إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
صفة أرض المحشر وأهله .

ثم انظر كيف يساقون بعد البعث والنشور حفاة عراة غرلا إلى أرض المحشر أرض بيضاء قاع صفصف لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ولا ترى عليها ربوة يختفي الإنسان وراءها ولا وهدة ينخفض عن الأعين فيها بل هو صعيد واحد بسيط لا تفاوت فيه يساقون إليه زمرا فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض إذ ساقهم بالراجفة تتبعها الرادفة ، والراجفة هي النفخة الأولى والرادفة هي النفخة الثانية وحقيق لتلك القلوب أن تكون يومئذ واجفة ولتلك الأبصار أن تكون خاشعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرص النقي ليس فيها معلم لأحد .

قال الراوي والعفرة بياض ليس بالناصع والنقي هو النقي عن القشر والنخالة ومعلم أي لا بناء : يستر ولا تفاوت يرد البصر .

ولا تظنن أن تلك الأرض مثل أرض الدنيا بل لا تساويها إلا في الاسم قال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات .

قال ابن عباس يزداد فيها وينقص وتذهب أشجارها وجبالها وأوديتها وما فيها وتمد مد الأديم العكاظي أرض بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة ، والسموات تذهب شمسها وقمرها ونجومها فانظر يا مسكين في هول ذلك اليوم وشدته ، فإنه إذا اجتمع الخلائق على هذا الصعيد تناثرت من فوقهم نجوم السماء وطمس الشمس والقمر وأظلمت الأرض لخمود سراجها فبينما هم كذلك إذ دارت السماء من فوق رءوسهم وانشقت مع غلظها وشدتها خمسمائة عام والملائكة قيام على حافاتها وأرجائها فيا هول صوت انشقاقها في سمعك ، ويا هيبة ليوم تنشق فيه السماء مع صلابتها وشدتها ، ثم تنهار وتسيل كالفضة المذابة تخالطها صفرة فصارت وردة كالدهان وصارت السماء كالمهل وصارت الجبال كالعهن واشتبك الناس كالفراش المبثوث وهم حفاة عراة مشاة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان . قالت سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم راوية الحديث قلت : يا رسول الله ، واسوأتاه ! ينظر بعضنا إلى بعض ؟! فقال شغل الناس عن ذلك بهم ! لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه فأعظم بيوم تنكشف فيه العورات ويؤمن فيه مع ذلك النظر والالتفات كيف وبعضهم يمشون على بطونهم ووجوههم فلا قدرة لهم على الالتفات إلى غيرهم ، قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف : ركبانا ، ومشاة ، وعلى وجوههم ، فقال : رجل يا رسول الله ، وكيف يمشون على وجوههم ؟ قال الذي : أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم

في طبع الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به ، ولو لم يشاهد الإنسان الحية وهي تمشي على بطنها كالبرق الخاطف لأنكر تصور المشي على غير رجل والمشي ، بالرجل أيضا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك ، فإياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفته قياس ما في الدنيا ، فإنك لو لم تكن قد شاهدت عجائب الدنيا ، ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارا لها فأحضر في قلبك صورتك وأنت واقف عاريا مكشوفا ذليلا مدحورا متحيرا مبهوتا منتظرا لما يجري عليك من القضاء بالسعادة أو بالشقاوة ، وأعظم هذه الحال فإنها عظيمة .


* (صفة أرض المحشر وأهله) *

(ثم انظر كيف يساقون بعد البعث والنشور) من قبورهم (وهم حفاة) جمع حاف (عراة) جمع عار (غرلا) جمع أغرل وهو الأقلف (إلى أرض المحشر) وهي (بيضاء) كأنها درمكة (قاع صفصف) مستو (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) العوج محركة، يقال فيما يدرك بالبصر كالخشب المنصوب ونحوه، وبالكسر فيما يدرك بفكر وبصيرة، وقد يكون في أرض بسيط عوج يعرف تفاوته بالبصر .

وروى الحاكم من طريق ورقاء بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قاعا صفصفا قال: مستويا؛ لا ترى فيها عوجا؛ أي: تخفضا ولا أمتا؛ أي: مرتفعا (ولا نرى عليها ربوة) أي: بقعة مرتفعة (يختفي الإنسان وراءها ولا وهدة) بقعة منخفضة (ينخفض عن الأعين فيها بل هو صعيد واحد بسيط لا تفاوت فيه يساقون إليه زمرا) أي: جماعة كما قال تعالى: فتأتون أفواجا .

(فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم) من الإنس والجن والشياطين والوحوش والطيور (من أقطار الأرض) أي: جوانبها، روى الحكيم من حديث ابن عمرو : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وحشر الله الخلائق الإنس والجن والدواب والوحوش.. الحديث، ومن حديث جابر : تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم، ثم لا يكون [ ص: 454 ] لابن آدم منها إلا موضع قدميه (إذ ساقهم بالراجفة تتبعها الرادفة، والراجفة هي) الواقعة التي ترجف الأجرام عندها وهي (النفخة الأولى) لأنها ترجفهم وتزلزلهم عن مواضعهم (والرادفة هي) النفخة (الثانية) لأنها تردفها؛ أي: تتبعها، وبينهما أربعون عاما كما في حديث أبي هريرة، وبه فسر قوله تعالى: يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة وقيل: المراد بالرادفة الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال؛ لقوله تعالى: يوم ترجف الأرض والجبال والرادفة: هي السماء والكواكب تنشق وتنشر، وما ذكره المصنف هو المنقول عن أبي صالح، رواه عبد بن حميد .

وروي أيضا عن قتادة قال: هما الصيحتان، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله تعالى، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله تعالى، وروي نحوه عن الحسن.

وروى أبو الشيخ وابن مردويه من حديث أبي هريرة : ترجف الأرض رجفا وتزلزل بأهلها وهي التي يقول الله: يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة يقول: مثل السفينة في البحر تكفأ بأهلها أو مثل القنديل المعلق بإرجائه.

وروى أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من حديث أبي بن كعب قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ربع الليل قام فقال: أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، وقد تقدم في أول هذا الكتاب .

(فحقيق لتلك القلوب أن تكون يومئذ واجفة) أي: وجلة متحركة أو خائفة مضطربة من الوجيف وهو شدة الاضطراب والخفقان (ولتلك الأبصار أن تكون خاشعة) أي: ذليلة من الخوف (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرص) وفي لفظ: كقرصة (النقي ليس فيها معلم لأحد) .

قال العراقي : متفق عليه من حديث سهل بن سعد، وفصل البخاري قوله ليس فيها معلم لأحد فجعلها من قول سهل أو غيره وأدرجها مسلم فيها. اهـ. .

قلت: وكذلك رواه ابن حبان في الصحيح وابن جرير وابن مردويه كلهم كرواية مسلم، وروى ابن أبي حاتم عن سهل بن سعد في تفسير قوله تعالى: فإذا هم بالساهرة قال: أرض بيضاء عفراء كالخبزة من النقي (قال الراوي) حين سئل عن المعنى (فالعفرة) بالضم (بياض ليس بالناصع) أي: الخالص، هكذا قاله الخطابي، وقال عياض: بياض يضرب إلى حمرة قليلة، وقال ابن فارس: معنى عفراء خالصة البياض، وقال الداودي: شديدة البياض. كذا قال، والأول المعتمد كذا في الفتح (والنقي) كأمير (هو النقي) المخلص (من القشر والنخالة) ؛ ولذلك جاء تشبيهها في حديث آخر بالدرمكة، وهي الخبز النقي .

(و) قوله (لا معلم) فيها لأحد (أي: لأبناء يستر ولا تفاوت يرد البصر) وهو مفعل من العلامة مصدر ميمي (ولا تظنن أن تلك الأرض مثل أرض الدنيا) في الهيئة والصفة هيهات! (لا تساويها إلا في الاسم) فقط (قال تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) عطف على الأرض، وتقديره: والسموات غير السموات، والتبديل يكون في الذات وفي الصفة، والآية تحتملهما، ويدل على الثاني ما (قال ابن عباس ) -رضي الله عنهما- (يزاد فيها وينقص) منها (وتذهب أشجارها) وآكامها (وجبالها وأوديتها وما فيها وتمد مد الأديم العكاظي) منسوب إلى عكاظ، وهو موضع بالحجاز ينسب إليه السوق، والأديم: الجلد، منسوب إليه (أرض بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم ولم تعمل عليها خطيئة، والسموات تذهب شمسها وقمرها ونجومها) رواه البيهقي في البعث والنشور هكذا موقوفا على ابن عباس .

وقد روي نحوه من حديث ابن مسعود في تفسيره هذه الآية قال: أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم تعمل فيها خطيئة. رواه البزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث هكذا عنه مرفوعا. وروى عنه أيضا موقوفا عليه، وهكذا رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه، وقال البيهقي في البعث: والموقوف أصح .

وروى ابن جرير وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: أتى اليهود النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألونه فقال: جاءوا يسائلوني سأخبرهم قبل أن يسألوني يوم تبدل الأرض غير الأرض قال: أرض بيضاء كالفضة فسألهم فقالوا: أرض بيضاء كالنقى .

