إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
صفة لباس أهل الجنة ، وفرشهم ، وسررهم ، وأرائكهم ، وخيامهم .

قال الله : يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير والآيات في ذلك كثيرة ، وإنما تفصيله في الأخبار ، فقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من يدخل الجنة ينعم لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر وقال رجل يا رسول الله ، أخبرنا عن ثياب أهل الجنة ، أخلق تخلق أم نسج تنسج فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وضحك بعض القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مم تضحكون ؟ من جاهل سأل عالما ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل ينشق عنها ثمر الجنة ، مرتين وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن : أول زمرة تلج الجنة ، صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ورشحهم المسك لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ، ولا تباغض قلوبهم ، على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشية وفي رواية : على كل زوجة سبعون حلة وقال صلى الله عليه وسلم : في قوله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب قال : إن عليهم التيجان ، إن أدنى لؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب وقال صلى الله عليه وسلم : الخيمة درة مجوفة ، طولها في السماء ستون ميلا ، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون . رواه البخاري في الصحيح قال ابن عباس الخيمة درة مجوفة ، فرسخ في فرسخ ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب وقال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : وفرش مرفوعة قال : ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض .


(صفة لباس أهل الجنة، وفرشهم، وسررهم ، وأرائكهم، وخيامهم)

(قال الله تعالى: يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير) ، وكان ابن الزبير يقول من عند نفسه، حين يروى حديث: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة : إن من لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة، فإن الله تعالى يقول: ولباسهم فيها حرير ، وهو استدلال حسن، وأحسن منه ما رواه أبو سعيد الخدري، عند ابن حبان : وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو، (والآيات في تفصيل ذلك كثيرة، وإنما تفصيله في الأخبار، فقد روى أبو هريرة ) -رضي الله عنه-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . قال العراقي : رواه مسلم، دون قوله: في الجنة ما لا عين رأت... إلخ. واتفق عليه الشيخان، في حديث آخر لأبي هريرة، قال الله تعالى: أعددت لعبادي ما لا عين رأت... الحديث، اهـ .

قلت: أول الحديث رواه ابن أبي شيبة، وابن عساكر، من حديث ابن عمر : من يدخل الجنة يحيا فيها لا يموت، وينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه... الحديث، وقد تقدم في صفة بناء الجنة قريبا، ورواه عبد بن حميد، والبيهقي في البعث، من طريق أبي المدلة، مولى عائشة، عن أبي هريرة : من يدخلها ينعم فلا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه. ورواه الترمذي، من طريق زياد الطائي، عن أبي هريرة، وكل ذلك تقدم في صفة بناء الجنة، وروى الطبراني، من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده، رفعه: إن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

( وقال رجل يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب أهل الجنة، أخلق تخلق أم نسج تنسج ) ؟ وفي نسخة: أتخلق خلقا أم تنسج نسجا؟ ( فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وضحك بعض القوم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مم تضحكون؟ من جاهل سأل عالما، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بل تنشق عنها ثمر الجنة، مرتين ) . قال العراقي : رواه النسائي، من حديث عبد الله بن عمرو، اهـ .

قلت: ورواه أحمد في المسند، بلفظ: إن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ثياب الجنة، تخلق خلقا، أم تنسج نسجا؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتعجبون من جاهل سأل عالما؟ فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- ساعة، ثم قال: أين السائل عن ثياب الجنة؟ قال: ها هو ذا يا رسول الله، قال: بل تشق عنها ثمر الجنة، ثلاث مرار .

وفي كتاب حادي القلوب، روى ابن أبي الدنيا : أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ما منكم [ ص: 536 ] من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى، فتفتح له أكمامها، فيأخذ من أي ذلك شاء، إن شاء أبيض، وإن شاء أحمر، وإن شاء أخضر، وإن شاء أصفر، وإن شاء أسود، مثل شقائق النعمان، وأرق وأحسن .

