صفحة جزء
الوجه الرابع والثلاثون

أن الذين يعارضون الشرع بالعقل، ويقدمون رأيهم على ما أخبر به الرسول، ويقولون: إن العقل أصل للشرع، فلو قدمناه عليه للزم [ ص: 341 ] القدح في أصل الشرع - إنما يصح منهم هذا الكلام إذا أقروا بصحة الشرع بدون المعارض، وذلك بأن يقروا بنبوة الرسول، وبأنه قال هذا الكلام، وبأنه أراد به كذا، وإلا فمع الشك في واحدة من هذه المقدمات، لا يكون معهم عن الرسول من الخبر ما يعلمون به تلك القضية المتنازع فيها بدون معارضة العقل، فكيف مع معارضة العقل.

أما النبوة: فمن لم يعلم أن الرسول عالم بهذه القضية التي أخبر بها، وأنه معصوم أن يقول فيها غير الحق، لم يمكن أن يعلم حكمها بخبره، فمتى جوز أن يكون غير عالم مع خبره بها، يجوز عليه أن يخطئ فيما يخبر به عن الله واليوم الآخر أو أن يكذب، لم يستفد بخبره علما، ومن كانت النبوة عنده مكتسبة، من جنس نبي الفلاسفة، وأن خاصة النبي قوة ينال بها العلم، وقوة يتصرف بها في العلم، وقوة تجعل من المعقولات في نفسه خيالات ترى وتسمع، فتكون تلك الخيالات ملائكة الله وكلامه، كما يقول ابن سينا وأتباعه من المتفلسفة - لم يمكنه أن يجزم بأن الرسول عالم بما يقوله، معصوم أن يقول غير الحق، فكيف إذا كان يقول: إن الرسول قد يقول ما يعلم خلافه؟!

فهؤلاء يمتنع أن يستفيدوا بخبر الرسول علما، فكيف يتكلمون في المعارضة؟

وكذلك من لم يعلم ثبوت الأخبار لم يتكلم في حصول العلم بموجبها، [ ص: 342 ] وكذلك من قال: إن الدليل السمعي لا يعلم به مراد المتكلم، كما يقول الرازي ومتبعوه الذين يزعمون أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين بمراد المتكلم، فهؤلاء ليس عندهم دليل شرعي يفيد العلم بما أخبر به الرسول، فكيف يعارضون ذلك المعقول؟

التالي السابق


الخدمات العلمية