وروى الشيخان وابن جرير وابن مردويه من حديث أبي سعيد : تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفاها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفرة . الحديث، وروى ابن مردويه عن أفلح مولى [ ص: 455 ] أبي أيوب أن رجلا من اليهود سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية فقال: ما الذي تبدل به؟ قال: خبزة، فقال اليهودي: درمكة، بأبي أنت، فقال: فضحك، ثم قال: قاتل الله اليهود! هل تدرون ما الدرمكة؟ لباب الخبز .

وروى ابن جرير، عن سعيد بن جبير، قال: تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه، وروى البيهقي في البعث عن عكرمة قال: تبدل الأرض بيضاء مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب . وروى ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: خبزة يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم.

ومما يدل على القول الأول ما رواه ابن جرير وابن مردويه عن أنس قال: يبدلها الله يوم القيامة بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا، ثم ينزل عليها الجبار -عز وجل-.

وروى ابن أبي الدنيا في صفة الجنة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن علي، قال: تبدل الأرض من فضة والسماء من ذهب. وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: أرض كأنها فضة والسموات كذلك، وروى عبد بن حميد عن عكرمة قال: بلغنا أن هذه الأرض تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال: تغير السموات جنانا، ويصير مكان البحر نارا، وتبدل الأرض غيرها. وروى ابن جرير عن ابن مسعود قال: الأرض كلها نار يوم القيامة .

(فانظر يا مسكين في هول اليوم وشدته، فإنه إذا اجتمع الخلائق على هذا الصعيد تناثرت من فوقهم نجوم السماء) كما قال تعالى: وإذا الكواكب انتثرت أي: تساقطت متفرقة (وطمس الشمس والقمر) كما قال تعالى: فإذا النجوم طمست أي: ذهب ضوءها، وقال تعالى: إذا الشمس كورت أي: لف ضوءها؛ فذهب انبساطه في الآفاق وزال أثره (وأظلمت الأرض لخمود سراجها) وذهاب ضوئه .

(فبينما أنت كذلك إذ دارت السماء من فوق رءوسهم وانشقت) بالغمام لقوله تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام أو لنزول الملائكة كما قال تعالى: وانشقت السماء فهي يومئذ واهية وروى ابن أبي حاتم، عن علي، قال: تتشقق السماء من المجرة (مع غلظها وشدتها خمسمائة عام) كما تقدم في كتاب التفكر (والملائكة قيام على حافاتها وأرجائها) كما قال تعالى: والملك على أرجائها أي: جوانبها، وهو تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها .

(فيا هول صوت انشقاقها في سمعك، ويا هيبة ليوم تنشق فيه السماء مع صلابتها وشدتها، ثم تنهار وتسيل كالفضة المذابة تخالطها صفرة فصارت وردة كالدهان) .

روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: فكانت وردة يقول: حمراء مثل الدهان، قال: هو الأديم الأحمر، وروى ابن جرير عنه قال: كالدهان، يقول: تغير لونها، وروى الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: مثل لون الفرس الورد، وروى عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال: حمراء كالدابة الوردة، وروى عبد بن حميد عن أبي الجوزاء : فكانت وردة كالدهان قال: وردة الجبل كالدهان قال: لصفاء الدهن، وروى أبو الشيخ في العظمة عن عطاء، قال: لون السماء كلون دهن الورد في الصفرة، وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: هي اليوم خضراء كما ترون، وإن لها يوم القيامة لونا آخر، وروى محمد بن نصر عن لقمان بن عامر الحنفي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بشاب وهو يقرأ: فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فوقف فاقشعر وخنقته العبرة، فجعل يبكي ويقول: ويلي من يوم تنشق فيه السماء! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: مثل ما تأتي؛ فوالذي نفسي بيده لقد بكت الملائكة من بكائك.

(وصارت السماء كالمهل) الرصاص المذاب، وروى السدي عن مرة، عن ابن مسعود، قال: السماء تكون ألوانا تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية وتشقق فتكون حالا بعد حال .

(وصارت الجبال كالعهن) الصوف المصبوغ ألوانا؛ لأن الجبال ألوان مختلفة، فإذا نسفت وتطيرت في الهواء أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح .

(واشتبك الناس كالفراش المبثوث) أي: المنتشر في الجو، وكل ذلك في القرآن .

(وهم عراة حفاة مشاة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان. قالت سودة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- راوية الحديث) هي أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، القرشية العامرية، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد خديجة . رواه [ ص: 456 ] ابن إسحاق وهي التي جعلت يومها وليلتها لعائشة، توفيت سنة أربع وخمسين في قول الواقدي (قلت: يا رسول الله، واسوأتاه! ينظر بعضنا إلى بعض؟! فقال) صلى الله عليه وسلم (شغل الناس عن ذلك! لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .

قال العراقي : رواه الثعلبي والبغوي وهو في الصحيحين من حديث عائشة وهي القائلة: واسوأتاه! اهـ .