وروي أيضا عن ابن عباس : قيل له: ما حلل الجنة؟ قال: فيها شجرة فيها ثمر كأنه الرمان، فإذا أراد ولي الله كسوة انحدرت إليه من غصونها، فانفلقت عن سبعين حلة، ألوان بعد ألوان، ثم تنطبق، فترجع كما كانت. وتقدم في ذكر شجرة طوبى: أن ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها .

وعن أبي هريرة، -رضي الله عنه- قال: دار المؤمن في الجنة لؤلؤة، فيها شجرة، تنبت الحلل، فيأخذ الرجل بأصبعيه، -وأشار بالسبابة والإبهام- سبعين حلة منطقة باللؤلؤ والمرجان .

(وقال أبو هريرة ) -رضي الله عنه-: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أول زمرة تلج الجنة، صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ) . الزمرة: الجماعة، والزمر: الأفواج المتفرقة، بعضها إثر بعض، وليلة البدر: ليلة تمامه، وكماله، وهي ليلة أربع عشرة، وبذلك سمي القمر بدرا في تلك الليلة .

وروى البخاري، من حديث سهل بن سعد : ليدخلن من أمتي سبعون ألفا الجنة، أو سبعمائة ألف، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر . فتبين بهذه الرواية عدد هذه الزمرة، وفيه: أنهم يدخلون الجنة جماعة بعد جماعة، وقد صرح به في قوله تعالى: وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا وذلك بحسب الفضل، وتفاوت الدرجات، فمن كان أفضل كان إلى الجنة أسبق .

وأول من يدخل الجنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في الصحيح: آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح... الحديث، وتقدم، وأما من يدخلها أولا بعده -صلى الله عليه وسلم- فأبو بكر، فقد روى أبو داود في السنن: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي، ثم هؤلاء الزمرة المذكورون في حديث سهل بن سعد، جماعة، جماعة، وثبت أيضا: أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون، وأيضا: عرض علي أول ثلاثة من أمتي يدخلون الجنة: الشهيد، وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه، وفقير عفيف ذو عيال، فالأولية نسبية كما لا يخفى .

وقوله: على صورة القمر، أي: أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر ليلة تمامه، وقد ورد في هذا المعنى ما يقتضي ما هو أبلغ من ذلك، فروى الترمذي، من حديث سعد بن أبي وقاص : لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس، كما تطمس الشمس النجوم . قاله العراقي في شرح التقريب، وقد يقال: إنهم يكونون على صورة القمر عند دخولهم الجنة، ثم يزداد إشراق أنوارهم فيها، أو أن المذكور هنا: إشراق وجوههم من غير حلي، والمذكور ثم: إشراق حليهم،

(لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون) فيها، (ولا يتغوطون) فيها، وهي صفة أهل الجنة مطلقا، ولا يختص ذلك بالزمرة الأولى .

(آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة) ، وفي رواية بحذف من، وهو يحتمل أن لكل واحد منهم النوعين، ويحتمل لبعضهم الذهب، ولبعضهم الفضة، قال أبو العباس القرطبي : أي حاجة في الجنة للأمشاط؟ ولا تتلبد شعورهم، ولا تتسخ، ويجاب عن ذلك: بأن نعيم الجنة ليس عن دفع ما اعتراهم، فليس أكلهم عن جوع، ولا شربهم عن ظمإ، ولا تطيبهم من نتن، وإنما هي لذات متوالية، ونعم متتابعة، وحكمة ذلك: أن الله تعالى نعمهم في الجنة بما كانوا يتنعمون به في الدنيا، وزاد على ذلك ما لا يعلمه إلا الله، اهـ .

(ورشحهم) ، بفتح فسكون، أي: إن العرق الذي يترشح منهم (المسك) ، أي: رائحته كرائحة المسك، وهو قائم مقام التغوط والبول من غيرهم، كما قال في حديث آخر: لا يبولون، ولا يتغوطون، وإنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك، يعني: من أبدانهم، ولما كانت أغذية الجنة في غاية اللطافة، والاعتدال، لا عجم لها، ولا تفل، لم تكن لها فضلة تستقذر، بل تستطاب، وتستلذ، فعبر عنها بالمسك، الذي هو أطيب طيب الدنيا .

