صفحة جزء
الوجه الحادي والأربعون

أن يقال: كل من سمع القرآن من مسلم وكافر، علم بالضرورة أنه قد ضمن الهدى والفلاح لمن اتبعه، دون من خالفه، كما قال تعالى: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [سورة البقرة: 1-2] .

وقال تعالى: المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء [سورة الأعراف: 1-2] .

وقال: فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال [ ص: 375 ] كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى [سورة طه: 123-127] .

وقال تعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون [سورة الأنعام: 155] .

وقال تعالى: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم [سورة الشورى: 52] .

وقال تعالى: كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض [سورة إبراهيم: [1-2] .

وكذلك نعلم أنه ذم من عارضه وخالفه، وجادل بما يناقضه، كقوله تعالى: ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا [سورة غافر: 4] .

وقال تعالى: إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه [سورة غافر: 56]، وأمثال ذلك.

وإذا كان كذلك، فقد علم بالاضطرار أن من جاء بالقرآن، أخبر أن من صدق بمضمون أخباره فقد علم الحق واهتدى، ومن أعرض عن ذلك كان جاهلا ضالا، فكيف بمن عارض ذلك وناقضه؟! [ ص: 376 ]

وحينئذ فكل من لم يقل بما أخبر به القرآن عن صفات الله واليوم الآخر، كان عند من جاء بالقرآن جاهلا، ضالا، فكيف بمن قال بنقيض ذلك؟!

فالأول عند من جاء بالقرآن في الجهل البسيط، وهؤلاء في الجهل المركب.

ولهذا ضرب الله تعالى مثلا لهؤلاء، ومثلا لهؤلاء، فقال: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب [سورة النور: 39] ، فهذا مثل أهل الجهل المركب.

وقال تعالى: أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [سورة النور: 40] ، فهذا مثل أهل الجهل البسيط.

ومن تمام ذلك أن يعرف أن للضلال تشابها في شيئين: أحدهما الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني معارضته بما يناقضه، فمن الثاني الاعتقادات المخالفة للكتاب والسنة.

فكل من أخبر بخلاف ما أخبر به الرسول عن شيء من أمر الإيمان بالله [ ص: 377 ] واليوم الآخر أو غير ذلك فقد ناقضه وعارضه، سواء اعتقد ذلك بقلبه، أو قاله بلسانه.

وهذا حال كل بدعة تخالف الكتاب والسنة، وهؤلاء من أهل الجهل المركب، الذين أعمالهم كسراب بقيعة.

ومن لم يفهم خبر الرسول ويعرفه بقلبه، فهو من أهل الجهل البسيط، وهؤلاء من أهل الظلمات.

التالي السابق


الخدمات العلمية