه (وكان عطاء السليمي) البصري العابد رحمه الله تعالى (إذا جن عليه الليل خرج إلى المقبرة، ثم يقول: يا أهل القبور متم فواموتاه، وعاينتم أعمالكم فواعملاه، ثم يقول: غدا عطاء في القبور فلا يزال ذلك دأبه حتى يصبح) .

قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال: سمعت عبد الخالق بن عبد الله العبدي قال: كان عطاء إذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر فوقف على أهل القبور، ثم قال: يا أهل القبور متم فواموتتاه، ثم يبكي ويقول: يا أهل القبور عاينتم ما عملتم فواعملاه، فلا يزال كذلك حتى يصبح، قال: وحدثنا أبو محمد بن حيان، حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا سيار بن حاتم، حدثني بشر بن منصور قال: كنت أسمع عطاء السليمي كل عشية بعد العصر يقول: غدا عطاء في القبر غدا عطاء في القبر، وبالسند إلى أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن حدثني أبي عن حماد بن زيد، قال: كان عطاء لا يتكلم فإذا تكلم قال عطاء: غدا هذه الساعة في القبر قال: وحدثنا محمد بن أحمد بن النضر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا محمد بن مخزوم، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا الصلت بن حكيم، حدثنا العلاء بن محمد البصري، قال: شهدت عطاء السليمي خرج في جنازة فغشي عليه أربع مرات حتى صلي عليها كل ذلك يغشى عليه ثم يفيق فإذا نظر إلى الجنازة خر مغشيا عليه (وقال سفيان) الثوري: (من أكثر ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار) ،رواه ابن أبي الدنيا في كتاب القبور .

التالي السابق


الخدمات العلمية