(لكل واحد منهم زوجتان) ، هكذا هو في هذه الرواية، في جميع الطرق، بالتاء، وهي لغة منكرة في الأحاديث، وكلام العرب، والأشهر حذفها، وبه جاء القرآن العزيز، وأكثر الأحاديث، وفي بعض الروايات زيادة: اثنتان، وهو لتأكيد التكثير، لا للتحديد، لخبر: أدنى أهل الجنة الذي له ثنتان وسبعون زوجة. وبهذا الحديث استدل راويه أبو هريرة -رضي الله عنه- على: أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، وفيه خلاف بين العلماء، ولا يعارضه الحديث الآخر: إني رأيتكن أكثر أهل النار، فإنهن أكثر ساكني الجهتين; لكثرتهن .

(يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن) ، وفي رواية: ساقهما، يعني من [ ص: 537 ] شدة صفاء لحم الساقين، كما يرى السلك في جوف الدرة الصافية .

(لا اختلاف بينهم، ولا تباغض قلوبهم، على قلب واحد) ، بالإضافة، وترك التنوين، أي: على قلب شخص واحد، يريد: أنهم مطهرون عن مذموم الأخلاق، مكملون بمحاسنهم .

(يسبحون الله بكرة وعشية) ، أي: بقدرهما، فأوقات الجنة من الأيام، والساعات، تقديريات، فإن ذلك إنما يجيء من اختلاف الليل والنهار، وسير الشمس والقمر، وليس في الجنة شيء من ذلك، قال أبو العباس القرطبي : هذا التسبيح ليس عن تكليف، وإلزام; لأن الجنة ليست محل تكليف، وإنما هي محل جزاء، وإنما هو تيسير، وإلهام، كما قال في الرواية الأخرى: يلهمون التسبيح، والتحميد، والتكبير، كما يلهمون النفس. ووجه الشبه: أن تنفس الإنسان لا بد له منه، ولا كلفة ولا مشقة في فعله، وآحاد التنفسات مكتسبة للإنسان، وجملتها ضرورية في حقه; إذ يتمكن من جميعها، فكذلك يكون ذكر الله تعالى على ألسنة أهل الجنة، وسر ذلك: أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته، وأبصارهم قد تمتعت برؤيته، وقد غمرتهم سوابغ نعمه، وامتلأت أفئدتهم بمحبته، ومخاللته، فألسنتهم ملازمة ذكره، ورهينة شكره، فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره، اهـ .

وهذا الحديث رواه مسلم، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، بزيادة: ومجامرهم من ألوة، بعد قوله: الذهب والفضة، ورواه البخاري، والترمذي، من طريق ابن المبارك، عن معمر، عن همام، واتفق عليه الشيخان، من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، وزاد بعد قوله: ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، وليس فيه قوله: ولكل واحد منهم زوجتان، وإنما فيه: وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعا في السماء .

ورواه البخاري أيضا، من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وفيه: والذين على أثرهم كأشد كوكب إضاءة .

ورواه مسلم أيضا، من طريق أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وفيه: والتي تليها على أضوإ كوكب دري في السماء . ومن طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ: أول زمرة تلج الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل... الحديث، وذكر عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة : على خلق رجل، أي: بضم الخاء واللام، وعن شيخه أبي كريب : على خلق رجل، أي: بفتح الخاء وسكون اللام .

وفي صحيح مسلم، عن محمد بن سيرين، قال لما تفاخروا ولما تذاكروا، الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة : أو لم يقل أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: إن أول زمرة تلج الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوإ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب . وفي رواية له: اختصم الرجال والنساء، أيهم في الجنة أكثر؟ فسئل أبو هريرة، فذكره .