قلت: وروى أيضا الطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث وأما حديث عائشة، قال أبو بكر بن أبي داود في كتاب البعث، حدثنا محمد بن مصفى عن بقية بن الوليد، قال: حدثني الزبيري عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، قالت عائشة : يا رسول الله، فكيف بالعورات؟ قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه . وأخرجه الشيخان من طريق حاتم بن أبي صعيرة، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، ورواه كذلك الحاكم وابن مردويه وروى ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أنس : أن عائشة سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: كيف يحشر الناس؟ قال: حفاة عراة، قالت: واسوأتاه! قال: إنه قد نزل علي آية لا يضرك كان عليك ثيابك أو لا، قالت: أي آية هي؟ قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه .

وروى الطبراني في الأوسط بسند صحيح من حديث أم سلمة : يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة، فقلت: يا رسول الله، واسوأتاه! ينظر بعضنا إلى بعض! فقال: شغل الناس! قلت: ما شغلهم؟ قال: نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل، وروى ابن مردويه من حديث ابن عمر : يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا، قالت عائشة : ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: شغل الناس يومئذ عن النظر وسموا بأبصارهم إلى السماء موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون . وفي رواية لمسلم قالت عائشة : يا رسول الله، النساء والرجال جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض . وكذلك رواه الحاكم والبيهقي وعند الطبراني من حديث سهل بن سعد : يحشر الناس يوم القيامة حفاة غرلا، قيل: يا رسول الله، ينظر الرجال إلى النساء؟! فقال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ومن حديث الحسن بن علي : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، قالت امرأة: يا رسول الله، فكيف يرى بعضنا بعضا؟! قال: إن الأبصار يومئذ شاخصة .

وروى عبد بن حميد والترمذي والحاكم وصححاه وابن مردويه والبيهقي في البعث من حديث ابن عباس : يحشرون حفاة عراة غرلا، فقالت زوجته: أينظر بعضنا إلى عورة بعض؟! فقال: يا فلانة، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه .

وروى الشيخان من طرق، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوعظه، فقال: إنكم محشورون عراة غرلا، فأول الخلائق يكسى إبراهيم، وروى ابن مردويه من حديث ابن عمر : يحشر الناس يوم القيامة كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا، قالت عائشة : ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: شغل الناس يومئذ عن النظر وسموا بأبصارهم إلى السماء، موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون .وروى أحمد وأبو يعلى والخرائطي في مساوي الأخلاق والطبراني والحاكم والضياء من حديث عبد الله بن أنيس الأنصاري : يحشر الله -عز وجل- الناس يوم القيامة عراة غرلا بهما، قالوا: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ويكون القصاص بالحسنات والسيئات .

(فأعظم بيوم تكشف فيه العورات ويؤمن فيه مع ذلك النظر والالتفات) لشغلهم عن ذلك (كيف وبعضهم يمشون على بطونهم ووجوههم فلا قدرة لهم على الالتفات إلى غيرهم، قال أبو هريرة ) -رضي الله عنه- (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: ركبانا، ومشاة، وعلى وجوههم، فقال: رجل يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم) .

قال العراقي : رواه الترمذي وحسنه، وفي الصحيحين من حديث أنس أن رجلا قال: يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه؟! قال: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ اهـ .

قلت: لفظ الترمذي : يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفا مشاة، وصنفا ركبانا، وصنفا على وجوههم، قيل: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب [ ص: 457 ] وشوك، ورواه كذلك أحمد . وأما حديث أنس فرواه كذلك البخاري، عن عبيد الله بن محمد، ومسلم عن زهير بن حرب وغيرهم،كلهم عن يونس بن محمد، عن شيبان، عن قتادة . وعن أنس رواه الشاشي عن عبد بن حميد عن يونس به. وفي حديث أبي ذر : إن الناس يحشرون على ثلاثة أفواج: فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، وتحشر الناس من ورائهم . رواه أحمد والنسائي والطبراني والبيهقي من رواية أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد عن أبي ذر، وهم ثلاثة صحابيون .

(وفي طبع الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به، ولو لم يشاهد الإنسان الحية وهي تمشي على بطنها كالبرق الخاطف لأنكر تصور المشي على غير رجل، والمشي بالرجل أيضا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك، فإياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفته قياس ما في الدنيا، فإنك لو لم تكن قد شاهدت عجائب الدنيا، ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارا لها فأحضر في قلبك صورتك وأنت واقف عاريا) عن اللباس (مكشوفا ذليلا مدحورا متحيرا مبهوتا منتظرا لما يجري عليك من القضاء بالسعادة أو بالشقاء، وأعظم هذه الحال فإنها عظيمة)

التالي السابق


الخدمات العلمية