(وفي رواية: على كل زوجة سبعون حلة) ، روي ذلك من حديث ابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، أما حديث ابن مسعود، فرواه الطبراني، ولفظه: أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء، لكل رجل منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقها من وراء لحومها، وحللها، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة. وأما حديث أبي سعيد، فرواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وأبو الشيخ في العظمة، ولفظه: أول زمرة تدخل الجنة يوم القيامة، صورة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر، والثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء، لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة، يبدو مخ ساقها من ورائها.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: في قوله تعالى) : جنات عدن يدخلونها ( يحلون فيها من أساور من ذهب قال: إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب) . قال العراقي : رواه الترمذي، من حديث أبي سعيد، دون ذكر الآية، وقال: لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، اهـ .

قلت: وكذلك رواه الحاكم، ولفظهما: منها بدل فيها، ورشدين فيه ضعف، ولحديث أبي سعيد سياق أتم من هذا سيأتي قريبا للمصنف .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: الخيمة) : واحدة الخيام، في قوله تعالى: حور مقصورات في الخيام هي (درة مجوفة، طولها في السماء ستون ميلا، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراه الآخرون. رواه البخاري في الصحيح) ، من حديث أبي بكر بن أبي موسى [ ص: 538 ] الأشعري، عن أبيه، مرفوعا، ورواه كذلك ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، ومسلم، والترمذي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وفي آخره عند بعضهم: يطوف عليهم المؤمن، (قال ابن عباس ) - رضي الله عنه-: (الخيمة) المذكورة في الآية: (درة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب) . رواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث، وفي رواية بعضهم: لؤلؤة واحدة مجوفة أربع فراسخ .

وروى ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن مسعود، قال: لكل مسلم خيرة، ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب، يدخل عليها كل يوم من الله تحفة، وكرامة، هدية لم تكن قبل ذلك، لا مرحات، ولا طماحات، ولا نجرات، ولا ذفرات، حور عين، كأنهن بيض مكنون . وأخرجه ابن مردويه، من وجه آخر، عن ابن عباس، مرفوعا .

وروى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، قال: الخيام بيوت اللؤلؤ. وروى الأولان، عن الحسن، قال: الخيام: الدر المجوف. ومن طريق أبي الأحوص، قال: قال عمر : أتدرون ما حور مقصورات في الخيام؟ در مجوف. وروى ابن أبي حاتم، من حديث ابن مسعود : الخيام: در مجوف. ورواه ابن أبي شيبة، من حديث أبي مخلد مثله .

وروى عبد الرزاق، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي الدرداء، قال: الخيمة لؤلؤة واحدة، لها سبعون بابا من در .

وروى ابن أبي شيبة، وهناد، عن عبيد بن عمير، مرسلا: إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل له دار من لؤلؤة واحدة، منها غرفها، وأبوابها .

وروى ابن أبي شيبة، عن أبي هريرة، قال: دار المؤمن في الجنة من لؤلؤة، فيها أربعون بيتا، في وسطها شجرة تنبت الحلل، فيأتيها، فيأخذ بأصبعه سبعين حلة منطقة باللؤلؤ والمرجان . وقيل: الخيام: الحجال، رواه ابن أبي شيبة، وابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي .

(وقال أبو سعيد الخدري) -رضي الله عنه-: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: وفرش مرفوعة قال: ما بين الفراش كما بين السماء والأرض) . قال العراقي : رواه الترمذي، بلفظ: ارتفاعها لكما بين السماء والأرض، خمسمائة سنة. وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد، والنسائي، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن حبان، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي في البعث .

وقد روي في الآية عن أبي أمامة، وابن عباس، والحسن البصري، أما أبو أمامة، فروي عنه مرفوعا، وموقوفا، فالمرفوع: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفرش المرفوعة؟ قال: لو طرح فراش من أعلاها لهوى إلى قرارها مائة خريف . والموقوف لفظه: لو أن أعلاها سقط ما بلغ أسفلها خريفا. رواه هكذا ابن أبي شيبة، وهناد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وأما ابن عباس، فروي عنه مرفوعا: لو طرح من أعلاها شيء ما بلغ قرارها مائة خريف . رواه ابن مردويه، وأما الحسن، فقال: ارتفاع فراش أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة . هكذا رواه هناد في الزهد .

وقد بقي على المصنف في هذا الفصل بقية ذكر حلية أهل الجنة، وسررهم، وأرائكهم، وفرشهم، فاعلم أن أهل الجنة يحلون كما صرح به في القرآن: يحلون فيها من أساور من ذهب روى ابن أبي الدنيا في صفة الجنة، عن كعب، قال: إن لله ملكا منذ خلق يصوغ حلي أهل الجنة، إلى أن تقوم الساعة، لو أن قلبا من حلي أهل الجنة أخرج، لذهب بضوء شعاع الشمس، فلا تسألوا بعد هذا عن حلي أهل الجنة.

وروى الترمذي، من حديث سعد: لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره لطمس ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ضوء النجوم. وفي خبر آخر: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال في صفة أهل الجنة: مسورون بالذهب والفضة، مكللون بالدر، عليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة، وعليهم تاج كتاج الملوك، شباب، جرد، مكحلون.

ولما ذكر سبحانه الفرش المرفوعة، ذكر أن السرر مرفوعة أيضا، ولا يخفى أن ارتفاع السرير أكثر من ارتفاع الفرش، قال ابن عباس، في قوله تعالى: فيها سرر مرفوعة ألواحها من ذهب، مكللة بالزبرجد، والدر، والياقوت، والسرير كما بين مكة وأيلة. وعن الكلبي، قال: إن طول السرير في السماء مائة عام، وإن السرر مرتفعة، ما لم يجئ أهلها، فإذا أراد أن يجلس عليها تواضعت له حتى يجلس عليها، ثم ترتفع إلى موضعها، وقال تعالى: متكئين على سرر مصفوفة إعلاما بتقاربها، وحسن ترتيبها، وعدم تدابرها، وكمال تقابلها، وقال تعالى: على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين والموضونة: المرتبة، المنضودة: التي هي على نسيج واحد، [ ص: 539 ] وإذا تأملت ارتفاع الفرش، وارتفاع الأسرة، ظهر لك من ذلك أن ارتفاع القصور، والغرف التي تكون فيها هذه الأسرة، لا يكاد يحاط به، وما الظن بارتفاع الغرف التي بعضها فوق بعض؟ قال الله تعالى: لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار .

وأما الأرائك: فهي السرر التي تكون في الحجال، والحجال: هي البشاخين، وواحدة الأرائك أريكة، وقال الجوهري في صحاحه: الأريكة: سرير متخذ مزين في قبة، أو بيت، ومقتضى كلام الجوهري هذا: أن الأريكة مجموعة من ثلاثة أشياء، وهي السرير، والفرش، والقبة، أو البيت، وبه صرح غيره، وقد جاء ذكر الأرائك في القرآن: متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا وقال تعالى: متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ، قال سعيد بن جبير : الرفرف: رياض الجنة، والعبقري: عتاق الزرابي، وجمع الرفرف رفارف، وقال الحسن، ومقاتل: هي البسط، وقال قتادة، والضحاك: هي محابس خضر فوق الفرش، وقال ابن كيسان: هي المرافق، وقال ابن عيينة : هي الزرابي، والزرابي: هي البسط العريضة، ذات الألوان، تشبيها لها بزرابي البنات، وهي ألوانه، قال بعضهم: الزرابي: البسط المخملة، التي لها أهداب في أثناء قيامها، ولحمتها، وقيل: ثوب عريض عند العرب، يسمى رفرفا، وأما العبقري، فقال ابن عباس : هي البسط الطنافس، وقريب منه قول الكلبي: أنها البسط المخملة، وقال قتادة : هي عتاق الزرابي، وقال مجاهد : هي من الديباج الغليظ، وقال تعالى: فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة.

التالي السابق


الخدمات العلمية